ليست المرّة الأولى التي يتعرّض بها جدعون ليفي لهجوم واسع، مخْتَلِف المصادر والمستويات، فطالما تعرّض لمثل هذا الهجوم، ولاعتداءات واتهامات عنصرية، لأنه يقف في وجه احتلال قبيح، متغطرس، ينفّذ أحكاما ميدانيّة، بلا محاكمات على الحواجز، وفي الطرقات وفي الحقول وعلى عتبات البيوت، وحتى داخل البيوت وفي غرف النوم. ينفّذ أحكاما ميدانيّة ضد أطفال، طلاب مدارس، بمجرد ما يلوّح أحدهم بسكين أو مقص أو مبرد، أو بمجرد ما أقدمت فتاة يائسة على الانتحار، بسبب الاحتلال وسياسة السلب والنهب والاعتداءات في الأقصى وسائر الأماكن المقدّسة، على الطرقات وفي كل مكان، فتلاقي الجنود على أهبة الاستعداد ، أياديهم على الزناد، بدلا من إنقاذها يطلقون النار لتحقيق الرغبة بالانتحار، وإشباعا لشهوتهم بالقتل.
يتعرّض جدعون ليفي هذه المرة، بسبب انتقاده لعائلة غولدين التي فقدت ابنها عشيّة عدوان الاحتلال المسمى “الجرف الصامد”، وتطالب بإعادة جثّته، وهذا من حقّها، ويقول ذلك أيضا جدعون ليفي، إنّ من حقّ هذه العائلة ، ومن واجب الحكومة أن تُطالب بإعادة الجثّة ولكن بالطرق الأخلاقيّة والإنسانيّة، وليس بالتحريض كما يبدو من تصريحات هذه العائلة، وليس من حقّها، ولا من حقّ غيرها أن تُطالب بأن يكون ثمن ذلك مئات الضحايا الفلسطينيين المدنيين الأبرياء، أو إلقاء كوارث على مليوني إنسان في غزّة، أو قطع الزيارات عن آلاف المساجين، وقطع الكهرباء عن قطاع غزة، وليس من حق أحد، إنسانيا أو أخلاقيا أو حتى قانونيّا، أن تتحول مطالبه إلى حملة تحريض يتبناها نظام عنصري وحيد في العالم يمارس نظام الفصل العنصري (الأبرتهايد)، نظام يخطف جثث قتلاه من الأطفال والنساء، ويحتجزها، ويمنع إقامة الجنازات ، ويهدم بيوت ذويهم، ويشرّد عائلاتهم.
عائلة غولدين التي فقدت ابنها في معركة، طالبت بعدم الخروج من قطاع غزة، وطالبت بالاستمرار بالحرب والقتل، وبالحصار، وتطالب بإحلال الكوارث على القطاع وقطع الكهرباء صيفا أو شتاء، وإلغاء زيارات المساجين في السجون الإسرائيليّة، وتجنّدت معها الحكومة برئيسها ووزرائها متناسين مئات الجُثث الفلسطينية التي لم تُعَدْ لذويها ، وآلاف المساجين الأمنيين الذين لم تُقدّم ضدهم حتى لوائح اتهام ورغم ذلك يقبعون في ظلمات السجون الإسرائيلية ويعانون من القهر والمعاملة السيّئة.
جدعون ليفي لا ينكر حقّ هذه العائلة أو غيرها بالمطالبة بإعطاء كلّ ذي حقّ حقّه، ولكن بمقدار ما يستحق وبقليل من الأخلاق والإنسانية.
جدعون ليفي ليس نذلا، ولا خسيسا، ولا حاقدا كما وصفه نتنياهو. الخِسَّة والنذالة والحقد في ترسيخ احتلال لا ينتهي. الخِسَّة عدم اعتبار الإنسان الآخر، النذالة في إلغاء وجود شعب كامل والاستهانة بحياته واشتهاء قتله.
مُطالبة إعادة الجُثث بهذه الطريقة وبهذا الأسلوب المحرّض، واستعمال الذرائع من أجل الترخيص بحياة شعب كامل، مُقابل جُثّة عزيز على قلوب ذويه – بدون شك – مع تجاهل أنّ للآخرين أعزُاء قُتِلوا ولم تُعاد جثثهم، هذه الطريقة وهذا الأسلوب يضع شعبا كاملا ثمنا لجثّة واحدة، هذا أسلوب غير حضاري وغير إنساني لا يخلو من النذالة والخِسّة والحقد، ولا يخلو من تحريض غير مباشر.