زهير بن أبي سلمى

٢١٤

شعراء الحياة والمناقب القبلة

ا تاريخه :

هو زهير بن أبي سلمى ربيعة من مُزيَّنَةِ المُضَربة . ولد بنجد نحو سنة ٥٣٠ ، ونشأ في غطفان ، وأخذ الشعر والحكمة والترصن عن بَشامَة خال أبيه ، وكان شيخاً مقعداً ، وغنياً برجاحة العقل والمال ، فلزمه زهير وحفظ له ، كما تتلمذ لزوج أُمه أوس بن حجر واتخذ طريقته في الشعر.

تزوج أم أوفى ، وإذ لم يكن له منها أولاد طلقها واقترن بكبشة التي أنجبت له

شاعرين هما : كعب ويُجير. وانقطع زهير لسيد شريف اسمه هَرِم بن سنان ، فمدحه وتعنى بكرمه وحبه للخير والسلام ، وتوسطه بالصلح بين قبيلي عبس وذبيان في حرب السباق ، وقد أغدق عليه

هرم العطايا.

وتوفي زهير نحو سنة ٦٢٧ وله من العمر نحو ٩٧ سنة قضاها رزيناً حكيماً داعياً الى الخير والصلاح منصرفاً إلى الحقِّ بكل جوارحه. وكان رجل العقل والاتزان بكره الحرب والمناوشات القبلية، ويدعو إلى الترصُّن والتعالي عن الأحقاد والتقاليد البدوية التي تبيح الغزو ، وتفتح باب النزاعات والخصومات واسعاً.

قال ابن قتيبة : إنَّ زهيراً كان يتأله ويتعفّف في شعره ؛ وقد نـ إليه المؤرخون نظرة احترام، ونظر إليه أبناء زمانه نظرة تجلة، وانقاد له أبناء قبيلته على أنه سيد من أسيادها .

٢ – أدبه :

ديوانه : لزهير ديوان طبع في لندن سنة ١٨٧٠ ، ثم طبع في ليدن سنة ١٨٨٨ مع شرح الأعلم الشمري ، ثم في مصر ۱۳۲۳ هـ. وقد انطوى على مدح لهرم بن سنان وأبيه وقومه ، ومدح للحارث بن عوف، كما انطوى على بعض الهجاء والفخر . وأشهر

ما فيه المعلقة.

– معلقته ومضمونها : معلقة زهير ميمية من البحر الطويل تقع في نحو ستين بيتاً ، نظمها الشاعر عندما تم الصلح بين عبس وذبيان عقب حرب السباق ، ، وقد مدح فيها

 

في قطب حرب السباق : زهير بن أبي سلمى

المصلحين، وحذر المتصالحين من إضمار الحقد ، وهكذا رمى الى مدح هرم بن سينان والحارث بن عوف اللذين تحملا ديات القتلى في تلك الحرب، وحقنا الدماء بين المقاتلين. فأفتتح كلامه بالوقوف على الأطلال جرياً على عادة الأقدمين، ثم انتقل إلى المصلحين ، وتطرق الى الصلح فين أنه سبيل الهناءة في العيش إذا كان صادقاً ، وبين أن الحرب شر ووبال، ثم نثر حكماً جعلها قاعدة السعادة وطريق الوفاق . مدح

٣- منزلته الأدبية: طارت لزهير بن أبي سلمى شهرة واسعة في عالم الأدب والسياسة . قال ابن عباس : خرجتُ مع عُمر ابن الخطاب) في أول غزاة غزاها ، فقال لي ذات ليلة : يا ابن عباس : أنشدني لشاعر الشعراء. قلت : ومن هو يا أمير المؤمنين؟ قال : ابن أبي سلمى . قلت : وبم صار كذلك ؟ قال : لأَنه لا يتبع حوشي الكلام، ولا يُعاظِلُ من المنطق ، ولا يقول إلا ما يعرف، ولا يمتدح الرجل إلا بما يكون فيه .

وزهير بن أبي سلمى من أشَدَّ الشُّعراء الجاهلين دقة في الوصف، واستكمالاً للصورة الحسية بطريقة متسلسلة ترضي العقل والخيال معاً. ومن أشهر ما في معلقة زهير حكمه التي حولته مكاناً مرموقاً بين الشعراء.

المعلقة أما مطلع فهو

أمِنْ أُمّ أَوْفَى دِمْنَةٌ لَمْ تَكلَّم ودَارٌ لَهَا بِالرَّقْمَتَيْنِ ، كَأَنَّهَا وقفتُ بها مِنْ بَعْدِ عِشْرِينَ فَلَمَّا عرفتُ الدَّارَ قُلْتُ لِرَبْعِها : بحَوْمَانَةِ الدَّرَاجِ فَالْمُتَثَلُم مراجع وشم في تواشيرِ معصم فلاناً عَرَفْتُ الدَّارَ بَعْدَ توهم ” أَلَا أَنْعَمْ صَبَاحاً ، أَيُّها الربع وأسلم .

أمن أم أوفى : يريد أمن منازل أم أوفى ، وأم أوفى امرأة الشاعر الدمنة : آثار الدار حومانة الدراج

والمتعلم : موضعان بنجد. ٢- الرقتان: موضع مراجع الوشم ؛ خطوطه المجددة نواشر المعصم عروفه . لأياً : بعد جهد ومشقة.

شعراء الحياة والمناقب القبلية

٢١٦

زهير من معلقته . جموج ولا يثور به خیال صبياني ، فهو هادئ يدو لنا زهير من خلال معلقت شيخاً شبع من الأيام، وحكيماً لفهم قيمة الحياة ومعناها ، لا تطغى عليه عاطفةٌ . الشرب، يقوده عقل نير وبصيرة واعية ، فيأخذ العادات العربية النبيلة نبراساً، في ظل حياة هادئة سعادتها في هدوئها وسلامها . وهو ينصب نفسه حكماً ومرشداً في قومه ، بدع المصلحين ويدعو إلى الفاهم.

– الناحية الفنية في المعلقة :

معلقة زهير ، شأن سائر المعلقات، خالية من الوحدة التأليفية وإن اقتربت من تلك الوحدة وكادت ترمي الى هدف واحد هو الإصلاح، وهي نمرة الشيخوخة العاقلة الواعية التي تجعل للعقل والرزانة والتروي الفعل الأول في كل شيء.

– الغزل : غزل زهير في معلقته هو ذكرى تنفض من بعد عشرين حجة ) ، هو حب تذكاري، ولهفة تجد من الماضي السحيق بعض القوة، هو اصطناع للحب، وهو تعرف إلى ديار الحبيب، وهو سلام، وتتبع بالنظر مصطنع، وهو رصانة تنتج عن انطفاء الشيخوخة ، فما في أحبائه إلا ملهى للطيف ومنظر أنيق لعين الناظر المتوسم». وهكذا كان الحب عنده رسالة، وكانت المسافة رسالة الغرام: والتوسم الفجار العواطف. وهكذا كان غزله جامداً يسيطر عليه العقل ويقود فيه العاطفة والخيال إلى ما يُريد وبقدر ما يريد.

المدح والصبح وينتقل زهير بهدوه الى موضوعه الأساسي : أعني الإصلاح فيمدح وينصح، وإذا في مدحه قصد واعتدال، وكأني بزهير يقول الممحسن: أحسنت !… عافاك ! …» وذلك بلا غلو ولا كذب. ويعتمد زهير على خبرة الأجيال فيبين للممدوح نتائج العمل الصالح من عظمة وتقدير واحترام ، وأوصافه في ممدوحه لا تخرج عن نطاق مقومات الشرف العربي الجاهلي ، وهو في ذلك يشير باهتمام الى ما يرجع بالخير على المجتمع القبلي.

ولهجة زهير ……

 

 

 

 

 

ولهجة زهير في النصح لهجة الشيخ الذي يحاول الانفعال ويحاول التشديد في

تل

وم

 

۲۱۷

في قطب حرب السباق : زهير بن أبي سلمى

الكلام، فيشدد في إظهار نتائج الحرب وقبحها ، ويشدد في تجسيم الحرب وتشخيص الهول، ويجعل كلامه محسوساً ملموساً مقنعاً بأسلوبه الخطابي وإيراد البرهان النجمي الحسي، وإضافة التخويف إلى التجسيم ، وزيادة بعض الغلو في التصور. وكأني بالشاعر مرتجف الصوت قويه ، يرسله تبراتِ خير وإرشاد وهداية من غير ما خروج عن رصانته وتعقله وحسن اختياره لصوره الحسية ولألفاظه الدقيقة الأداء.

إلا أن في وصف الحرب وفي ما هنالك من استطراد تشبيهي ما يبعث على بعض الاشمئزاز. فإن هذا الوصف على ما فيه من تجسيم وتصوير حسي ، يتضاءل أمام الذوق الفني ويكفهر أمام مقاييس الجمال الأدبي ، فهو يخلو من الروعة وإن لم يخل من الأثر الحقيقي في قلب البدوي

الحكم وكأني بزهير يحتم قصيدته بطائفة من الحكم ليزيد من مَدَحَهُ ومَن أسدى إليه النصح ثباتاً وعقيدة، وكأني به يريد أن يسن دستوراً للحياة يصب فيه عصارة معارفه وخلاصة خبرته ثم ينثر أفكاره وإذا هي نظريات صادقة في الحياة التصرف فيها ، وهو يذكر الواجب وما ينتج عن الإهمال في القيام به ، وكاني بزهير يقيم البرهان على ما يقول بذكر النتيجة وهو يكتفي بهذا البرهان جرياً على عادة الأقدمين في الإيجاز واللمح في التعبير وحسن

1 حكمة عقل وخبرة : حكمة زهير وليدة الزمن والاختبار والعقل المفكر الهادى الذي يتطلع الى الحياة تطلع رصانة وتقيّد بسنن الأخلاق الخاصة والعامة . وهكذا فالشاعر رجل المجتمع الجاهلي الذي يؤمن بالآخرة وثوابها وعقابها ، ويؤمن بأن الحياة طريق الى تلك الآخرة ، وبأن الإنسان خُلق لكي يعيش في مجتمع يتفاعل وإياه تفاعلاً إنسانياً بعيداً . عن شريعة الغاب ، وبعيداً عن القلق والاضطراب، وهكذا فزهير ابن الجاهلية وهو ابن الانسابية أيضاً، يعمل على التوفيق بين الروح الجاهلية والنزعة الانسانية في سبل سعادة فردية واجتماعية.

.٢. الحل السلمي خير من الحل الحربي: وقد شهد زهير حرب السباق وتطاحن القبائل، ورأى أن الحروب من أشدّ الويلات على الانسان فكرهها كرهاً صادقاً ، وسعى في أمر الصلح ، وامتدح المصلحين، وندد بالمحرضين على استخدام قوة السلاح .

 

 

۲۱۸

شعراء الحياة والمناقب القبلية

الحرب هي ودعا الى نبذ الأحقاد ، ووقف موقف الحكم والقاضي والمشنرع ، كما وقف موقف الهادي والمرشد والمُصْلح . وكان مبدأه أن ما يُحل سلمياً خير مما يُحَلَّ حرباً ، وأن آخر ما يجب اللجوء إليه، وأن الطيش والعناد يقودان الى الدمار :

ومَنْ يَعْصِ أطْرافَ الزَّجَاجِ فَإِنَّهُ يُطِيعُ العوالي رُكَّبَتْ كُلَّ لَهْدَم

ولكن عنصر القوة من مقتضيات الحياة القبلية في الجاهلية، والقبائل متريصة بعضها ببعض ، فلم يستطع زهير على حبه للسلام، من الخروج على سنة المجتمع القبلي. فهنالك العرض والشرف ؛ وهنالك العصبية التي تدعو الى مناصرة أبناء العشيرة ؛ وهنالك تقاليد الثأر، والدفاع عن الجار ؛ وهنالك موارد المياه ومراعي القطعان ، والطبيعة البشريّة في شتّى أهوائها وأطماعها كل ذلك يفرض على الجاهلي أن لا يتغاضى عن وسيلة السلاح ، وأن لا يظهر بمظهر الضعف في مجتمع لا يؤمن إلا بالقوة ، وكأني به يقول ما ورد في المثل اللاتيني : إذا شئت السلم فتأهب للحرب : ومَن لا يَدُدْ عَنْ حَوْضِهِ بِسلاحه يُهدم ، ومَن لَا يَظْلِم النَّاسَ يُظْلَم !

معالجة الظاهر أكثر من معالجة الأسباب والجذور: وزهير خبير بأحوال الناس ونزعات طبائعهم ، وهو يحسن التفهم لمعنى الاستقامة والاعوجاج ، ومعنى الرذيلة والفضيلة ، والعوامل التى تصدر عنها أعمال الناس في خيرها وشرها، فيعمل على معالجتها في الظاهرة ، أكثر مما يعمل على معالجتها في الأسباب والجذور. وذلك أن الرجل جاهلي وهو يخاطب مجتمعاً جاهلياً ، والرجل والمجتمع بعيدان عن العلم ، بعيدان عن نزعة التحليل والتأمل ، يفهمان الأمور على أنها ظاهرات حسية ، وعلى أنها ذات نتيجة خبرة أو شريرة في غير تعمق ولا تفلسف ولذلك ترى الشاعر يقتصر على الظاهرة. ويبرزها في سهولة وصراحة وجرأة ، لا يطلب إعجاباً بقول ، ولا ثناء على بلاغة ، ولا يهدف إلا إلى الإصلاح والإرشاد، في استقامة خطة . ووضوح معنی ،

١- كان من عادة العرب إذا التقى الفريقان أن يديروا زجاج الرماح ( والزج هو الحديد في أسفل الرمح ، ثم يسعى الساعون بالصلح، فإن نجحوا والا قلبوا رماحهم واقتتلوا بالأسنة – يقول : من أبي الصلح والمسالة

ذلته القوة – واللهدم : السنان الطويل الحاد. ٢- الحوض : كل ما بغار المرء على حفظه وسلامت. – يقول : من لا يدفع الظلم يظلم

 

 

 

۲۱۹

في قطب حرب السباق : زهير بن أبي سلمى

وبساطة عبارة ، ودقة أداء. ولهذا ترى جميع أبياته الحكمية قريبة المنال ، بعيدة عن التعقيد والغموض، وكأني به لا يقول إلا ما يعرفه جميع الناس.

تفكير في غير بناء : وزهير رجل العقل الذي يفكّر، وليس رجل العقل الذي يحلل ويبني ، وذلك لأنه قريب الى الفطرة والبداءة وهو – شأن السامين – يهمه أن يدلي بالرأي ، ولا يهمه أن تكون الآراء متسلسلة مترابطة. ولهذا تراه ينثر الأفكار فكراً فكراً ، وكأني بكل فرد من أفراد) هذه الأفكار ، فرد من المجتمع الجاهلي، في استقلاله ، وانفراد ذاته ، تربطه بغيره روح الحوار والعصبية ، لا روح التسلسل والبناء. ذلك فزهير يحاول أن يدعم كل رأي من آرائه بيرهان هو نتيجة المخالفة وعقوبة العصيان، وهكذا يُستخلص من كلامه دستور للبدوي يتضمن نظام العمل ونظام العقوبات . ومع

ي ه اتزان وتأن في هدوء وواقعية: وزهير رجل الاتزان والتأني لأنه نشأ رزيناً، وشاح رصيناً وقوراً. وقد أضفى رصانة شيخوخته على أقواله ، فتضاءلت فيها العاطفة ، وتقلص ظل الثورة الهادرة، وتجمد الخيال في واقعية الصورة والحقيقة ، فأنت أقواله جامدة خالية من الماء والرواء ، تتوجه الى العقل أولاً ، وتنتزع منتزع المصارحة التي لا تثير الأعصاب إلا بقدر محدود. أضف الى ذلك أن زهيراً سيد في قومه ، وانه يتكلم كلام السيد الذي تعود أن يأمر وينهي . وهو رجل الحكمة والفطنة الذي يجعل أوامره ونواهيه نصح وإرشاد يخففان من وطأتها ويحدان من حدتها. إلا أن هذا الحمود لا يخلو من عاطفة عقلية تعمل على إثارة روح الإباء ، وإيقاظ عاطفة الشرف، كما أنه لا يخلو من الصورة التي تجسم وتوضح في غير زهو ولا تحليق :

ومن لا يُصابع في أمور كثيرة يضرس بأنياب ويُوطا بمسيم ! وَمَنْ يَعْصِ أَطراف الزجاج فَإِنَّهُ يطيع العوالي رُكبت كُلَّ لَهُدم ٦ أسلوب تعليمي : وهكذا فأسلوب زهير في حكمه أقرب الى الأسلوب التعليمي في هدوئه ورصانته وجفافه وانك تلمس الرصانة في الوزن الشعري، وفي حسن

1- يُصانع : يداري.

 

 

شعراء الحياة والمناقب القبلية

برمي اختيار الألفاظ والعبارات، وفي الوضوح الفكري ، والسهولة الأدائية. وذلك أن زهيراً الى النفع ، ولا ينظم الإرضاء الفنّ الصافي، ولا لإرضاء الحاجة الشعرية فيه وهو لأجل ذلك و يأخذ شعره بالثقاف والتنقيح والصقل ، وكأنه يفحص ويمتحن كل قطعة من قطع نماذجه ؛ فهو يعنى بتحضير مواده، وهو يتعب في هذا التحضير تعباً شديداً ، وقد نسيت إليه الحوليات التي قيل انه كان يقضي حولاً كاملاً في نظمها ،

ثم في تهذيبها، ثم في عرضها على أخصائه . أما التشبيه فيأخذ به زهير في خدمة الإيضاح وحصر أجزاء المعنى ، وتشيهه جاهلي في مصدره ومادته ، كما في قوله :

رأيت المنايا خَيْطَ عَشَواءَ مَنْ تُصِبْ تُمِنْهُ وَمَنْ تُخْطِي يُعمر فيهرم وزهير لا يكتفي ، كما ترى ، بمجرد التشبيه ، ولكنه يمده تمثيلاً واستنتاجاً وذلك في

إنجاز وحسن التفات . وهو يعمد أحياناً إلى الاستعارة التشبيهية لإحياء الصُّورة وإكسابها طاقة إيحاء كما في قوله « يُضرس بأنياب ويُوطاً بمنسم ». وقد يعمد أيضاً الى الكناية التي تمثل الفكرة : ومَن يَعْصِ أطْرَاف الزجاج فَإِنَّهُ يُطِيعُ العوالي رُكبت كُلَّ لَهْدَم

ولكن هذا كله ضئيل، لأنّ زهيراً آثر المصارحة على أسلوب المداورة بفعل نزعته

العقلية الإصلاحية .

هكذا أورد زهير حكَمَه وأدلى بآرائه ، وقد نظر إلى الحياة نظر من سنم مشاقها وغموض مستقبلها ، وخبط الموت فيها خبطاً أعمى لا تمييز فيه بين كبير وصغير، وصالح وشرير. وهكذا فالسام عنده ثمرة الانحلال والصعوبات التي تعترض الإنسان ؛ وليس في نظرته تشاؤم ، ولا تهرب ، ولا انقباض ، ولكن فيها إقراراً بواقع يأخذ به في غير نقاش ولا جدل، ويعمل على أن يعيه الناس وعياً حقيقياً، وأن يتصرفوا تصرفاً توحى من حقيقته القاسية.

وهذه النظرة الواقعية جعلت زهيراً يدعو الى أن يعيش الإنسان في يومه مستفيداً من ماضيه، وأن يبتعد عن أحلام المستقبل وأن يقدّم الحذر بالنسبة الى هذا المستقبل

 

 

في قطب حرب السباق : زهير بن أبي سلمى

الخفي، وهو ، في ما يتعلق بالحياة الفردية الشخصية ، يريد للإنسان أن يتحلى بالوفاء والقناعة فلا يخون عهداً ولا يُلح في سؤال، وهو يرى من زينة النفس الإقدام إذا كان ضرورياً من غير أن يكون في الإقدام وقاحة تعرض صاحبها للشتم ، وهو بحذر الإنسان من الرثاء والتمويه ويحرضه على احترام نفسه ومراقبة لسانه.

وزهير، فيما يتعلق بالحياة الاجتماعية، يدعو الى المصانعة والسياسة، وبذل المعروف، والفضل على القوم بقلب سخي ويد كريمة ، وإثبات الرجولة في مواقف الرجولة … وهو في كل ذلك يحاول بناء مجتمع أفضل فيه كثير من الانسانية والرقي.

مصادر ومراجع

الأدب

الجاهلي – الطبعة الثانية – القاهرة ۱۹۳۳ ص ۲۹۹ – ۳۰۹

حديث الأربعاء – الطبعة الثانية – ١ : ٩١ . فؤاد افرام البستاني : زهير بن أبي سلمى – الروائع ٢٥ – بيروت ١٩٤٢ .

جرجي زيدان: تاريخ آداب اللغة العربية ٩٦:١

الأب لويس شيخو شعراء النصرانية – بيروت ۱۸۹۰ .

بطرس البستاني : زهير قاضي صلح يُصدر أحكامه شعراً .. الكشوف ۱۹۳۸ ، عدد ۱۷۹ ص ۲.

سيد نوفل : شعر الطبيعة في الأدب العربي – القاهرة ١٩٤٥ – ص ٨٧ ٩٢ . الفن ومذاهبه في الشعر العربي – القاهرة ١٩٤٥ – ص ١٣ – ١٩ .

شوقي ضيع

عبد العظيم علي قناوي : الوصف في الشعر العربي – الجزء الأول – القاهرة ١٩٤٩.

دائرة المعارف للبستاني ۹ ۳۱۰

F. Krenkow: Zuhair b. Abi Sulma, in Encycl. de l’Islam. t. IV.

 

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .