أطلس للدراسات / ترجمة خاصة
الشرطة الإسرائيلية التي لم تكن يوماً تتمتع بعلاقات عامة جيدة أو بحب الجمهور، تمر في الشهور الأخيرة بحالة نادرة من نوعها ولا سابق لها من التفكك العلني.
في العام والنصف الأخيرين منذ (2013) اضطروا لعزل سبعة من أصل 16 “نتسيبيم” (وهي رتبة في الشرطة تعادل رتبة جنرال في الجيوش الغربية وجيش إسرائيل) والذين يُعتبرون القيادة العليا للشرطة، أربعة من السبعة استقالوا أو أًقيلوا اثر الاشتباه بأنواع مختلفة من التحرش الجنسي بحق شرطيات خدمن بمعيتهم، ويجب أن تضم هذه القائمة ضابطاً جنرالاً آخر كان على وشك أن يصبح قائداً عاماً للشرطة قبل حوالي 4 سنوات (2011) ولكن أُلغي تعيينه في اللحظة الأخيرة واضطر الجنرال للاستقالة بعد تورطه هو أيضا بالاشتباه بالتحرش الجنسي (والتي تحولت في نهاية الأمر إلى قضية “تصرف غير لائق”، أمر مثل هذا لم يحدث من قبل في إسرائيل وأشك انه حدث في أي مكان في العالم الغربي في العصر الحديث.
تخيلوا أن حوالي نصف قيادة رئاسة أركان الجيش الأمريكي أو رئاسة هيئة القيادة الأكبر في نيويورك يُضبطوا بعارهم ثم ينجون خلال فترة زمنية قصيرة جدا، والصحيح إلى الآن أن قيادة الشرطة في إسرائيل غير موجودة ولا تؤدي عملها، وان مكانة الشرطة لدى الجمهور الإسرائيلي في أدنى مستوى لها على مر الزمان.
هذا الأسبوع، وعندما تفجرت قصة “القائد السابع” في 4 فبراير، احتل الموضوع وبعاصفة عاتية جدول الأعمال اليومي في إسرائيل وطغى حتى على الانتخابات وعلى التوتر في الشمال. دولة بلا شرطة.
الجنرال السابع يتم التحقيق معه حالياً وسمح بنشر اسمه كقائد منطقة الشاطئ في الشرطة الإسرائيلية، إنه الجنرال حاجي دوتان وهو أحد المخضرمين الأكثر احتراماً في الجهاز الشرطي، لم يستقل بعد أو يُقال، ولكن التقدير بان يحدث ذلك قريباً.
التحقيق ضده بدأ إثر رسالة مجهولة وصلت إلى قسم التحقيق مع الشرطيين في وزارة القضاء الإسرائيلية؛ وفي أعقاب وصول الرسالة بدأ التحقيق معه، وفي إطاره، كُشف عن 5 من الشرطيات خدمن تحت إمرة الجنرال وأبلغن عن أنواع مختلفة من التحرش الجنسي واللفظي أو من خلال الرسائل النصية عبر استغلال علاقات التحويل بين الجنرال والشرطيات الأقل منه رتبة.
قبل ذلك بعدة أسابيع، كان الجنرال نيسيم مور نائب القائد العام واحد المرشحين لتولي منصب القائد العام القادم والذي اتُهم بالقيام بعمل فاحش لإحدى الشرطيات وبالتحرش الجنسي بالشرطيات ومحاولة إخفاء الأدلة.
الإعلام في إسرائيل مليء برسائل البذاءة التي أرسلها القادة الشرطيين إلى شرطياتهم وإحداهن كانت حاملاً في شهرها الخامس، رسائل صبيانية حافلة بالألفاظ الرخيصة التي أرسلت من قبل كبار منفذو القانون الإسرائيلي. إنها لجريمة كبرى.
عملية مشابهة ولكن بزخم اقل جرت أيضاً في الجيش الإسرائيلي قبل أكثر من عقد وبلغت العملية ذروتها بانسحاب وزير الحرب السابق اتسحاك موردخاي من الحياة السياسية في العام 2000 والذي كان قائد القيادات الثلاثة في الجيش، بطل الحروب والسياسي الذي كان له دور كبير في اسقاط نتنياهو عن السلطة في العام 1999.
محاكمة موردخاي العلنية ساهمت كثيراً في صنع الواقع الجديد والتي وجد كبار الضباط والمجندين صعوبة كبيرة في الانسجام معه أكثر من كل أصناف مرتدي البزات في إسرائيل، الكليشيهات عن “الانذال غيرت القواعد” وتناسب هذا الحدث تناسباً تاماً.
خلال عشرات السنين وبعد قيام دولة إسرائيل مباشرة عام 1948، تواجدت النساء في الجيش والشرطة وفي الكثير من الأماكن في إسرائيل تحت إمرة الرجال وليس على مستوى التسلسل الهرمي وإنما أيضاً على مستوى الرتب والدرجات، وكان دارجاً نوعاً ما بأن يقوم ضباط كبار بلمس أجزاء حساسة من أجساد المجندات الشابات بل وأكثر من مجرد اللمس، وجهاز تنفيذ القانون لم يفعل شيئاً حيال الموضوع بل ان القانون نفسه لم يكن واضحاً بما يكفي، وثقافة التبليغ والشكوى من قبل الضحايا لم تكن منتشرة. في إسرائيل ذات مرة كانت النساء يتلقين التحرش وأحياناً كثيرة أكثر من مجرد التحرش ويفضلن ألا يتقدمن بالشكوى.
الأمر أصبح مختلفاً اليوم لدرجة غير معهودة، تغير القانون وأصبح من أحد القوانين الرائدة في العالم قاطبة. مكانة المرأة في تحسن مستمر (على مستوى المجتمع الإسرائيلي أما في أوساط المتدينين والعرب فما زال وضعها سيئاً) وعدد لوائح الاتهام التي تقدم بسبب التحرش الجنسي أو الاعتداءات الجنسية الجبرية وأعمال الاغتصاب زادت كثيراً.
في العقدين الأخيرين، أًقيل أو حُوكم وفي بعض الأحيان أُرسل إلى السجن مسئولين إسرائيليين كبار كُُثر من مختلف التخصصات فشلوا في هذا المجال ولم يطبقوا القواعد الجديدة، والى جانب موردخاي يجب أن نضيف الرئيس الإسرائيلي موشيه كتصاف والذي اتهم بالاغتصاب 2010 وأزيح عن منصبه ويمضي الآن عقوبة طويلة بالسجن.
هذا الحراك الاجتماعي طال الشرطة، الشرطة الإسرائيلية هي جهاز قديم متيبس متجمد زمنياً بطريقة ما ولم تدرس أن تنقي الأجواء وتطبق الوضع الجديد، بالذات الجهة المسئولة عن تنفيذ القانون الجديد ضد التحرش الجنسي والتي تعتبر الأكثر تقدماً في العالم، تحولت إلى متعهدة تحرش جنسي معزولة مارقة متوحشة.
مكانة الشرطة الجماهيرية في إسرائيل تواصل الانحدار إلى أدنى المستويات على ضوء حقيقة أن الميزانية لا تسمح للدولة بان تبني شرطة عصرية كبيرة بما يكفي. الجهود المتعلقة بالميزانية مستغرقة كلها في الجيش والخدمات الأمنية والعامة والموساد والأقسام الاستخباراتية المختلفة كما يليق بدولة تعيش في خطر وجودي مستمر، سُلّم الأولويات هذا أرغم الحكومة على مواصلة التمسك بشرطة منهارة أصغر بكثير من مقاسات دولة نامية (30 ألف شرطي فقط مقابل 8 مليون مواطن).
وفوق كل هذا أضف حقيقة أن حوالي نصف قادة الشرطة الكبار أُرغموا على الاستقالة أو أزيحوا عن مناصبهم بسبب مخالفات مختلفة جزء كبير منها جنسية ولدينا في النهاية شرطة منهارة.
“حالياً” قال لي أمس مسئول شرطي رفيع “لا توجد لشرطة إسرائيل قيادة عليا؛ إنها منهارة”. يدور الحديث هنا عن كارثة استراتيجية، الأمر أكثر بكثير من مجرد كلام عن أعمال بذيئة أو تحرش جنسي، ما يحدث هنا هو إخماد مصابيح حقيقي.
“إنها قضية ثقافة” قال لي هذا الأسبوع ضابط رفيع من الشرطة. يبدو لي أساسا أن القواعد داخل التنظيم الشرطي كانت كالآتي: الجميع يعرفون ويصمتون، الكل يتستر على الكل، بعض الناس سمحوا لأنفسهم بأن يجتازوا الخطوط وان يقوموا بأعمال هم أنفسهم مكلفون بمحاربتها. يجب أن نأمل بل ونصلي بأن ما يحدث الآن يؤدي إلى التغيير، وهذا أفضل من أن يأتي متأخراً أو لا يأتي أبداً”.
أحد كبار الضباط الذي استقال قبل عدة سنوات من الشرطة يتحدث عن واقع لا يحتمل “من الصعب أن تجد ضابطاً كبيراً لم يقم بعلاقات جنسية مع موظفاته أو ليس له عشيقة من بين الشرطيات، بالإضافة إلى الأنثى القانونية”، قال لي في محادثة خاصة “لقد تحول إلى تصرف دارج من نوع ما، ومن لا يتصرف بهذه الطريقة يصبح شاذاً أو طائراً غريباً، المشكلة أن هؤلاء الرفقة لم يستوعبوا ما يجري حولهم. من وقت ليس ببعيد أجرت الشرطة تحقيقاً مع رئيس دولة على رأس منصبه والذي اتهم تحديداً بقضية من هذا النوع والى يومنا هذا لم يفلح أحد هناك في الجمع بين الأمور ليقول إن الأمور قد تغيرت وان الوقت حان للانضمام إلى العصر الحديث”.
في نظر الكثير من الشرطة فان حقيقة كون القائد العام المفوض يوحنان دانينو لم يأخذ على عاتقه مسئولية ما يجري ويستقيل تفكير غريب. صحيح دانينو لم يتهم بمثل هذه الأعمال وملفه نظيف ويشعر انهم خانوه وأقال بنفسه نائبه نيسيم مور عندما ظهر الاشتباه به؛ ولكن ما زالت منظومتك تنهار ونصف قادتك الكبار الثمانية تذهب إلى البيت، فبمثل هكذا حالات يجب أن تقوم بمسئوليتك.
ما زال دانينو يفضل إلى الآن أن يبقى في منصبه ويكمل فترة منصبه والتي تنتهي بعد عدة أشهر، ومهمة تأهيل وبناء الشرطة الإسرائيلية الجديدة سيتركها لوريثه على ما يبدو. والمشكلة الأساسية الآن انه من غير الواضح من سيكون الوارث ومعظم الورثة المرتقبين قد أزيحوا.
المونيتور العبري
بقلم: بن كاسبيت