عبيد بن الأبرص

 

أ – عبيد بن الأبرص (توقي نحو سنة ٥٥٤م)

تاريخه

عيد بن الأبرص رص بن عَوْف الأسدي من مُضر وهو شاعر من دهاة الجاهلية وحكماتها . كان من ذوي الشان في قومه، ومن المعمرين الذي عرفوا بالنجدة والمروءة . تقلب في حياته بين بلاط حجر الكندي والد امرئ القيس، وبلاط الحيرة ، وكان من المقربين عند الكندي ينظم فيه الشعر، وقد شفع لديه في أشراف قومه الذين حبسهم لإمساكهم عن دفع الإتاوة ، فكانت شفاعته مقبولة . ولبث كذلك مدة طويلة في بلاط الحيرة ولقي حظوة لدى المناذرة. وكان من حديث موته أن المنذر بن ماء السماء سكر يوماً فجره السكر إلى قتل نديمين لـ له ، وعندما صحا من سكره ندم على فعليه أشد الندم وجعَلَ له يومين في السنة : يوم نعيم يُسبغ فيه نعمته على من يمر به ، ويوم بوس يقتل فيه من يمر به. فكان عبيد بن الأبرص ممن مروا بالملك في يوم الشوم ، وممن كان مرورهم سبب موتهم، وذلك في نحو سنة ٥٥٤ .

– أدبه :

لعبيد بن الأبرص ديوان صغير أخرجه المستشرق لايل Lyall مع ديوان عامر ابن الطفيل سنة ١٩١٣، وعلّق عليه تعليقات تاريخية وأدبية ؛ ونشر الأب لويس شيخو مجموعة شعر عبيد الأبرص في كتابه (شعراء النصرانية، سنة ١٨٩٠ . وأشهر ما في هذا الديوان قصيدتان : بائية عدّها البعض من المعلقات ، ودالية أوردها أبو زيد القُرشي في مُجَمْهراتِه وعُدَّت من المُجمْهرات.

المعلقة : قصيدة تقع في ٤٨ بيتاً من الشعر على مخلوع البسيط ، وقد دخل وزنها كثير من الزحاف والقطع حتى قيل : كادت أن لا تكون شعراً ، ومطلعها :

أقْفَرَ مِنْ أَهْلِهِ مَلْحوبُ فَالفُطَّيَّاتُ ، فَالذَّنُوبُ

القطيات والذنوب : مواعين في ديار بني أسد

بلاط والتكسب وفي هذه المعلقة وقوف بالديار وبكاء على الأطلال ، ثم حكم ومواعظ ، ثم وصف

للناقة وللفرس.

٣- صحة نسبة المعلّقة وقيمتها الفنية :

إنَّ من أعمل النظر في معلقة عبيد بن الأبرص لمح فيها إقراراً بالتوحيد ، ورأى أن الحكم والمواعظ تفصل الوقوف على الأطلال عن وصف الناقة ، مما حمل بعض النقاد على القول بأنَّ الأبيات الحكمية مدسوسة دساً في المعلقة ، وشاهِدُهُم على ذلك ان الشاعر بعيد عن التوحيد وأن في إقحام الحكمة بين المقدمة ووصف الناقة خروجاً عن تقاليد العرب الأقدمين. إلا أن هذا القول غير مطلق الصحة فكم من شاعر جاهلي نظم قصيدته مقاطع ثم جُمِعَتْ وضُمَّ بعضها الى بعض على غير ما ترتيب وتنسيق ، أضف الى ذلك أن فكرة التوحيد غير مجهولة في العهد الجاهلي لما انتشر إذذاك في بلاد العرب من تعاليم المسيحية واليهودية .

المعلقة كسائر المعلقات تخلو من الوحدة التأليفية ومن الترتيب والتساوق في الأفكار إلا أنَّ فيها حكمة لا تخلو من روعة ، ووصفاً جميلاً ، وجَرْساً فريداً. وإليك بعض

التفصيل :

۱ – الحكمة : تدور الحكمة في معلقة عبيد بن الأبرص حول زوال النعم ، والاعتصام

بالله الأحد ، والصدوف عن الكذب لأنه يجرّ العذاب ، والعمل أبداً ودائماً مهما تقلبت

الأحوال .

وهذه الحكمة اختبارية عليها مسحة من السذاجة والبساطة والسطحية هي ثمرة حياة الطفولة ، وهذه السذاجة ممزوجة برصانة حقيقية واتزان من حنكه الدهر وعرف طبائع البشر وحال الدنيا فزهد وحذر ، وقد حاول أن يقيم البرهان فاكتفى بالتلميح والإيجاز ، ورب إيجاز وتلميح خير من تطويل وإسهاب .

٢- الوصف : أما وصف عبيد بن الأبرص فجماله قائم على حياة نابضة مندفعة اندفاعاً شديد التأثير، وعلى دقة في التفصيل تظهر في الأفعال المتتابعة والحالات

في موكب المعلقات : عبيد بن الأبر

مختلجة تشعر بين يديك ، متدفقة بقوة وعنف.

الجرس : وفي معلقة عبيد بن الأبرص برص موسيقى مختلفة النغمات تواكب الموضوعات المختلفة وتعبر بنبراتها عن المعاني التى قد لا تفيدها الألفاظ ، وإذا المعاني تبارات موسيقية تارة عميقة الدوي مع الحكمة وذكر الموت ، وطورا عنيفة متوائية مع الوصف. اسمعه يخاطب امرأ القيس وقد شهد مقتل أبيه الملك حجر :

أبيه إذلالاً وَحَيْنَا ت سراتنا كذباً ومينا؟ لا علينا ! يَا ذَا الْمُخَوِّفُنَا بِقَتْل أَزَعَمْتَ أَنَّكَ قَدْ قَتَلُ هَلًا عَلَى حجر بن أ إذا عَضَ الدِّ نَحْمِي حَقِيقَنَنَا وَبَعْ هَلَّا سَأَلْتَ جُموعَ كِن أَيامَ نَضْرِبُ هَامَهُمْ بِبَواتِرٍ حَتَّى أَنْحَنَيْنَا برَأْس صَعْدَيْنَا لَوَيْنا يَسْقُطُ بَينَ بينا وَلَّوْا : أينَ أَيْنا ؟ دة

شاعرية ابن الأبرص :

شاعرية ابن الأبرص هي قلب غني بالعاطفة والحيوية ، وهي نفس كبيرة حاف

الآمال ، والذي يروقنا في شعره هو تلك النغمة اللينة الصادقة الصادرة عن رقة

صدر من غير ما غلو مزعج ، ولا التواء مشين، وهذه الشاعرية الفياضة تمتاز بسلا

سعرها وانسجامه وسهولته ، وموسيقاه المتعدّدة الأوتار ، تلك الموسيقى التي تسحر مهما

اشتدت ومهما تنوعت أنغامها .

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .