الأعشى الأكبر

الأعشى الأكبر (٥٣٠ – ٦٢٩ م)

جاء في تاريخ الادب العربي عن العصر الجاهلي ان الأعشى هو أبو بصير ميمون بن قيس البكري . لقب بالأعشى لضعف بصره ، وقد ولد نحو سنة 530 بقرية منفوحة في اليمامة ، ونشأ ماجنا يدمن شرب الخمر ويتعاطي المقامرة

؛ وقد أدى به ذلك الى الفقر والعوز ، والى الضرب في البلاد متكسباً بشعره ، فزار اليمن والحجاز والعراق وعمان ، وفارس ، وفلسطين ، ومدح الملوك والأمراء ، وكان له في كل موقف صولة ودولة حتى قبل : « إنه ما مدح أحداً في الجاهلية إلا رفعه ، ولا هجا أحداً إلا وضعه . »

وكان الناس يتنافسون في تقريبه والتودد إليه لعلهم ينالون من مدحه نصيباً ، ومما يروى في ذلك أن المحلّق الكلابي كان ذا بنات عوانس ، فتعرض للأعشى ونحر له ناقة ، فقال فيه قصيدة أطارت صيته وأزوجت بناته وجعلته ثريا بعد فقر ، وعزيزاً بعد ضعة. وتوفي الأعشى سنة ٦٢٩م / 8هـ .

أدب الأعشى 

للأعشى ديوان كبير أكثره في المدح ، وقد ضمنه غزلاً ووصفاً وخمراً ، ومن أشهر ما فيه اللامية التي عدت تقع في 65 بيتاً منظومة على البحر المعلقات من وهيالبسيط ، ومطلعها :

ودع هريرة إن الركب مرتحل

وهل تطيق وداعاً أيها الرجل؟!

أما مضمونها فمقدمة غزلية فيها وصف طويل ورائع لهريرة ، ثم وصف اللهو ومجلس الخمرة ، ثم كلام على السفر وما شاهد فيه الشاعر من برق ومطر ، ثم تهديد لابن عمه يزيد بن مسهر الشيباني وفيه كثير من الفخر . وقد راعت هذه القصيدة الأدباء على مر العصور ، فقال أبو عبيدة : « لم تقل قصيدة في الجاهلية على رويها مثلها » : وجعلها التبريزي وغيره من القصائد العشر، واهتم لها المستشرقون اهتماماً شديداً .

الأعشى في معلقته وديوانه

في شعر الأعشى رائد العصر الجاهلي جاذبية لم تعهدها لغيره من شعراء الجاهلية ، ومن عوامل تلك الحادية ما هنالك من انسجام رفراق ، ومن اندفاق يجمع اللين الى الشدة ، والسهولة الى المتانة ، ومن موسيقى استحقت لصاحبها لقب « صناجة العرب » ، ومن ألفاظ عذبة وأساليب في التعبير تجمع الصفاء والطبعية الى تلاعبات لفظية كلها عذوبة وأناقة : نكلنا مغرم يهذي بصاحبه ناء ودان، ومخبول ومختل

وترى الرجل سائراً في قصيدته كما يسير الماء بين الأعشاب الطريقة الناعمة ، وترى الأبيات تتابع كما تتابع مياه الينبوع . فلا كد ، ولا اضطراب ، ولا كلام نافل ، ولا کا حشو، تقع اللفظة في محلها فهي متناغمة مع ما قبلها وما بعدها ، لها رئة خاصة بعيدة

1 – شاعر الغزل :

غزل الأعشى في معلقته في تاريخ الادب العربي  نحت ، ورسم ، وموسيقى ، وهو في موقفه الوداعي لهريرة يجعلنا نلمس أسباب شقائه عندما يحسم لنا الصورة ، و يرينا هريرة في التي بهائها ، ورونق روائها ؛ وكأني بالشعر نفسه يتنقل اليها ويتنقل معها :

غراء ، فرعاء ، مصقول عوارضها

تمشي الهوينا ، كما يمشي الوجي الوحلُ”

فهي تمر كالسحابة : لا ريت ولا عجل :

كأن مشيتها من بيت جارتها

مر السحابة ، لا ريت ولا عجل

هريرة جميلة ، رصينة ، خفيفة الظل ، تتصاعد منها موسيقى ناعمة هي وسواس لا يجرح عصارة ما في الروض من ورد وريحان الأذن ، وهي محبة الى الجيران ، ناعمة العيش ، وهي ء وأطياب ، والشاعر أمامها معذب بها يشرح حاله وحالها ، وإذا هنالك سلسلة غرام في غرام ،

وشعر كتلك الحسناء في خفة الظل والموسيقى و النعومة واللين وإذا هنالك طبعية وا وسهولة ، وإذا هنالك من أعماق الهدوء وأغوار السكينة والانسياب الشعري والعاطفي ، صوت يتعالى نغمة من نغمات تلك الموسيقى ، هو صوت هريرة تخاطب الشاعر وتزيد بكلامها الموقف حياة وتأثيراً وتقول :

الكاس ، وعروس قالت هريرة ، لما جيت زائرها، ويلي عليك ، وويلي منك ، يا رجل !

۲ – الأعشى  شاعر الخمرة

والخمرة في شعر الأعشى في العصر الجاهلي  «هريرة » . المجالس ، يزجها الشاعر في قصائده أية كانت أغراضها ، ويتوسل بها للمدح وغيره ، ولا يألو جهداً في وصفها والتغني بما يرى فيها من محاسن وما لها من مفعول في النفس والحسد. وها هوذا في عصابة من عشاقها ، طروب لعوب يتغنى معه شعره طروباً لعوباً :

ب ، بين حفيف وإذا أصحابه على مذهبه في الحياة ، قد أيقنوا أن ما قدر الله لا بد منه ، فراحوا يصدون لأهازيجه وطربه ، وإذا أمامنا مشهد من ريحان تتوزعت قضبه ، وخمرة محصلة الراووق ، تمتد إليها الأبدي بعد الأيدي ولا يسمع من الشرب . الأبدي والكأس ، إلا كلمة « هات » ، كل ذلك والصنج يجيب خفقات قلب صناجة العرب ، الذي يهوى الحمرة ويصفها ويصف شاريها وحالاتهم بلهفة وعطف وحنان . ولين لم يجعل للخمرة قصائد مستقلة فقد بث في خمرياته من روحه الشيء الكثير .

وقد عدوت إلى الحانوت يتبعني شاو مثل شكول شلشل شول

هكذا كانت الخمرة موضوع قسم كبير من وصف الأعشى . وصفها وصف عاشق لمعشوق ، وتبسط في الحديث عنها تبسطا كادت الصورة الخمرية تكتمل فيه ، وكادت المعاني الحمرية القديمة تجتمع فيه على كل تام الأجزاء والتفاصيل .

والأعشى في العصر الجاهلي يعالج موضوع خمرته معالجة الدفاقية ويصف لونها ، وطيبها ، وطعمها ، وزقاقها ، ومجالسها ، ويعمل على تشبيهها وتشبيه كل ما يتعلق بها بأروع ما يستخف ابنالجاهلية ؛ وهو يجري في تشبيهاته على سنن الجاهلية الحسية المادية ، ويهتم لشيئين في التشبيه : الروعة ودقة الأداء ، بحيث تتمثل الصورة وتتجسّم ، وبحيث تؤثر وتعجب . وقد تجد في هذا النقل التصويري شخصية الأعشى نطل من حين لآخر ، وإذا هي شخصية جريئة تفهم الحياة على أنها مرتع من مراتع الحس ، وتحتقر الناس وآراءهم ، وتريد أن تعيش على سنة الحس في مجالس النشوة ؛ وهكذا كان الأعشى مقلدا ، مردداً أصداء الماضي السحيق ، مفضلاً ومحزناً ما استطاع التفصيل والتجزيء ، مصوراً في قصص وحوار أحياناً ، ومصوراً أبدأ بريشة المادية المحسوسة ، ومجسماً بالتشبيه ، وما يشبه التشبيه ؛ والى هذا العمل النقلي الآلي يضيف من ذات نفسه عنصر الذات التي تؤمن بمذهبها الحمري .

الأعشى شاعر الوصف

نرى أن الأعشى من شعراء العصر الجاهلي الذي  في أوصافه المختلفة يعتمد الصور الحسية ويحاول أن يبث حركة وحياة في ما يصف وأن يتتبع الجزئيات والأعشى صادق العاطفة في وصفه يحاول أن يمزج نفسه بموصوفاته ، ومن ثم كان كلامه مؤثراً . وقد أكثر الأعشى من الوصف ولكن القسم الأكبر . منه كان توطئة للمدح ووسيلة إليه . وقد حاول أن يحيد عن طريقة الأقدمين في الوقوف على الأطلال فاقتضبها ، وأن يخفف من وطأة التشبيه المادي في شعره فاقتصد فيه اقتصاداً معقولاً

أضف الى ذلك أن أسفار الأعشى وسعت محال خياله وجمعت في شعره طائفة من

أخبارها وأحداثها .

4 – شاعر التهديد والفخر

في تهديد الأعشى وفخره نفس عال من الأنفة والعنفوان ، وانطلاق شديد نحسب معه أن الرجل في ساحة حرب ، وأن ألفاظه قد أصبحت سيوفاً ورماحاً ، تشتد على غير صعوبة أو غرابة .

ه – شاعر المدح من مطالعة شعر تلاحظ أنه يحاول أن يجري على أسلوب النابغة في المدح، إلا أن استطراده مقتضب ، ومدحه في العموم يتبع الأسلوب القديم من فاتحة غزلية ، ووصف للخمرة ومجالس اللهو، ووصف للناقة ، ذكر الممدوح من صفات الجود والقوة وما الى ذلك ، والأعشى في

هو « أول من سأل بشعره » . وشعره المدحي يمتاز بما يمتات سائر شعره من رونق وسهولة ومتانة وموسيقى عذبة . مدحه صريح

بوضوح تلك نظرة وجيزة ألقيناها على ديوان الأعشى ولاسيما لاميته التي عدت المعلقات . وقد بدا لنا أن الأعشى الأكبر من أركان النهضة الجاهلية ، . شعره ينم عن عمق في التفكير ، وصدق في الشعور ، ومتانة في السبك ، وسلاسة التعبير، وموسيقى في الأداء . وهذا ما جعل عبد الملك بن مروان يقول المؤدب أبنائ «أدبهم برواية شعر الأعشى ، فإنه ، قائله الله ، ما كان أعذب بحره وأصل صحره . . .

 

مصادر ومراجع

حنا الفاخوري تاريخ الادب العربي القديم

ابراهيم الأبياري وحسن المرصفي وعبد الحفيظ شلبي : دراسة الشعراء – القاهرة ١٩٤٤.

فؤاد البستاني : الأعشى الأكبر – الروائع 31 – بيروت .

رودولف غير R. Geyer – الصبح المنير في شعر أبي بصير فينا ١٩٢٨.

الأب لويس شيخو : شعراء النصرانية ٢ – بيروت – ۱۸۹۰ .

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .