قراءة لنتائج إنتخابات بلدية الناصرة – (1): جدليّة الإنتصار والهزيمة في الصراع على مدنيّة المدينة ووحدتها الوطنية الأهلية

 

 

سميح غنادري

 

لم يفز السيد علي سلّام وقائمته للعضوية – “ناصرتي” – فوزًا عاديًا في إنتخابات بلدية الناصرة بتاريخ 30-10-2018. بل انتصرا إنتصارًا إنتخابيًا كبيرًا يكاد ينذر مثيله في تاريخ الناصرة وسائر سلطاتنا المحلية العربية منذ قيام دولة إسرائيل وحتى يومنا هذا. وبالمقابل، خسر المرشح التوافقي للرئاسة السيد وليد العفيفي وقوائم العضوية للتحالف الوطني الداعم له خسارة كبرى.

حصل سلّام على 498،29 صوتًا، مقابل 699،17 صوتًا للعفيفي. بهذا يكون قد تفوّق عليه بفارق 799،11 صوتًا. وحصلت قائمة “ناصرتي” على 11 عضوًا في المجلس البلدي، يُضاف لها عضو القائمة “الموحّدة – الإسلامية” حليفته، فيكون بهذا قد حظى بعضوية 12 عضوًا من أصل عموم أعضاء البلدية إلـ 19. ولم تحصل “الجبهة” الا على ستة أعضاء من  أصل ثمانية كانت قد حظت بهم في إنتخابات عام2013. وسقطت قائمة حزب “التجمع” وتحالفها مع “الأهلية” مع أنها كانت ممثلة بعضويْن في المجلس البلدي السابق. أما قائمة “شباب التغيير” فحافظت على تمثيلها بعضو واحد.لذا نقول لا يجوز إيفاء حق هذا الفوز الكبير المزدوج في الرئاسة والعضوية، وبهذا الفارق الشاسع في كمية الأصوات والتمثيل، إن اكتفينا بالقول إنه فوز “بالغالبية المطلقة”.

ونتسائل: ما الذي حدث، ولماذا استطاع سلام وقائمته تحصيل هذه النتائج الإنتخابية؟ وهل حقًا كان يوجد تحالف وطني فعلي بين أحزاب وقوائم التزمت بنصرة البديل لسلام وقائمته؟ وهل صدقت كل تلك الأحزاب والقوائم في تعهداتها؟ ولماذا “الجبهة” في الناصرة تسير من تراجع إلى تراجع في مدى تأثيرها وتحصيلها الإنتخابي؟ وما هي عمومًا الأسباب الموضوعية العامة والذاتية الخاصة بالشخصيات والأطر التي خاضت الإنتخابات وأفرزت هكذا نتائج؟ سنحاول الإجابة على هذه الاسئلة وغيرها في أكثر من مقال، دون الإدعاء بالحقيقة المطلقة، لكن بأقصى ما يمكننا من الإلتزام بالموضوعية.

هزيمة المنتصرين

وانتصار المهزومين

أقول أولًا: مبروك لرئيس البلدية علي سلام ولقائمة “ناصرتي”. وأحسنَ منافسوها الإنتخابيون حين باركوا له وقامت وفود عنهم بزيارته وتهنئته. بهذا هم احترموا حصيلة النتائج بصفتها حقيقة ناجزة صنعها الناخبون، وأنه ما من اعتراض عندهم عليها.بهذا هم تصرفوا وفق  ما تفرضه المصداقية والأخلاق والشهامة، وكذلك المسؤولية تجاه مدينة الناصرة ومدنيّتها وتخليصها من شوائب رافقت العملية الإنتخابية وأساءت إجتماعيًا ووحدةً أهلية لعموم مواطني المدينة. ثمّ هذا ما توجبه المسؤولية الوطنية العامة لعمومنا، بصفتنا أقلية قومية عربية فلسطينية تعاني من سياسة الإضطهاد والتفرقة والتمييز العنصري التي تنتهجها إسرائيل تجاهنا.

ليس من حق القوى الوطنية، حتى المهزومة إنتخابيًا، أن تتناسى أن الأمر الأساسي والمصيري لنا بصفتنا أقلية قومية أصلانية في وطننا هو تغليب العام المشترك واتخاذه نهجًا وواجبًا مقدسًا. وذلك مهما بلغت حدة التنافس الإنتخابي، ومهما شط المنافسون عن هذا الدرب السوي. ومن المعروف أن مرشح الرئاسة وليد العفيفي وقائمة الجبهة للعضوية تعرضًا للأهانات والمس بالكرامات والإفتراءات. لقد أحسنا صنعًا حين لم يردا بالمثل، فانتصرا للناصرة بسلوكهم المسؤول هذا، وأنقذاها من احتراب مدمر كان سيصيبها لو جرى الرد على إنفلات الآخرين بمثله.

لم يكتف العفيفي بالتهنئة والمباركة لسلّام. بل تمنى له النجاح في عمله كرئيس بلدية، وأبدى استعداده لتقديم أيّة خدمة لصالح البلد التي هي أهم من البلدية. ودعاه للعمل المشترك لتهدئة الخواطر ولعبور المشاعر المشحونة التي نتجت عن الحملة الإنتخابية. وقال: كلنا أبناء مدينة واحدة وعلينا أن نحمل معًا همّها الواحد.

أما “الجبهة” التي كاد سلّام أن لا يبقي في قاموس الإهانات والبذاءات من كلمة ساقطة ونابية إلا واستعملها بحقها، فأصدرت بيان تهنئة ومباركة له وقام وفد عنها بزيارته في مكتبه في البلدية. جاء في البيان وفي كلمة الوفد، عدا عن المباركة، الدعوة للعمل بشكل وحدوي للتخلص من كل رواسب الحملة الإنتخابية، والإلتزام بالتعاون مع ادارة البلدية في كل ما يخص خدمة المدينة عامة وقضايا شعبنا عمومًا.

لكن الرئيس علي سلّام بدلًا من أن يعي مسؤولية مركزه كرئيس منتخَب لكل البلد، يدخل دار البلدية ويعلن في خطاب إنتصاره، أن منافسيه أرسلوا له تهاني “أنشف من وجوههم”. وبعد أن يدعو مؤيديه لعشاء في ساحة في المدينة، يخطب خطبة “عصماء” لن تجدوا لها مثيلًا في تاريخ خطابات  الفائزين والخاسرين في أي مكان في العالم.

ها أنا أنشر حرفيًا بعض ما ورد في خطابه:”أشكركم لأنكم وقفتم مع الأسد – أبو ماهر- (علي سلّام) – في مواجهة الفئران. أنا الأسد وهم الفئران. فكّروا أن يفرقوا البلد بين الأحزاب. ما فشروا. لا توجد أحزاب في الناصرة إلا “ناصرتي”. الناصرة سلّام، وسلّام هو الناصرة. لا يستطيع أحد أن يقف أمامنا. نتحدى كل العالم، ومن يقف أمامنا سنمحوه محوًا. لسنا بحاجة إلى أي إئتلاف. والله يعطينا الصحة حتى الإنتخابات القادمة في عام 2023 حتى نطحنهم كمان مرة”.

بهذا هو يواصل ما كانت قد طفحت به خطابات دعايته الإنتخابية. والتي كانت ترددها وتضيف عليها الحلقة الأولى المقربة له من نشطائه،وأيضًا كتبته وصبيانه في مواقع التواصل الإجتماعي ووسائل الإعلام. إليكم بعض غيض من فيض مما قيل ونُشر بحق المنافسين الإنتخابيين: عميان، طرشان، مكانهم الحضيض، أو خم الدجاج للمقاقاة، قاصرون، فاقدون للوعي وللحس، مختلون، زعران ، حشرات، صراصير، ذبان، فئران، هسهس، شبيحة، سوقيون، وقحون، دونيون، مرتزقة، ومعفنون. عقلهم في إجازة، ننصح سلام بفتح عيادة لهم لمعالجة خترهم الفكري.

ويتابع هو وحلقته: تقولون إنكم تريدون من سلّام…، نسألكم مَنْ أنتم لتريدون؟ إخرسوا. فقط ما يريده علي سلّام هو ما سيكون. انضبوا. واللي مش عاجبو أبو ماهر فليرْحَل من الناصرة. البلد بلدنا مش بلدكم. فلترتعد فرائصكم. سنمحوكم. سنقضي عليكم. ونعلن عن وظيفة حفار قبور لقبر الشيوعيين والجبهويين  ولتشييع جثامينهم ودفنها.

تسألونني، بعد ما أوردته أعلاه، لماذا عَنْونْتُ هذا الجزء من مقالي بـِ “هزيمة المنتصرين وانتصار المهزومين”؟ إنتصر سلام ومريدوه إنتخابيًا لكنهم إنهزموا أخلاقيًا وإجتماعيًا ووطنيًا. إنتصرت قائمة “ناصرتي”، لكن مدنيّة الناصرة إنهزمت. لذا هذا إنتصار يضاهي الهزيمة بمساوئه. بالمقابل خسر وليد العفيفي والجبهة إنتخابيًا، لكنهما إنتصرا بعدم إنجرارهما وراء هذا السقط الكلامي والا أخلاقي ،فنصرا بهذا المسؤولية الوطنية والأخلاقية والوحدوية لمدنيّة المدينة.

هل تحالفت الأحزاب والحركات

حقًا وميدانيًا في الناصرة؟!

إنتشرت أجواء في الناصرة وكأنّ الأحزاب والحركات السياسية  العربية تحالفت ونشطت كلها ضد سلّام وقائمته “ناصرتي”. ومَن لم يصدق هذه “الأكذوبة” – نعم الأكذوبة – تظاهر بأنه يصدقها، وأقصد سلام و”ناصرتي” و “الجبهة” أيضًا. وذلك لأن من مصلحتهم الإنتخابية، رغم تناقضهما، أن يصدقوها وأن يستغلوها كل لصالحه.

تعالوا نفحص الوقائع. أولًا، كل الأحزاب اليهودية الصهيونية على يمين “ميرتس” دعمت سلام ودعت علنًا وسرًا للتصويت له ولقائمته، ونشط نشطاؤها في العمل الإنتخابي الميداني لصالحه. ولا يعرف واقع شعبنا مَنْ يعتقد أن تأثير تلك الأحزاب أختفى من الوسط العربي في الإنتخابات للسلطات المحلية. والمئات في الناصرة مستعدون لأن يُرونكم الرسائل الألكترونية الليكودية وغيرها الراجية منهم أن يقترعوا لسلّام.

ثانيًا، الأحزاب والحركات العربية المكوّنة “للقائمة المشتركة” البرلمانية، والممثَلة في “لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية” دعمت في الناصرة “ناصرتي” وسلّام، بعضها كليًا وعلنًا وبعضها سريّاً أو متأرجحة في تصويتها للرئاسة بين سلام والعفيفي. تجنّدت “الإسلامية الجنوبية” كليًا لصالح سلّام. أصلًا هي اختفت عن خارطة التمثيل الإنتخابي البلدي في العضوية إذ لم تتمثل إلا بعضو واحد في إنتخابات عام 2013 وفي الإنتخابات الحالية، بعد أن كانت تتمثل في الماضي البعيد بستة إلى عشر أعضاء. لقد بلعتها “ناصرتي”، بالرضى والإتفاق المتبادل. لدرجة أنه يحق القول إن “ناصرتي” هي “الإسلامية”، و”الإسلامية” هي “ناصرتي” إلى حد بعيد، بالأصوات وبالعضوية. ولا نقول بهذا أن سلّام أصبح اسلاموي الفكر والإنتماء.

أما “الإسلامية الشمالية”، الحركة التي يرأسها  السيد رائد صلاح ، فتعلن منذ أكثر من عقد أنها لا تنشط في الإنتخابات المحلية. لكنها تستقتل في الناصرة نشاطًا ودعمًا وتجنّدًا وتجنيدًا دعمًا لعلي سلام..

أدعي، من خلال معاينتي لنتائج بعض صناديق الإقتراع في بعض الأحياء ومن خلال معرفة نشطائها وما فعلوه، أن حصة كبرى من الأصوات لسلّام و”لناصرتي” تعود إلى جهود الحركة الإسلامية الشمالية. ولا أريد أن أضيف مَنْ هو “الشيخ” الذي تواجد في الناصرة بعد ظهر يوم الإنتخابات وبمن اجتمع…”فأذّنت” بعض الجوامع داعية لتأدية “فريضة” الإقتراع… لصالح سلام و”ناصرتي” طبعًأ.

وصدَقَ علي سلّام حين قال، بعد فوزه، إن د. أحمد الطيبي دعمه وكان يتصل به يوميًا. لكنه لم يَصْدُق حين أضاف أن الطيبي  هو الوحيد الذي دعمه من أعضاء البرلمان العرب. ثمّ “العربية للتغيير” ليست حزبًا ولا حتى حركة بالمفهوم الشامل لمعنى الحركة. وتوجهها مصلحتها في التمثيل البرلماني وإرتباطات رئيسها بأوساط معيّنة. ومعروفة “الوشوشات” منذ شهور عن إمكانية تشكيل قائمة عربية لإنتخابات الكنيست برئاسة الطيبي وبدعم  شخصيات ورؤساء سلطات محلية عربية، وأولهم سلّام. وستكشف الأيام القادمة المزيد من المعلومات عن هذا الأمر.

يبقى من الأحزاب العربية حزب “التجمع”. هذا حزب الأمس الذي يتسارع ذوبانه. لقد انفض عنه جلّ أعضائه ومؤيديه. وهو شبه غير قائم جماهيريًا، لا في الناصرة ولا في غيرها. وكانت قائمة التجمع والأهلية المتحالفتان قد دعمت سلّام في الجولة الثانية لإنتخابه رئيسًا للبلدية في آذار 2014، وأصبحت جزءً لا يتجزأ من الإئتلاف البلدي تحت رئاسته على مدى أربع سنوات ونيّف، ممثلة بعضويْن في المجلس البلدي. أعلن التجمع والاهلية في الإنتخابات  الحالية، دعمهما للمرشح التوافقي وليد العفيفي. لكن قائمتهما للعضوية لم تحظَ إلا على 1605 أصوات ،ولم تتمثل في البلدية. أي خسرت عضوي بلدية مع أنها كانت تعد برفع تمثيلها إلى ثلاثة أو أربعة مقاعد.

تسالون عن قائمة “شباب التغيير“؟ هؤلاء ليسوا حزبًا ولا حركة سياسية. وكانوا من داعمي إئتلاف سلّام البلدي السابق لمدة أربع سنوات. هم دعموا مرشح الرئاسة التوافقي في هذه الإنتخابات. ولم ينجحوا برفع تمثيلهم إلى ثلاثة أعضاء بلدية كما وعدوا، لكنهم حافظوا على تمثيلهم بعضو واحد في المجلس البلدي.

هذا يعني أنه لا “التجمع” ولا”شباب التغيير”، وإن كان بتفاوت ما فيما بينهما، كان لهما أثر بارز في هذه الإنتخابات. وهما لم يُخلصا للتحالف الوطني ولا للمرشح التوافقي وليد العفيفي. ولم يؤكدا على المشترك الجامع للتحالف مع حليفتهما “الجبهة” الركن الاساسي للتحالف. وتجاهلا الإنتقاد لسلّام على سوء إدارته ومواقفه الوطنية العامة وفحوى خطابه. بهذا بقيا موضوعيًا، بانتهاجهما هذا النهج، ضمن مواقفهم السابقة رغم أعلانهما دعم العفيفي للرئاسة. وسنبيّن في مقال لاحق ان نسبة عالية من المقترعين لعضويتهما منحوا أصواتهم لرئاسة سلّام.

يعلن “التجمع” في خطاباته وبياناته وتغريداته أنه هو الذي طرح بديل شامل لإنقاذ المدينة من الهيمنة الفئوية التي طغت عليها على مدى عقود، واستند إلى رؤية سياسية وطنية ومهنية شاملة، وأحدث التغيير في الناصرة – (يقصد مساهمته في دعم سلام وإسقاط رامز جرايسي في الجولة الثاني لإنتخابات الرئاسة في آذار 2014!). ويضيف، بليونة، أن سلاّم للأسف لم يعتمد القيادة الجماعية والعصرية ولم يطوّر المدينة وقدم فقط التسهيلات للبعض – (قمتم بالدعوة للتوصيت له، وكنتم جزءً من الإئتلاف معه، أنسيتم؟). وطالب التجمع كل الاحزاب التي مارست السلطة على البلد  أن تراجع حساباتها– (المقصود الجبهة وناصرتي). وحده “التجمع” غير مطالَب بالمراجعة الذاتية لعار مواقفه!

أيضًا “شباب التغيير” يعلنون، في بيانهم الإنتخابي، أن المهمة هي “كسر احتكار “ناصرتي” و”الجبهة”، وقلب المعادلة من معادلة تنافس على السلطة الى معادلة العمل لمصلحة البلد وإعادة الحس للناس بالهويّة الوطنية(؟!) (الله وأكبر، على حد علمنا ان الذي يسيطر على السلطة منذ عام 2014 هو سلّام وإدارته وأنتم كنتم من داعميها ، بينما الجبهة كانت في المعارضة، وأنتم اليوم في تحالف وطني معها). ويا ليت “شباب التغيير” والإصرار على مواصلة الخطأ القديم إياه… اكتفوا بهذا. إذ أمطرونا برسالة ألكترونية بتاريخ 27 أكتوبر جاء فيها :” إطلع وصوّت وقرر. بدناش حزب واحد ولا حزبين .لازم نحط حد لحزب الجبهة ولناصرتي – صوّت لشباب التغيير”.

تجاهلت الجبهة هذا السقوط لمواقف التجمع وشباب التغيير – “الحلفاء المخلصون”. وحرص رئيس قائمة “الجبهة” مصعب دخان وعموم نشطائها، في بياناتهم وخطاباتهم وفي الإجتماعات العامة وحتى في الزيارات الإنتخابية للبيوت، على مناشدة الناس للتصويت للعفيفي ولقائمة الجبهة للعضوية. والقول لهم إن مَنْ لا يريد التصويت للجبهة نرجوه أن يقترع للتجمع أو لشباب التغيير!

وحدها “الجبهة” هي التي تفانت حقًا ونشاطًا إنتخابيًا ميدانيًا لنصرة التحالف الوطني ومرشحه للرئاسة وليد العفيفي. لقد جهدت وبدلت قدر طاقتها وأكثر. وهكذا فعل العفيفي ومَن حوله من نشطاء. أما سلّام وجماعته فعرفوا أن “العدو” في معركتهم الإنتخابية –(لا حملتهم)- هو الحزب الشيوعي والجبهة. لذا شنّوا عليهما أسلحتهم الحربجية من سقط الكلام والبذاءات والإشاعات… ما لم يشهد مثيله كل تاريخ الإنتخابات في الناصرة. وكادوا لا يذكرون لا “التجمع” ولا “شباب التغيير”!

لذا ألخّص أن “الإسلامية الجنوبية” و “الشمالية” و “العربية للتغيير” تحالفوا مع سلّام وناصرتي. أما “التجمع مع الأهلية” و”شباب التغيير” فقاموا عمليًا بالمس بالتحالف التوافقي مع العفيفي ومع الجبهة، وساعدوا موضوعيًا وذاتيًا أيضًا سلّام و”ناصرتي”.

حالنا مع هكذا “تحالف وطني توافقي” ضيّق لم تنشط فيه فعليًا وميدانيًا وجماهيريًا إلا “الجبهة” والعفيفي، كحال المصطاف في الغور – فلا من حر تبردَ ولا من برد تدفأ. يذكرنا هذا بقصة “العنزة” المعروفة في فلسطيننا. يُحكى أن فلّاحًا عنيدًا قال أن ذاك الجسم الأسود على سفح الجبل هو عنزة. وعندما “طارت العنزة” قال له زميله: هذا غراب.أجابه العنيد بإصرار : “عنزة ولَوْ طارت”. او قل هو تحالف بدون تحالف، واتفاق كلامي بدون اتفاق فعلي، وتوافق دون توافق.

لكن ليس ما أوردناه سابقًا في هذا المقال هو الذي أفرز لوحده هذا الإنتصار الكبير لسلّام و “ناصرتي”، وهذه الخسارة الكبرى لمدنيّة الناصرة ولوحدتها الأهلية على شتى مشاربها الوطنية. وأدعي أن وجود تحالف وطني عريض وفاعل ومخلص حقًا كان بإمكانه فقط أن يضيّق الفارق بالأصوات لصالح الخصم الإنتخابي الفائز، لا أن يلغيه. لذا يبقى ماثلاً أمامنا السؤال الأساسي: ما الذي حدث؟ ولماذا حدث ما حدث؟

حاولنا في هذا المقال ملامسة الإجابة على بعض جوانب هذه المسألة، وسنواصل الإجتهاد في مقال لاحق. (سيُعنَى المقال القادم بدراسة تفصيلية تحليلية لنتائج الإقتراع في مختلف الصناديق الإنتخابية في شتى أحياء الناصرة، وبالحاجة لأن تفحص الجبهة عملها وتنظيمها).

Samih.gha@gmail.com

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .