لو بعث الله تعالى أجدادنا العباقرة إلى الحياة الدّنيا في هذه الأيّام واطّلعوا على حياتنا السّياسيّة والثّقافيّة والعلميّة والاجتماعيّة… لو قرأوا صحافتنا اليوميّة ومجلاتنا الأسبوعيّة، لو شاهدوا برامج فضائيّاتنا التي لا تحصى ولا تعدّ، لو استمعوا إلى إذاعاتنا على الموجات الطّويلة والمتوسطة والقصيرة… ماذا يقول البصير الذي بلا عينين أبو العلاء المعريّ إذا جاء إلى معرّة النّعمان ومرّ بدمشق ثمّ بحلب يحمل بيده اليمنى “رسالة الغفران” وبيده اليسرى “اللزوميّات” فشاهد “جبهة النّصرة” يدمّرون المدن والقرى ويحرقون الجثث ويقتلون النّساء والأطفال ويهدمون تمثاله ويحطّمون عينيه اللتين تريان ما لا يرون ؟ وماذا يقول الخوارزميّ إذا عاد يحمل “مفاتيح العلوم” وسافر من مدينة السّلام إلى الشّهباء فاعترضه جنود “داعش” فيما كان فرسانهم ينحرون صحافيّا يابانيّا لا ذنب له سوى أنّه لم ينطق الشّهادتين مثل الغالبيّة العظمى من سكّان الكرة الأرضيّة ؟ وماذا كان سيقول جابر بن حيّان لو رجع إلى الكوفة وبغداد يحمل بيده الأولى “أسرار الكيمياء” وبيده الثّانية “علم الهيئة” ورأى غلاة “داعش” يحرقون طيّارا أسيرا عربيّا مسلما وينسون ما قاله الرّسول الكريم لكفّار مكّة “اذهبوا فأنتم الطّلقاء” ؟ وماذا يقول عبد الرّحمن بن خلدون لو أتى يحمل “المقدّمة” الشّهيرة لكتاب “العبر” وشاهد ما يفعله “أنصار بيت المقدس” في سيناء وعلى ضفاف النّيل من قتل وحرق واغتيال ودمار وخراب ؟ وماذا سيقول ابن رشد لو قدم يحمل “تهافت التّهافت” و “فصل المقال فيما بين الحكمة والشّريعة من الاتّصال” ورأى ما يفعله الليبيّون المتأسلمون في مدنهم الجميلة: طرابلس الغرب وبنغازي ومصراتة ؟ وهل سيبكي ابن سيناء صاحب “القانون” و “الإشارات والتّنبيهات” وهو يقرأ ما فعلته “القاعدة” و “طالبان” و “باكوحرام” وأخواتهنّ بالسّبايا الصّغيرات والصّحافيّين ودور النّشر ودور السّينما والمسرح وتماثيل بوذا ؟
لو جاء هؤلاء العلماء إلى بلاد العرب والمسلمين وشاهدوا “داعش” و “طالبان” و “جبهة النّصرة” و “القاعدة” و”أنصار بيت المقدس” و “باكوحرام” وأخواتهنّ لوقفوا متسائلين: ماذا قدّمنا للبشريّة من آداب وعلوم في الطّبّ والفلك والرّياضيّات والكيمياء والاجتماع، وماذا يساوي اكتشافنا للدّورة الدّموية، وماذا يساوي قياسنا لطول السّنة ولدوران الأرض حول الشّمس أو حول نفسها أو ماذا يعني علم الجبر وجداول اللوغرثمات و… و… أمام عبقريّة “داعش” و “جبهة النّصرة” و “باكوحرام” واكتشافهم العصريّ العلميّ العبقريّ “جهاد النّكاح” الذي في سبيله يذبحون “صليبيّا” وينحرون “بوذيّا” ويحرقون “سنيّا” ويدفنون حيّا “أزيديّا” ويسبون فتيات صغيرات لعرضهنّ في أسواق النّخاسة وجعلهنّ إماء لشواذّ العصر ؟
يا سيدي يا رسول الله أنت بريء من هؤلاء اللا بشر !
يا الخلفاء الرّاشدون رضي الله عنكم أنتم بريئون من ذئاب الصّحراء !
يا الشّافعيّ والمالكيّ والحنبليّ والحنفيّ أنتم بريئون من الجلاوزة !
يا السّنيّ الأصيل والشّيعيّ الحقيقيّ أنتما بعيدان عنهم بعد الأرض عن المشتري !
أنا بريء يا رسول الله من هؤلاء القتلة .
لهم إسلامهم ولي إسلامي.
لهم إسلام القتل والحرق والنّهب والسّبي والخراب والجهل والاغتصاب ولي إسلام الرّحمة والمحبّة والإخاء والتّسامح والعلم والنّور .