رواية اليتيمة في ندوة اليوم السابع

القدس-29-7-2021 -من ديمة جمعة السمان-: ناقشت ندوة اليوم السابع المقدسيّة الثّقافيّة الأسبوعيّة عبر تقنية “زوم” رواية “اليتيمة” للأديب المقدسيّ جميل السلحوت، الصادرة عام 2021 عن مكتبة كل شيء في حيفا، وتقع الرواية التي يحمل غلافها الأوّل لوحة للفنّان التّشكيليّ محمد نصرالله، ومنتجها وأخرجها شربل الياس في 260 صفحة من الحجم المتوسّط.

افتتحت النّقاش مديرة الندوة ديمة جمعة السمان فقالت:

من يقرأ رواية اليتيمة للأديب المقدسيّ جميل السلحوت يدرك مدى تعصبه للمرأة، وتعاطفه معها ودعمه لها على شتى المستويات. كتاباته مباشرة، واضحة، تظهر مشاعره الإنسانية تجاه المرأة المستضعفة في مجتمع يوصف بالذكورية.

وجاءت روايته الأخيرة ” اليتيمة” لتؤكد على هذا المفهوم. ولتؤكد أيضا أن من يشارك في ظلم المرأة هي المرأة ذاتها. كانت رسالة صريحة واضحة موجهة لكل أم تفضل أبناءها الذكور على الإناث.

فهل من المعقول أن تحرم الأم ابنتها المتفوقة، والتي حصلت على معدل 99% في امتحانات الثانوية العامة من تعليمها الجامعي، وتزوج ابنها بمبلغ تبرعت به مدرسة ابنتها لتشجيعها على الالتحاق بالتعليم الجامع،ي بعد ان لمست هيئتهل التدريسية وضع الأسرة المالي المتواضع؟

هناك مثل يقول ” القرد بعين أمه غزال”.. وقد استعمله الكاتب في الرواية.. إذ انطبق المثل على علاقة الأمّ لبنى مع ابنها عزيز. اعتقدت أن العالم يراه بعينيها.. ولم تستطع للحظة أن تكون واقعية، وبالتالي تقيم ابنها تقييما موضوعيا، ممّا زاده غرورا وظن أن كل من حوله يرونه بعيني والدته.

بينما كانت أخته عبير والجد أبو نعمان أكثر واقعية، وتصرفا باتزان.

وكانت أمّ مهيب أيضا ترى ابنها مهيبا زين الشباب، رغم عقده النفسية التي انعكست سلبا على علاقته مع زوجته عبير.

وقد ركّز السلحوت في روايته الاجتماعية على دور الأب وأهمية وجوده في حياة أبنائه وبناء شخصياتهم، ومنحهم الثقة الكافية لمواجهة الحياة، خاصة إن كانت الأمّ تقليدية وغير فاعلة في المجتمع.

وهذه نقطة أخرى تؤكد على ذكورية المجتمعات العربية، واعتماد الأسرة بصورة كبيرة على الأب، فهو السند الذي تشعر العائلة بأنه الداعم والحامي للأسرة، إذ أكدت ميسون على ذلك من خلال تجربتة أسرتها التي عاشت أزمة اليتم، ممّا دعا البعض لمحاولة استغلال الأسرة تحت شعار المساعدة والمساندة، وهم منها براء. فما كان أحد يجرؤ على أن يتقدم للزواج من صبية بعمر الورد وهو متزوج وبعمر والدها، وأبناؤه يكبرونها سنا.

ما كانت عبير سوى ضحية لمجتمع لا يؤمن بالمرأة وتعليمها وتطوير قدراتها وكفاءاتها، بل يعتبرها عالة على المجتمع. لا تستحق أن يُصرف عليها، لأن خلفها سيحمل اسم عائلة أخرى، وبالتالي أيّ قرش يُصرف عليها يعتبر ضياعا للمال. وأيّ عريس يأتي لخطبتها يعتبر مكسبا لها.

هذه المفاهيم المتخلّفة التي لا زالت بعض المجتمعات تؤمن بها وتتصرف بناء عليها، جعلت من المرأة مخلوقا ضعبفا مضطهدا، ممّا انعكس على قدرتها الإنتاجية لبناء مجتمع لا يكتمل الا بعلاقة التوازن بين المرأة والرجل.

ولم يغفل السلحوت على إحضار المشهد الاحتلالي في قرية سلوان حامية أسوار القدس الجنوبية، والتي تعتبر من أكثر قرى القدس استهدافا، إذ كان أبطال الرواية يسكنون سلوان ويعانون الأمرين بفعل الانتهاكات الإسرائيلية الممنهحة التي تسعى إلى إخلائها من سكانها الأصليين ومنحها للمستوطنين المتطرفين.

ولا زال السلحوت يتحفنا بأعماله الروائية الإنسانية العادلة التي يفاجئنا بعناوينها المختلفة، يطلق صرخته المدوية ليقول كفى ظلما.. فالمرأة عضو لا يمكن الاستغناء عنه لبناء مجتمع يستحق الحياة الحرة الكريمة.

وكتب محمد موسى عويسات:

العزوبيّة ولا الزّيجة الرّديّة

“العزوبيّة ولا الزيجة الرّديّة” مثل شعبيّ متداول في بيئتنا المقدسيّة والفلسطينيّة وأظنّ أنّه متداول في بلاد عربيّة أخرى، فيه حكمة كبيرة، وهو صادر عن تجربة ومجرّب، يحمل دلالات كثيرة أهمّها أنّ من الزّواج ما يخالف المقصود السّامي للزّواج فيكون كارثة على الزّوجين أو أحدهما، فلا تتحقّق الغاية منه وهو السّكن والطّمأنينة، وبناء اللّبنة الأولى في المجتمع وهي الأسرة القويمة، وفيه أيضا أنّ هناك من كلا الطّرفين من لا يحسن الاختيار، ولا يتحقّق من أهليّة شريك الحياة والصّاحب فيها، ويتعجّل في الزّواج لمجرّد الزّواج، ومن طرف خفيّ يعكس المثل عقليّة أو خلق غير سويّ وهو الغشّ الذي يمارسه أحد الأطراف من المتقدّمين للزّواج أو أوليائهم في إخفاء عيوب أبنائهم أو عدم صلاحهم للزّواج، ومنه أيضا اغترار أحد الأطراف بمظهر المتقدّم للزواج وشكله وماله، وإغفال مخبره وعقله وخلقه، فيكون الشّاب أو الفتاة ضحيّة في هذه الزّيجة، التي تنتهي إلى الإخفاق وضياع الأولاد إذا ما كان الإنجاب، كلّ هذه وغيرها هي محور الرّواية (اليتيمة) للأديب الرّوائي المقدسيّ جميل السلحوت التي صدرت هذا العام في مطلع شهر تموز 2021عن مكتبة كل شيء في حيفا، هذه الرّواية التي تعدّ الثالثة بعد روايتيْ (ولادة من الخاصرة) و (المطلّقة) اللّتين تناولتا المرأة في دائرة الزّواج والطّلاق، فهما في موضوع واحد، غير أنّ الشّخصيات قد اختلفت في هذه الثالثة أي (اليتيمة)، وقد امتازت الرّوايات الثلاثة بواقعيّة شديدة، حتى كأنّ القارئ يقول هذه قصّة حصلت في القريّة الفلانيّة، أو في الحيّ الفلانيّ، أو في الأسرة الفلانيّة، وهكذا كانت تلك الرّوايات نقلا لصور حيّة للعلاقات الزّوجيّة، ربّما يكون الكاتب استوحاها من مشاهداته ومن تجاربه الشّخصيّة في حلّ المشاكل المجتمعيّة والاجتماعيّة. والكاتب في هذه الرّواية وكما هو في سابقتيها ينقل عقليّة تسيطر على مجتمعنا كوّنتها عادات وتقاليد خاطئة بعيدة عن الدّين القويم وأحكامه السّمحة، وعمّا يقتضيه العقل السّليم والفطرة القويمة في العلاقة بين الرجل والمرأة قبل الزّواج وبعد الزّواج، وهذه العقليّة ليست هي ظلما يقع من الرّجل على المرأة، أي ليست عقليّة ذكوريّة، بقدر ما هي عقليّة مجتمعيّة يشترك فيها الرّجال والنّساء على حدّ سواء، فعبير الفتاة اليتيمة قد اشترك في مأساتها أطراف عديدة، من أخيها الذي عَنى لإرادة زوجته الجديدة التي هي ابنة خالة مهيب، واشتركت فيها أمّ عبير التي اغترّت بمنظر مهيب في صورة فوتوغرافيّة، فوافقت على زواج عبير منه دون التحقّق من شخصيّته، واشتركت في هذه الجريمة أمّ مهيب بل والده أيضا، اللّذان أخفيا حقيقة ابنهما المريض نفسيّا، ولا ننسى زوجة عزيز أخي عبير، وربّما يكون الجدّ أوعى تلك الأطراف، ولكنّه أبدى ضعفا وعجزا عن الاستدراك على هذه الزّيجة. ونرى الرّواية ومن خلال نسائها تبرز عقدة الزّواج، فهمّ الأمّهات الأول وقبل التّعليم سواء للأبناء أو البنات، هو زواجهم، واختيار القرين المناسب، وفي الزّوج المناسب أو الزّوجة المناسبة يطغى معيار الجمال والأناقة، وهنا تبرز قضية أسمّيها (التّطريق)، وهي تنبيه الفتى أو الفتاة للزّواج وإثارته في النّفس ودفعه له دفعا، وجعله أمرا حثيثا وأولى الأولوليّات حتى وإن لم يكونا مهيّئين له نفسيّا أو ماديّا، فعلى سبيل المثال اضطر عزيز بعد أن ألحّ عليه جدّه وأمّه لاختيار زوجة، أن يتوهّم أن زميلته في الجامعة تحبّه وأنّها توافق على الزواج منه رغم قصر اللقاء، وكانت الصّدمة أنّها مخطوبة لشخص آخر ومقبلا على الزواج، وكذلك التدخّل المباشر في اختيارهما شريك الحياة. وهكذا نكون أمام رواية تكشف المستور من عقليّاتنا الاجتماعيّة المشوّهة. هذا من جانب الفكرة أو القضيّة التي دارت عليها الرّواية. أمّا من الجانب الفنّيّ فهناك أمران ملحوظان: الأول هو المكان، فمدينة القدس وقرية سلوان التي تلاصق سورها من الجهة الجنوبيّة هما مكان الأحداث، فالرّواية مقدسيّة بامتياز وقد استحضر فيها الكاتب الاحتلال ومستوطنيه ومعاناة أهل هذا الحيّ منهم في جزئيّة ذات شأن هي تدخّلهم وتنغيصهم أفراح المقدسيّين، وكان حضور الكويت البلد العربيّ العريق قد أعطى الرّواية بعدا جميلا، فهو تلوين مكانيّ فنّي يحتاجه القارئ، كما تقتضيه الأحداث وإبراز ملامح الشّخصيات عبير ومهيب وأبو مهيب، كما أنّ فيه إشارة تقدير لأهل الكويت ومعاملتهم الجميلة لأهل فلسطين، فهم بحقّ قوم مضيافون، طيّبون كما في شخصيّة العنود وزوجها سالم.

الجانب الفنّيّ الأخر اللافت للانتباه هو توظيف الكاتب لعدد كبير من الأمثال الشّعبيّة السّائدة في مجتمعنا، المتعلّقة بالحياة الاجتماعيّة، معظمها متعلّق بالزّواج وحيثياته، فنحن أمام جمع للتّراث القوليّ وتوثيق له، وكذلك لأغاني النّساء في الأعراس، وهذه بعض الأمثال:

“الملافظ سعْد”، “مين بشهد للعروس؟ قال: امّها وخالتها وعشرة من حارتها”، “يا شايف الزّول يا خايب الرّجا”، “دَبْها أبو الحصيني وعشّرت”، “الفار لعب في عبّها”، ” الدّهن في العتاقي”. “ما بِقَع في القفص غير العصفور الحِدِق”، “المكتوب بنقرا من عنوانه”، ” المخبّا بندوق” و” الشّمس ما بتتغطّى بغربال”، ” النّساء وديعة الأجاويد.”، ” أجت الحزينة تتفرح ما لقت لحالها مطرح”، “المتعوس متعوس لو ضويت له ألف فانوس”، “ليس كلّ ما يلمع ذهبا”، ” الرّجال مَحاضر مش مناظر”، “غُلُبْ بستيره ولا غُلُب بفضيحه”، ” اللي بدري بدري، وللي ما بدري بقول على الكفّ عدس”، ” يا ماخذ القرد ع ماله، بروح المال وبظل القرد ع حاله”، ” شو أمور دينك يا جحا؟ فردّ عليهم مثل أهل بلدي”. “ما أغلى من الولد إلا ولد الولد”… إلخ.

وأخيرا تعدّ هذه الرّواية من الأدب الواقعيّ، وتحمل رسالة اجتماعيّة، ودعوة لتغيير العقليّة التي تتعلّق بفكرة الزّواج لمجرد الزّواج والتي تغضّ الطّرف عن أهليّة الزّوج من كلا الطّرفين.

وقالت صباح بشير:

هذه الرواية استكمال لسلسلته الروائية التي بدأها بروايتي الخاصرة الرخوة والمطلقة، ليواصل بذلك ما طرحه حول قضية المرأة والنظرة المجحفة بحقها، ويكشف الستار عن الكثير من الظواهر السلبية لمجتمع تقليدي ماضوي راكد، يُهَمّش المرأة ويستلب شخصيتها.

في رواية “اليتيمة” استلهم السلحوت شخصيّاته من الواقع، ومنحها دورا فاعلا في صناعة الحدث وتطوره، لتجسد بذلك عيوب المجتمع، وبأسلوب مباشر تَنَقَّلَ بين الأحداث والعناوين؛ ليتشارك مع القارئ في حبكته الروائية، التي طغى عليها الإحساس بمحنة اليتم والحرمان، فتحدث عن معاناة الأسرة جراء حادث الطرق الأليم الذي تعرضت له، فأبو نعمان بعد وفاة ابنه، كرّس حياته للعناية بحفيديه عزيز وعبير، وكلّف نفسه بأمور تفوق شيخوخته وقدرته الجسديّة، كان يتظاهر بالقوّة أمام لبنى أرملة نعمان التي عانت هي الأخرى بفقدها لطفليها وزوجها، أما عبير فبكت نفسها لفقدها الأب الحاني، هكذا استرسل الكاتب في وصف الذكريات ومشاعر الحزن التي امتدت لسنوات، وبلفتة طيّبة انتقد الكاتب ظاهرة إطلاق المفرقعات النارية في المدن الفلسطينية أثناء الاحتفال بنتائج الثانوية العامة، وما تُلحِقه من أضرار، كما انتقد ما تقوم به النساء من سلوكيات في فترة الحداد كلبس السواد الذي يمتد أحيانا لسنوات، وعدم خروجهن للمشاركة في المناسبات والحياة الاجتماعية بشكل عام.

تطرق الكاتب السلحوت الى موضوع الميراث، فقد سجّل الجدّ شقّتين وقطعة أرض موروثة أبّا عن جدّ باسم عزيز، لكنّه لم يسجّل شيئا باسم عبير، وللأسف يفضل مجتمعنا الذكر على الأنثى في الميراث وفرص التعليم، فالمساعدة المالية قدمت لعزيز لتعليمه وتغطية تكاليف زواجه، عندما قررت أمّ عزيز أن تبيع مصاغها الذّهبيّ، وأن يستفيد عزيز من المبلغ الذي تبرعت به المعلّمات لعبير، بينما لم تُقدم الأسرة المساعدة لعبير؛ لتتمكن من مواصلة تعليمها رغم تفوقها، وهنا نلمس ازدواجية التعامل والتربية، فعبير لا تستطيع متابعة دراستها بسبب قلة الحيلة والفقر بينما تدبرت الأسرة الأمر، وتمكنت من مساعدة عزيز ليتعلم ويتزوج، الغريب في الأمر أن بطلة هذا التمييز هي الأمّ التي تكيل بمكيالين، فالذكر هو المفضل في الحب والعطاء، أمّا الأنثى فلم تجد نفس المعاملة رغم كفاءتها وجدارتها العالية، وهنا كان دور الرواية في التوعية والتنوير.

استعان الكاتب بالعديد من النصوص الدّينية، واعتقد أنه كان مضطرا لذلك حتى يتمكن من إيصال فكرته للقارئ، عن نفسي شعرت بأن النص قد أُثقِل بالآيات والأحاديث الدينية، إذ ليس بالضرورة أن يثبت الكاتب أن افكاره الإنسانية لا تتعارض مع الدين، لأن هذا قد يشكل قيدا على حريته الإبداعية، فبمجرد انطلاقه من رؤية أخلاقية تبرز مصداقيته والتزامه في توظيف الأدب لخدمة الفكرة، يكون بذلك قد أخلص في أداء الرسالة، طالما أنه في الإطار الذي يبلور علاقة الإنسان بالمنطق، دون الحاجة إلى التبرير والإثبات، فالعمل الأدبي بحد ذاته فعل حر خلاّق يقود إلى الإبداع، ومن المعروف أن الكاتب جميل السلحوت يحمل تجربة أدبية ثرية وثقافة واسعة وفكرًا مستنيرًا، وهو يكتب أجناسًا أدبيّة متنوّعة، كالقصّة والرواية واليوميّات وغيرها، وذلك لإثراء الأدب الفلسطيني بكتابات جريئة وقضايا متعددة، وفي هذه الرواية طرح فلسفته الخاصة في البحث عن معنى الحياة حيث كتب: كثيرون هم من لا يعرفون معنى الجمال، وحتّى لا يعرفون معنى الحياة، لا يدركون الفوارق بين حديقة زهور غنّاء، أو بين مكبّ نفايات تفوح منه رائحة نتنة!

أخيرا فهذا العمل مهمّ وموفّق بما اشتمل على استثارات إنسانية كامنة في جوهر الرواية، نسيجها ومحتواها، فهو يحمل بين طياته دعوة إلى التمرد على الثقافة البائسة التي تُعزّز الأفكار النّمطيّة ضد المرأة، وفيه إدانة واضحة لأعراف المجتمع البائسة ومعاييره السائدة.

وقالت نزهة أبو غوش:

عندما قامت الحرب العالمية الثّانية  تناول المستعمر دراسة الأنثروبولوجيا للمجتمعات البدائية، حيث تناولت المجتمعات الرّيفية، والمدنيّة، ودرست العلاقات الاجتماعية، والنظم الاجتماعية، كالعائلة، والعشيرة، والزّواج، والقرابة، والطّبقات، والنّظم الاقتصادية فيها، وتطوّرت هذه الدّراسة فيما بعد بالاهتمام  بتحليل البناء الاجتماعي للمجتمعات الإنسانية، بالدراسة العميقة.

تصنّف رواية الأديب جميل السّلحوت ” اليتيمة”  من نوع العلوم الإنسانيّة  الأنثربولوجيا الاجتماعيّة. ومن المعروف أنّ دراسة المجتمعات الرّيفيّة والمدنيّة  قد ظهرت بعد الحرب العالميّة الثّانية؛ كي يتعرّف المستعِمر على طبيعة البلد المستعمَر، حيث درست العلاقات الاجتماعيّة، والنظم الاجتماعيّة كنظام العائلة والعشيرة، والزّواج والاقرباء، والنظام الاقتصادي وغيره .

وقد تطوّر ت هذه الدّراسة فيما بعد للتّعرّف على الحياة الإنسانيّة في بلاد مختلفة.

عندما قرأت رواية اليتيمة، أردت أن أجد لها تصنيفا أدبيّا، فوجدت أنّنا هنا نقف  أمام رواية  تحمل الكثير من مواصفات الحياة الإِنسانيّة، الخاصة في فلسطين.

ظهرت القيم والمعايير الاجتماعية بشكل بارز في الرّواية، في العلاقات بين الأفراد في المجتمع، واظهار الحلال، والحرام، والمسموح والممنوع بما يتلاءم مع طبيعة المجتمع الّذي تدور فيه أحداث الرّواية.

برزت طبيعة إكرام الضّيف، والاستقبال الحافل والتّرحيب، واحتواء الغريب في بلد عربي آخر. كما برزت العلاقات ما بين الخطيب وخطيبته، وبين الزّوج والزّوجة، ومدى قدرة الرّجل على اتّخاذ القرارات؛ كونه الرّجل الذّكر السّند لعائلته، وهو الّذي يحمل اسم العائلة وليست الأُنثى.

العلاقات بين أسرة وأخرى من خلال المصاهرة، والخطوات المتّبعة لتحقيق هذه العلاقة تبدو واضحة بالتّفصيل في رواية اليتيمة. منذ الموافقة – خلف الكواليس- حتّى اتمام الزّفاف، وليلة الدّخلة واظهار شرف الفتاة وفحولة الرّجل – العريس- وتدخّل الأهل من كلا الطّرفين؛ والصباحيّة ومساعدة الأهل للإبن لبناء أسرة جديدة، وحياة الزّوجين ضمن الأسرة الممتدّة؛ حتّى لو بعدت المسافات. يظهر مثلا تدخّل العائلة الّتي تعيش في فلسطين بعائلة ابنهم الذي هاجر مع عروسه إلى الكويت للعمل هناك.

يكثر في مجتمعنا الفلسطيني استخدام الأمثلة الشّعبيّة الّتي تعبّر عن غاية المتحدّث؛ لتمرير فكرته عن الحدث؛ حيث نجد أنّ الكاتب قد أكثر منها في روايته ” اليتيمة” إِذ تبرز هذه الأمثلة المعتقدات الّتي يؤمن بها المجتمع، وفي أغلب الأحيان يعتبرها معيارا اجتماعيّا مهمّا لحياته؛ هنا تلعب الأمثلة دورا أساسيّا في البناء الأنثروبولوجي.

هناك العادات الاجتماعيّة نحو التّسليم بالأحضان، والتّقبيل كانت واضحة، إِذ من المعروف أنّ طرق التّسليم تختلف من مجتمع لآخر.

إِنّ استشهاد  ببعض الآيات الكريمة؛ من أجل إِعطاء الشّرعيّة المطلقة للأحداث، هي ظاهرة واضحة وضروريّة في مجتمعنا، نحو استخدامها عند عقد القران مثلا، ” وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً”  كذلك في بناء العلاقات ما بين الأفراد.

وظاهرة التّسرّع في عقد القران ظاهرة مألوفة في مجتمعنا، حيث لا يدع مساحة زمنيّة للعروسين؛ من أجل التّعرّف على بعضهما.

ومن الظّواهر الاجتماعيّة أيضا، إرغام المرأة الفلسطينيّة على تّحمّل الزّوج والبقاء في بيته، حتّى ولو كان الحقّ في صفّها؛ لأنّه من العيب أن تترك الزّوجة بيتها، وخاصّة في أوّل حياتها الزّوجيّة.

ظاهرة الحداد ولبس السّواد، وتحريم المرأة أيّ فرح على نفسها بعد الفقدان؛ قد ظهرت أيضا في الرّواية؛ وهي عادات تتّبعها المرأة الفلسطينيّة في المجتمع.

المهاهاة والزّغاريد هي أيضا من مظاهر التّعبير عن الفرح والبهجة في العروسين.

ومن العادات المألوفة للزّواج أن يختار الرّجل بمساعدة الأهل الزّوجة المناسبة، إِذ تظلّ الفتاة كسلعة يراد اختيارها، حيث رأينا في الرّواية نماذج مختلفة في طرق الزّواج على أساس هذا المبدأ.

إِنّ ظاهرة التّعاون ومساعدة أفراد المجتمع لبعضهم والألفة ودفء الحياة الأسريّة وإِغاثة الملهوف؛ بدت ظاهرة في رواية اليتيمة، الّتي بدورها تشكّل جزءا في البناء المجتمعي.

إِن تدخّل المحتلّ في حياة الأفراد الفلسطينيين المحتلين أصبحت جزءا لا يتجزأ من حياتهم الاجتماعيّة، من حيث تعاملهم وتسلّطهم، وطرق مقاومتهم له.

إِنّ أسلوب الكاتب السّلحوت التّقريري المباشر والواقعيّ، ساهم في بناء رواية  تصنّف ضمن العلوم الانسانيّة.( الانثروبولوجي) بامتياز.

وكتبت رائدة أبو الصوي:

اليتيمة …رواية تتجلى فيها سلوان وحيّ البستان وبير أيوب وعين سلوان الفوقا، مكان سكن بطلة الرواية عبير وجدها أبي نعمان ووالدتها وأخيها عزيز. رواية تراجيدية ، واقعية ، حزينة ومشوّقة.

الإهداء الى علاء ابن شقيق الكاتب داوود.

رسائل اجتماعية نفسية اجتماعية هادفة جدا أتقن إيصالها الأديب في هذه الرواية. طرحت الرواية قضايا اجتماعية تستحق النقاش. طرحتها بأسلوب

عذب فيه تشويق وإثارة  رغم تحفظي على بعض الإيحاءات الجنسية.

أعجبني جدا عدد الشخصيات واختيار الأماكن التي تدور فيها أحداث   الرواية مثل اختيار الكويت ملجأ الفلسطينيين الأول، وحلمهم بتوفير

العيش الكريم في هذا البلد الثري.

مشاعر الكاتب صادقة ومؤثرة جدا، أجاد وصف بعض الظزاهر الاجتماعية كالتمييز بين الأبناء البنات.

عبير اليتيمة …حقا كانت يتيمة، وكانت عرضة للظلم في مجتمعها الذكوري.

عبير  وحيدة بين ثلاث إخوة مات اثنان في حادث سير مع والدهم  وبقي واحد هو عزيز الذي حظي بالعز والدلال.

أمّا عبير فتعرضت للظلم والقهر من الاهل ومن مهيب الزوج المختل عقليا.

مواقف كثيرة أزعجتني . مواقف حدثت للكثيرات ولا زالت تحدث منها على سبيل المثال المبلغ المالي الذي قدمته الهيئة التريسية لعبير حتى تكمل تعليمها الجامعي.

منها على سبيل المثال لمبلغ النقديسبيل المثال ال الذي قدم هدية من المدرسة لعبير حتى تتسجل بالجامعة ووضعته الوالدة في تكاليف عرس ابنها عزيز.

حلو التوثيق المكاني في الرواية مسرحالحكواتي كان حاضرا.

موقف موفق للكاتب . نقطة مهمة طرحها في الرواية

وهي نفسية الأطفال عند حدوث الصدمات والحوادث للأهل والاحبة

يجب ان يكون حوار بين المعالج النفسي والطفل الذي يتعرض لحالة فقدان لأحد الوالدين أو كلاهما حتى لا تتفاقم المشكلة في المستقبل.

خبر خطبة وداد مدهش وجاء صدمة للقاريء، حيث كسر غرور عزيز الذي أوهمته والدته بأن كل الفتيات يتمنينه.

أتوقع أن تجد الكثيرات من القارئات أنفسهن مكان عبير بطلة الرواية.

في الرواية رسالة تهدف إلى احترام الأنثى، وعد التسرع في اختيار الزوج.

وضرورة اتباع وصية  الرسول محمد صلى الله عليه وسلم:” استوصوا بالنساء خيرا.

وقال الدكتور عزالدين أبو ميزر:

صدرت رواية اليتيمة للأديب الشيخ جميل السلحوت بداية هذا الشهر عن مكتبة كل شيء في حيفا.

قبل كل شيء أريد أن أنوّه جادّا أنني من محبي قراءة ما يكتبه الشيخ السلحوت بشكل عام، وأجد متعة في قراءة ما يكتب، فإن له أسلوبا في الكتابة يحسده الكثيرون عليه، فهو السهل الممتنع، سواء اتفقت معه في توجهه ورؤياه أم اختلفت، والاختلاف لا يفسد في الودّ قضية، ودائما وأبدا وعندما أكتب عن شيء له أجعل من إسمه رابطا يميز أسلوبه في الكتابة “أنه جميل كاسمه، وهو إسم على مسمى.”

وعودة إلى رواية كاتبنا اليتيمة والتي تداخلت فيها الأفكار والمفاهيم الاجتماعية والإنسانية والدينية والحياتية وغيرها، ولست أدري أهو بقصد منه أو أن سياق أحداث الرواية أدخلتها هكذا بلطف مع بعض الشدة وشفافية تصل بعض الأحيان بتلميحها إلى التصريح الذي لا يخدش الحياء، ولا حرج في ذلك، وهو أسلوب شيخنا.

مفهوم الذكورية الذي أخرجنا منه الإسلام على يد خاتم الأنبياء حال حياته بعد جاهلية جهلاء، عاد إلينا بعد وفاته واجتماع السقيفة، وبشكل أشد وأعمق بعد خطف الدين ممّن تسموا رجال الدين في الإسلام، وفُسّر حسب أهواء من حكموا البلاد والعباد، وتطور مع تطوّر ومرور الأيام بشكل أقسى وأمرّ  ولا يزال، إلا من رحم ربي. فالمجتمع الجاهل يسهل حكمه والتحكم فيه.

من ناحية أخرى ففي المجتمع الذكوري نرى كيف يقع الظلم على المرأة فيه جليا واضحا، ولا يستهجن ذلك أبدا، بل ويُرى متقبلا ويشجع عليه من قبل أبناء جنسهن حتى أنّ الأمّ تفرق في معاملتها بين الذكر والأنثى، ويثبت كاتبنا بالأدلة الواضحة هذا التمييز في المعاملة حتى وفي الحقوق التي فرضها الله على عباده بين الأبناء، ويبين أن الأنثى هي الخاصرة الرخوة والجناح الأضعف وإن حاولت الدفاع عن نفسها فهي المسترجلة والخارجة عن القانون العام الذي وضعوه هم لها.

عند مناقشتنا في ندوة اليوم السابع أيّ كتاب أو رواية أو موضوع يختلف أخذ المتداخلين له، وكثيرون تهمّهم التفاصيل، مع أن كاتبنا يدخل الى أدق أدق التفاصيل ويكشف عنها الستار، وهذا في الرواية يحسب له وليس عليه وكثيرون كتبوا فيها وسوف يكتبون. وأنا أحب الإجمال والعام عن الخاص، لتكون المداخلة أشمل وأعمّ ولا ترتبط بخصوص السبب، لأن العبرة تكون بعموم اللفظ وما يرمي إليه من معني عام ينطبق على أكثر من شيء واحد مخصص.

رواية اليتيمة هي ثالث رواية حول حقوق المرأة لكاتبنا بعد روايتي الخاصرة الرخوة والمطلقة، وثلاثتهن يدرن في فلك واحد يتمحور حول التقاليد البالية التي ورثناها وزدنا عليها بدل التخلص منها بالقضاء عليها، والتديّن الكاذب والفهم الخاطىء للدين الذي ما أنزل الله به من سلطان، وقام على ترسيخه في الأذهان من جعلوا للناس دينا موازيا، وتقوّلوا على الله وعلى رسوله ما لم يقله الله ورسوله، وما يجافي العقل والمنطق والدين الصحيح ومفهومه الذي ينهض بالأمة، ولا ينحطّ بها إلى الدرك الأسفل من الذلة والهوان الذي نحياه وخاصة في فلسطين المحتلة، والتي لا ينساها كاتبنا من الذكر فهي حياتنا العامة جميعا.

والجميل في أسلوب كاتبنا الجميل كثرة الاستدلال بالأمثال الشعبية، وكما قالوا: بالمثال يتضح الحال،  والتي على جمالها أحيانا يترسخ معناها في الذهن الذي تعوّد على سماعها، والتي يجب ان نقضي على الكثير ممّا يخالف الدين والعقل والفطرة التي فطرنا الله عليها، وإن كانت تراثا، فهي السّمّ في العسل.

وأخيرا فإنني أبارك للكاتب وأفخر بما قدّم ويقدم من مجهود في هذا المجال الذي هو بحاجة إلى الكثير الكثير من الدّق على الخزان فيه حتى يتم تغييره والتحول إلى مجتمع سوي لا تمييز فيه ولا هضم حقوق.

وقالت نزهة الرملاوي:

ليس من الغريب أو الجديد أن نقرأ هذه الرواية الاجتماعية للكاتب جميل السلحوت( نصير المرأة) فقد أصدر الكاتب روايات عدة تطرقت إلى معاناة المرأة كرواية المطلقة التي صدرت قبل عام وغيرها. تطرق الكاتب في روايته إلى المرأة المغلوبة على أمرها، ونظرة المجتمع المتباينة لها.. وقد أشار في روايته الإنسانية إلى المجتمع وما حمله من سلوكيات غير مقبولة أو أفكار تحطّ من قدر المرأة، كانت ولا زالت مستشرية في المجتمع العربي عامة، وما هي إلا عادات وتقاليد بعيدة عن الدين الذي نادى باحترام المرأة وعدم امتهانها..وساوى بينها وبين الرجل في العبادة والعلم والعمل، وأعطاها من الحقوق ما لم تحظ به امرأة من الملل والديانات الأخرى.

تدور أحداث الرواية في قرية من قرى القدس وهي قرية سلوان، وأظن أن الكاتب وجّه أنظار القارئ لهذه القرية وما فيها من أحياء ومعالم مثل بير أيوب، حي البستان، راس العامود وعين سلوان. تحدث عنها الكاتب وعن أهميتها التاريخية والدينية- ليخرج منها هذه الرواية في هذا الوقت بالذات، بسبب ما تتعرض له هذه القرية من تهجير لسكانها وهدم لبيوتها بحجة عدم ترخيصها، وتهويد للمكان كما تخطط له سلطات الاحتلال، ووفق رؤيتهم التوراتية أنها مدينة داوود وهي المتاخمة للمسجد الأقصى من جهة الجنوب، وتعتبر خط الدفاع الأول، أضف إلى ذلك تسريب عقارات فيها من قبل أشخاص لا يسكنهم الوفاء ولا الإنتماء، وهذا أشد بلاء على الأرض.

ولو عدنا إلى أنماط السلوكيات المجتمعية العربية في الرواية لوجدناها متشابهة في التسلط والتحكم الذكوري، وللمرأة دور مهم في نقل هذا السلوك والاحتفاظ فيه.. بل وجدناها  نصيرة له..تعين الرجل في تجبره وفي استضعاف بنات جنسها، وتفضل أن يكون سي السيّد في معظم المواقف..من هنا نرى أن المجتمع الريفي اأو القروي ما زال يحمل نفس السمات رغم اختلاطه بالمدينة..فلا اختلاف في العقلية، أفكار بائدة لا زالت تحتفل بانتصارها رغم الغزو  التكنولوجي..وهي بذلك لا تختلف كثيرا عن المدن العريقة.

رواية اليتيمة رواية مجتمعية غارقة في الأمثال الشعبية التي تحسب للكاتب وإقناعه للقارئ.. (الأمثال المستخدمة كانت كثيرة جدا) استخدمها الكاتب كي لا ننسى وننجرف مع تيار العولمة، وما دخل على مجتمعنا من أفكار لا تليق بأخلاقنا ولا توافق عقيدتنا.

كعادة الكاتب السلحوت يفتح أمامنا أبوابا تفصل الشخصيات والأماكن والمعالم، وقد بيّن لنا في روايته مكنون وظواهر العلاقة بين أبناء الأسرة الواحدة وعلاقتها بالعائلة الممتدة القائمة على التعاون والإصلاح والألفة والمساعدة، وفصل لنا عادات الخطبة والزواج والتعارف والنسب وقِري الضيف والمصاهرة التي ما زالت قائمة ولم تتغير في مجتمعنا.

كما بيّن الكاتب أن المرأة العربية لم تأخذ حقّها كما يجب..حتى وإن كانت متفوقة في علمها، كبطلة الرواية عبير التي حصلت على أعلى معدل في منطقة القدس، إلا أن أمها تفضل أن ينهي أخوها عزيز تعليمه الجامعي لأنها لا تستطيع دفع تكاليف التعليم.. حتى المال الذي حصلت عليه عبير كهدية من المديرة والمعلمات خصصته الأم لعرس عزيز.. وقد بين الكاتب في الرواية التمييز بوضوح بين المرأة والرجل..وقد لا تأخذ المرأة حقها في التعليم او اختيار الزوج أو الميراث.

أثار الكاتب في روايته قضايا اجتماعية عبر عنها بواقعية من خلال السرد والحوار والاستشهاد بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية والأمثال الشعبية؛ لتوطئة الفكرة وترسيخ مهمتها لدى المتلقي وإقناعه.

تطرق الكاتب الى البطالة المتفاقمة لحملة الشهادات، وبين كذلك أن اختيار العروس يكون وفق رؤية الأهل..و( أن البنات زي الهم على القلب ) لذا كان التسرع من سمات اختيار الشريك في هذه الرواية..كموافقه عبير على مهيب وتعرضها للقسوة والقهر إضافة الى وجع الغربة.. وإجبارها على تحمل مرض زوجها النفسي وعدم التذمر أو الإفصاح عن ذلك.. وكأن قبول القهر صفة متوارثة أمّا عن جدّة.

تميزت الرواية باختلاط المشاعر، كمشاعر الفرح والخوف والحزن والانكسار إثر الافتقاد واليتم.

امتازت جمل الرواية بالبساطة.

أثار الكاتب تسلط الاحتلال ومواصلة قهر المواطن الفلسطيني، وفصّل بعض المواجهات التي تحدث ما بين المحتل والمواطن، وتحكمّ المحتل في مجريات الحياة الاعتيادية في المدينة وفي إبادة الفرح.. وتطرق إلى استباحة المستوطنين لساحات الأقصى وحي سلوان وإطلاق الرصاص الحيّ والمطاط تجاه الشعب الأعزل .. وتحويل أفراحه الى آهات وأوجاع.

من الملاحظات حول الرواية أن الكاتب أشار إلى موسم الحصاد ولم يعد في سلوان أو القرى المجاورة لها أراض لزراعة القمح والشعير وحصدها بسبب البناء والاكتظاظ السكاني الهائل.

كان من الأفضل ان لا يفصّل الكاتب بعض المشاهد الإباحية..لأن عدم كتابتها لا يؤثر على سيرورة النص أو اختلاله.

بعض الحوارات في الزيارات المتبادلة  كانت طويلة جدا، حبذا لو اختصرت..رغم الأحداث الشائقة في الرواية..إلا أن الحوار الطويل بين الشخصيات يؤدي إلى الملل لدى المتلقى.

ذكر الكاتب صفات سلوى وعبير الجسدية أمام الرجال وهذا غير جائز شرعا وعرفا.

هناك بعض الأسئلة.. هل من المعقول في هذه الأيام أن توافق فتاة “عبير” جامعية على خطبتها من رجل ( مهيب) وهي لا تعرفه، وأن يأتوا لها بصورة له كي تراه بسبب غيابه خمس سنوات عن الوطن؟

وهنا يطرح السؤال نفسه: لم تعمّد الكاتب تهميش الدور التكنولوجي وقنوات التواصل الاجتماعي كالفيس بوك والواتس أب مثلا والتي تقوم بهذه المهمات في ثوان معدودة؟

إلا إن كان الكاتب يتحدث عن فترة زمنية سابقة قبل ثلاثة عقود مثلا.. أم أن كانت الرواية تواكب أيامنا هذه وهو ما دلت عليه الرواية، وفي هذه الحالة يبدو الكاتب متناقضا..لأن تهويد سلوان وتسريب البيوت للمستوطنين بدا جليا واضحا في السنوات الأخيرة..مع أن البيع والتسريب كان يتسلل بالخفاء.

إن كان تصوّر الأمّ أن الحلّ الأمثل في شفاء ابنها اختيارها زوجة له

لتفرح به، وتهدأ نفسه رغم معرفتها بمرضه.. فهل من المعقول أن يوافق شاب في حالة اللاوعي التي تسيطر عليه أن يرتبط بعروس لم يرها ولم يعرفها؟

كيف يعمل الشاب مهيب محاسبا بشركة كبيرة في بلد عربي وتصيبه نوبات صرع واكتئاب ويتناول المهدئات..مع العلم أن من يتقدم لوظيفة ما، يجب أن يأتي بشهادة طبية تؤكد خلوّه من الأمراض كي يباشر عمله؟

كان للأمّ دور سلبيّ تجاه ابنتها عبير..في تمييز أخيها عزيز عنها في التعلم والزواج..ولم تكن لها سندا حقيقيا في محنتها واغترابها وزواجها.. والسؤال الذي يطرح نفسه: لم عززت الأمّ بداخل ابنتها الكتم والسكوت والرضا عن حياتها الزوجية وعدم الإفصاح عن مرض زوجها؟ ألتكون وريثة للعادات والتقاليد في الذلّ والخضوع للرجل؟ أم لتهميش مبادئ الدين التي حثّت على كرامة المرأة الإنسانة ومساواتها بالرجل الإنسان؟

وقالت هدى عثمان أبو غوش:

في روايته الاجتماعية”اليتيمة” التّي  تدور أحداثها في مدينة القدس ودولة الكويت، ينقل الروائي جميل السّلحوت حالة الصمت والظلم  والقهر من قبل المجتمع تجاه المرأة، ويصوّر مشاركة النساء في عدم انصاف المرأة؛ لتتحقق المقولة”المرأة عدوة المرأة”.

فعبير تتعرض للخديعة من قبل زوجة أخيها عزيز حين تقنعها بزواجها من مهيب، مع العلم بمعرفتها المسبقة بحالة مهيب العصبية. وكذلك حماة عبير التّي  تخفي حالة ابنها الذي يتعاطى الأدوية المهدئة للأعصاب ومعالجة فقدان فحولته،أُمّ عبير تحاول اسكات ابنتها خوفا من ثرثرة المجتمع، وعبير تلتزم الصمت ولا تواجه زوجها بخديعته لها أو حتّى زوجة أخيها؛ كي لا  تكون حديث النّاس، ولذا كانت تمطر  دموعها وحيدة في غربتها وتحمل وجعها ملتحفة بالصبر  ومحاولة تحسين علاقتها وثباتها مع زوجها والتغاضي عن تصرفاته لكن دون جدوى.

يوجه الرّوائي نقده من خلال شخصيات الرّوايّة سواء الرّئيسية أو الثانويّة إلى “الكيف لا الكم “حيث يبرز مدى اهتمام المجتمع بالكم وليس الكيف، فالمظهر الخارجي يحوز على إعجابهم دون النظر إلى ماهية تفكير الشخص وسلوكه، وبالتالي الضرر الّذي يترتب على الفرد بسبب عدم  التأني والإنبهار بالجمال الخارجي والمّادة. إنّ المتابع لروايات وقصص الأطفال عند السّلحوت، يجد القدس حاضرة في معظم أعماله، مع تصويره لزنا المحتل للأرض والبيت، فالقدس في رواية “اليتيمة”نراها من خلال قرية سلوان التّي هي اليوم محور أحداث السّاعة حيث تتعرض البيوت للتسريب والتهويد.

نجح الرّوائي السّلحوت في تصوير حالة مهيب المضطربة نفسيا والتّي تعاني من الضعف الجنسي، فقد صوّر حالته العصبية من خلال الحوار الّذي كان يدور بينه وبين عبير في رغبته بوجوده وحيدا، والنفور من العلاقات الإجتماعيّة وتصوير حالة التّعب الّذي يلازمه، وفي معاتبته ولومه لنفسه لإقترافه ذنب الزواج الّذي يزعجه ويفضح عجزه، كما صوّر لنا حالته الجنسية من خلال زوجته عبير التي كانت تحاول وتبادر إثارة زوجها بكلّ الطرق لكن لا حياة لمن تنادي.

كانت الأمثال حاشدة ومزدحمة في الرّوايّة بشكل مبالغ، وقد اعتاد القارئ على أسلوبه المفعم بالأمثال في أعماله، وقد ساهمت الأمثال في تفسير أحاسيس الشخصيات، خاصّة شخصية عبير، وترجمة العلاقة بين الشخصيات، وتصوير الحالة النفسية والتّوتر والحزن والتّعبير عن القيّم الإجتماعيّة.

جاء أُسلوب الروائي بلغة بسيطة بعيدا عن الأسلوب البلاغي التعبيري. ومن الملاحظ أنّ الرّوائي انتهج في روايته هذه، نفس الأُسلوب في روايته السّابقة “الخاصرة الرّخوة”من حيث اختياره للضحية والتنقل بين المكان.

ففي “الخاصرة الرّخوة”اختار المرأة المتعلمة التي تقع ضحية الرجل  وانتقالها من القدس للسعودية، بالمقابل هناعبير متعلمة ذكية ضحية الرّجل انتقلت من القدس للكويت، وحملت المعاناة.

وأخيرا فإن العنوان “اليتيمة”هو المعنى المجازي لمفاهيم المجتمع الذكورية، أي أنّ عبير من أيتام  المجتمع الذي لم يكن حنونا ومساندا لها.

وقال عبدالله دعيس:

رواية اليتيمة والحياة الاجتماعية العربية

هذه الرواية لوحة جديدة للحياة الاجتماعية في مدينة القدس وفي المجتمع العربي، وهي استكمال لما بدأه الكاتب في رواية الخاصرة الرخوة والمطلٌّقة. يركّز الكاتب على العلاقات الاجتماعيّة بتفاصيلها الصغيرة، ويعطي صورة مفصّلة عن عادات الخطبة والزواج والعلاقة بين العائلات المتصاهرة. وتزخر الرّواية بالأمثال الشعبيّة المناسبة للأحداث.

يستمرّ الكاتب بنفس الأسلوب في الروايتين السابقتين وكأنّه يكتب حلقة جديدة في مسلسل عنوانه الحياة الاجتماعية في المجتمعات العربيّة، وهدفه فضح بعض الممارسات التي تضرّ بالمرأة، والتنبيه لها حتّى لا تقع ضحايا جديدة. وهي مشابهة إلا حد كبير لبعض القصص التي نسمعها يوميا للنزاعات بين العائلات، وحالات الطلاق الكثيرة جدّا والتي يكون سببها في كثير من الأحيان زواج متسرّع لم يقم على أساس سليم.

أرى أنّ الرّواية مهمّة وموفّقة ولعّلها تكون ضمن سلسلة أعمال اجتماعيّة تنقّب عن هذه المثالب وتفضحها دون مواربة، وتبرز أيضا الجانب الاجتماعي الإيجابي للمجتمع العربيّ. وما دام الكاتب قد فتح هذا الباب وسار فيه خطوات، فلا ضير من الاستمرار في صنع حلقات أخرى منه علّها تضيء دربا أو تنقذ امرأة من مستقبل قاتم.

عنوان الرّواية هو اليتيمة، وهي تحكي قصّة امرأة فقدت أباها وأخويها في صغرها وعانت كثيرا بسبب هذا الفقدان، لا ليكافئها أهلها ومجتمعها على نتاج صبرها، وإنّما لتضعها العادات والتّصرّفات الخاطئة في محنة جديدة تضاهي يتمها.

تتحدّث هذه الرّواية الواقعيّة عن شخصيات تعيش في مدينة القدس، لكنّها تُبرز مجتمعا عربيا واحدا، عاداته متشابهة أينما وجد في أي قطر عربيّ. والكاتب يظهر وحدة هذا المجتمع عن طريق العلاقات الاجتماعيّة المتينة بين شخصيات من أقطار عربيّة مختلفة، فرغم البعد الجغرافي والحدود السيّاسية المصطنعة، إلا أن القارئ يشعر أن هؤلاء جميعا ينتمون لمجتمع واحد مترابط، تجمعهم الألفة والمودّة وتتشابه عاداتهم وثقافتهم. وهذه لفتة جميلة.

لغة الكاتب سرديّة مباشرة سلسة، مما يجعل الرّواية سهلة وممتعة للقارئ من جميع الأجيال. وعنصر التّشويق عالٍ، حيث تجذب الرواية القارئ ولا يضعها حتّى يأتي على نهايتها، فكلّ حدث يمهّد للحدث الذي يليه دون الإغراق في الوصف والصنعة اللغويّة. ويشعر القارئ أنّه يعيش مع أحداث الرّواية وكأنّها تحدث في حيّه، وتحكي همومه اليوميّة.

تنتهي الرواية بطلاق البطلة عبير، والطلاق هو ما انتهت به رواية الخاصرة الرخوة أيضا، فهل الطلاق هو الحلّ لزواج متسرّع غير متكافئ؟ أو ربما هناك حلول أخرى تحافظ على كينونة العائلة دون أن تكون المرأة وحدها هي المطالبة بالصّبر على الواقع المرّ؟

وقالت رفيقة عثمان:

شدّتني في قراءتي للرواية، صورة النساء المنعكسة فيها، ودلالاتها في الحياة الاجتماعيّة الفلسطينيّة، في حقب زمنيّة مختلفة؛ لذا اخترت الكتابة عن النساء في الرّواية كما وصفها الكاتب فمن عنوان الرّواية “اليتيمة” نستدل على فحواها، والنصوص سوف تتمحور حول فتاة يتيمة. سيطرت الأحداث في السّرد حول بطلة الرّواية، والتي اختارها الكاتب بطلةً لروايته، وعرض سيرتها الذّاتيّة منذ طفولتها ولغاية زواجها من الشّاب مهيب، دون أن تعرف شخصيّته الحقيقيّة، والتي تبيّن بأنّها شخصيّة مريضة نفسيّا.

من خلال هذه السيرة للبطلة عبير، تبدو هذه الشّخصيّة الأنثويّة، بأنّها عانت الحرمان من الأب في جيل مبكّر، وحُرمت من التعليم العالي، على الرّغم من نجاحها في الثّانويّة العامّة، وتنازلها عن منحتها وحقّها في التعليم، لتزويج أخيها عزيز   بالمنحة الماليّة التي حصلت عليها.

هنا تبرز ثقافة التّنازل وإعطاء حق الأولويّة للأبناء الذّكور، تشجيعا من الأمّ. شخصيّة عبير البطلة، تهاونت في اختيار شريك عمرها أيضا، ورضخت للعادات والتقاليد التي تسود بيئتها، وقبلت بالنصيب المكتوب، وخُطبت للشاب مهيب الوسيم وجميل الطلّة، فسحرها شكله من الصّورة؛ لأنّه يعمل خارج البلاد. لم تكن فرصة لمعرفة العريس عن قرب، فتمّ الزواج بسرعة؛ بدعم زوجة أخيها التي ساهمت في زجّها بهذا الزّواج.

بالإمكان هنا الإشارة الى ظاهرة الفتيات اللّواتي يقعن خديعة زواج الشّبّان الّذين يعيشون خارج الوطن، ويكتشفن الأهوال جرّاء هذا الزّواج، والأسرار المختبئة؛ ويكتشفن مؤخّرا بأنّه “ليس كل ما يلمع ذهبا” ممّا يؤدّي إلى فشل الزواج، وعودتهن للوطن بأسرع وقت. هذه الظّاهرة سادت في مجتمعنا الفلسطيني، في فترة ما وما زالت؛ لأنّ الفتيات تغرّهن الغربة، وانبهارهن بقشور الحضارالغربيّة قبل معرفة وتوافق شريك الحياة معهن.

لو تأمّلنا حياة عبير، عندما وصلت الكويت، تفاجأت بتصرّفات زوجها الغريبة وتعامله السيّء معها، والتي توحي بوجود مشاكل نفسيّة صعبة لدى عريسها مهيب؛ منها الاعتداءات والضرب، وتجاهلها، وفرض سلطته عليها… هنا برزت شدّة العاطفة الحزينة التي أبرزها الكاتب، وصف بها حالة عبير النفسيّة والشّخصيّة بالتفصيل المُمل في حياتهما الخاصّة جدّا؛ مثل: حالات الوحام أثناء الحمل بالأشهر الأولى لعبير، والإنطواء لهذا الزّوج غير السّوي وشعوره بالنقص؛ ممّا أدخلتها في حالة اكتئاب وحزن شديدين، ومحاولات عبير البائسة في تحويل حياتها للأفضل، ومساعدة زوجها مهيب في معالجته والتستّر عليه باءت بالفشل.

انقطاع عبير عن أهلها، ووجودها وحيدة بالغربة، ساهم في إضافة حزنها وكآبتها؛ لم تذق عبير طعم حلاوة الحياة، حتّى عندما زارت بيت معارف عائلتها في الكويت، واحتضنتها العائلة بحفاوة، وغمرتها الزوجة بالحب والحنان؛ إلا أّنّ وضع زوجها ازداد سوءا، ولم يحمد نعمة الله عليه في هذه المعرفة، والتي منحته سكنا مجانيّا، والابتعاد عن صديقه الذي يسكن معه بنفس مسكن الزّوجيّة. هذه الصّورة محزنة جدّا وغير قابلة للتصديق.

عندما عادت عبير للوطن بمساعدة والد زوجها، لأنها حامل، لم تنجح بإخبار أمّها وإقناعها بحالة مهيب زوجها، بل طلبت منها عدم البوح بهذا الكلام، والتستر على حالته بقولها فيما معناه: “البيوت أسرار، والمرأة لازم تحافظ على أسرار زوجها”. عاشت عبير حالة من الكبت والظّلم الاجتماعي، بعدم التفكير بالإنفصال عن الزوج غير السّوي؛ مراعاة لعادات المجتمع وتقاليده.

لم يتوقّف الظّلم عند هذا الحد في حياة البطلة عبير؛ إلا أنه تم الاعتداء عليها وضربها، بعد أن عاد الزّوج من الغربة؛ ممّا تسبّب في الطّلاق بينهما. هذه الصّورة القاتمة تعد من أقسى حالات الظّلم للمرأة.

زواج عبير هو زواج فاشل نتج عنه حياة بائسة لامرأة خانتها الظّروف والمجتمع؛ أي حياة ينتظر الطفل القادم لأمّ مقهورة، ومجتمع لا يرحم يا ترى هل ستظل عبير وأمثالها يعشن حياة اليتم مدى حياتهن، طالما لم يحصل تغيير جذري في أسلوب وعادات المجتمع التقليدي. أتساءل كم امرأة في مجتمعنا تشبه حياتها حياة عبير؟

عاشت البطلة عبير حياة يتم وقهر وظلم اجتماعي، وقسوة، وكبت، وغربة ووحدة، واعتداءات جسديّة ونفسيّة، فلم تشهد بطلتنا ضوءا ينير لها الطّريق في آخر النفق، سوى معاملة المرأة الكويتيّة التي استضافت عيير وزوجها في بيتها، هي المرأة الوحيدة في الرواية والتي أعطت الصورة الجميلة المشرقة عن المرأة العربيّة والشّرقيّة.

المرأة الثالثة هي أمّ عبير، وهي أرملة بعد رحيل زوجها وإبنيها في حادث سير، عاشت في كنف حميها مع ابنتها عبير وابنها المدلّل عزيز؛ ظهرت شخصيّتها متسلّطة، تعامل الذكر بأفضليّة عن الأنثى، ولم تساند ابنتها عبير في اختيار زوجها، كذلك بعد عودتها من الغربة، لم تشجّعها على الطّلاق. هذه الصورة القاسية والنمطيّة في مجتمعنا الشّرقي.

المرأة الرّابعة وهي وداد زوجة عزيز أخ عبير، وهي التي ساهمت في إيقاع وخداع عبير وتزويجها من ابن خالتها مهيب، على الرّغم من معرفتها بحالته النفسيّة ومرضه.

هذه الصّورة للمرأة، أكّدت بأنّ “المرأة هي عدوّ المرأة” كما يدّعي البعض.

المرأة الخامسة وهي أمّ مهيب حماة عبير، والتي خبّأت مواصفات ابنها؛ كي تتسرّع في تزويجه للفتاة عبير الجميلة والناجحة؛ دون أن تدرك عبير هذه الأسرار؛ لتوافق على الشّاب مهيب الوسيم أن يكون زوجا لها.

وصف الكاتب حياة النساء في الرّواية، بصورة دونيّة للمرأة الفلسطينيّة بشكل خاص، بل بعيدة عن المساواة مقارنةً مع الذّكور في مجتمع تحكمه السلطة الذّكوريّة، في مجتمع تقليدي نمطي. تلك الصورة القاتمة حول المرأة  تعكس حياة المجتمع العربي غير المُتقبّل لحقوقها ومساواتها مع الجنس الآخر.

طغت العاطفة الحزينة على الرّواية، والندم والكآبة، من خلال وصف النساء في مختلف مواقعهن في الرّواية.

تعتبر رواية اليتيمة رواية واقعيّة؛ لشريحة معيّنة في مجتمع قروي، تعكس حياة نساء أخريات يعشن نفس الظّروف والمعاناة في المجتمع الشّرقي. ربّما تكون مؤشّرا ملحّا، لإيقاظ الصّحوة في المجتمع نحو المساهمة في دعم المرأة ومساندتها نحو المساواة، والحرّيّة وتحمّل مسؤوليّة الاختيارت بما يخص حياتها الخاصّة.

وكتبت ميسون التميمي:

تعالج الرواية قضايا اجتماعية وإنسانيه مهمة تتمثل بظلم المجتمع للمرأة، رغم أن الإسلام رفع من شأنها ومنحها مكانة عالية وأوصى بها خيرا، إلا أن المجتمع ما زال يفرق بينها وبين الذك،ر وأن حق الأولوية في جميع مناحي الحياة للذكر وليس للأنثى، وهذا ما تحدث عنه الشيخ جميل بروايته اليتيمة والتي تتمثل بشخصية البطلة عبير التي فقدت والدها وهي في عمر الثماني سنوات، وعاشت مرارة الفقد والألم حيث أن الفرح غادر قلبها الصغير، ولاحظت منذ نعومة أظفارها اهتمام والدتها بأخيها وتفضيله عليها وإعطاءه كل الحب والإهتمام، وتبقى هي تبحث لنفسها عن مكان قريب من والدتها لعل وعسى يصلها فتيل من الأمن والأمان، استمر هذا التفريق إلى أن صدرت نتائج الثانوية العامه وحصول عبير على معدل عالٍ

إلا أن وضعها الاجتماعي وتفضيل تعليم الذكور على الإناث حرمها من التعليم بل تنازلت هي أيضاً عن المبلغ المالي المقدم من مديرة المدرسة والمعلمات للمساهمة في تعليمها من أجل زواج أخيها، للأسف هذه هي عبير التي تمثل معظم البنات العربيات. أراد الكاتب أن يسلط الضوء على هذا الظلم من أجل تحرير المرأة من العبودية والقيود؛ لأن الحياة تبدأ من الأنثى فيجب أن تكون بداية قوية تليق بالمجتمع والعرف والدين.

أسلوب الكاتب بسيط ولغتهُ سهلة تختلط بها بعض المفردات العامية لتجعلها قريبة من القلب والروح.

وكتبت إسراء عبوشي:

يستمرّ الأديب جميل السلحوت في سلسلة محاربة الجهل والتخلف، وبعض العادات والتقاليد التي كانت سببا في ترسيخ مفاهيم سلبية أثرت على استقرار الأسر الفلسطينية وسعادتها، هذا التأثير من شأنه أن ينشئ أجيالا مهتزة الشخصية توثر في خلخلة بناء المجتمع، ومن هنا أتت أهمية روايات السلحوت التي منها: الخاصرة الرخوة، والمطلقة والآن اليتيمة.

أتت رواية اليتيمة لتكمل السلسلة واللافت في رواية اليتيمة أن الأديب تناول الرواية من ناحية عاطفية، حيث أن أحداث الرواية تدور حول عبير اليتيمة التي توفي والدها وأخواها في حادث سير، وتعيش برعاية جدها أبو نعمان ووالدتها لبنى وأخاها عزيز، هذه اليتيمة المتفوقة في المدرسة، آثرت زواج آخاها عزيز على دراستها وقدمت له المنحة التي حظيت بها من معلماتها.

ضحّت عبير لأجل عزيز بالمقابل قصّر عزيز، ولم يكن أخاً يعتمد عليه، لم يقف معها يسندها إلى أن وقعت ضحية زوج مريض، يعاني من اضطرابات نفسية، عانت معه الأمرين.

تتحدث شخصيات الرواية بتلقائية روحية تجعل القارئ يألف تلك الشخصيات، ويجسدها في فكره، شخصيات بسيطة تتناول الأحداث بسلاسة، تلك الشخصيات التي يقبلها القارئ، تتطور في فكرة فيرفض كل ظلم وتخلف تقود إليه.

في بداية الرواية عبير صبية فائقة الجمال متفوقة في دراستها تنتظر فرحة النجاح، وفي نهاية الرواية عبير زوجة مسلوبة الإرادة تقف تنتظر الطلاق وعلى يدها طفلها، الذي ستربيه بلا أب ولم تبلغ العشرين بعد، وبين البداية والنهاية حاور الكاتب نفوسنا وأتى على عيوب عاداتنا وتقاليدنا، وبيّن كم يسهم المجتمع في ظلم الأنثى، ويفرق بينها وبين الذكر، همس الكاتب بعتاب مبطن يقول: كفى تخلفا.

شخصية عبير ليست ضعيفة أو مهزوزة أو منكسرة لِتُلقى بين ليلة وضحاها في حضن زوج لا تعرف عنه شيئا، لقد قبلت عبير أن تعيش دور الزوجة المقهورة، لا يَظهر أنها حاولت تغيير ساكن لأجل أن تنجح حياتها الزوجية، فقط عاشت حسب المطلوب منها، زوجة تقليدية مخلصة، صحيح أن تلك الصورة جميلة في حفظ البيوت، لكنها صورة مشوهة، عبير أوصدت باب بيتها على قهرها، ورضيت به إلى آخر رمق، وكل ذلك لم يجدِ، ففي النهاية تركها مهيب يتركها وذهب، هي شخصية رغم جمالها وتفوقها في دراستها، لا تستغل ذكاءها لتغير واقعها، استسلمت ولم تكمل تعليمها الجامعي، واستسلمت لزوج مريض، هي ضحية نفسها أولا، وضحية أخيها الذي لم يكن له دور إلى جانبها في الرواية، وضحية جدها الذي رأى الظلم يقع عليها مرة إثر مرة ولم يحرك ساكنا، وضحية والدتها كذلك التي تعتبر المشاكل العائلية أسرار بيت  يجب ألّا تخرج، وعلى الزوجة القبول والتسليم لكل أمر يواجهها في بيتها، ويعترض سكينتها وسعادتها.

جميعهم أنكروا الشكوك، غرهم وسامة مهيب وتعليمه، ودفعوا ابنتهم لقبول الحياة القاسية ولم يعلموها ما هي حقوقها كزوجة.

وكم من بناتنا يشبهن عبير! لبؤة في حجر فأر.

تضيق عليها الدنيا، وتنقطع أنفاسها ولا أحد يسمعها، باسم القدر والنصيب والعادات والتقاليد تُقتل بناتنا بصمت، ويُرغمن على إكمال حياتهن بلا حياة، يصبحن ضحية وينجبن ضحايا، وإن تكلمن وقعن في المحظور.

قتل بطيء لا يُسمعه المارة، بكاتم صوت، رصاصة تُدّك باسم الحب والزواج وتمضي، فعليا تتوقف الحياة تماما.

ابن عبير شاهد على الجريمة، ضحية الضحية.

حاور الأديب جميل السلحوت أرواحنا بقلمة الجريء، ونظرته العميقة، مستخدما أدلة من القرآن الكريم، ومجموعة من الأمثال الشعبية منتقاة لتناسب الأحداث، معرجا على الأقصى بجماله ورونقه، ذاكرا بعض الأماكن التي يحن القارئ لزيارتها مثل: جبل المشارف عين سلوان التحتا والفوقا وبئر أيّوب.

يذكر أن الرواية صدرت عن مكتبة كل شيء في حيفا، وتقع في 260 صفحة، من تصميم شربل الياس، أمّا لوحة الغلاف فهي للفنّان محمد نصرالله.

وكتب شاكر فريد حسن غبارية:

هذه الرواية استكمال لما بدأه السلحوت في روايتيه السابقتين “الخاصرة الرخوة” و”المطلقة”، وفي هذه الروايات يصور بكل الجرأة والشجاعة النظرة الذكورية والدونية السلبية للمرأة، ويطرح معاناة النسوة في المجتمعات الذكورية التقليدية العربية، ويتطرق لمسألة الميراث.

تدور أحداث رواية “اليتيمة” وتتمحور حول عبير الإنسانة اليتيمة، التي توفي والدها وأخواها في حادث سير، ويرعاها جدّها أبو نعمان، وأمّها لبنى، وأخوها عزيز، وكانت متفوقة في دراستها وتعليمها، لكنها آثرت تزويج أخيها عزيز على إكمال تعليمها، وقدمت له المنحة التي حصلت عليها من مدرساتها، ولكن عزيز للأسف قصر معها، ولم يساندها ويقف معها، فوقعت ضحية لزوج يعاني من اضطرابات نفسية، وعانت في معيشتها الأمرين.

ومن خلال تسلسل الأحداث في الرواية نرى أن البطلة الرئيسية في الرواية “عبير” تقع ضحية لنفسها ولطيبتها ولأخيها الذي لم يقف إلى جانبها في محنتها، وكذلك ضحية لأمّها التي كانت تعتبر المشاكل الأسرية هي أسرار بيت ويجب أن لا يعلم بها أحد، وعلى الزوجة التسليم والقبول بالأمر الواقع، وأيضًا ضحية لجدّها الذي يرى الظلم والقهر بأمّ عينيه ولا يحرك ساكنا أو ينبس ببنت شفة.

وتحمل هذه الرواية الواقعية الإنسانية بامتياز، رسالة اجتماعية واضحة، بضرورة التمرد على الثقافة البائسة التي تعزز الأفكار النمطية تجاه المرأة، ودعوة لتغيير الكثير من الأعراف والعادات الاجتماعية البالية التي تتعلق بمسألة الزواج لمجرد الزواج.

ويغوص قارئ الرواية في نتائج الأحداث، وفي عمق الشخصيات وتفاصيلها الدقيقة، ويستمتع بأسلوب الروائي المشوق، وبكل المنعطفات والأحداث البطيئة، وبالاستطرادات والوقفات التأملية، وبسرده المبهر الذي يجعلنا نبحث عن النهايات.

ومن الناحية الجمالية تُعد الرواية الأقرب إلى التعبير الصادق عن الواقع الاجتماعي العربي المعاش، وعن النفس البشرية المنجدلة على نحو لصيق بواقعها وأسئلتها الاجتماعية ورؤاها وأبعادها العميقة.

والسلحوت يوظف ويستخدم في روايته الكثير من الأمثال الشعبية المنتشرة في مجتمعنا العربي، التي تتعلق بالزواج وحيثياته، فضلًا عن أغاني النسوة في الأعراس.

وأخيرا، رواية “اليتيمة” لجميل السلحوت بكل ما طرحته وعالجته من مظاهر وقضايا اجتماعية وهموم المرأة ومعاناتها القهرية من مفاهيم المجتمع وقوانينه الاجتماعية الجائرة، ونظرته السلبية تجاهها، تستحق كل التقدير، ويستحق كاتبها جميل السلحوت كل الاحترام، حيث سلط الأضواء بشكل عيني على قضية المرأة الجندرية وسطوة الرجل وذكورية المجتمع.

وكتب رائد محمد الحواري:

هذه هي الرواية الثالثة التي يتناول فيها الروائي جميل السلحوت قضايا اجتماعية متعلقة بالمرأة، فبعد روايتي “الخاصرة الرخوة والمطلقة”، تأتي رواية “اليتيمة” لتشكل ثلاثية. أجزم أن طرح هذه القضايا أصبح ضروريا، لأنها تمس بنية المجتمع الذي يواجه المحتل، فعندما يكون الطرف الأهم في المجتمع/المرأة معطوبا وغير سوي، فكيف سيتم مواجهة محتل متطور، ويملك من الإمكانيات الشيء الكثير والكبير؟

إذن الموضوع حيوي ومهم وضروي يجب أن تطرق أبوابه، لأننا كمجتمع فلسطيني وعربي لم نعد نبني بشكل جديد، بل أخذنا نهدم ونخرب حياتنا من خلال النظرة والسلوك المتخلف مع المرأة، التي ننظر إليها على أنها أدنى من الرجل في فهم خاطئ لديننا الحنيف فنحن نتعامل دينيا معها كما يتعامل بعضهم مع “ويل للمصلين” ويتوقف عندها” دون أن نكمل الآية،  لهذا تجدنا في حالة تقهقر وتراجع مستمر، وتكثر الضحايا النساء في المجتع، دون أن يتجرأ أحدا ليقول توقفوا: إننا ذاهبون إلى التهكلة، من هنا تأتي أهمية “اليتيمة”.

تطرقت الرواية إلى ما هو اجتماعي، ليكون المجتمع قويا وسليما ومعافى، واللافت في الرواية أنها تبين أن  الضّحيّة “عبير” وقع عليها الأذى والظلم من خلال بنات جنسها، النساء، “سلوى” زوجة الأخ”عزيز”، التي لعبت على فتح الباب وتهيئة الظروف للإيقاع بعبير، كما نجد أمّ “مهيب” التي عملت على إخفاء عيوب ابنها وأسرعت بربط الضحية قبل أن تراه، وتتعرف عليه بشكل كاف،  حيث كان “مهيب” يعمل في الكويت، كما أن أمّ سلوى التي تجاهلت وضع “مهيب” وما يعانيه من مرض نفسي وما فيه من عصبية،  فقط من أجل أن ترضي رغبات شقيقتها، ودون أن تراعي مصلحة “عبير” التي ستخدع بمنظر “مهيب” وهيئته، وبعدها ستعيش الجحيم معه، كما أن أمها “لبنى” أمّ عزيز عملت على جعل “عبير” تخنع وترضخ وتستسلم لواقعها، من خلال أقوالها وفهمها للمرأة الخانعة.

وكأن السارد يقول أن النساء هن أساس من يقمن (بإسقاط) بنات جنسهن، فهن أساس المشكلة، ولو أنهن توقفن عن هذا السلوك وهذا المشاركة في جلب مزيد من الضحايا والإيقاع بهن، لتوقفت الجرائم بحق النساء، وهذه ميزة تحسب للرواية.

هذا على صعيد الفكرة التي طرحتها “اليتيمة” أما على صعيد طريقة التقديم وشكلها، فإن هناك سلاسة في تناول الأحداث، حتى أن القارئ يطالع الرواية على دفعة واحدة، وهذا يعود إلى طبيعة لغة الشخوص التي كانت اجتماعية تماما، حتى أن القارئ يشعر بقربها منه، حيث تتحدث اللغة الشعبية التي يسمعها من عامة الناس، وهذا جعل الشخصيات والأحداث قريبة من المتلقي، فهي شخصيات يسمعها ويراها يوميا، فالثقافة الشعبية التي تعتمد على الأمثال، وتستند على الآيات القرآنية والأحاديث النبوية جعلت الرواية شعبية تماما، وشخصياتها (حقيقية/حقيقية).

المجتمع الذكوري

سنحاول تبيان شيء مما جاء في الرواية لتوضيح كيف أن ثقافة وتربية المجتمع ونظرته للمرأة هي المشكلة، بصرف النظر عمن يقوم بالتمهيد وتهيئة الضحية، فالبناء الفكري الاجتماعي الذي يعامل المرأة على أنها ضلع أعوج، و”ناقصة عقل ودين”، وعلى أنها ضعيفة، وعليها القبول بنصيبها، وعليها التحمل، وعليها (مداراة) الزوج، وعليها الحفاظ على بيتها وزوجها، وأن الزوج والزواج سترة لها، كلها مفاهيم متخلفة رجعية تدمر المجتمع وتبقيه في حالة تقهقر وتراجع، بحيث لن تقوم له قائمة، يخبرنا السارد عن هذه الأفكار وهذا السلوك من خلال حديثه عن “عبير” التي نجحت في الثانوية العامة بتفوّق، لكن أمها تنظر إليها بهذا الشكل: “عزيز شاب ما شاء الله عليه! وكل البنات يتمنينه، أمّا عبير فعليها انتظار نصيبها، ففي حفل التخرج لم تشاهد عبير أي بنت تتمنى “عزيز” لكنها شعرت أن الشباب ينهشون جمالها بعيونهم، وسمعت بأذنيها النساء وكل واحدة منهن تتمناها عروسا لابنها” ص43، ومن هنا لم تفكر الأم بتعليم ابنتها جامعيا ـ رغم أنها متفوقة ـ ، وفضلت أن تنتظر حتى ينهي “عزيز” تعليمه، ولم تتوقف عند هذا الأمر فنجدها تقوم بتزويجه رغم أنه لم ينه دراسته الجامعية بعد، مفضلة تزويجه على تعليم ابنتها “عبير”.

ويأخذنا السارد إلى  سلبية “أمّ عزيز” وكيف تنظر للرجل وللمرأة: “ـ أطلب وتمنى يا روح إمّك، ما عليك إلا أن تشير إلى أي فتاة تريدها واترك الباقي علي:

ضحك  الجد وقال:

ماذا جرى لك يا لبنى؟ هل تحسبين بنات العالم “بسطة خضار” وما عليك إلا أن تنتقي منها ما تريدينه؟

أمّ عزي: “البنات مثل الهمّ على القلب” وكل منهن تنتظر إشارة منا” ص56.

تحدثنا “وداد” زميلة “عزيز” في الدراسة عن سلبية المجتمع تجاه المرأة بقولها: “…سمعة النساء في بلادنا حساسة كالزجاج، فكما أن الزجاج ينتهي بأي خدش يصيبه، فإن أي إشاعة على المرأة قد تدمر حياتها إلى الأبد، ومجتمعنا لا يرحم” ص63، وأهمية هذا القول أنه جاء ممن يمكن أن يكون (ضحية)، لهذا نجد له صدى وارتدادات على القارئ/المجتمع.

السارد يتناول فكرة “حمل الإسم” وكأنها الهم الأكبر للمجتمع، وبها يستطع (المجتمع) الحفاظ على وجوده/على كيانه: “…وأن أرى ابنا لعزيز يحمل اسم ابيه، ليكون امتدادا لنا في المستقبل، سألت عبير ساخرة:

وماذا بالنسبة لأبنائي أنا يا جدي… إذا كان الحسن والحسين أبناء لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فكيف لا يكون أبناء عبير أبناء لأبيها نعمان ” ص71.

تتحدث “ميسون” عن المجتمع الذكوري ونظرته المتخلفة حتى للأطفال: “… وصلت الوقاحة حدا بأحدهم أن قال لها ونحن في المرحلة الإعدادية:

أريد ابنتيك لولدي لأسترهن ولأريحك من مؤونتهن” ص80.

وهذا الأمر لم يقتصر على “ميسون” بل نجده يطال “عبير” التي يطلبها “سفيان زوجة له، رغم أنه متزوج وله ولد أكبر منها: “…تنهد سفيان وقال متجهما ويتصنع ابتسامة:

محمد لا يزال صغيرا على الزواج، عمره ثلاثة وعشرون عاما، أريد عبير زوجة لي… فزوجتي  لم تعد تصلح كزوجة، وربنا سبحانة وتعالى  سمح للمسلم بالزواج من أربع نساء” ص94.

وتأكيد على أن المرأة في المجتمع الذكوري ما هي إلا سلعة، يتم مقايضتها بسلعة أخرى، تأتي “ميسون” لتطلب  هذا الطلب: “…فنحن نريد بنتكم  عبير لابننا منير، وسنرد لكم جزاءها ابنتنا عفاف لابنكم عزيز” ص126.

أمّا عن المرأة بعد الزواج، وبعد أن تجد زوجها غير سوي، ويعاني من أمراض نفسية، تتحدث “أمّ مهيب” عن هذا الأمّ بقولها: “وستستطيع ترويض مهيب، خصوصا وأنهما في غربة بعيدا عن تدخل الأهل والأقارب مما يجبرها على التعايش معه” ص244، فالمرأة بعد الزواج مطلوب منها أن تحتمل زوجها حتى لو كان الجحيم بعينه.

ونجد سلوك أبي مهيب غير الحضاري عندما يقوم بالتدخين في الغرفة رغم أن زوجة ابنه “عبير” حامل: ” رائحة الدخان يا عم تؤذيني ولا أستطيع احتمالها.

لا علاقة للسجائر بحالتك، وستعتادين عليها…ما رأيك أن تغلي لنا فنجان قوة” ص247.

بهذا الشكل يكون السارد قد كشف شيئا من جرائم المجتمع تجاه نفسه وتجاه النساء، وكيف أننا كمجتمع شرقي  نعامل المرأة  بطريقة غير إنسانية لا تتناسب والعصر الذي نعيشه، ولا تأخذ حالة الصراع مع المحتل بعين الاعتبار، فالمجتمع القوي يستطيع أن يقاوم، ولكن المجتمع الهش/الضعيف  سيبقى غارقا في الطين، ولن تقوم له قائمة، وهذا دعوة غير مباشرة من السارد لمواجهة الاحتلال، من خلال بناء مجتمع سليم وقوي، حيث  يمكن للشعب/للمجتمع أن يحرر نفسه من الاحتلال، إذا ما أصبح مجتمعا قويّا سليما لا يعاني من أمراض.

الاحتلال

من هنا كان الاحتلال حاضرا في الرواية في أكثر من مشهد، فعندما توفّي أبو عزيز/نعمان مع ابنيه في حادث سير في العراق، لم يسمح الاحتلال بإحضار الجثامين لتدفن في فلسطين: “لم نستطع يا ولدي، طلبنا مساعدة الصليب الأحمر في ذلك، لكن سلطات الاحتلال لم توافق، ولم يعد أمامنا خيارات أخرى سوى الدفن في “مقبرة سحاب” في الأردن ص37، ولم يقتصر الأمر على منع الدفن في فلسطين، بل هناك صورة المستوطنين وهم يعيثون فسادا في الأرض: ” …المتطرفون اليهود يقتحمون الأفصى تحت حراسة شرطة الاحتلال، المستوطنون يحرقون ويدمرون المزروعات، ويقطعون الأشجار المثمرة، يعتدون على المزارعين والأهالي تحت حماية الجيش” ص103، وكأن السارد بهذا الأحداث يريد من المتلقي أن يصل إلى  خطورة الأمر، وعلى ضرورة الاستعجال في بناء المجتمع القوي، ومعالجة قضايا المرأة فيه بأسرع وقت ممكن. فالوضع لا يحتمل التأخير أو التأجيل.

الأمثال الشعبية والثقافة الدينية

هناك ما يقارب الخمسين مثلا في الرواية، وقد جاءت على لسان أغلب الشخصيات، فغالبية الشخصيات استخدمت الأمثال في حديثها أو استخدمت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، حتى أن “سفيان” الشخص المنحرف والذي يميل للنساء يستخدم آيات من القرآن الكريم، لتكون مساعدا له ومفسرا وموضحا في طلب الزواج من بنت أصغر من أبنائه، وهذا الأمر  يستدعي التوقف عنده، فالسارد يريد القول من ذلك: أن مفاهيم وأفكار ومنطلقات الشخصيات/المجتمع مبنية على أسس شكلية ومتخلفة، بمعنى أنه يعرف فقط القشور، وأمّا الداخل/الجوهر فلا يعرف عنه شيئا، وهذا ما يجعل الرواية تمس كل شخصيات المجتمع.

وبما أننا نتحدث بأمثال بالية ـ لكننا نعتبرها حِكما ـ علما بأنها غارقة في الجهل والتخلف، ونأخذ الآيات القرآن والأحدايث النبوية بغير السياق الذي جاءت به أو أنزلت فيه، فإننا سنبقى أسرى لواقع بائس، لن نستطيع أن نخطو خطو واحدة في الاتجاه الصحيح، ما دامت هذه الثقافة الشعبية وهذه الطريقة من التفكير تسيطر علينا.

هفوات الرواية

هناك  هفوتان في الرواية، وهما عندما تحدثت ميسون عن وفاة والدها لعبير: ” عندما استشهد والدي كنت في الخامسة عشرة من عمري، استشهد قبل أن أتعرف عليه” ص79، اعتقد أن سن الخامسة عشر كاف لجعل الإنسان يعرف الأشخاص الذين ينتمي إليهم.

كما أن هنا خطأ في ذكر اسم مصطفى الذي جاء في الصفحة 221 بعهذا الشكل: “سأتصل بزميلي صافي لأخبره بأننا لن نعود إلى الشقة” فالصحيح كان يفترض أن يكون “سأتصل بزميلي  مصطفى”. ومع هذا تبقى رواية “اليتيمة” من الروايات التي يحتاجها المجتمع للتخلص من الأمراض والبثور التي علقت به، ويتقدم بصورة سليمة صحيحة قوية نحو المستقبل.

وكتبت هناء عبيد:

رواية اليتيمة والثقافة الشعبية

صدرت هذا العام 2021 رواية اليتيمة للأديب المقدسي جميل السلحوت عن مكتبة كل شيء الحيفاوية. تقع الرواية في ٢٦٠ صفحة من الحجم المتوسط وقد حمل غلافها لوحة بريشة الفنان التشكيلي محمد نصر الله.

رواية اليتيمة رواية اجتماعية، تحمل في طياتها رسالة هادفة إلى مجتمعاتنا الذكورية التي تظلم الفتاة في جل شؤونها.

الشخصية المحورية في الرواية هي شخصية عبير التي لا تلقى الاهتمام من والدتها كأخيها عزيز، فرغم تفوقها في المدرسة وحصولها على معدل مرتفع ونيلها المرتبة الأولى في دفعتها، إلا أنها لا تحظى بالتعليم كما حصل مع أخيها الذي لم يكن بذكائها، بل وصل الإجحاف بأن يتم الاستيلاء على هدية تفوقها المالية التي جمعتها مديرة ومعلمات المدرسة لمساعدتها في تعليمها، لإعطائها لأخيها عزيز من أجل المساعدة في مصاريف إتمام زواجه.

والأحداث تتوالى وترسم لنا صورًا متنوعة من سيطرة المجتمعات الذكورية وتعسفها وظلمها للفتاة.

ولعل تسليط الأديب جميل السلحوت الضوء على هذه القضايا، يعطينا فكرة عن مدى حرصه على أن تأخذ المرأة حقوقها، وأن يتوقف الظلم الممارس عليها من قبل المجتمع الذي يبدأ أحيانا من المرأة نفسها.

إذ يبدو أن العادات والتقاليد الموروثة والتي لا تمت للدين بصلة قد ترسخت في العقلية العربية، فأصبحت كأحد المسلمات وإن لم يكن هناك قناعة بجدواها. فرغم الظلم الذي تشتكي منه المرأة، إلا أنها أول من يمارسه على بنات جلدتها.

فأمّ عزيز مثلًا ظلمت ابنتها حينما فضلت ابنها عليها، وأمّ مهيب مارست الظلم على عبير حينما طلبتها للزواج من ابنها مخفية حقيقة مرضه النفسي، كذلك سلوى اقترفت ذنبا أوقع الظلم على عبير حينما أخفت حقيقة ابن خالتها مهيب. أي أن من يشكو من الظلم هو أول من يمارسه.

والمتتبع لروايات الأديب جميل السلحوت سيلاحظ أن له أسلوبه المميز في الكتابة، حيث لغته السهلة الممتنعة المتينة التي تختلط بها بعض المفردات المحكية الفلسطينية؛ لتجعلها أكثر قربًا من القلب والواقعية.

كما أن أسلوبه في السرد يعتمد خطية السرد المتنامي، الذي يتطور بالأحداث تدريجيا حسب مرور الزمن، وقليلًا ما يعتمد أسلوب الاسترجاع (الفلاش باك)، إلا في بعض الأحيان بصورة سريعة. أيضا يعتمد على الحوارات الخارجية وقلما تتواجد الحوارات الداخلية في السرد.

رواية اليتيمة كغيرها من روايات الأديب السلحوت، حيث فلسطين الحاضرة دوما في مجريات الأحداث، وكذلك القدس التي يسكنها؛ نجدها دومًا ماثلة أمامنا بجمالها وشعاعها وتضحية أهلها.

كذلك أسماء مدن وقرى وحارات وشوارع فلسطين تكون موجودة بقوة، لتجعل من الأماكن معالم تدخل القلوب وتترسخ فيها دون استئذان، ولعل هذا من أهم الأمور الّتي تجعلني أستمتع حين قراءة هذه الروايات، فهي تنشلني وإن كان لبرهة من الزمن من الغربة التي أعيش؛ لأتواجد وأتنقل في شوارع وزقاق مدينة مولدي القدس، ووطني فلسطين الذي حرمني الاحتلال من التمتع بدفء أحضانه.

ولا يخفى لأي قارئ مدى تمسك الأديب جميل السلحوت بتراثنا الشعبي، حيث نراه حاضرا بقوة من خلال الأمثال الشعبية التي يذكرها، والتي تتماشى مع أحداث أي عمل أدبي له، كذلك الأهازيج والأناشيد الشعبية التراثية التي  تخلق من روايات جميل السلحوت بصمة متميزة.

وليس خافيًا لأحد مدى أهمية حضور هذا التراث، فهو بمثابة توثيق له، يتم تناقله من جيل إلى جيل في ظل احتلال يحاول سرقة كل جزء من أوطاننا بما فيها تراثنا.

يظهر ذكاء الروائي أيضا في ذكر مقاومة أهل فلسطين للاحتلال مهما كان الثمن، فالفلسطيني يفدي أرضه بدمه وروحه، وهذا أمر يحتل مكانة كبيرة من الأهمية؛ لتذكير العالم أن هناك قضية وأرض من حق أهل فلسطين، وأنه لن يتم التنازل عنهما مهما طال الاحتلال والظلم.

والاحتلال الغاشم لم يكتف بسرقة أرضنا فحسب بل يحاول أن يسرق أفراحنا أيضًا، وهذا ما نستخلصه من الرواية، ففي حفل خطبة عزيز، اقتحم المستوطنون بمساعدة الشرطة قاعة الفرح وقاموا بإطلاق الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع، وإنزال العلم الفلسطيني عن بيت الاحتفال، وبهذا يمارس الاحتلال دوره التخريبي الدائم الذي يحاول تعكير صفو أصحاب الأرض ومنعهم من أن يهنئوا بافراحهم، ولكن رغم كل هذا التعسف إلا أن هذا لا يسقط من عزيمة الشعب الذي لا يقف أمام إرادته أي سلاح أو قوة.

ومن الأمور الإيجابية التي حملتها الرواية أيضا، التركيز على دور الكويت وشعبها المعطاء، الذي لم يتوان يوما عن مساندة القضية الفلسطينية والتعاطف الكبير مع الشعب الفلسطيني، وذلك من خلال عائلة العنود وراشد الذين استقبلوا “عبير ومهيب، في بيتهم حينما سافرا إلى الكويت للعمل والإقامة هناك.

الرواية اعتمدت اللغة العربية الفصحى المتينة،  والسرد المباشر الذي يجعلها سهلة الفهم، كما أنها أضافت قيمة أدبية ثمينة إلى رفوف المكتبة العربية، إضافة إلى قيمة وثائقية مهمة لصالح القضية الفلسطينية، وتعتبر رصدًا قيّما لحياتنا الاجتماعية والسياسية في فلسطين.

وقالت دولت الجنيدي:

رواية اليتيمة رواية جميلة واقعية وهادفة، سردها جميل لغتها سهلة تشجع القارئ على الاستمرار في القراءة وفهم مغزاها، وهي استمرار لما كتبه في هذا السياق في روايتيه السابقتين الخاصرة الرخوة والمطلقة من تصوير واقعي لمعاناة المرأة في مجتمع ذكوري، ودفاعه عنها وعن حقوقها وتشجيعها على الخروج من ربقة هذا الظلم..

في كل مرة تدور الرواية عن قصة من واقع الحياة تسرد ما يدور حولها من أحداث لبطلة القصة ومكان حدوثها والأحداث التي تدور في محيطها.

وكما عودنا الأديب السلحوت فهو دائما يبدأ بالقدس وما حولها، وأحيانا يمتد الى محيطها العربي أو حتى إلى أبعد من ذلك.

محور هذه الرواية هي الفتاة المظلومة عبير التي فقدت أباها وأخويها في صغرها، وعانت من اليتم والفقر وسلب حقها في استكمال دراستها الجامعية لصالح أخيها عزيز، الذي فضلت الأمّ إعطاءه الفرصة لتكميل تعليمه، وحرمانها هي رغم تفوقها وحصولها على أعلى معدل في محافظة القدس، وحتى المنحة المادية التي حصلت عليها من مدرستها صرفت على زواج أخيها عزيز، ثم رضوخها للزواج من مهيب الذي يعيش في الغربة بمجرد أن رأت صورته، ومعاناتها من هذا الزواج لسوء معاملة الزوج الذي أخفى مرضه النفسي عنها، وكذلك فعلت والدته وكذلك زوجة أخيها بعدم اخبارها عن مرضه رغم علمهما بذلك، ومن ثم يحصل الطلاق مع وجود طفل ليس له ذنب في هذه الحياة إلا أنه ابنهما.

من خلال هذا السرد يشرح لنا الكاتب عن العادات والتقاليد في الزواج والطلاق وغير ذلك.

وأما مسرح الرواية فهو بلدة سلوان التي هي الآن مركز الأحداث من حيث ما يدور على أرضها من تسريب للبيوت لليهود، وطرد السكان بالقوة عن طريق المستوطنين والشرطة، وعدم إعطاء رخص للبناء وهدم البيوت بحجة عدم الترخيص. وكل ذلك لتهويد الأمكنة المتاخمة للمسجد الاقصى الذي تستباح ساحاته من قبل المستوطنينـ، واستعمال العنف ضد المصلين.

واستعمال الرصاص المطاطي وحتى الرصاص الحي ضد الشعب الأعزل. تطرق للبطالة لحملة الشهادات والمعاناة منها.

تطرق لتدخل الأهل في اختيار العروس للابن والبنت.

استشهد بالآيات القرآنية بأن الدين يعطي المرأة حقوقها ولا يسلبها منها.

استعمل الأمثلة الشعبية وفي ذلك حفاظ على التراث الشعبي الذي يسلبه اليهود منا يوما بعد يوم.

صور لنا مشاعر الفرح والحزن والانكسار والذل والخوف والمعاناة تصويرا دقيقا.

ذكر لنا دور الأمّ السلبي اتجاه ابنتها مع أنه يجب عليها الوقوف معها ومساندتها خاصة عندما دعتها الى كتمان معاناتها من الزوج المريض والقاسي وسيء المعاملة، والصبر على ذلك بسبب نظرة المجتمع للمرأة المطلقة.

أعطى صورة إيجابية عن مساندة الكويت وشعبها وتعاطفها مع الشعب الفلسطيني وقضيته، من خلال استقبال عائلة العنود وراشد لعبير ومهيب حينما كانا هناك.

هذه الرواية وجميع روايات السلحوت تعتبر توثيقا تاريخيا واجتماعيا لما يحدث على أرض الوطن، وتعتبر مرجعا هاما لطلاب المدارس ولجميع المهتمين.

أظهر موقفه المناصر للمرأة في احترامها وتحصيل حقوقها جليا في جميع كتاباته.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .