تحتاج محاصرة وبأ العنف والجريمة لفعل حقيقي وواسع من الحكومة ومنا وهكذا أيضا المناعة الوطنية والموقف من التطبيع والإمارات والبحرين والكرامة الوطنية يحتاج لما يتجاوز الموقف السياسي والتنظير والموعظة. كي نحصد لابد أن نزرع وهذا يعني أن تعود الفعاليات السياسية للعمل الجماهيري بالتثقيف والتعبئة والنضال الفوري وأن تبادر الجمعيات الأهلية وما أكثرها للمشاركة في هذا المجهود الميداني خاصة الوقائي وفي البناء وهناك حاجة لمواجهة تقاليد العنف بمحاولة تضمين كتب ومناهج التعليم رسائل تربوية بيداغوغية في الطفولة المبكّرة داخل البيوت والمدارس وتصعيد برامج الثقافة والرياضة والمجتمع لمختلف الشرائح : بالعلاج والوقاية. هل تبقى الحركات الشبابية وطلاب الجامعات( عشرات الآلاف) بدون تأطير وتعزيز ومبادرة ؟ منذ العقدين وأكثر سلمنا بالاستكانة هنا وأقنعنا أنفسنا أن هناك انهيارا فلسطينيا وعربيا وعالميا فهل الفرصة فعلا غير متاحة لـ بداية جديدة ؟
الأقوال بكل الأحوال والمجالات لا تكفي ( رغم صمت أو عدم وجود موقف رسمي مما تفعله الإمارات كـ لجنة المتابعة وأوساط داخل المشتركة). صحيح. نحن نعد مليون ونصف المليون نسمة وأحداث العنف الجريمة تقتل منا 100 كل سنة لكن هذه أرقام مروعة خاصة عند مقارنتها في الجانب اليهودي أو معطيات الجريمة في غزة والضفة حيث يعيش نفس الشعب بأعداد أكبر وذات الظروف تقريبا( غزة مزدحمة عشرة أضعاف مقارنة معنا ونحن أكثر خمسة أضعاف منها بـ جرائم القتل).
إن استمرار هذه الجرائم سيشكّل طعنة خطيرة للسياسة العربية ولفكرة العمل الجماعي وللمناعة الذاتية المعنوية لكل المجتمع العربي ولذا فـ الخطر استراتيجي وبالتالي يحتاج لـ علاج استراتيجي. الحكومة ربما تصادق على خطة جديدة تساهم في فرملة الجريمة وعصابات الإجرام في البلدات الكبرى لكن التحولات السياسية وغيرها من الاعتبارات ربما تحول دون ذلك أو تجعلها غير كافية على الأقل رغم كلفتها السياسية وربما يجد نفسه النائب منصور عباس وبعض زملائه خائبي الأمل من وعود الحكومة ورئيسها بعد امتحان النتيجة. في المقابل من يعارض توجهات وآمال منصور عباس ينبغي أن يطرح بديلا حقيقيا لمواجهة الجريمة وبقية التحديات.
المؤكد أيضا أنه من واجبات القيادات السياسية والأهلية العربية وضع القضية الحمراء هذه برأس أولوياتها فعلا وتعمل( فعلا مثابرا مخططا جامعا لا قولا فحسب) بـ أدوات غير قديمة ومتقادمة وعقيمة علها تنجح بـ إلزام الحكومة على تغيير سياساتها من هذه الناحية. تشمل مثل هذه الأدوات نقل الاحتجاجات على تواطؤ الشرطة للمدن الإسرائيلية وتجنيد بعض الحلفاء على الأقل في الإعلام العبري، إضراب القيادات الحقيقي عن الطعام وحملة واسعة بالعبرية لـ حشد الضغط على الحكومة، تستحضر المأساة الإنسانية النازفة وتحّذر من السكوت على السلاح الذي سيصل للجانب اليهودي وغيره.
الكثير من جلب المنافع أو درء المفاسد يحتاج لـ أفعال وتثقيف وتعبئة وتواصل دائم مع الجمهور. فـ هل تعود الأحزاب والجمعيات العربية ( والمجالس المحلية) إلى الميدان .. للتثقيف والجهود الوقائية بدلا من مخاطبة الجمهور من الكنيست ومن الإعلام ومنتديات التواصل الاجتماعي ؟ بدون ذلك العنف سـ يتسع وسنسبق الإسرائيليين في التطبيع إن لم نكن قد صرنا هناك وفق المعلومات القادمة من مدن الزجاج وأبراج الذهب في الخليج. إن لم نعمل بموجب معادلة توازن القول والفعل وتجمع السياسي باليومي والسعي لحل أو تخفيف مشاكل حارقة بالنسبة للشباب العرب كأزمة البناء واستشراء الجريمة والبطالة سيتركنا هؤلاء ويذهبون لـ إسرائيل وحليفاتها المطبعات الجدد بحثا عن أفق وأنصاف حلول بدون الأحزاب التي هرمت والقيادات التي شاخت وترفض التجدد وتبقى عالقة بـ تغليب الأنا والحزب على الكل الجامع.. وبدون الحد الأدنى من الكرامة الوطنية.. وهناك مؤشرات أن ذلك ليس بعيدا عن عتبة باب بيوتنا.. وهذا ينطبق على السياسة بكل موكناتها وساحاتها وعلى ولن تنجو عندئذ الأحزاب ولا المشتركة ولا المتابعة من تصحّر سياسي سيتسع بشكل غير مسبوق. سيتفاقم هذا التصحّر وهذه العدمية الوطنية في ظل بداية انفتاح إسرائيلي أكثر فأكثر على اللاعب العربي في الحلبة السياسية الإسرائيلية فحتى الآن لعبت العنصرية الإقصائية للآخر الإسرائيلي في بقائنا في حضن الأم الطبيعية أو لجانبها أو قربها والويل إن فتحت أبوابه الاقتصادية والسياسة عندنا على حالتها المأزومة هذه. سنبقى هنا وأبناؤنا ربما يذهبون إلى هناك ويبقون لنا شعاراتنا وخلافاتنا وانشغالانا بـ الأنا أما ثوابتنا فتبدو عندها أقرب لـ المتحف ولنا عبرة بما حصل لدى الأشقاء في الأرض المحتلة عام 1967 بعد تحّنط وتحجّر الفصائل الفلسطينية والموت السريري لـ منظمة التحرير !