الصورة للتوضيح
في أعقاب حرب حزيران عام ١٩٦٧ وما تمخّض عنها من احتلال ما تبقّى من فلسطين وهي قطاع غزّة والضّفّة الغربيّة بجوهرتها القدس الشّريف، واحتلال مرتفعات الجولان السّوريّة وصحراء سيناء المصريّة، اعتبرت الأنظمة العربيّة تلك النّتائج “نكسة”، أي أنّها ككبوة الحصان الّتي يتعثّر فيها الحصان ويقوم منها سريعا ويواصل عَدْوَهُ، ومصطلح” نكسة” جادت به أفكار الصّحفي الرّاحل محمد حسنين هيكل، وسوّقها الإعلام المصريّ والعربيّ. ولم ينتبه النّظام العربيّ وكذلك الشّعوب العربيّة أنّ ما حصل هو أكبر هزيمة ساحقة في التّاريخ العربيّ المعاصر، ولا تزال نتائجها الكارثيّة متواصلة حتّى يومنا هذا.
أمّا القوى والأحزاب الّتي تعتبر نفسها طلائعيّة فقد اعتبرت نتائج تلك الحرب نصرا مبينا، لأنّ إسرائيل لم تحقّق أهدافها من تلك الحرب، حيث أنّها لم تستطع إسقاط ” النّظامين التّقدّمّيين في مصر وسوريا”، ولم تستطع “هَدْم الكيان الأردنيّ”، ولا أخفي سرّا عندما أقول أنّني حتّى الآن لا أعرف ما معنى كلمة” كيان”، مع أنّني عدت إلى معجم المعانى فوجدت أن كيان تعني:” مصدر كان كيان وهو هيئة ذات وجود أو بنية”. وعدم اقتناعي هو معرفتي اليقينيّة بأن الأردنّ دولة! لكن الأنظمة “المنكوسة والأحزاب المنتصرة” لم تأخذ بعين الاعتبار احتلال الأرض ولا الويلات الّتي لحقت بملايين البشر الّذين وقعوا تحت الاحتلال. فهل انتبهنا أنّ نظام عبد النّاصر في مصر قد انتهى بوفاته في سبتمبر ١٩٧٠. وأنّ نظام نور الدّين الأتاسي قد انتهى بانقلاب حافظ الأسد عليه في العام ١٩٦٩. لكنّ الاحتلال لم ينته بل ازداد شراسة، ومعاناة من وقعوا تحت الاحتلال تزداد يوما بعد يوم.
ما علينا… فقد أتيت بهذه المقدّمة تعقيبا على ما أعلنته حركة حماس الفلسطينيّة وحزب الله اللبناني أنّهما انتصرا في الحرب المستمرّة منذ السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ حتّى يومنا هذا، رغم اتّفاقيّة وقف اطلاق النّار الهشّة مع لبنان، ورغم الهدنة الّتي انتهت بين حماس وإسرائيل. وأسباب النّصر المزعوم أنّ إسرائيل لم تحقّق أهدافها المعلنة في هذه الحرب! مع أنّ إسرائيل دمّرت جنوب لبنان وضاحية بيروت الجنوبيّة وقتلت وجرحت أكثر من خمسة عشر ألف مواطن لبنانيّ، واغتالت قيادات الصّف الأوّل والثّاني والثّالث في حزب الله، ودمّرت القوّة الضّاربة لحزب الله وأبعدته إلى شمال الليطانيّ، كما أنّها دمّرت قطاع غزّة بالكامل، وقتلت وجرحت أكثر من ١٧٠ ألف فلسطينيّ في القطاع، ٧٠٪ منهم من النّساء والأطفال، كما قتلت المئات في الضّفّة الغربيّة وجوهرتها القدس، بمن فيهم قيادات حماس والجهاد الإسلاميّ، كما أنّها تفرض حصارا تجويعيّا وصحّيّا على حوالي مليونين ونصف هم مواطنو القطاع. كما قامت بتدمير مدينتي جنين وطولكرم ومخيّماتها في الضفة الغربية، عدا عن الانفلات الاستيطانيّ ومصادرة الأراضي واستيطانها.
وبعد كلّ هذه الويلات دعونا نتساءل: هل يوجد عندنا خلل ثقافيّ؟ فرغم انهيار العالم العربيّ والنّظام العربيّ الرّسميّ، ورغم الأزمات الكارثيّة الّتي تعيشها الأمّة العربيّة، وأزمات أحزاب وقوى المعارضة المأساويّة، إلا أنّهم جميعهم يتكلّمون عن انتصارات وهميّة أفرزتها خيالاتهم المريضة، ولا يوجد من بينهم من اعترف بأخطائه، وعلماء النّفس يقولون بأنّ المجنون يبدأ شفاؤه عندما يدرك حالته المرضيّة… فهل نحن أمّة من المجانين غير القابلين للشّفاء…والحديث يطول.
٨-٤-٢٠٢٥