تمر منطقة الشرق الأوسط تغييرات سريعة تُلقي بظلالها على كافة شعوب المنطقة، قلبت الموازين راسا على عقب، وما كان بالأمس القريب أمرا مفهوما ضمنا بات اليوم غير مفهوم ويكتنفه الكثير من الغموض، وما من شك أن هذه المتغيرات أتت أيضا بمفاهيم جديدة على الطائفة المعروفية سلباً كان أم إيجاباً، وحيث اننا لسنا بمنعزل عما يدور حولنا من متغيرات، فإن السؤال الذي يطرح نفسه أمام هذه المستجدات هو كيف يمكننا مواجهة المخاطر المحدقة بنا من كل حدب وصوب؟ وهل في وضعنا الحالي يمكننا، ونحن نفتقر الى أبسط مفاهيم الوحدة والتنظيم، مواجهة هذه الاخطار؟! خاصة إذا تضاربت مصلحتنا مع مصلحة الدولة التي نعيش فيها.
من هنا ازدادت في الآونة الأخيرة الأصوات المنادية بالعودة الى موضوع تنظيم الطائفة الدرزية وترتيب اوراقها لما يواجهها من مخاطر، خاصة على ضوء ما يحدث من أمور مقلقة على مستوى دول الجوار والشرق الأوسط بصورة خاصة في ظل “الربيع العربي”، لان الطائفة المعروفية باتت بحاجة أكثر من ذي قبل الى قيادة تقودها الى شاطئ الأمان وبر الاطمئنان.
هنالك أمور كثيرة بحاجة الى شفافية وكشف للحقائق متوخين الحذر عدم المساس بأمور الدين، اما كل ما هو حول وخاصة فيما يخص الميزانيات والمعاشات وتنظيم لوجستي داخل الطائفة فهذا ما يجب ان يكون مطروحا على طاولة البحث ومعروضا للنقاش واستخلاص العبر على كافة المستويات، كون ذلك يصب في المصلحة العامة بعيدا عن الشخصنة والمنفعة الذاتية.
لماذا على سبيل المثال لا الحصر، لا يخصص قسم من الميزانية التي يتلقاها المجلس الديني كميزانية الى الطائفة الدرزية لجمعية “صندوق العون الدرزي” التي تدعم الطلاب الجامعيين، او لماذا لا يعطى مبلغا محترما لجمعية “انصروا الضعفاء” التي تدعم الطلاب المعوقين ومقرها جولس، او الى “بيت الأولاد” في حرفيش والتي بحاجة ماسة الى توسيعها لتشمل مراحل متقدمة للفتيات والشباب، اوليس بناء البشر قبل بناء الحجر؟! لماذا لا يقام بيت للطائفة تعقد فيه المؤتمرات والندوات مع مركز دراسات خاص بالطائفة؟! اليس من الضرورة بمكان البدء ببناء مستشفى؟ وهنالك الكثير من الأمور العالقة تنتظر الحل.
ثم ان منتدى رؤساء السلطات المحلية يفتقر أيضا الى إمكانية التحدي امام جحد السلطة وعدم ايفائها بالتزاماتها تجاه الطائفة في مكوناته الحالية، رغم بشائر نتمناها، بكل امانة، مع انطلاق اضراب الرؤساء الصادق والذي نأمل ان يستمر مهما كلف من تضحيات حتى يحصل المنتدى على الميزانيات اللازمة لسد الفجوات العميقة المتراكمة منذ سنين عديدة بسبب تقصير السلطة وبدعم من عكاكيزها.
هذا أيضا وضع أعضاء الكنيست الذين يواجهون حكومات غير مكترثة بمشاكل الطائفة، كما ان احزابهم لا تدعم نضالهم او مطالبهم، لتبقى أصواتهم صارخة في البرية دونما مجيب.
أما الجمعيات المستقلة فهي أيضاً لا تعمل بالتنسيق فيما بينها أو مع الأطر الفاعلة على الساحة المحلية، من هنا، وامام هذا الواقع المؤسف الذي نحياه، والذي أدى الى الإحباط لدى أبناء الطائفة المعروفية، إضافة الى العديد من الظواهر الاجتماعية المقلقة على كافة الأصعدة ودون الدخول في الحيثيات، يبقى السؤال مطروحاً ما هو الحل الأمثل أمام هذا الوضع المربك?!
نحن طائفة دينية، ومن هنا المنطلق فإن لرجال الدين تأثير على حياتنا، على رخصة قيادة السيارة للفتيات، وعلى زفة العريس، وعلى تعليم الفتاة، كل هذا ولا حلول في الأفق لان أحدا لا يريد ان يتحمل المسؤولية، ان عدم إيجاد الحلول لمشاكل قد تبدو للوهلة الأولى بسيطة، الا انها في الواقع ادت الى ابتعاد فئات كبيرة عن العادات والتقاليد التي ورثناها وكانت بمثابة محفزات للتقارب والوحدة، فزفة العريس التي ألغيت اوصلت الشباب والفتيات الى القاعات خارج قرانا بكل ما لذلك من انعكاسات سلبية، فلماذا لا تعاد زفة العريس مع الشروط المطلوبة من قبل المشايخ؟! لماذا تمنع الفتاة المتدينة من إتمام تعليمها الأكاديمي؟! حتى ان مسؤول كبير في جهاز التعليم اجبر ابنته على ترك الدراسة الجامعية قبل ان تحصل على الشهادة الجامعية، اليس ذلك منافيا لتعاليم شيخنا الفاضل (أبو هلال، رضي الله عنه وأرضاه) الذي ضرب أروع الأمثال بإقدامه على التعلم وقد تقدمت به السن وفعل ذلك عملا بالآية الشريفة: “احرصوا في طلب العلم وفي مصاحبة ألي الفهم”، مضيفا ان طلب العلم فريضة على كل موحد وموحدة، وكان شعاره: يليق العلم بالإنسان ما لاقت به الحياة. كذلك الامر بالنسبة لرخصة قيادة السيارة، اولم تخرج المرأة الى الحقل لمساعدة زوجها على الكد مستعملة الدواب وسيلة للنقل؟! إذا، لماذا تمنعون من النساء او الفتيات المتدينات قيادة السيارة والعيش بكرامة وحرية في نطاق شروط معقولة؟! هنالك أيضاً الكثير من القوانين التي سنها المجلس الديني او أدرجت ضمن ما يسمى ب: “خاطر مشايخ”، ولها تأثير على حياتنا اليومية، بحاجة الى تعديل وهي كثيرة وتلقي بظلالها على كل فرد منا، فإذا كانت هذه القوانين للحفاظ على العادات والتقاليد والعرض الى ما هنالك فبالإمكان إيجاد حلول عن طريق إقامة لجنة من كافة اطر المجتمع وبينهم امرأة، أما إذا كانت من اجل السيطرة والهيمنة فان الله غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ.
يتساءل الكثيرون على سبيل المثال لا الحصر، ما الصعوبة بتقرير سنوي للمدخولات والمصروفات للمجلس الديني كما هو الحال لدى كافة الطوائف الأخرى؟! ثم لماذا لا يحرك منتدى السلطات الدرزية ساكنا امام إهانة شبابنا لأنهم تلفظوا فقط بلغة الام العربية رغم خدمتهم العسكرية التي لم تشفع لهم؟! اما المشاكل الحارقة مثل الخرائط الهيكلية، رخص البناء، مستوى التعليم المتدني، الغرامات الباهظة، البطالة وغيرها فحدث ولا حرج، فالكل يدفن رأسه بالرمل كالنعامة، والمواطن بين المطرقة والسندان وما من منقذ، وهذا الامر أيضا ينطبق على اللجان والجمعيات لأنها تعمل بشكل منفرد ومن الصعب أن تأتي بنتائج ملموسة تشد من أزر المواطن أو تسعفه مما أدى في نهاية المطاف الى ارتخاء لدى المواطن ومن ثم الى تفكك الأطر الاجتماعية التقليدية وغيرها لان كل الأطر التي ذكرناها لم تجدد ولم تأت ببدائل ملائمة لروح العصر.
ويبقى التنظيم هو المخرج الوحيد والأمثل لإضاءة شمعة قد نرى من خلال نورها نهاية النفق.
التنظيم هو الإطار الذي تتحرك بداخله أي مجموعة بشرية نحو هدف محدد فهو يعبر عن نمط التعاون القائم من اجل تحقيق هدف مشترك ويعني ايضا التجميع المنظم للأجزاء المرتبطة والمماثلة من اجل تكوين كيان موحد يمارس الاعمال والواجبات لتحقيق الهدف المنشود. وللتنظيم اهمية بالغة في نجاح الإطار وتحقيق خططه وأهدافه وأدائه للعمل بقدرة عالية، فهم الهيكل والأداء اللذان بواسطتهما يقام جهد منظم بناء على خطة مرسومة، وتوجيه المراحل المختلفة للجهود المرسومة والإشراف عليها من اجل تحديد اوجه النشاط اللازمة لتحقيق هدف معين أو خطة مرسومة، وعليه يجب أن يتميز التنظيم بواقعتيه وحيويته وفاعليته في تحقيق الأهداف بأفضل الاساليب من خلال مجموعة من الافراد يكون بينهم تنسيق في جهودهم وعملهم، ولا حاجة لتعداد أهمية التنظيم وفوائده، فهو يساعد في تحقيق الأهداف الرئيسية للمجتمع بأحسن كفاءة ممكنة عن طريق التنسيق كما يؤدي الي خلق الجو الملائم للعمل والاستقرار والتقارب ومن ثم المحبة ويساعد على خلق روح التعاون والتضامن كذلك يؤدي إلى الاتصال بشكل واضح ومحدد بما يحقق استمرار ونظام العمل داخل مجتمعنا.
للأسف الشديد ما نلاحظه داخل مجتمعنا التوحيدي فإنه أبعد ما يكون عن ابسط الأسس المطلوبة لتحقيق التنظيم، وأننا أشبه ما يكون ببرنامج البقاء “הישרדות” حيث يحاول الفرد والمجموعة التي أقامها من حوله خدمته للوصول الى هدفه الخاص وعدم الاكتراث بمصلحة المجموعة، وجل همه البقاء والوصول الى مبتغاه الشخصي ضاربا بعرض الحائط كافة القيم والمبادئ التي من المفروض ان لا يتخلى عنها مهما كانت الظروف لان مصلحة المجموعة يجب ان تكون فوق مصلحة الفرد وهي بمثابة النور الذي ينير لنا طريق الصواب.
أقول هذا لان حكومات إسرائيل المتعاقبة اعتمدت في تنفيذ سياستها المجحفة بحق الطائفة المعروفية وما زالت عن طريق التعامل مع أقلية منتفعة وفرضت وسطاء لخدمة مصالحها على حساب مصلحة الطائفة، الأمر الذي أدى الى تفكيك وحدتنا وأحكمت السيطرة على مقدراتنا عن طريق هذه المجموعات المنتفعة والوسطاء، كما انها اجهضت كل محاولة لإقامة أطر عصرية وديمقراطية واعية كي تبقي على ما نحن عليه من وهن وإحباط.
الحل يكمن في تقبل القيادات التعاون فيما بينها على أساس تنظيم حقيقي يضمن للجميع تمثيله ضمن إطار كلجنة المتابعة للجماهير العربية وهذا الحل الأفضل أو التنسيق الجاد بين كافة الأطر واللجان الفاعلة لإيجاد حد أدنى من التفاعل والتعاون وعدم الانفراد بالرأي والقوة كما هو عليه الحال لأن الطوفان آت لا محالة.
هل الفتيات المتدينات يرسلن اليك طلب نجده في الدخول. في الجامعات انت لست محامي عن المتدينات