العيد، مناسبة مميزة نخلد فيها وأفراد العائلة لنتأمل ونحاسب أنفسنا عن فترة مرت بسرعة ونحن في غفلة من الزمن، يعود العيد لنجتمع معاً بمحبة وتآلف ليزرع في القلوب سنابل حب وفرح وتواصل، كل شيء في العيد يصبح أجمل وأرقى، نشعر بحاجة لملامسة الفرح والابتعاد عن الألم، يعود العيد حاملاً مشاعر الحب والطيبة، للأسرة، للأهل، للأقارب، للأصدقاء والمعارف وللبشرية جمعاء.
لكن، في الآونة الأخيرة طرأ تغير على سلوكياتنا، ودخلت أنماطاً جديدة بعيدة عما تعودنا عليه وقمنا بممارسته على مدى سنوات، فقد كانت البيوت أيام العيد مليئة بالأهل والاقارب والأصدقاء، فلا يكاد يخرج فوج من المعيدين إلا ودخل فوج آخر، أما اليوم فالبيوت في العيد باتت خالية من سكانها، فمنهم من سافر لقضاء إجازته خارج البلدة أو خارج البلاد، ومنهم من خرج الى أحضان الطبيعة والحدائق العامة، ومنهم من لجأ الى التسوق والمتنزهات. كنا نعايد بعضنا بمحبة وفرح، ندخل البيت ثم نذهب الى البيت الآخر فينضم إلينا أحد افراد البيت لنصبح مجموعة كبيرة متحابة، نستمتع بالحلوى المتواضعة من صنع ربة البيت “نقلية”. أما اليوم فلم تعد الزيارات كما كانت، فأقرب الناس لا يأتي ليعايدك حتى الجيران لم تعد لديهم الألفة والحرص على معايدة بعضهم. كذلك الأطفال كانوا أكثر فرحًا بالعيدية التي يجمعونها في الصباح الباكر من بيوت الجيران المفتوحة طوال أيام العيد، أما اليوم فبالكاد يرى الجار جاره، او يدعو له بالخير، وقد “تخاطر” لمعايدة جارك فتراه مسافرا لقضاء العيد خارج البيت قبل ان يعايد جاره.
كان العيد هادئا هنيئا، أما اليوم فتكره العيد من كثرة المفرقعات وأزيز الرصاص، كانت الأبواب مشرعة والحلويات معروضة على الطاولة، وقد تجد الجار وقد يكون في معايدة فتتناول الحلوى وتبارك لصاحب البيت، أما اليوم فالأبواب مغلقة وأصحاب البيوت نيام غير مكترثين بالعيد ورسالته، فلا تجرؤ على إيقاظهم لمعايدتهم، فقد تسمع ملاحظات لا تروق لك لأنه يرغب بالخلود الى الراحة فتختصر، وتلازم بيتك.
شخصيا، أنا مع تغييرات لبعض السلوكيات في العيد، وقد يكون التغيير أحيانا ضرورة لتجاوز وضع معين، إلا أن ذلك يتطلب إدخال تغييرات أخرى في ثقافة وقيم الأفراد داخل المجتمع، حتى يتماشى مع التغيير الجديد مثل محاولة إرساء قيم وعادات جديدة، فعلى سبيل المثال لا الحصر لا أمانع في الخروج من المنزل وقضاء رحلة مع العائلة او الأقارب أو الأصدقاء، ولكن يمكن القيام بذلك بعد انقضاء يومين على الأقل من العيد وتأدية الواجبات الاجتماعية، وبعد ذلك يمكن التفكير بالخروج والسفر، لأن الابتعاد يؤدي الى الجفاء وقلة التعارف بين الناس يُبعد الألفة والمحبة والتآخي بين بني البشر. دعونا نجتمع في أيام العيد الأولى كي تتصافح النفوس جنباً إلى جنب مع الأيادي، لأن هذا من المقاصد العظيمة التي شرعت لأجلها الأعياد في كافة الأديان، دعونا نتسامح ونرسخ قيم التلاحم بين أفراد المجتمع ونوثق الروابط بيننا، لأننا عندما نتسامح مع الآخرين نشعر بالسعادة ونعيش حياة كلها طمأنينة، فالتسامح يمد جسور المحبة والإخاء والرحمة ويوطد العلاقات الإنسانية الحميمة ويكسبنا محبة الآخرين، حيث يسلم الصغير على الكبير والغني على الفقير والقوي على الضعيف، وها هي الفرصة المواتية كي نمحو الخصومة والعداوة والبغضاء ولنضع مكانها المحبة والحِلم والصفح.
كل عام وأنتم بألف خير.
(شفاغمرو)