بعد 33 عاما داخل سجون الاحتلال الاسرائيلي , وفي ظلمات الغياب والحرمان والنسيان , يقتحم الاسير وليد دقة ابن باقة الغربية في فلسطين المحتلة عام 1948 الكنيست الاسرائيلي ومقاعده ومنابره بروايته حكاية سر الزيت التي كتبها داخل السجن .
يشتغل الكنيست الاسرائيلي بعد نشر الحكاية واشهارها , يرتبك رجال الامن والوزراء وتتطاير قبعاتهم واوراقهم وافكارهم ومشاريعهم , تستنفر الحكومة والجيش ومصلحة السجون والقضاة وجهاز المخابرات والقضاء , ينتشر القناصة على الارض وفي السماء , لتذيع القناة العاشرة الاسرائيلية خبرا عاجلا باعلان حالة الحرب والطواريء في اسرائيل , ودعوة الجبهة الداخلية الى اتخاذ كل الاستعدادات لمواجهة التهديد والخطر الامني المحدق بدولة اسرائيل .
استطاع الاسير وليد دقة ان يختفي مؤقتا ويصبح غير مرئي عندما دهن جسمه بزيت زيتونة ام الرومي العتيقة , تحرر من السجن واقفاله قافزا عن الجدران والاسلاك الشائكة , لم يره الحراس والسجانون والقناصون على ابراج المراقبة , عاد وليد الى بلدته واهله واصدقائه مؤكداً على مقولته الشهيرة التي اصبحت ايمانا وعقيدة : اكتب حتى اتحرر من السجن على امل ان احرره مني , لا زال لي اقدام واحلام لا يستطيع السجن ان يقبرها ويدفنها في الغياب .
عضو الكنيست الاسرائيلي المتطرف ” عوديد فورر ” طالب اجراء مداولات عاجلة في الكنيست عقب اصدار حكاية سر الزيت , وملاحقة وعقاب الاسير وليد دقة والبحث عن عقله وقلمه واوراقه واعتقاله مجددا وزجه في الزنازين الانفرادية لا يرى الشمس والهواء .
اعضاء اخرين في الكنيست الاسرائيلي طالبوا باجراء التحقيق حول كيفية خروج حكاية سر الزيت من السجن ووصولها الى كل مدن فلسطين , وملاحقة كل متعاون مع وليد واتخاذ كل الاجراءات الصارمة ضد المؤسسات الثقافية التي سمحت باشهار الكتاب ونقاشه والعمل على اغلاق القاعات ومحاسبة الناشرين والقارئين والمفكرين الذين احتضنوا كتاباً ارهابياً تحول الى قنبلة تقض مضاجع تل ابيب .
لقد احتقنت الاجواء في دولة اسرائيل العظمى , وفي اروقة الحكومة والكنيست وتحركت ترسانتها العسكرية والعنصرية عندما اكتشفوا ان كل ابطال الحكاية هم بشرٌ حقيقيون , وصلوا شواطيء حيفا وطبريا وعكا وعادوا الى قراهم المهجرة والمنكوبة , البحر المتوسط يستقبلهم والذكريات والبيوت والينابيع الاولى .
حكاية سر الزيت التي هربت كنطفة من داخل السجن تحولت الى كائن حي وعائلة وشعب وصوت وشهادة ميلاد وهوية , خرج من صفحات الحكاية كل المولودين عن طريق تهريب النطف , وخرج الفتيان والشبان المتمردون والجريئون , اجيال مختلفة تتجاوز الحاجز العسكري والاسوار العالية , اجيال تجترح المعجزات وتنتصر على سياسة الاحتلال والاستيطان تستطيع ان تحرر اقدم اسير عربي وهو المستقبل وتستعيد الحرية المفقودة .
عيسى قراقع
نائب في المجلس التشريعي
رئيس هيئة شؤون الاسرى سابقا