على ضوء الجدل القائم واختلاف وجهات النظر حول موضوع التثقيف الجنسي بالمدارس العربية وتعدد الآراء والمواقف، وبخاصة بين موقف الموافقين وموقف المعارضين هنالك مجموعات تقليدية رفضت رفضًا باتًا البتّ بالموضوع والحديث عنه، وهنالك من عارض بسبب محظورات القيم الاجتماعية وموانعها، وهنالك من أيّد بموافقة متحفظة، وأخرى بعد دراسة عميقة للموضوع، وآخرون أيّدوا ذلك بعد انكشاف طلابنا وأبنائنا لمغالطات الثقافات الجنسوية العالميّة، من وسائل التكنولوجيا المتعددة وحرصهم على تلقّي المعلومات بشكل أفضل من المدرسة. من هنا رأيت أنّه من الضروري ومن الحري بي الكتابة عن الموضوع من وجهة نظري كمربّية وكاتبة، ولأنني أرى أن تداولنا لهذا الموضوع أصبح ضرورة ملحة من أجل تكوين شخصيات أبنائنا والحفاظ على مجتمعنا العربيّ في عالم يتميز بالتطور والتغير المستمر والمتسارع، وأن المواضيع المتعلقة بالجنس أصبحت عبارة عن مواضيع يتناوله الأبناء كشيء من قبيل المزاح والسخرية في التبادل الكلامي اليومي المتداول بين الطلاب وإننا كمعلمين كذلك والأهالي نعيش ذلك الواقع مع طلابنا وأبنائنا.
عندما نتحدث عن التربية الجنسية فنحن نتحدث عن عملية اكتساب معلومات وتشكيل اتجاهات واعتقادات حول الجنس والهوية الجنسية والعلاقات العاطفية، والتي تُعنى بتطوير مهارات الأفراد حتى يحصلوا على معلومات صحيحة، ويتزوّدوا بحقائق علمية حول الجنس، بحيث تساعد الأفراد على حماية أنفسهم ضد الاستغلال والاغتصاب والعلاقات غير المشروعة والأمراض المنقولة جنسيًا مثل “الأيدز” وغيره من الأمراض.
وتهدف التربية الجنسية إلى تجنب الأخطار الناتجة عن السلوك الجنسي غير المشروع والأمراض المنقولة جنسيًا، وتحسين نوعية العلاقات، وتهدف أيضا إلى تطوير قدرات الأفراد لصنع قرارات بكل ما يتعلّق بحيواتهم. (خوالدة، علي. 2013)
هنالك بحث شامل ومُلهم قامت به كل من د. “خولة أبو بكر” و”أحلام رحال”، عنوانه “مواقف المعلمين في موضوع التربية الجنسية – نظرة بين ثقافية” في نطاق أكاديمية “القاسمي” أنصح جميع المهتمّين وذوي العلاقة بالموضوع بقراءته والاطلاع على مضمونه لما يتضمن من أهمية بالغة في موضوع الثقافة الجنسوية والتربية الجنسية في المدارس، حيث تطرقتا إلى أهمية المدرسة ودور المعلمين في تمرير مضامين برنامج التثقيف الجنسي وتحدثتا بإسهاب عن اختلاف الآراء بالثقافات والمجتمعات بتقبلها للموضوع وأهمية دور المعلم كعنصر أساسي ومركزي في عملية إنجاح البرنامج في المدارس.
وفي دراسة أخرى أجرتها عوز (1991، OZ) على مجموعة من المعلمين العرب حيث فحصت مواقفهم بالنسبة لإدراج برنامج التثقيف الجنسي بالمدارس. وكانت النتيجة أن هنالك دعمًا للمعلمين لهذا الموضوع، ولم يكن تأثير لسنّ المعلمين على مواقفهم بإدراج الموضوع بالمدارس أو مضامينه، حيث كان دعم المعلمين المتقدمين في السن لمواضيع مبنى الجسم، الإخصاب، الحمل والولادة أقل من دعم المعلمين الأصغر سنًا. ولم يؤيد المعلمون الشباب إدخال مضامين حول العلاقة الجنسية، وكان رفض من قبل الجميع حول تدريس مواد الامراض الجنسية
(1991، OZ)
أنا كمربيّة أرى عن كثب ما يجري بشكل واقعيّ وعملي ومن خلال اطّلاعي ودراساتي النظرية أؤيد إدراج الثقافة الجنسوية في مدارسنا العربيّة إذا وضعت في سياقها السليم. إن مثل هذه البرامج هامة وضرورية جدًا، لذا يجب إدراجها ضمن البرامج الدراسية والتثقيفية لطلابنا وخصوصًا أن الكثيرين من الأهالي يجهلون أو يجدون حرجًا وصعوبة بالتحدث مع أولادهم بمواضيع الجنسوية وأحيانًا يقومون بتزويد أبنائهم بمعلومات يمكن أن تكون مغلوطة.
لقد اطّلعت على بعض المضامين وكيفية عرضها على الطالب، حسب رأيي الشخصي كثير منها لا يناسب طبقة الجيل من مصطلحات وتعابير لغوية، لذلك أرى أن للغة واستخدام بعض المفردات أهمية كبرى في الموضوع، وأقصد هنا اختيار مصطلحات مناسبة وانتقاء مفردات وألفاظ لا تشير إلى أن الجنس شيء مبتذل وقذر، حتى أن عملية عرض المادة من قبل مشرفة واحدة وبشكل مكثّف من شأنها أن تدخل الطالب في بلبلة ومتاهة لا تحمد عقباها.
لذلك أرى أنه يتوجب علينا الاهتمام بعدة مرتكزات أساسية تتعلق في طرح الموضوع:
أولُا: بما أن هناك اختلاف في العادات والتقاليد بتنوع الثقافات والحضارات فلا يجوز استخدام أو نسخ أي برنامج تم وضعه لأي مجتمع أجنبي كان، ومن ثم يتم إدراجه وإلصاقه بالمجتمع العربي، ليس أبناؤنا حقلًا للتجارب. إن هذه البرامج مآلها إلى الفشل مثلها مثل العديد من البرامج التي تم نسخها وإدخالها للمدارس العربية بشكل آلي دون أخذ مميزات المجتمع العربي وظروفه وقيمه، ولذلك حادت عن هدفها الأساسي، وغالبًا ما تكون فشلت.
ثانيًا: مضامين التثقيف الجنسي يجب أن تدمج ضمن المناهج والبرامج التعليمية السنوية المعدة بشكل مهني من قبل المختصين من الوزارة في شتى المواضيع العربية، العبرية، الإنجليزية، حصص التربية والمهارات الحياتية، وعدم طرحه ضمن برنامج أحادي ومكثف يعرض دفعة واحدة على الطالب، يجب أن يكون بدفعات متنوعة وأقصد بذلك مرة عن طريق فيلم قصير أو قصة أو مقطع من كتاب أو درس في مؤسسة دينية: مسجد أو كنيسة كي ترسخ المعلومات في ذهن الطالب ويتم استيعابها وفهمها بما يواكب جيله ونمو عقله.
ثالثًا: تهيئة المدارس وطواقم المعلمين والإدارات من خلال سلسلة من الدورات والإرشادات من قبل مختصين وخبراء مهنيين مؤهلين لنشر الثقافة ومراقبة المحتوى والمضمون (ملاحظة هامة: عندما نقول مهنيين أي أناس مختصين بتخصصات الجنسوية وليس دورة في المجال فقط)
رابعًا: ملاءمة المضامين لطبقة الجيل، أي أن طالبًا في الصف السادس تناسبه مضامين ومصطلحات مختلفة عن طالب في الصف العاشر.
خامسًا: إرشاد أهالي الطلاب بالموضوع حتى يكونوا على دراية تامة لما يتلقاه ابناؤهم وكيفية التعامل مع الموضوع وذلك عن طريق دورات توعية أو لقاءات دورية.
سادسًا: تسجيل برامج محوسبة عن الموضوع من قبل الوزارة يستطيع الطالب والطواقم التعليمية وكذلك الأهالي الدخول إليها ومشاهدتها في أي وقت.
سابعًا: إقامة موقع محوسب خاص يضم فعاليات وأوراق عمل خاصة بالموضوع، كأدوات مساعدة للمعلم ووسائل لتمرير المواد.
ثامنًا: عرض البرنامج كتجربة طلائعية في بعض المدارس العربية لمدة سنة قبل إدخاله بشكل شامل في جميع المدارس.
إنّي على يقين أنه يصعب علينا كمجتمع تجنب هذا الموضوع والتعامل وكأنّه غير قائم وغير مهم، ومن هنا أدعو إلى اتّباع استراتيجية تربوية تعاونية نتآزر بها جميعًا: أهالي ومعلمين ومسؤولين في وزارة التربية والتعليم ووسائل الإعلام ولجان أولياء أمور الطلاب حتى نوصل المعلومات الصحيحة لطلابنا بدلًا من حصولهم على معلومات مغلوطة من مصادر مختلفة وبشكل عشوائيّ.