أغلقَ حلوُ العيدِ البابَ على نفسِهِ حاجرًا نفسَهُ، رغمَ أنّه ليسَ مريضًا، ولكنّهُ فقدَ حلاوتَهُ رغمَ كلِّ السّكرِ الذي ذابَ فيهِ، لقد تغلغلتْ فيهِ المرارةُ، حتّى فقدَ الحلوُ روحَهَ الحُلوةَ. وقد انطفأتْ أنوارُ شجرةِ الميلادِ فغابتْ عن ناظريَّ في عتمةِ النّفسِ الحزينةِ.
نعم، كيفَ لا يُطأطئُ العيدُ رأسَهُ خجلًا منكِ يا بهجةَ العيدِ، ويا فرحَ القيامةِ للميلادِ المجيدِ! نعم، كيفَ لا يشعر بصغرِهِ أمامَ عظمةِ قلبِكِ وأنتِ تصارعينَ المرضَ، وتحملينَ الحياةَ الجديدةَ الجميلةَ في رحمِكِ، وتلدينَ طفلًا عفيفَ النّفسِ، مثلكِ يا بهجةَ الأخبارِ، وحلاوتَها التي يشتهيها حلوُ العيدِ، وعطرَها الذي تتمنّاهُ كلُّ الأزهارِ يا بشرى.
أيُّ قلبٍ هذا الذي ملأَ صدرَكِ، وغمرَ بيتَكِ، وفرشَ طرحتَهُ في ليلةِ عرسِهِ أمامَ أقدامِ طلّابِكِ، طريقًا لمستقبلٍ ينبضُ بالإنسانيّةِ والنّجاحِ والمحبّةِ، فلا نفرّقُ بينَهم وبينَ “نايا” بكرِكِ، أيّتُها المربيةُ التي يتمنّاها كلُّ الطّلّاب. عجيبٌ قلبُكِ هذا يستطيعُ أن يحتضنَ الجميعَ، وأنْ يستوطنَ في قلوبِهم جميعًا في نفسِ اللّحظة!
قبلَ أشهرٍ قليلةٍ، وقفنا أمامَ إنسانيّتِكِ مشدوهينَ، منعقدي اللّسان، متلبّكين؛ أحضرتِ ما طابَ منَ الحلوياتِ السّعيدةِ، بولادةِ العفيفِ من رحمِ العفّةِ، تحرسُهُ العافيةُ التي تناطحُ قرونَ المرضِ بأظافرَ مقلومةٍ، وأنيابٍ مكسورةٍ، وهي تحميهِ بحنانِ الأمِّ. كانَ الحلوُ الذي أكلناهُ بحياءٍ فيهِ الكثيرُ من المرِّ، لقد اختلط الحلوُ والمُرُّ في لحظةٍ، حلوُ بشرى الولادةِ في الماضي القريبِ، ومرُّ رحيلِ البشرى في المستقبلِ القريبِ. لم يستطعْ أحدٌ منَ الزّملاءِ أن يتفوّهَ ببنتِ فكرةٍ، رغمَ أنّ الجميعَ شعروا بنفسِ الألمِ الكبيرِ الممزوجِ بالفرحِ الصّغيرِ.
لقد تركتِ لنايا وعفيف ما يفاخرانِ بهِ العمرَ كلّهُ يا بشرى، لقد خلّفتِ لزوجِكِ وعائلتِكِ وأهلِكِ وأحبّائِكِ الكثيرَ ممّا يباهونَ بهِ، لقد أبقيتِ لطلّابِكِ الكثيرَ الذي يعتزّونَ بهِ، لقد طبعتِ على جبينِ مجتمعِكِ بصمةً تزيّنُ وجهَهُ حتّى نهايةِ الأيّامِ، بجمال أفعالِكِ، وطيبِ معشرِكِ، ورقيِّ أخلاقِكِ، وعلوِّ إنسانيّتكِ، وثباتِ شجاعتِكِ، وهذا عزاءُ المحبّين برحيلِكِ الفاجعِ يا بشرى.
سنعودُ إلى أنفسِنا بعد مراسمِ الجنازةِ، وبعدَ تقديمِ العزاءِ القاسي، وتقبّلِ العزاءِ الأليمِ، نحاولُ أن نبقيَ شيئًا جميلًا منكِ في نفوسِنا، فما أحوجَنا إليهِ في مواصلةِ دروبِ العيشِ وهي مسيّجةٌ بالمحبّةِ، مرصوفةٌ بالتّسامحِ، معطّرةٌ بحسنِ المعشرِ. سنختلي بأنفسِنا بعدَ انفضاضِ مجلسِ العزاءِ، لنفكّرَ كيفَ نشيّدُ من ذكرياتِنا معكِ مدرسةً تعلّمُ أطفالَ بلادي المحبّةَ منذُ نعومةِ أظفارهم، علّنا نستطيعُ ببعضِ المحبّةِ التي فاضت من نبعِ قلبِكِ أن ننشئَ جيلًا جديدًا يحقّقُ قيمَ الخيرِ والسّلامِ والأمنِ والعدلِ التي نحلمُ بها معتقدين أنّها بعيدةٌ، ولكنّك علّمتِنا أنّها موجودةٌ فينا، ونحن نحتاجُ إلى المعلّمِ الحاذقِ الماهرِ الصّابرِ الذي يجعلُها تتدفّقُ، من قلوبِ وعقولِ أجيالِنا الصّاعدةِ، جداولَ تروي قفارَنا. أنتِ باقيةٌ فينا يا بشرى ما بقينا.
إياد الحاج
أحد أفراد أسرة “يني”
18/12/2020