قضية تي بي جوشوا: انعكاس لأزمة حكمنا المحلي

 

زيارة تي بي جوشوا الى جبل القفزة في مدينة الناصرة اثارت في الأيام الأخيرة نقاشاً حاداً على مستوى مدينة الناصرة خاصةً والمجتمع العربي عامةً. تأتي هذه الزيارة بتنسيق بين بلدية الناصرة ومجموعة تي بي جوشوا إذ وافقت البلدية على منحه الحق في استعمال مدرج جبل القفزة لعقد امسيات من المتوقع ان يشارك بها عشرات الالاف.

للقضية ابعاد اقتصادية، إجتماعية، قانونية وسياسية تشغل المعارضين والمؤيدين ولكن جميعها، باعتقادي، ليست لب الموضوع. جوهر القضية هو جودة وميزات الديمقراطية المحلية التي تحيط سلطاتنا المحلية العربية.

المحور الأول الذي تكشفه القضية هو محور الشفافية المنقوصة أو المعدومة تماماً. أحد المبادئ المركزية للديمقراطية عامة والديمقراطية المحلية خاصة هو شفافية العمل وسيرورة إتخاد القرارات. وأقول “مبدأ” بغية التَّنويه إلى أنَّ وجوب العمل بشفافيّة تامَّة لا يرتكز على البعد القانونيّ فحسب، وإنّما على ثقة الجمهور أيضًا، فالعمل بشفافيّة يُعزّز ثقة الجمهور بقرارات مؤسَّساته ومُنتخَبيه. إضافةً إلى ذلك، فإنّ الشَّفافيّة هي شرط أساسيّ لإشراك الجمهور في عمليّة اتّخاذ القرارات وضمان حيّز ديمقراطيّ حقيقيّ في السّاحة المحليّة. في قضية تي بي جوشوا تم خرق مبدأ الشفافية إذ أن كل الأطراف ذوي العلاقة (الجمهور العام، أعضاء المجلس البلدي والجهات المعنية في المدينة) لم يعلموا بالأمر إلا أيام قبل الحدث وحتى الأن الحيثيات الدقيقة للتفاهمات بين البلدية ومجموعة تي بي جوشوا غير واضحة. عدم تطبيق مبدأ الشفافية منع الجمهور عامًة ومنتخبيه (أعضاء المجلس البلدي) خاصًة من بلورة موقف يستند إلى الأوراق والبينات وأضفى على النقاش، بطبيعة الحال، نوعًا من الضبابية والتكهنات التي تضعف ثقة الناس وتثير الشكوك (لربما بغير حق.(

المحور الثاني الذي تكشفه القضية هو محور مشاركة الجمهور في عملية اتّخاذ القرارات. انخراط الجمهور ومشاركته هــو المبدأ المكمل للشفافية فبدون مشاركة الجمهور يبقى مبدأ الشفافية مبدءًا نظريًا. هذا الهدف لا يمكن تحقيقه إلا إذا مُنح للجمهور فرص ملائمة للتأثير على بلورة القرار وليس فقط حتلنة بعد اتخاذه. عندما يدور الحديث عن مشاريع كبيرة لها أبعاد متعددة (كما في هذه الحالة) تصبح مسألة إشراك الجمهور ركنًا مركزيًا في سيرورة القرار يمكن من خلالها حصد الملاحظات والتحفظات والاقتراحات من الفئات والمختصين ذوي العلاقة. ردود الفعل المسبقة من الجمهور، المجموعات الناشطة محليًا ومنتخبيه  تمكن السلطة المحلية من تطوير المشروع المقترح أو تغيير طابعه بما يتناسب مع ملاحظات الجمهور ومواقفه. للأسف، في هذه الحالة لم يذوت نهج الحوار البنّاء مع الجمهور الذي كان سيمكن السلطة المحلية من اتخاذ القرار المناسب بعد سماع موقف الجمهور (وليس قبله).

المحور الثالث والأهم الذي تكشفه القضية هو محور علاقة الأغلبية والأقلية (الائتلاف والمعارضة) في سلطاتنا المحلية. لا يختلف أثنان أن لرئيس كل سلطة محلية، المدعوم بأغلبية المجلس البلدي، الحق في تحديد السياسة العامة للسلطة المحلية في إطار المساحات القانونية الممكنة. إلا أن الديمقراطية ليست حكم الأغلبية (الائتلاف) فحسب إنما أيضًا، ولا يقل أهمية، إحترام لحقوق ورأي الطرف الأخر، أياً كان. هذا ما نقوله يوميًا (وبحق) إزاء قرارات الحكومة وقوانينها التي تمس بمجتمعنا العربي في البلاد، بلغته، بثقافته، بهويته، بحريته وبحقوقه. للأسف، قضية تي بي جوشوا تعكس، أولاً وأخيرًا، هشاشة الديمقراطية في سلطاتنا المحلية التي ترتكز على حكم الرئيس والأغلبية دون الاكتراث الى الرغبات والموقف للطرف الأخر (الذي يمكن ان يكون ايضًا من داخل الائتلاف). الاهتمام بموقف الفئات الأخرى والرأي الأخر لا يعني أن تتنازل إدارة السلطة عن حقها في تحديد السياسة العامة، إنما أن تعدل عن قرارها (أو على الأقل أن تقوم بتغييرات جذرية) في الحالات المحددة التي تظهر بها معارضة واضحة وواسعة لمشروع عيني.

قضية تي بي جوشوا هي مرآة تعكس واقع حكمنا المحلي المأزوم وتعكس سبل إتخاذ القرار في الأغلبية الساحقة من سلطاتنا المحلية. للأسف، لم نذوت بعد الركائز الأساسية والجوهرية للديمقراطية المحلية كاحترام الرأي الأخر ومشاركة الجمهور والشفافية واكتفينا بالميزات الشكلية والتقنية (انتخابات، ائتلاف ومعارضة واتخاذ قرارات بالأغلبية العددية وغيرها). المطلوب هو ممارسة ديمقراطية حقيقية في حكمنا المحلية نصدرها إلى المستوى القطري وليس العكس.

 

 

المحامي نضال حايك،

المدير العام لجمعيّةمحامون من أجل إدارة سّليمةالّتي تعمل لتطوير الإدارة السّليمة في السّلطات المحلّيّة العربيّة.

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .