*ميسون أسدي أديبة فلسطينيّة، مولودة في دير الأسد في الجليل الأعلى، تنحدر من أسرة كريمة، ومتزوّجة من الفنّان المعروف أسامة المصري، صدر لها عدّة مجموعات قصصيّة وروايات، وعشرات القصص الموجّهة للأطفال. تعمل الكاتبة ميسون الأسدي باحثة اجتماعية، وعملها هذا ساعدها على الاطلاع على كثير من الأمور التي يتستّر عليها المجتمع، وتكون نتائجها كارثيّة خصوصا على الأطفال والنّساء. ومن يقرأ مؤلّفات ميسون الأسدي قراءة متمعّنة لا يحتاج إلى كثير من الذّكاء ليجد أنّها كاتبة واقعيّة، تستمدّ مضامين كتاباتها من الواقع الذي تعيشه كامرأة زوجة وأمّ وعضو فاعل في المجتمع، وهي سيّدة فاضلة محافظة استفادت من علمها وعملها، وتجربتها الحياتيّة، فتختار بعناية ما تكتبه وتقدّمه لقرّائها لما ترى فيه من فائدة تعود على مجتمعها بالخير. وكتاباتها هادفة لتكريس القيم الحميدة، والتّنفير من سلبيّات موجودة في مجتمعنا وفي غيره من المجتمعات.
من هنا جاءت قصّتها للأطفال التي صدرت مؤخّرا وتحمل عنوان: “هل الأولاد يعرفون؟” هذه القصّة التي لاقت ردود فعل متباينة، وصلت إلى درجة منع توزيعها في إحدى المدن العربيّة في الدّاخل الفلسطينيّ. فهل تجاوزت الكاتبة حدود القيم والأخلاق المتعارف عليها، وهل تجاوزت حدود تشريعات الدّين الاسلاميّ الذي يعتنقه الغالبيّة العظمى من أبناء شعبنا، أم أنّ هناك سوء فهم لما جاء في القصّة؟
وللإجابة على هذه الأسئلة لا بدّ من قراءة القصّة قراءة متمعّنة وفاحصة؛ حتّى نستطيع الحكم عليها.
وقبل الدّخول في حيثيّات القصّة يجدر التّذكير بأنّ الأديبة ميسون الأسدي، عاشت ولا تزال تجربة الزّواج والحمل والانجاب والأمومة، وربّت أبناءها على القيم الحميدة وحبّ العلم، وابنها البكر “سفير” على أبواب التّخرّج كطبيب على سبيل المثال، وقد التقيت الكاتبة بوجود زوجها الفنّان أسامة المصري ثلاث مرّات، وناقشنا لها مجموعة قصصيّة ورواية في ندوة اليوم السّابع المقدسيّة، حضرت إحداها بصحبة زوجها، لكنّني أزعم أنّني قرأت غالبيّة كتاباتها إن لم أقل كلّها، ووجدت فيها المرأة الحييّة المحصّنة المثقّفة التي تعرف متى تتكلم ومتى تسكت. وأديبتا عندما تكتب للأطفال، فهي تكتب لأطفالها قبل غيرهم، وتحرص أن تقدّم للأطفال ما يفيدهم، مستغلّة بذلك تجربتها الحياتيّة وعلمها.
وعودة إلى قصّة “هل الأولاد يعرفون؟”، هذه القصّة التي قرأتها أكثر من مرّة، مع أنّ ما تهدف إليه وصلني من القراءة الأولى، وتكرار قراءتي للقصّة كان مقصودا علّني أجد فيها ما اعتمد عليه بعض من اعترضوا على القصّة أو حاولوا منع توزيعها، فمن غير المعقول أن يقدّم لأطفالنا -الذين يستحقّون كل جميل-، ما لا يفيدهم، أو يكون سببا في حرفهم عن الصّراط المستقيم، لكنّني لم أجد في القصّة ما يعيبها، بل وجدت العكس تماما، وعلى رأي اخوتنا اللبنانيين:” جاؤوا يسبّوا التّفاح وقالوا له: يا أحمر الخدّين!”
والقصّة ترتكز في مضمونها على سؤال من الأسئلة البريئة الكثيرة التي يسألها الأطفال في مراحل عمريّة مختلفة، في محاولة منهم لفهم الحياة، ومن هذه الأسئلة ما يحرج الوالدين الجهلة فيحاولون التّهرّب من الاجابة عليها. والسّؤال في هذه القصّة جاء على لسان بطلها وسام ابن السّنوات الثمانية، حيث سأل والدته: “لماذا يتزوّجون؟” ثمّ أتبعه بأسئلة أخرى، وتلقّى إجابات عليها من والدته:
” وسَامٌ: أُريدُ أَنْ أَعْرِفَ مَتَى سَأَتَزَوَّجُ؟
أَلْأُمُّ: عِنْدَما يَحِينُ وَقْتُ الزَّوَاجِ، تَتَزَوَّجُ.
وسَامٌ: كَيْفَ سَأَخْتَارُ زَوْجَتِي؟
أَلْأُمُّ: عِنْدَمَا تَجِدُ الإنسانة المناسبةَ أَوَّلاً وَالَّتي تُحِبُّهَا وَتُحِبُّكَ.”
وأمام أسئلته أجابته أمّه، بأنّه سيختار الفتاة التي سيحبّها وتحبّه لتكون زوجة له، وإذا ما توافق معها فإنّ الأب والأمّ سيتوجّهان لطلب يدها له.
ومع أنّ الأمّ حاولت التّهرّب من أسئلة طفلها بحجّة أنّها تقود السّيّارة، إلا أنّها تفاجأت عندما وصلت المكان بما قاله ابنها لها وهو:
” وِسَامٌ: سَأُخْبِرُكِ كَيْفَ يَتَزَّوجُونَ… فِي البداية، يَخْلَعُ الرَّجُلُ والمرأة مَلَابِسَهُمَا، وَلَا َيَخْجَلَانِ مِنْ بَعْضِهِمَا، ثُمَّ يَدْخُلَانِ إِلَى الحَمَّامِ لِلاِسْتِحْمَامِ بِالمَاءِ وَالصَّابُونِ جَيِّداً، وَيَتَعَطَّرَانِ، وَبَعْدَهَا يَتَعَانقَانَ فِي السَّرِيرِ، وَهُنَاكَ حَيَوَانٌ مَنَوِيٌّ صَغِيرٌ يَنْتَقِلُ مِنَ الرَّجُلِ إِلَى بُوَيْضَةٍ في رَحمِ المرأة، عِنْدَها يَبْدأَ الطِّفْل بِالتَّكَوُّنِ دَاخِلَ رَحمِهَا وَبَعْدَ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ، يُصْبِحُ الطِّفْلُ مَتَكامِلاً، فَيَخْرُجُ إِلى الحياة!! وَكُلُّ القصص القديمة اَّلتِي كَانَ يَقُولُهَا الكبار لِلصِّغَارِ عَنْ كَيْفِيَةِّ إِنْجَابِ الأطفال، مُجَرَّدُ كَذِبٍ، وَبَهذِهِ الطَّرِيقَةِ أَنا جِئْتُ وَهَكَذا سَأَتَزَوَّجُ.
سَأَلَتِ أَلْأُمُّ ابنها مُنْبَهِرَةً: مِنْ أَيْنَ لَكَ هذِهِ المَعْلُومَاتُ الدقيقة؟
وِسَامٌ: إِنَّهُ كِتَابٌ بِالُّلغَةِ الإنجليزية، يَشْرَحُ لِلأَطْفَالِ كَيْفَ وُلِدُوا.”
ولم أجد مناصا من هذا الاقتباس الطّويل، لقناعتي بأنّ من اعترضوا على القصّة قد اعترضوا بناء على ما ورد فيه، مع أنّه يفيد بأنّ هناك كتبا للثّقافة الجنسيّة تقدّم للأطفال في المجتمعات الغربيّة، وبغضّ النّظر عن الثّقافات الأخرى فإنّ السّؤال الذي يفرض نفسه هنا هو:
هل تجاوزت الكاتبة في الفقرة السّابقة حدود الأخلاق وحدود الدّين؟
وللإجابة على هذا السّؤال دعونا نعود إلى ما ورد في سورة الطارق في القرآن الكريم:” فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ، خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ، يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ” وقد أجمع المفسّرون بأنّ “الماء الدّافق” هو ماء الرّجل الذي يحمل الحيوانات المنويّة إلى رحم المرأة. فهل يجوز تفسير القرآن للأطفال؟ والجواب نعم بالتّأكيد.
ويقول تعالى في سورة البقرة:” نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ “وممّا جاء في تفسير الشّيخ الشّعراوي: ” الحرث يعني محل استنبات الزرع، والزّرع بالنّسبة للمرأة والرّجل هو الولد، فأتها في المكان الذي ينجب الولد على أيّ جهة شئت.”
أي أن الرّجل يرمي بذاره في رحم المرأة.
أمّا بالنّسبة لما جاء في القصّة بأنّ الزّوجين يتعانقان في السّرير، فقد جاء في الحديث الشّريف:” لا يَقَعَنَّ أحدُكم على امرأتِه كما تَقَعُ البَهيمةُ وليكنْ بينهما رسولٌ) قيل: وما الرسولُ؟ قال: القُبْلةُ والكَلامُ.”
فهل يتعارض ما جاء في القصّة مع ما جاء في القرآن الكريم والسّنّة النّبيّة الشّريفة؟
وهل نعلم أنّه يوجد لعبة لأطفالنا تسمّى “عريس وعروس”؟ وهل من الصّعب أن نرى طفلا أو طفلة بريئين في حفلات الزّفاف، والطّفل يحاول أن يقلّد العريس، والطّفلة تحاول أن تقلّد العروس؟