قادمون على خطر بقلم: حاتم حسون/شفاعمرو

حاتم حسون

التصعيد، التهييج والشحن الطائفي الذي نشهده في الآونة الأخيرة، وبشكل خاص في شبكات التواصل الاجتماعي، بل في تناقل المواد الاخبارية عبر مواقع الانترنيت وغيرها دون تنقيح أو مراجعة مسؤولة، ليس وليد صدفة وبدون ميعاد، وإنما هو تراكمي مبرمج تعكف على تنظيمه اياد غريبة وخبيثة، منها الظاهر ومنها المخفي، انهم أعداء المجتمع ممن ينفخون في نار الفتنة، يمهدون ويسعون إليها لتعميق الخلافات والمشاحنات، كذلك لأصابع السلطة بصمة لا تقل خطورة في تأجيج نار الفرقة بين أفراد المجتمع، وما الارتفاع في منسوب الفتنة الطائفية والتباعد من التعايش المشترك والجيرة الحسنة الذي نشهده مؤخرا، إلا تذكية لمؤامرات مبيته ضد مجتمعنا، ناهيك عن عدم وجود مناعة لهذا المجتمع اتقف سدا منيعا في وجهها وتمنع هذا الانجراف او تخفف من وطأته وتأثيره، لأننا قادمون على خطر، خاصة إذا اعتقد طرف ما بأنه أمام مظلومية تاريخية، وأن الفرصة السانحة قد أتت، مما يؤدي لأن يتجه الجميع إلى صدام قد يبدو يوماً من الأيام مقرراً ولابد منه.

والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح، من أين ورثنا كل هذه العصبية وهذا الكره الكامن في نفوسنا؟ ولماذا لا نحتمل بعضنا البعض حتى عندما ينتقد أحدنا الآخر فيأتي الرد عنيفا بعيدا عن أي توافق ما بين النقد والرد. كل هذا رغم ان الذي يجمعنا ويوحدنا أكثر بكثير مما يفرقنا، فكيف لنا ان نستمر بهذا النهج وأن ندفن رؤوسنا في الرمل كالنعامة، ولا نجرؤ على وضع النقاط على الحروف.

ربما، ولكي نتفهم الوضع بصورة أفضل، علينا ان نعود قليلا الى الوراء، لكي نفهم ما يخططه لنا الغرب وكيف اننا نقبل بذلك مكرهين أحيانا وراضين أحيانا أخرى، فالأحوال السياسية في العالم، كما في العالم العربي، كما في مجتمعنا الداخلي وفي الساحة الخلفية لبيوتنا تتغير بشكل متسارع ومقلق، فما يحدث من تغيرات حالية يعود بجذوره إلى طبيعة الأنظمة السياسية والبنيوية التي تكونت بعد سنوات مديدة من الاحتلال وما خضع له الوطن العربي من وصاية وحماية وانتداب، ثم انتقل بعد ذلك إلى بناء مؤسسة الدولة المستقلة بإدارات خاضعة لقوى خارجية واقتصاد هزيل منوط بالمستعمرين، وقد أوجدت هذه الأنظمة مجتمعات غير متجانسة منقسمة على ذاتها، تفتقد الأمان في ظل نظام دكتاتوري عميق، فتفتش لنفسها عن ظل في فئة طائفة أو مذهب، وكلما بدأت الدولة بالتجانس والانطلاق نحو اللحاق بركب الحضارة والتطور، سوريا على سبيل المثال لا الحصر، نرى الاستعمار الغربي وقد انبرى لغرس براثنه السامة في جسدها الغض ليبقيها جريحة غير قادرة على النهوض. كذلك الأمر بالنسبة للانتماء، وهو قيمة إنسانية فائقة، فإن التطبيق السلبي وممارسة الانتماء بشكل عنيف هو ما يخلق مجتمعات غير متجانسة، يسكنها الخوف، ويبقى هاجسها تعزيز قوتها الذاتية لنفي الآخر، فانتماء شخص لطريقة أو فكرة أو مذهب أو طائفة يعزز إحساس الكراهية لديه تجاه الآخرين، ويمارس التهميش والعنف تجاههم، ويعزلهم عن مجتمعهم. وأكبر دليل ما يحدث في مجتمعنا المحلي بعد كل حادثة أليمة كانت او أقل، حيث نرى ان الفئوية والطائفية، بغض النظر صغيرة كانت ام كبيرة، قد انبرت لمهاجمة الند بكل شراسة وهمجية تثير التساؤلات المبهمة جراء ذلك، مما يثير أكثر من سؤال حول مسيرتنا كشعب وقفت في قيادته حركات وأحزاب وطنية، تراجع دورها وتدهور كثيرا الى الخلف، لتحل محله قوى سلفية تعمل على فرض أجندتها على المجتمع.

يتناول الكاتب السوري ممدوح عدوان في كتابه “حيونة الإنسان” الحديث عن الإنسان الأعزل مرورًا بدور الضحية في المجتمعات المقموعة، وأثر القمع على الجلاد والضحية على حد سواء ويُناقش كيفيّة نُشوء “الجلاد” كإحدى أدوات السلطة والحكم، وكيف يُولّد استبداد الحاكم مضطهدين مستبدين على بعضهم البعض. إن اعتاد السلطوي على ممارسة العنف يخلق في الشخص المعنًف (الواقع عليه العنف) إنسانا متقبلا للعنف راضخا له، معتادا عليه إلى درجة لا يكاد يدرك فيها ماهية العنف الواقع عليه.

ويتناول الكاتب جميل السلحوت في كتابه الجديد للعام 2017 عنوانا صاخبا (ثقافة الهبل وتقديس الجهل)، إن فكرة الكتابة حول الإسلام السياسي والمجموعات السلفية الأصولية التي قادت عددا من البلاد العربية إلى التغيير موضوع شائك، هكذا يغامر جميل السلحوت جاهدا في وصف حالة الفوضى العربية السائدة التي لا زالت تراوح ذاتها، ومفتشا في سفر التاريخ عن جذور ومرجعيات تفسر الإرباك والفوضى الحالية. “جاء هذا واضحا في حديثه عن حركة الإخوان المسلمين في مصر خلال حكم جمال عبد الناصر، والعشرية السوداء في الجزائر 1992-2002، فشل مشروع الوحدة العربية مصر – سوريا 1958، أزمة العراق – الكويت والمواقف العربية آنذاك.” وإن ما يحدث اليوم لا يختلف كثيرا عما تحدث به عدوان، وإن اختلفت أدواته حيث تسيطر الدول الغربية – بدعم حلفائها في الوطن العربي – بوسائل أكثر جدوى من خلال مواطني هذه الدول المسيطر عليها من المتزمتين والمتشددين والمنضوين تحت إطارات سلفية متشددة، حيث أطبقت الدول الغربية الخناق على الشرق الأوسط بأيدي أبنائه الذين تشددوا فكرا، قتلوا، استباحوا، دمروا وهدموا حضارات شعوبهم وثقافات ومستقبل أراضيهم، ليبقى اقتصاد البلاد ومقدراته الثمينة رهينة بأيدي الدول الغربية. ويذكر الكاتب تدمير جماعات مثل القاعدة لآثار عديدة مثل تمثال بوذا، وتدمير داعش لمدينة تدمر وعدد من الأماكن الأثرية التاريخية، ويقارن هذا بما فعله التتار في العراق ومكتباتها.

بهذه المناسبة أشد على يد رئيس لجنة المتابعة محمد بركة في بيانه الداعي الى نقاش حضاري خال من العنف والتجريح بهدف تغليب المشترك على كافة الخلافات والاختلافات، وأقترح عليه إقامة طاقم مهني او قانوني منبثق عن لجنة المتابعة يقوم بمقاضاة كل من تسول له نفسه استغلال الشبكة للسعات عنكبوتية وأغراض مسيئة للفرد او المجتمع.

إن الواقع الحالي واقع مقلق يضع المجتمع في خانة الارتباك، فلا بد من محاولة تعزيز ثقافة قبول الآخر، والتسامح الداخلي في نسيج المجتمع العربي، بكافة أطيافه، والبحث عن السمات الجامعة للمجتمع وطبقاته، وعزل خطاب الكراهية السادي ونبذ العنصرية، فهل نستطيع رغم كل هذه المعوقات أن ننجح بتفويت الفرصة على المغرضين ولجم الانفلات الحاصل من بيننا، والذي يمارسه شيخا كان أم شابا متحمسا أم مسؤولا سياسيا مخضرما؟

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .