المؤسسة الدينية واليمين الدرزي وجهان لذات العملة

بقلم: كايد يلامة ـ حرفيش

على مر العصور، الطوائف والمجتمعات الصغيرة المحافظة، التي تحترم تراثها وطقوسها واعيادها، والتي لم تحيد عن تاريخها، ما زالت قائمة رغم التقلبات التي غيرت وجه العالم. اما تلك التي تخلت عن ميزاتها وقيمها، مع الوقت فاندثرت ولم يعد لها أي أثر.

نحن الدروز، في الشرق وبالتحديد في إسرائيل، مهددون أكثر من غيرنا بالانغماس والانصهار مع الشعوب الأخرى.

في المجتمعات الأثنية الصغيرة، تقع مسؤولية الحفاظ على المجتمع وعاداته في اغلب الأحيان على رجال الدين، فقوتهم مستمدة من الدين، كون الجميع يؤمن به ويكن له الاحترام، تصرف رجال الدين ومسلكهم اليومي يعد قانون، وعلى الرعية اتباعه والتقيد به، احيانا يكون التصرف خاطئا لغاية في نفس يعقوب، واغلبية الرعية تسير أيضا على نهجهم الخاطئ دون ان تحاول معرفة الطريق الصواب من الخطأ كونهم منارة للرعية، والاصعب من هذا مكابرة المخطئين.

في بلادنا ساءت الأمور كثيرا من كثرة الأخطاء التي ارتكبها القيمين على الدين غالبا ما تكون معتمدة لمكاسب شخصية مع غطاء ديني، منها التخلي عن عيد الفطر، حيث لا يوجد أي مبرر للتخلي عنه سوى الضعف، ويُشتَمُّ من هذه الخطوة الخاطئة انه كان من ورائها صفقة ابرمتها القيادات الدرزية مع الدولة، والتي اتى على ذكرها وبرؤوس أقلام هليل كوهن في كتابه ” العرب الصالحون”.

نحن من وافق على زج المقامات المقدسة في السياسة، وسخرناها للمؤسسة العسكرية، نحن من تقاعس بجُبن ولم نقف ضد سياسة الدولة ومنعها من تجنيد الفتيات الدرزيات في الخدمة الوطنية، نحن من تخلينا عن الحدود الدينية حتى أصبحت مباحة لا نعرف ان نميّز بين الحلال والحرام وما لنا وما علينا.

ما يمكن ان يعيدنا الى سابق عهدنا هو العودة عن الفساد الذي نحن عليه، العودة عن الأخطاء المتعمدة، وتحيد الدين كليا عن السياسة والعودة الى صوفيه الدين وروحانيته، العود الى “الحقيقة التي تكمن في طيات الكتاب المقدس” والى المشايخ الاعيان الاتقياء الذين ابتعدوا عن الأضواء، ولم يقبلوا بتسيس الدين وما زالوا ملتزمين بحدوده وفق السلف.

يوم الاثنين الموافق 2019/6/3 قمت بالاتصال بأحد رجال الدين القيمين على مقام النبي شعيب عليه السلام، طلبت منه إذا أمكن ان يفتح لنا قاعة المقام للاحتفال بعيد الفطر مع مجموعة مكونة من رجال دين وزمنيين من جميع شرائح الطائفة، كان رده: عليه ان يفحص برنامج القاعة ان لم تكن محجوزة من قبل، ويعود الي بالخبر، بعد ما يقارب الساعتين لم يتصل، قمت بالاتصال به لم يجب، بعثت اليه رسالة أيضا لم يرد، تابعت محاولاتي بالاتصال حتى تكرم علي بالرد وقال: لا نقبل ان تقام في المقام احتفالات موضع خلاف في الطائفة! حاولت إقناعه بسلمية الاحتفال وبحسن نية القيمين على هذه المبادرة، رفض، اقترحت عليه ان يكون الاجتماع في الساحة، لن يطول الاجتماع أكثر من نصف ساعة، ورفض أيضا معللا الرفض بحرصهم على منع الاشتباك مع المعارضين!

للحظة كنت سأطلب العذر من الشيخ ربما تماديت قليلا في طلبي حتى ولو كان الامر دينيا، لكن لبرهة تذكرت الحدث الذي كان في ذات القاعة عندما قدموا درعا لأحدى السيدات السياسيات قبل اقل من شهر!

تذكرت الطقوس العسكرية التي كانت تقام في المقام بمشاركة القيمين على المقام، تذكرت اختتام المخيمات المختلطة المشبوهة والمدعومة من أحزاب صهيونية متطرفة التي أقيمت بالمقام والتي أيضا كانت بحضور المؤسسة الدينية، وتذكرت الذل في رفع اعلام الدولة على المقام الشريف أكثر من اعلامنا، تذكرت كيف اضافوا النجمة السداسية الى علم التوحيد! وتذكرت أمور أخرى اجل من اتطرق اليها….

اقترحت على المبادرين بالاحتفال عدم الذهاب للمقام الشريف، ليس اقتناعا بما قاله الشيخ وليس خوفاً، كان بإمكاننا الذهاب دون التنسيق معه انما تجنباً لوقوع اشتباك، وتحييد الطائفة من انقسامات يمكن ان تكون دامية، كونهم أصحاب سوابق لا يهمهم قدسية المكان ولا سمعة الطائفة، من منطلق المسؤولية بحثنا عن مكان اخر.

عندما يكون مصدر رزق الانسان المتدين من زيه الديني، ولا يقوم بأي عمل آخر كونه رجل دين هذا بحد ذاته منافيا للدين، من اجل ان يحافظ على رزقه يتبع الأوامر التي يتلقاها من الجهات الأعلى منه حتى ولو كانت معارضة للدين، المال يغلب على الدين عند الضعفاء، وهذا واضح في الصراعات على الأمامية.

كل حدث ديني توحيدي من شأنه ان يتعارض مع سياسة الدولة ويمكن ان يحرج المؤسسة الدينية امامها يصبح مرفوضا وتعمل على اجتثاثه رغم قدسيته! وكل حدث يتعارض مع الدين ويصب في مصلحة الدولة مرحب به حتى ولو كان على حساب قدسية المعتقد وكرامة الموحد، لهذا السبب نرى التلاحم الوثيق بين المؤسسة الدينية وبين القيادات الدرزية الموالية ومعهم الموظفين وبالأخص الذين يعملون في سلك الامن، كون أغلبيتهم يروا مصلحة الطائفة من راتبهم، واي معارضه شريفة من اجل كرامة الطائفة يروا فيها تهديد لدخلهم.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .