النابغة الذبياني

النابغة الذبياني توفي نحو 604 م

جاء في تاريخ الادب العربي عن النابغة الذبياني أنه كان من أشعر شعراء العصر الجاهلي

١ مولده ونشأته :

الغموض يلف قسماً من حياة النابغة شأن سائر الشعراء الجاهليين لأنّ الحياة القبلية بعيدة عن الاستقرار الذي تضبط معه التواريخ وتسجل فيه دقائق الأحداث .

ولذلك سنلجأ الى المقارنة تارةً والتخمين طوراً ، الى الاستنتاج تارةً والى التقريب طوراً لتوضح بعض المعالم التي لا بدَّ منها لتفهم شعر هذا الشاعر الذي يُعدّ من ألمع الوجوه الجاهلية إن لم يكن المعها على الإطلاق. فهو أبو أمامة زياد بن معاوية من ذبيان ، وأنه عائكة بنت أنيس من أشجع .

لقب بالنابغة لسبب

اختلف فيه العلماء اختلافاً شديداً ، وقد يكون تقديراً عند الجاهليين من يتفوق عن صفات وقوى ذاتية لا وراثية . أما مكان ولادته وتاريخها فمن المستحيل ضبطها.

ولقد ولد ولا شك في ديار غطفان أي في إحدى ضواحي نجد بين الحرار والأودية، وفي قلب المجتمع البدوي، وامتدت به الأيام حتى أدرك المنذر الثالث بن ماء السماء ملك الخبرة (٥٠٥ – ٥٥٤م) ومدح خلفاءه من بعده، ورثى النعمان بن الحارث الغساني سنة ٦٠٠ م .

وسمع بمقتل النعمان بن المنذر اللخمي على يد كسرى أنوشروان سنة ٦٠٢ م ” . وهكذا قد تكون وفاة النابغة حوالي سنة ٦٠٤ م . أي قبل انتهاء حرب داحس والغبراء بأربع سنوات .

كيف نشأ الشاعر ؟

نشأ كما ينشأ فتيان الحي في القبيلة بين الإبل والشاء .

وبين الحل والترحال ، لا يعرف من الوجود إلا أودية نجد وما يأتي به الركبان من أحاديث وأخبار ، أما تفاصيل ذلك فلا يُعرف إلا بالحدس والتخمين .

وكلّ ما رواه لنا الرواة من أحداث تلك الحقبة أن الفتى علق فتاة اسمها ماوية كانت على جانب من الجمال ، فراحمه في حبها رجل من التبيت وحاتم الطائي صاحب الكرم والجود ، وكان النصر في خطبتها لهذا الأخير، مما أوغر صدر الشاعر وحمله على نظم بعض الأبيات يزكي بها نفسه لدى الفتاة .

٢- لسان القبيلة وصحافيها :

ظهر النابغة في قبيلته شاعراً ذكي الفؤاد ، وكان شأنه

فيها شأن سائر شعراء القبائل ، فعلا صوته يقود ويرشد ، ويدعو الى الحرب ويهدد ،

ويشجع الأحلاف ويحض على السلّم ، ويخوض في شتى ميادين الاجتماع القبلي في

حكمة وثاقب نظر. وكانت ذبيان وافرة الأحداث والاضطرابات. فهي من جهة على

تحوم أرض الغساسنة وفي الأرض كلأ وماء ؛ ورعي الماشية يحمل على اجتياز الحدود ؛ وهي من جهة اخرى الى جانب بني هوزان الذين قال فيهم  صاحب الأغاني انهم زاحموا قريشا على منابرهم ومن هوازن عامر بن صعصعة “.

النابغة الذبياني العصر الجاهلي

وكان بين بني عامر بالشقراوات وهي . وغطفان، وبين عيس وذبيان مناوشات وأحقاد حاول الشاعر أن يضيق دائرتها ويطفئ أوارها وكان لعبس سيد اسمه زهير بن جذيمة تسلّط على هوازن ؛

فإذا كانت أيام عكاظ أتاها ، فتأتيه هوازن، بالإتاوة التي له في أعناقهم ، ثم إذا تفرق الناس نزل حرة بديار غطفان وما زال كذلك حتى غضبت هوازن وتذامرت عامر بن صعصعة ، وكان يوم النفراوات الذي قتل فيه خالد بن جعفر العامري زهير ابن حديمة العبسي.

وحدث بعد ذلك أن التقى الحارث بن ظالم المري الذبياني بخالد بـ جعفر العامري في بلاط الحيرة فقتله وفرّ الى قومه فنبذوه ولم يدخلوه في حمايتهم ، فلجأ الى تميم فأجارته ، وايت أن تسلّمه، فخرج اليها بنو عامر ، والتقى الفريقان في رحرحان واقتلا قتالاً شديداً، فانهزم بنو تميم، ونجا الحارث بن ظالم المري بنفسه قبل المعركة

وبقي وتره لديه ولدى قومه بن بي دبیان تلك الأثناء كفيلان هما عامر بن ملك وزرعة بن عمرو فتوجه وكان الغطفان في إليها النابعة يدعوهما الى فرض الصلح فيما بين أبناء قيس عيلان تلافياً للشرور ،

ثم انه بعد مقتل زهير ابن جذيمة سيد عبس عمل زرعة بن عمرو بن خويلد على أن يترك الذيائيون خلف بني أسد،

فأبى التابعة وراح يوجه الكلام الشديد الى زرعة راداً تهديداته وادعاءاته بلهجة حربية اندفقت فيها جموع بني ذبيان وعبس وأسد وكلب اندفاق أهبة للقتال، واستعداد للنزال.

وذلك أن الشاعر كان شديد الحرص على مخالفة أمد لقومه وقد أنقذ أسراهم يوم اشتركوا مع المنذر بن ماء السماء ملك الحيرة في حرب العسامة وانتصر هؤلاء على المنذر في يوم حليمة.

وهكذا كان النابغة رجل الصلح والسلام حين رأى فيها القبيلته خيراً، ثم كان رجل التهديد واللهجة الحربية حين بي دعت إليها مصالح قومه .

الحياة في البادية 

والحياة في البادية شديدة التقلب، وهنالك المصالح القبلية المادية والنزوات الجاهلية التي تنهض الأخ في وجه أخيه ، والنسيب في وجه نسبيبه  وهنالك العصبية القبلية التي تحول الخلاف الفردي الى خلاف جماعي.

وقد جرى في تلك الأيام أن سار قيس بن زهير بن جذيمة العبسي الى المدينة قاصداً أَحَيحة بن الجلاح ليبتاع منه درعاً موصوفة ويعود الى قتال بني عامر ويأخذ بثأر أبيه زهير بن جذيمة ، فاشترى درعاً كانت تُسمى ذات الحواشي » ورجع الى قومه ماراً بالربيع بن زياد العبسي” عله يناصره للأخذ بثأر أبيه .

ولما أبصر الربيع بن زياد ذات الحواشي طمع بها واغتصبها اغتصاباً ولج في منعها ، فامتلأ صدر قيس بن زهير غيظاً وهجم على إبل الربيع واستاقها الى مكة حيث باعها واشترى بثمنها خيلاً ، وكان من جملة ما اشترى فرسان اسم داحس واسم الآخر الغبراء ، وهكذا نشأ الخلاف بين عبس وذبيان وهم أ أبناء رحم واحد.

وراح الخلاف يتضخم ويتفاقم الى أن لجأ قيس بن زهير الى حذيفة بن بدر من فزارة وأقام من الزمن كانت خاتمتها رهاناً على الفرسين داحس والغبراء وأيهما أسبق .

فقال قيس : داحس أسرع ؛ وقال حذيفة : الغبراء أسرع . واتفقا على أن تكون الغاية أبلى الى ذات الإصاد” وهي مقدار مئة غلوة ، وجعلا السابق الذي يرد ذات الإصاد ويكرع من مائها أولاً.

وأقام حذيفة رجلاً من بني أسد في الطريق ، وأمره أن يلقى داحساً وأن يردّ وجهه عن الغاية إن كان سابقاً وهكذا كان ، ولج الفريقان في أمر السبق مما أدى الى قتل ابن حذيفة والى نشوب حرب بين عبس وذبيان ، عرفت بحرب السباق أو حرب داحس والغبراء امتدت من سنة ٥٦٨ الى سنة ٦٠٨م.

النابغة والحرب

شهد النابغة تلك الحرب وتتبع أيامها فمدح بني أسد ليظلوا أحلاف ذبيان ، وحمل على بني عامر حملات عنيفة، وأشاد ببطولات قومه ، ورثى قتلاهم وشجع حلفاءهم ، المحنك وبری نظرة السياسي ! الأسف، وخسارة لذبيان، ويود لو وتدد بأعدائهم،

وهكذا كان النابغة رجل الحرب والسياسة والدهاء في تلك الأحوال الشديدة، ولكنه كان في الوقت نفسه ينظر الى بني عبس في تشتهم والجونهم إلى العامريين داعياً من دواعي : يرجعون الى ديارهم آمنين، ويتم الصلح الكامل بينهم وبين أبناء عمهم ،

على ألا يكون ذلك على حساب بني أسد ونقض خلفهم كما ارتأى عينة بن حصن الفزاري . وهو في لا يعرض لبني عبس بسوه ، وانك لتشعر أنه رجل ينظر الى البعيد من الأحداث، ويعمل على نهيبي طريق العودة لأبناء العم . وهكذا كان في نهاية الحرب التي أحلام النابغة وان لم يشاهدها إلا من وراء القبر شعره كانت حلماً من

أضف إلى ذلك كله أن بني ذبيان وحلفاءهم من بني أسد كانوا كثيري الغارات على أطراف بلاد الغساسنة للغزو أو لانتجاع الكلاً، كما كان بنو أسد يشتركون مع المناذرة في حرب الغساسنة، وكثيراً ما كانت الدائرة تدور على قوم الشاعر وحلفائهم ،

فيتوجه الى غان شافعاً في الأسرى، ناهياً عن غزو ذبيان ويتوجه الى ذبيان مبيناً مغبة العدوان في كلام حافل بالجرأة والسلطان، ولئن تعرض له بعض أبناء قومه باللوم حسداً وافتئاتاً فإنه اكتفى بالتفاتة العاتب وتعداد الأيادي البيض. وهكذا كان رجل الذي يناصر الحق ولا ينسى أنه لقبيلته ومصالحها على سنة العصبية في غير شذوذ ولا تفريط

بين الحيرة وغسان

مر بنا ما كانت عليه الحيرة وغسان في ذلك العهد من عز وسلطان، وما كان من تنافس بين الدولتين العربيتين يشدُّ الفرس أزر الواحدة ، والروم أثر الأخرى، وما كان بينها من تنازع على القبائل العربية تأميناً لطرق القوافل، وتنازع على الشعراء ، صحافي تلك الأيام وممهدي السبيل إلى مد السلطان والنفوذ في البوادي القاصية

كان النابغة على صلة وثيقة ببلاط غسان تمكنه من خدمة مصالح قومه وأخلاقهم كما ذكرنا سابقاً ، وكان أيضاً على صلة ببلاط الحبرة يروى أنه اتصل أولاً بالمنذر بن ماء ٥٥٤ م ) ويشير ديوانه الى أن أول اتصال له بملوك الحيرة كان في عهد عمرو بن هند زون قومه وأخلاقهم الذي هناه النابغة بتسمه العرش ثم انصرف بعد هذه التهنئة الى عندما نشبت الحروب بينهم وبين غسان ثم بينهم وبين عبس .

ثم عاد فاتصل بالنعمان بن المنذر ، ابي قابوس، الذي تولى عرش الحيرة نحو سنة …. وجعل قصره مباءة للشعراء، وأجزل لهم العطاء، وقد استقبل النابغة بحفاوة الديدة الصينه الضخم في عالمي الشعر والسياسة ، وانهالت عليه عطايا النعمان في غير ساب،

وأصبح نديم الملك ومؤاكله وشريكه في أنسه ولهوه مما أوغر صدر سائر أمراء حقداً وحسداً ، ومما حمل البطانة على التربص به ودس الدسائس لإفساد ما الملك وشاعره ، وقد تمّ لهم ما أرادوا بعد شتّى المحاولات ، فغضب النعمان على ابعة وكاد يوقع به

، ولكن النابغة فرّ ملتجئاً الى قومه ، ثم توجه شطر الغساسنة بعد فاتصل بعمرو الرابع ابن الحارث السادس الأصغر ومدحه ببائيه شهورة ، ثم اتصل بالنعمان السادس أبي كرب وخلفائه من بعده ، ولكنه لم يلق عند جر الثاني ما لقيه عند سالفيه من الحظوة والإكرام ، فحن الى بلاط النعمان بن المنذر حن إليه ذلك البلاط ، واتخذ مرض ملك الحبرة فرصة ليعود إليه .

تعددت الروايات في شأن تلك العودة ومهما يكن من أمر فلم يشأ النابغة أن يعود الحيرة إلا بعد أن برّر ساحته بقصائده الاعتذارية التي وجهها الى النعمان والتي بت له الرضى التام وما إن بلغ الحيرة حتى أرجعه الملك الى سابق عزّه وثرائه . من ذلك لم يدم طويلاً ، فما عتّم كسرى ملك الفرس أن غضب على النعمان وقتله . حق النابغة بقومه حيث قضى أيامه الأخيرة ، وتوفي نحو سنة ٦٠٤ م . وهكذا كان اعر رجل السياسة والدهاء، وتقلب في البلاطين المتعاديين متكسباً، وكان في  كل  حال نابغة بني ذبيان

شخصية النابغة الذبياني :

هكذا يتجلى النابغة الذيباني من خلال شعره وأحداث عصره، فهو رجل الصلابة السياسية التي تتبع الأحداث في شدة ومرونة، والتي لا تغير خطتها صغار الأمور وترهات الأعمال، وهو رجل العصبية القبلية التي تعمل في غير تهور ولا تفريط ، والتي تخدم مصالح القبيلة في حكمة ودراية لا في طيش ونزق ، والتي تحكم العقل المفكر وتوجه نحو طريق الاستقامة . إنه يناصر قبيلته ويرى من مصالحها أن يبقى بنو أسد الى جانبها فيعمل على توثيق الروابط بين الفريقين ما استطاع إلى ذلك سبيلاً ، وقد برهنت حرب داحس والغبراء حاجة ذبيان الى بني وفي حرب السباق أبى أن : يء القول ببني عبس حرصاً منه على استرجاعهم ومصالحتهم لأن أبناء العم أشد غيرة على ذويهم من الغرباء .. أسد. بسي

ثم انه أخلص للغساسنة كما أخلص للنعمان، وما همه أن تكون الدولتان على نزاع وخصام، فهو فوق العنعنات وفوق الخصومات، وقد استطاع بإخلاصه للفريقين أن يكون ذا منزلة رفيعة بينهما جميعاً، كما استطاع أن يخدم قبيلته وأخلاقها خدمةً ذات منفعة عامة

وهكذا وقف في عصره وقفة الحكم الذي يرى رأي الصواب ، والذي يهيمن على قبيلته بنظره البعيد المدى، ويحضنها كما تحضن الأم طفلها ، ويبعد عنها أذى أعدائها والمتطرفين من أبنائها وأنسبائها، ويقودها في طريق الصَّالح والأصلح وشعر النابغة و يعطينا صورة واضحة عن مهمة الشاعر الجاهلي وأثره في بيئته وأثر بيئته فيه ، فقد كان النابعة شاعر القبيلة يشعر بالتبعة الملقاة على عاتقه ، وتنتظر منه القبيلة القيام بواجبه إزاءها ثم انه اتصل بالحضارات القريبة منه ، وتجلى أثر هذا الاتصال في شعره، فاتسع أفقه، وتنوع خياله، وهو بهذا يعطينا فكرة صالحة عن العقلية الجاهلية في أعلى صورها . رد على ذلك أن النابعة نهج في الشعر منهجاً تبعه فيه من أتى بعده من الشعراء حتى اليوم، فهو ذو أثر قوي في الشعر العربي .

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .