لا يختلف عاقلان ان الزواج هو اقدس اتفاقية قد يبرمها شخصان من جنسين مختلفين من اجل العيش المشترك تحت سقف الابوية الاسرية لتكوين عش زوجية حميم , ينتج , أو لا ينتج عنه أولاد , يكون فيهما التوافق والمصلحة المشتركة هما عماد هذا التوافق , حيث من البديهي والطبيعي ان ينصهر الواحد فيما الاخر ويضحيا متعاضدين ومتآزرين في السراء والضراء حتى اخر رمق فيهما .
قد يتساءل سائل : اذا كانت هذه اتفاقية , قد يدخلها احد من باب المصلحة الشخصية لمكاسب انية أو ربما لأمور أخرى , ولا ريب ان يدخلها او يخرج منها متى اقتضت مصالحه ذلك , فما الفرق بينها وبين أي اتفاقية أخرى ؟! , وهنا يأتي الجواب اليقين , وربما القاطع , ان كل شيء قابل لتجزئه عدا الإحساس والمشاعر الإنسانية , ولا يمكن لنا ان نحيى دونها في اطمئنان لنفوسنا البشرية , ناهيك عن ان القيمة الحقيقة للإنسان كونه انسان تكتمن في مدى عطائه الحقيقي المثمر للإنسان والإنسانية على حد سواء .
” يعد الزواج وسيلة من وسائل تدعيم التضامن الاجتماعي وتوسيع دائرة العلاقات الاجتماعية بين الأسر المتصاهرة داخل المجتمع ،ويقوي روابط الألفة و المحبة والتعاون وتحقيق الانتماء والمكانة الاجتماعية , حيث يرتبط الرجل والمرأة برباط مقدس ،وهو أساس تكوين الأسرة المنشودة ،فلا مكان لقيام أسرة صالحة، أو أسرة حقيقية بغير الزواج, كذلك تختلف طقوس الزواج ومعتقداته باختلاف المجتمعات والأديان والأزمنة والأمكنة” .
هنالك بعض الفوارق في تعريف الزواج بين ” الرؤية” العلمانية والدينية التي تعارض في الأساس الزواج المختلط ولا تعترف به للحد من رقعته , فالزواج عبارة عن علاقات متعددة الوجوه، فهو علاقة مركبة تتضمن النواحي البيولوجية والدينية والاقتصادية والقانونية والانثروبولوجية والنفسية والاجتماعية.. الخ . فمفهوم الزواج يختلف باختلاف هذه الوجوه: فها هو الزواج في اللغة معناه الاختلاط والاقتران، ويعني الاقتران بين شيئين، وارتباطهما معاً بعد أن كانا منفصلين عن بعضهما، وقد شاع استخدامه للتعبير عن الارتباط بين الرجل والمرأة بهدف الاستقرار، تقول العرب _زوج فلان ابله أي قرن بعضها بالبعص الآخر: وتقول تزوجه النوم أي خالطه ومن ذلك قوله تعالى ( احشروا الذين ظلموا وأزوا جهم ) أي قرناءهم الذين يحضونهم على الظلم ويغرونهم به .
المدنية أو العلمانية تعرف الزواج على انه ” زواج يتمّ توثيقه، وتسجيله في المحكمة التي تُطبّق الدستور والقانون بين شخصين مُسجَليّن في السجلات المدنيّة لدى الدولة أو من المُقيمين فيها، ويُعتبر أساسه إلغاء الفروقات الدينيّة، والمذهبية، والعرقية بين طرفي الزواج؛ فلا يمنع ارتباط اتباع الدين الإسلامي باتباع الدين المسيحي أو اليهودي أو العكس، ويتمّ بقبول الطرفين؛ الزوج والزوجة، وبحضور الشهود، وكاتب العَقد، ويتمتع المتزوجون مدنياً بكامل حقوقهم المدنيّة؛ الاجتماعيّة، والسياسية، والخدمية، ولا يجوز لأحد مخالفة ذلك؛ لأنه يُعتبر مُخالفة لقانون الدولة التي أتاحت هذا النوع من الزواج ” .
كذلك يعرف مفهوم الزواج أيضاً بأنه ” الأجراء لذي أنشأه المجتمع لتكوين الأسرة ” أو أنه علاقة جنسية دائمة نسبياً بين فردين من جنسين مختلفين على أن تكون هذه الوحدة مقبولة من الناحية الاجتماعية “بينما يرى فريق أخر من علماء الاجتماع الزواج بأنه النمط الاجتماعي الذي على أساسه يتم الاتفاق بين شخصين أو أكثر على تكوين أسرة.
اوجز هنا في اقتضاب تام تعريف الزواج لدى الديانة الإسلامية والمسيحية على سبيل المثال : حيث ان الزواج في الإسلام يتمّ من خلال عقد شرعيّ بشروط وكيفيّة معينتين، وبموجبه يحلّ استمتاع كلّ من الزّوجيّن بالآخر، قال النّبي صلى الله عليه وسلم: (استوصوا بالنِّساء خيرًا؛ فإنّهن عوان عندكم، استحللتم فروجهنّ بكلمة الله), فالزواج عقد شرعي، بين رجل وامرأة، غايته الإحصان وإنشاء أسرة مستقرة، برعاية الزوج، على أسس تكفل لهما تحمل أعبائها بمودة ورحمه. اما الزواج حسب تعليم الكتاب المقدس هو عقد بين طرفين مختوم ومصدق عليه بختم الهي. أي أنه من القوة والرباط ليس من السهل إلغائه أو كسره تحت نزعة أو أية ظروف عرضية ( المادة 29 ) , والزواج في قانون العائلة البيزنطي النافذ لدى طائفة الروم الاردثوذكسي هو اتحاد الرجل بالمرأة، ومشاطرتها العيش في السراء والضراء، ومشاركتها في جميع الحقوق الالهية والبشرية.
ان ابغض الحلال عند الله هو الطلاق , ولهذا يجب على الأزواج التروي والتعقل قبل اخذ قرار بفض العش الزوجي الذي من شأنه ان يقضي مضاجع الاسرة او الاسر الوادعة , وان يضحى الأطفال يأكلون الحصرم من صغرهم .
مع تمنياتي بالخير لجميع الاسر .
(د. سلمان خير مختص في القضايا الجنائية وشؤون العائلة)