حسين مهنّا الباقي فينا، بروحه إنساناً، وبإبداعه شاعراً! د. محمد هيبي

 

الحضور الكريم أسعد الله مساءكم

الزوجة المصون، أم راشد

الأبناء والبنات الأوفياء

آل مهنّا المحترمين

أهالي البقيعة الكرام

وقفت معكم وبينكم يوم رحل أبو راشد الإنسان، ورحل معه الشاعر الملهم حسين مهنّا. وكان الموقف صعبا، واليوم أجد الموقف لا يقلّ صعوبة، فأبو راشد لم تفقده العائلة فقط، ولا البقيعة فقط، بل فقده كلّ من عرفه وأحبّه، فقد كان إنسانا له صفاء نفس كصفاء ماء المزن.

واليوم أيضا، أقف أمامكم وأشارككم هذا الموقف الإنساني الجميل، بصفتي الشخصيّة، وبصفتي الأمين العامّ لـ “الاتّحاد القطريّ للأدباء الفلسطينيّين”.

على المستوى الشخصيّ، عرفت المرحوم، أبا راشد، أخا وصديقا ورفيقا، ربطتني به وبعائلته علاقة حميمة قامت على المحبّة والاحترام والاتّفاق في كثير من الأمور، ولم يُزعزعها أيّ خلاف في الرأي بيننا، فقد كان لطيفا صبورا، يعرف كيف يُصغي للآخر ويحترم رأيه مهما كان مختلفا.

وعلى مستوى “الاتّحاد القطريّ للأدباء الفلسطينيّين”، كان رحيل الشاعر حسين مهنا، ضربة مؤلمة لنا ولكلّ الحركة الأدبيّة العربية في هذه البلاد. فقد كان شاعرها المميّز وركنا من أركانها وأركان ثقافتنا. لذلك نحن كاتّحاد أدبيّ، وكجزء له دوره الفاعل في حركتنا الأدبيّة، نعزّي أنفسنا قبل أن نعزّي أهله وذويه، لأنّ علاقتنا بقامته الإبداعية كانت وستبقى ما بقي شعره، خاصّة وأنّنا نعرف أنّ محبّيه الذين يحترمونه ويحترمون تراثه الإبداعي، كُثر. ومن هنا نُؤكّد أنّ رحيل الأخ والصديق والرفيق، الشاعر حسين مهنا، هو رحيل الجسد فقط. حسين مهنا باقٍ فينا بروحه الطاهرة وتراثه الإنسانيّ والاجتماعي والإبداعيّ، فقد عرفه الجميع، بالإضافة إلى رحابة صدره ودماثة أخلاقه، وسعة قلبه الكبير الذي اتّسع للناس وأحبّهم جميعا، عرفه شاعرا وطنيّا صادق الحرف أمينا على ثوابت مجتمعه وشعبه.

حسين مهنّا باقٍ بيننا بموروثه الأدبي وشعره الإبداعيّ، فقد ترك لنا من الأعمال الأدبيّة المشبعة بأخلاقه وروحه الوطنيّة والإنسانيّة التي ودّت لو تجمع الناس جميعا على كلمة واحدة، ترك لنا ما يجعله أيقونة وطنيّة وإنسانيّة، وشعلة تُضيء لنا الطريق.

لا نبالغ إذا قلنا إنّ حسين مهنا هو شاعر الحبّ والمرأة، المرأة التي أنصفها في شعره وجعلها شريكا مساويا للرجل، لا تقلّ واجباتها عن واجباته وحقوقها عن حقوقه. وهو شاعر الأرض والفلّاح، وشاعر الوطن كلّ الوطن. ألم يكن هو القائل: “أنا من البقيعة وكلّ قرية في فلسطين بقيعة”.

حسين مهنّا شاعر البقيعة والجليل وفلسطين كلّها. وقد ورث حبّ الأرض والوطن عن آبائه وأجداده، أصحاب هذا التراب وهذا الوطن. وقد تدفّق هذا الحبّ حين تغنّى بالجليل وترابه قائلا:

 

وقد أورثونا

محبّة هذا الجليل

وحبّ الحياة

وعشقَ قرانا

 

* * * * *

 

لنا فوق هذا الجليل

تراب جليل

عليه نقيمُ

ومنه نبتْنا كما ينبتُ العشبُ

والأقحوان.

وبين يديه تركنا طفولتنا

والشباب.

لنكبر فيه ويكبر فينا.

حسين مهنّا شاعر شيوعيّ أمميّ تغنّى بحقّ الشعوب بتقرير مصيرها، وعلى رأسها شعبنا الفلسطينيّ. وهو شاعر الإنسانية كلّها، فقد كره الظلم وودّ لو يرفعه عن كلّ المظلومين. فقد أراد أن يكون شعره وبالا على رؤوس كلّ الظالمين.

رحمه الله وجعل حسن عزائنا مغروفا من سطور إبداعه.

وأن ننسى … لن ننسى!

البقيعة – 14/12/2024

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .