ممدوح دخل اللـه صفدي من الوجوه الأدبية التي ظهرت على ساحة الأدب والإبداع الثقافي الفلسطيني في ستينيات القرن الفائت بمجال السرد القصصي. كان كاتبًا يجيد فنه ويتقن أبعاده، لم تبهره الأضواء والشهرة، ولم يفتنه الاطراء والمديح، ولم ينصفه النقد ولا النقاد، وبقي في دائرة الظل، فلم يجمع قصصه في مجموعة، ولم يصدر أي كتاب له لا في حياته ولا في مماته.
ولد ممدوح صفدي وعاش في مدينة الناصرة، وترعرع في احيائها وشوارعها وازقتها واسواقها، عانق ضوء الحياة في العام 1937، انهى دراسته الابتدائية والثانوية في مدارس مدينته ثم التحق بجامعة حيفا ونال الشهادة الاكاديمية، وقضى سنوات طويلة من عمره في سلك التدريس، فكان خير معلم، غرس في طلابه العلم والمعرفة والقيم الجميلة بتفانٍ واخلاص، واتصف بالتواضع الجم ودماثة الاخلاق وحسن المعاملة والقلب الطيب، ووافته المنية في الخامس والعشرين من شباط العام 2010.
شغف ممدوح صفدي بالأدب منذ نعومة اظفاره، وادرك بموهبته وفطرته ووعيه سر وكنه كتابة القصة، كتب العديد من القصص ونشرها في عدد من المجلات منها ” الفجر ” التي كان محررها الثقافي الشاعر المرحوم راشد حسين و” المجتمع ” التي كان يصدرها الأديب المرحوم ميشيل حداد، و” الجديد ” الثقافية – الفكرية التي كان يصدرها الحزب الشيوعي. ومن عناوين أعماله القصصية ” فرحة العيد ” و ” حبة القلب ” و ” أبو عائدة ” و ” الشاطئ المهجور ” و ” الحارس والعمارة ” وسواها.
وكان ممدوح توقف عن الكتابة لمدة طويلة بسبب ظروف عمله وانشغالاته اليومية في مجال التعليم وهموم الحياة، لكنه فاجأ الجميع عندما عاد في التسعينيات من القرن الماضي ونشر عددًا من قصصه الجديدة في مجلة ” كنعان ” التي صدرت عن مركز التراث العربي في الطيبة بمبادرة المناضل والمثقف والمفكر الفلسطيني والأسير المحرر المرحوم صالح برانسي( أبو فؤاد)، وكان يحررها ويشرف عليها أخي الأديب المثقف والقارئ المميز الذواقة المرحوم نواف عبد حسن، وهو بدوره عرفني على المرحوم في مطعم أبو الدخل في الناصرة.
تتسم قصص ممدوح صفدي بواقعيتها النقدية وطابعها الإنساني واسع الأفق، فهي مسحوبة من صميم واقعنا وحياتنا الفلسطينية، وتعكس معاناة الإنسان البسيط وهمومه اليومية، وكفاحه من أجل كفاف يومه وحياة إنسانية كريمة. وشخصيات قصصه من فقراء الناس والشعب، ويرسمها بعناية ودقة متناهية، ولغته غاية في الدهشة والبساطة والرشاقة والجمالية الفنية.
ومن يقرأ قصصه يلمس بجلاء انحيازه المطلق، فكرًا وقولًا وموقفًا، للفقراء والمهمشين والطبقات الشعبية الكادحة. وهو يقدم رؤية فنية تقدمية ونظرة معاصرة حضارية من خلال نماذج بشرية اجتماعية متباينة، معتمدًا على اسلوب المونولوج الداخلي الذي يساعد الى حد كبير في التداعيات وتطور الأحداث في قصته.
ويلاحظ القارئ أيضًا تجاوز ممدوح المستمر لنفسه بين قصة وأخرى، والتنوع والثراء في المضامين، وعمقًا وغنى في الرؤية الفنية الجمالية المتقدمة.
ويمكن الاستنتاج أن ممدوح صفدي قاص ولج باب الأدب الحقيقي الإنساني الملتزم ، وشارك شعبه في قضاياه المصيرية، واستطاع أن يقدح فكره ليصل إلى الصياغة السردية المتميزة المشوقة، والتعبير عن همومنا الفردية والجماعية الإنسانية، وما يلفت في نصوصه الدفء الإنساني والصدق والمصداقية، والرؤية الواضحة.
ممدوح صفدي الانسان والمبدع لروحك السلام ، لم تأخذ حقك من الاهتمام النقدي ، لكنك ابقيت اعمالًا قصصية ناجحة، من النواحي الفنية والسرد المشوق والمضامين الانسانية والوطنية والطبقية. وواجب أسرته وأحبائه ومعارفه العمل على جمع ارثه واصداره في كتاب يخلد اسمه ويحفظ ذكراه.