تأملات ما بين برلين، ماري كوري وجميلات درويش/ بروفيسور أشرف إبريق-

أكتب هذه السطور وأنا على متن الطائرة المتجهة إلى برلين. أعشق هذه المدينة ليس فقط لجمال أزقتها المكتظة بالمارة، تفاصيل أشجارها العارية، بناياتها الرصينة والدقه بتصميمها، متاحفها المثرية، أناقة أفرادها واختلاف أصولهم، بل ايضًا لتاريخها الصاخب والمؤثر ! برلين التي عاشت حربين عالميتين كانت وضواحيها ،كبوتسدام، مركزا مؤثرا في أحداث كثيرة خلال وبعد الحرب العالمية الثانية التي نتائجها صقلت العالم السياسي الذي نعيشه! وحين ازورها كل عام أعود وأعيش تاريخها من خلال زياراتي لأماكن مدهشة يعرفها أصدقائي المحليّون فيشدني ذلك لقراءة تاريخها عبر الروايات المثيرة التي دارت أحداثها ببرلين. إحداهم كانت رواية “مدينة النساء” بها تعيش أحداث “برلينيه” إبان الحرب العالمية الثانية ابطالها من النساء في مدينة قد تكاد تخلو من الرجال! في برلين اُجبرت المرأة ان تكون او ألا تكون حين كان الرجال يتساقطون الواحد تلو الاخر في حروب زهقت بأرواح الملايين! وبرلين هي مثال لما كان يدور في تلك الفترة في مدن عديدة في العالم وبداية لتحول كبير في مكانة المرأة على عدة أصعدة.

 

لا ارغب بتقسيم عالمنا إلى نساء ورجال وكأننا في سباق وتحدٍ! بل أودّ تقسيمه إلى أفراد يسعون أو لا يسعون لعالم أفضل في أي دور يأخوذنه,  صغيرًا كان ام كبيرًا ! ولا شك أن هناك تحديات جمّة أمام المرأة في جوانب عديدة وفي كثيرٍ من المجالات! ولكن ما أراه اليوم في مجتمعنا يبعث الكثير من الأمل، كون نسبة الطالبات الجامعيات في ازدياد مستمر الأمر الذي سيعود بالفائدة حتمًا على المجتمع ككل وعلى زيادة في الإبداع في المواضيع المختلفة من ضمنها الهندسة والعلوم.

 

واحتفاءً بيوم المرأة وكعالم في موضوع الكيمياء أودّ ان أُذكرَ بماري كوري وزميلتي عادا يونات اللتين حصلتا على جائزة نوبل في الكيمياء تقديرًا للاكتشافات العظيمة التي قاموا بها في أوقات مختلفة! فكوري الحاصلة أيضا على جائزة نوبل في الفيزياء، كانت من اكتشف عنصري الراديوم البولونيوم. والأخير أطلقت عليه بهذا الاسم نسبة إلى بلدها الأصلي بولندا  التي كانت مقسمه آنذاك بين عدة دول وبذلك أرادت إلقاء الضوء عليها لتحريرها. وهي الامرأة الأولى التي كانت قد فازت بهذه الجائزة والأولى أيضًا بين الرجال والنساء التي فازت بها في موضوعين مختلفين تلاها عالم واحد حتى الآن هو  لينوس باولنيچ الذي حاز على جائزة نوبل في الكيمياء واُخرى في السلام. أما العالمة يونات فكانت من ساهم في فهم مبنى وعمل الريبوسوم— الماكنة الجزيئة الرهيبة التي تقوم بتحويل المادة الوراثية إلى سلاسل بيبتيدية التي تنطوي لتكتسب مباني ثلاثية الأبعاد ولتكوين البروتينات التي تقوم بوظائف مختلفة في الكائنات الحية.

 

اعيش كل يوم المشاعر التي تُراود أفراد اي أقلية كانت، لكنني لم أكن يوما من الذين أعطوا أي اهتمام لهذا الجانب لتحفيز مشاعر الشفقة عند الآخر ! تزودت بالثقة وعملت جاهدًا لتحقيق الكثير على الصعيد المحلي والعالمي، رغم التحديات والصعوبات الكبيرة!  والنجاح الذي يُحقق بهذه الطريقة له الكثير من الأثر النفسي والإيجابي الذي تعجز الكلمات أحيانا عن وصفه— اعيشه في الأوقات الصعبة ليزيدني قوة والجميلة ليزيدها جمالا.

 

فجميلات درويش هُنّ الجميلات … والجميلات هُنّ ايضاً الأمهات، المجتهدات، العالمات، المثقفات والمحبات لكونهن نساء يزرعن الحب على اشكاله في عالم رويدًا رويدًا يفقد الكثير من طبيعته وإنسانيته!

* الصوره المرفقة مع زميلتي عادا يونات خلال المؤتمر  الذي عقد في اليابان عن عالم البيبتيدات، غلاف كتاب مدينة النساء وماري كوري.

تحياتي إلى نساء الأرض

بروفيسور أشرف إبريق

عالم في مجال الكيمياء – معهد التخنيون

08/ آذار/ 2018

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .