محكمة الضمير بقلم : مالك حين صلالحه – بيت جن

شر البلية ما يضحك.. فاني لن انسى الموقف الذي ابتليت به والذي دعاني للضحك ملء فمي ..

وذلك عندما كنت في اواخر حزيران واوائل تموز برحلة الى فرنسا وبلجيكا وهولندا  في رحلة منظمة وبرفقة زوجتي.. على امل ان تكون الرحلة بمستوى التوقعات التي اعتمدنا عليها بعد اطلاعنا على برنامج الرحلة .. فباريس مهد الثورة للحرية والديموقراطية وحقوق الانسان ..وباريس مدينة الانوار واكثر المدن التي  يؤمها السياح في العالم  لرؤية برج ايفل وقوس النصر ومتحف اللوفر وكنيسة نوتردام ووو ..الا ان ما همني هو الاطمئنان على كنيسة نوتردام التاريخية  الرائعة  ذات ال800 عام من العمر والتي خلدها الكاتب العالمي فكتور هوجو   في روايته (احدب نوتردام) ليخزنها في ذاكرة ووجدان شعوب العالم قاطبة وذلك بعد تعرضها للحريق ..حيث اثلج صدري ان الحكومة الفرنسية اعتمدت برنامج قومي لترميم واعادة الصرح الى ما مكان عليه ..من منطلق الاهمية بالحفاظ على التراث والتاريخ مؤمنة بالمقولة التي تقول :

ان شعبا لا يقدر قيمة تراثه وتاريخه ولا يحافظ عليه.. ليس جديرا بالحياة ..

ثم لا ننسى زيارتنا لهولندا البلد الجميل الرائع بسكانه ومناظره الخلابة ..وكم زاد تقديرينا وحبنا لهم عندما شاهدنا مدى النظام و ومدى حرصهم على  نظافة بيئتهم وذلك من خلال الاف المراوح الهوائية التي نصبوها لتوليد الطاقة الكهربائية الخضراء..حفاظا على جودة البيئة.

ثم انتقلنا الى بلجيكا  حيث استمتعنا بمعالمها الخلابة وخاصة مدينة بروج الا انني لا  انسى  الموقف الذي تعرضت له في مدينة هاج مقر المحكمة الدولية ..عندما داهمت فرقتنا سيارتان من الشرطة المحلية والدولية( انتربول)..

وتقدموا من مرشد الرحلة عارضين له صورة وسؤال ليدلهم على صاحب الصورة ..وفوجئت عندما نادني المرشد ليقدمني اليهم مستغربا من سؤالهم عني ..

حيث تقدم مني ضابط الشرطة الدولية متفحصا اياي بنبرات مريبة سائلا : هل انت مسيو مالك فأجبت بالإيجاب ..

فرد فورا انت قيد الاعتقال بتهمة تزوير وسرقة وتهريب .. ويحق لك طلب محامي ..

فأجبته  مندهشا : وما هي الاتهامات المنسوبة الي ..فانا بريء ومواطن صالح ولم ارتكب اية مخالفة او جناية او جرم  في حياتي ..حتى ولا مخالفة سير..!!

فأجاب اننا لا ندري ستعرف ذلك عندما تمثل امام المحكمة ..واحتجّت زوجتي وصرخت ما لكم ولنا فزوجي لم يقم بمخالفة القانون ولا مرة في حياته وليس لنا  في هذه الامور صلة البته  .. كما حاول المرشد التدخل كذلك اعضاء الفرقة الا ان تدخلهم باء بالفشل ..

فقررت كل الفرقة الذهاب برفقتي مرغمة لمرافقتهم الى المحكمة.. ولما اتخذنا اماكننا في قاعة المحكمة…

 صاح الحاجب محكمة !!

 فوقفنا جميعا حين دخل جميع القضاة واتخذوا اماكنهم وسمح لنا بعدها بالجلوس الا انهم سرعان ما استدعوني الى منصة الاتهام لبدء المحاكمة لأهمية الموضوع وذلك بعدما رفضت توكيل محامي دفاع عني  ايمانا مني ببراءتي وبانني لم ارتكب اي  مخالفة اوجرم او جناية

فوقف المدعي العام بعد طلب الاذن لعرض التهم الموجهة الي حاملا قائمة طويلة  موجها كلامه للقضاة

المحكمة الموقرة سادتي القضاة ..

 ان هنالك عدة شكاوى من بلدان ودول عديدة  ضد المتهم تتهمه بالتزوير والسرقة والتهريب ..

الاولى  ان منظمة حماية الطبيعة في هولندا تتهم المتهم بانه قام بسرقة طائر النورس  من شاطئ ميناء امستردام وهرّبه الى قريته

 اما الشكوى الثانية فان حكومة دولة كينيا الافريقية تتهمه بسرقة  وتهريب احدى الزرافات  من المحمية الطبيعية في كينيا وارسالها الى بلده في اسرائيل

 اما الثالثة فقد تقدمت بها دولة النرويج اذ تتهمه بسرقة وتهريب  احد الدلافين من احد الفيوردات ما يختم موته بسبب عدم وجود شواطئ لبيت جن على البحر او المحيط .

اما ايسلندا فتتهمه بسرقة حوت العنبر من شواطئها الشمالية وقتله واخفائه جثته في احد طرقات القرية

.اما دولة الهند فتتهمه بسرقة زهرة النيلوفر من احد معابد بوذا اذ انها ستموت ان زرعت في ارض بيت جن ..اضف الى ذلك دولة استراليا التي تدعي بانه سرق احدى اشجار الكينا  الاسترالية الاصل ..

كما سبق واقدمت كندا على اتهامه بسرقة طائر الكروان من موطنه في المناطق المعتدلة وشبه القطبية الشمالية في  غرب كندا الواقع في نصف الكرة الشمالي

اما الشكوى الاخيرة فقد تقدمت بها منظمة حماية الطبيعة  في اسرائيل متهمة اياه بسرقة وتهريب الطائر المهاجر وضيف البلاد  مالك الحزين ومحاولة توطينه بالقوة في بيت جن ..

كما تقدمت العراق بشكوى تتهمه بسرقة شجرة النخيل من شط العرب ومحاولة زرعها في بلدته رغم علمه ان المناخ لا يناسبها لأنها تحتاج الى بيئة وفرة مياه ومناخ  حار وشبه صحراوية  وواحات صحراوية ..

اما منظمة اليونسكو فتتهمه بتزوير اسماء شوارع وازقة وطرقات قريته حين قام باستبدال الاسماء الاصلية بأسماء هجينة لا تمت لتراث وتاريخ بيت جن بصلة  متجاهلا ما اورثه الاباء والاجداد له من تراث وتاريخ يجب الحفاظ عليه والتمسك به وعدم التنازل عنه ولا باي شكل او ظرف ..

اما الشكوى الاخيرة فقد تقدم بها مجمع اللغة العربية في منظمة الدول العربية متهمة اياه  بتزوير الاسماء من حيث الترجمة والاملاء   فمثلا شارع البركة الذي كتب باللغة العبرية قام بترجمته الى العربية بكلمة البيرقي ..فشتان ما بين هذا وذاك.

وهناك لافتات بأسماء في غير موضعها كشارع المرشقة وغيره

سيداتي وسادتي  القضاة هذا غيض من فيض من الشكاوى الموجهة للمتهم ..

اضف ان غالبية سكان قرية بيت جن غير راضين عن هذه التسميات ويطالبون بتسميتها بالأسماء المتعارف عليها والتي اطلقها الاباء والاجداد عن معرفة ودراية كالأديب محمد نفاع الذي حرص ويحرص على توثقيق الأسماء التراثية  للمواقع والطرقات في القرية ومحيطها من خلال قصصه في رواياته ..

وعندما انتهى المدعي العام سمح لي بالرد على الشكاوى والتهم

وقفت منتصبا مستمدا جرأتي من ايماني ببراءتي مما ينسب لي واجبت :

المحكمة الموقرة سيداتي  وسادتي القضاة  المحترمات والمحترمين

 انني لا اعترف باي تهمة وجهت الي فانا بريء مما  نسب الي ..واطلب احضار محضر الجلسة  مع اسماء اعضاء اللجنة  التي اختيرت من المجلس المحلي  وقامت باختيارالاسماء.. ليبرهن لكم انني لم اكن عضوا فيها ولم يستشرني احد رغم انني وبعض المهتمين بتراث وتاريخ البلد  قمت بمساعدتهم  بتوثيق تاريخ وتراث ومعالم واسماء المواقع على اختلاف تنوعها  في القرية ببلوكاتها وقسائمها

وذلك من خلال كتابي بيت جن عبر التاريخ ايمانا من بالمقولة التي سبق وذكرتها وايمانا مني ان من ليس له ماض ليس له حاضر ولا مستقبل ..وقد اردفته بكتاب اخر  تحت عنوان بيت جن الاثرية حيث وثقت فيه معالم واسماء المواقع الاثرية في بلدتي منذ الاف السنين وانا الان بصدد اصدار الجزء الثاني .واطلب  من المحكمة الموقرة استدعاء الشهود  للتأكد من صحة اقوالي  ممن ساهم وساعد في صدور هذه الكتب كالأخوة الأديب المحامي سعيد نفاع والأخ الأديب مسعد خلد  وماجد قبلان وماجد حرب وزياد عصفورة وسعيد عزة  وعادل خطار وفرج سويد وشفيق دبور واحمد دبور وهاني قبلان  وان كنت انسى فإنني لا انسى الاب الروحي الدكتور العلامة شكري عراف الذي رافقني ولا زال في اصدار هذه الكتب التوثيقية الى النور ..اضف الى العديد من مشايخ ومعمري القرية الذين رحل غالبيتهم عنا الى دار الحق  كما يمكن للمحكمة العودة الى المقابلات الاذاعية والتلفزيونية للتأكد من صحة ما اقول.

وبعد ان اجرت المحكمة الاتصالات بالشهود  وتأكدت من شهادتهم ببراءتي تم اخلاء سبيلي مقدمة توصية للمجلس المحلي بتصحيح الاخطاء التي حصلت سهوا على ما يبدو  بحق تاريخ وتراث القرية وان يعتمد الاسماء الحقيقية ويقوم بمحو الاسماء الهجينة والإبقاء على الأسماء الاصلية.. وان خير البر عاجله .

وفجأة رن جرس الهاتف الخلوي فافقت  من نومي على صوته .. فتنفست الصعداء!!!

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .