التّربية بالقدوة والمثال لا بالتهديد والانفعال

(رأي كامل ) فقرة شهرية يكتبها فضيلة الشيخ كامل العريضي – مدير مدرسة الإشراق المتن – لبنان. وذلك لتوضيح بعض الأمور في مجتمعاتنا الإنسانية …

منذ سنوات طويلة، ومجتمعنا العربي والشرقي يتعرض للعديد من العادات والأدبيات التي تمس أخلاقياته وثوابته الاجتماعيّة والتربوية، وهذا نتيجة التطور الكبير في وسائل المواصلات وآلات الاتصال وأجهزتها الآخذة بالانتشار حتى وصلت إلى أيدي الصغار والكبار. وهذه العادات الدخيلة مدعاة للتجاذب بين مؤيد ومعارض. مؤيد يرى فيها الحرية والانفتاح والحضارة والرقي، ومعارض يبصر فيها الانحلال الأخلاقي والدعوة إلى الرذيلة وهدم الأسرة والخيانة الزوجية والمثال السيئ للجيل الصاعد.

وكي نقارب الموضوع من ناحية موضوعية، لا بد من الإشارة إلى أن بعض العادات التي وصلت إلينا جيدة ومقبولة ولا خلاف عليها، ولكن حديثنا هنا، عن تلك التي تمثل مادة للجدال الاجتماعي والأخلاقي والديني، وليس أيضا عن التطور العلمي والإنتاج الأدبي الراقي الذي علينا الاستفادة منه وتفعيله لخدمة الإنسان.

بكل تأكيد لن أذهب إلى تكفير أحد أو إطلاق الأحكام الدينيّة أو اتهام المروجين لها، بأنهم أدوات لمشروع خبيث، أو لمؤامرة كونية، فهذا ليس من شأني وليس أسلوبي، كما لن أمدحهم وأثني عليهم وكأن ما يقومون به انجاز عظيم وخدمة للبشرية. مع العلم أن لبعضهم أعمالا هادفة وقد تكون مفيدة في مجالات أخرى.

فما يحصل في مجتمعنا هذه الأيام هو الواقع المعاش وبعضه مؤسف جدا، وما التراشق الإعلامي والكلامي الذي يحصل على وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الاعلامية إلا دليل حي وبرهان جليّ على هذا الخلاف القائم بين داعم ورافض. وهو انعكاس لمعاناة الأسر والبيوت بين الزوج والزوجة أو الأم والأب والأولاد. وكم أتمنى أن يكون في البرامج التلفزيونية والحوارات الإعلامية تلك، حكماء متنورون بالقيم والفضائل الصحيحة أو علماء نفس أو علماء اجتماع لديهم المعرفة الدقيقة بخصائص المراحل العمرية المختلفة وبالحاجات والتغيرات الجسدية المتعددة  وبالحياة الاجتماعية، وكيفية بناء الأسرة وأسس العلاقة بين الزوج والزوجة، ومعايير تربية الأطفال في كل حقبة عمرية،  لكنا عندئذ أمام برامج أو أفلام تعالج مشاكل اجتماعية وأسرية بطريقة عصرية ولتمَّ إيجاد الحلول العلمية والنفسية لأكثرية هذه الظواهر غير المقبولة في بيئتنا!

ومن المؤكد كانت هذه المنظومة الفكرية ستساهم في تطوير قدرات الأهل والأولاد التربوية، فالعائلة النواتية هي أساس بناء المجتمع وهي التي تتألف من الأم والأب والأولاد الذين يعيشون معا تحت سقف واحد. اركز على عبارة تحت سقف واحد، وليس كما في الغرب حيث يستقل الأولاد عن أهلهم عند بلوغ ١٨ سنة من عمرهم، وهنا لست بصدد انتقاد المجتمع الغربي فلكل بيئة ومجتمع خصائصه الخاصة وطريقة عيشه ومعاييره الأخلاقية، سواء اتفقنا معها أم لا.

وما يحصل من وقائع وأحداث يُبرز إلى العلن، وإن كان بطريقة فجّة، فجوات مجتمعاتنا ومشاكله، ولكن لم يحدث هذا من فراغ، بل من تراكمات وهفوات في التربية الصحيحة، فلا أظن أن المسلسلات المدبلجة التي يتابعها الكثير من الناس، وهي بالأعم الأغلب تعالج قضايا وتعرض أفكارا غير لائقة، وكذلك بعض انتاجنا المحلي والعربي أيضا. بالإضافة إلى متابعة مجتمعنا لأفلام أجنبية قد تكون غير لائقة، لا أظنها تساهم في بناء أسرة متناغمة ومتكاملة وقائمة على الاحترام المتبادل.

فلا تتعجبا أيها الأب، وأيتها الأم، من أفكار ابنكم أو ابنتكم ومن سلوكهما الذي تريانه خاطئا، أو تتساءلان من أين لهما بتلك التوجهات، وأنتما لا تتابعانهما بشكل دائم وتراقبان تصرفاتهما ورفقتهما. فكيف يمكن أن تقنع ابنك بضرورة عدم التدخين مثلا، وتشرح له آثاره السلبية على الصحة والرياضة البدنية، وأنت مدمن عليه؟ أو كيف تريدين أنت ايتها الأم،  من ابنتك أن تهتم بدراستها وتحصيلها العلمي وألا تتأثر بالأجواء غير الصحيحة وهي لا تراك يوما تقرأين كتابا أو تتابعين ندوة علمية أو تربوية مفيدة، بل جُلّ وقتك أمام التلفاز ومع الهاتف ومتابعة أخبار تلك الشخصيات التي – بالأعم الأغلب – لا تقبلينها نموذجا يحتذي بها لأولادك؟ إن الطريق الأنسب للتربية هي أن نكون القدوة الصالحة. فهذا الجيل “ناديه بيسمع ووديه بيرجع” ولكن يجب أن نكون نحن كأهل “منسمع ومنرجع” أيضا. كم من مرة جلست أيها الوالد، وأيتها الأم، مع ولدكما أو ابنتكما تستمعان إلى مشاكلهما وما يحيط بهما من عوائق، وعملتما على حلها أو دللتماهما  على الطريق الصحيح؟

من ناحية أخرى، على الأولاد أيضا أن يكونوا على قدر المسؤولية، وأن يقبلوا من أهلهم النصائح المفيدة، ولا يرفضوا تقديم يد العون لهم وألا يظنوا أنهم فقط من يعرفون الحياة ويفهمونها وأن أهلهم من مخلفات الرجعية والجهل والقديم البائد. فإذا الأهل لم يقوموا بالواجب معكم  – مع ندرة هذا الاحتمال- فهناك من يمكن أن يساعدكم ويأخذ بيدكم نحو الصراط المستقيم والحياة الايجابية الممتلئة بالحيوية ومعرفة الذات. وحذارِ من الاغترار وتجربة كل شيء لأن بعضه قد يكون مميتا ومدمرا نفسيا واجتماعيا وصحيا. والعاقل من يتعلم من تجربة غيره وليس من يحرق أصابعه ويده ويدمر روحه حتى يتعلم!

عندما نكون أهل على قدر المسؤولية بالتربية القائمة على الأسس السليمة، سيكون لدينا إن شاء الله أبناء مفعمين بالإيجابية والعلم والثقافة، وبالتالي مجتمع له نصيب من المدينة الفاضلة. وتنهض أمتنا بكل أثقالها وتترقى نحو الأفضل على الصعد كافة: الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية.

فلنكن كما يجب، لنحصل على ما نريد.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .