فلسطيني فخور ومواطن بقامة مرفوعة//فاتن غطاس ـ الرامة

 

فاتن غطاس

عاد بايدن أدراجه بخفي حنين، ولم يستطع الحصول على أي إنجاز يذكر رغم الانبطاح والتطبيع العربي. بالرغم من وضع السلطة الوطنية الفلسطينية المتردي جدا، المترهل والعاجز، إلّا أن القضية الفلسطينية كانت حاضرة وبقوة في كل محطات زيارة رئيس الامبريالية الأمريكية، مصاصة دم الشعوب ومحرك كل الحروب على مدى عشرات السنوات. نعم، هناك تغيير كبير يحدث في العالم حولنا، فنحن نعيش فترة نهاية عالم القطب الواحد ونشوء عالم متعدد الأقطاب. إنّ خوفنا من الحرب في اوكراينا ومن نزيف الدم المستمر هناك، لم يكن من باب الحياد، فقد حمّلنا الامبريالية الأمريكية المسؤولية عن هذه الحرب، التي لا نقف منها موقف المحايد بل موقف المناهض للإمبريالية الأمريكية وعملائها في العالم أجمع.

إنّ ما بعد هذه الحرب لن يكون كما قبلها، وما سقوط حكومة بوريس جونسون الا بداية للزلزال الذي سيعصف بأوروبا التي تراجعت واختبأت تحت ظل الوحش الامبريالي الامريكي الذي يحاول إعادة سطوته على العالم. في منطقتنا، لقد خافت الرجعية العربية على مصالحها وحاولت ان تكون متوازنة وحذرة امام أطماع أمريكا وإسرائيل. وفي بلادنا، وعلى صخرة صمود الشعب الفلسطيني في وطنه سقطت حكومة “التغيير” في إسرائيل، بسبب  عدم استطاعتها تمرير قانون حماية المستوطنين في فلسطين المحتلة.، نعم ان ازمة الحكم في إسرائيل سببها الاحتلال المستمر منذ أكثر من 55 عام وسياسة التمييز العنصري التي تعتمدها جميع الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة ضد أصحاب الوطن الأصليين، شعبنا الفلسطيني، الذي صمد في وطنه وتحدى المؤسسة الحاكمة، حمل الهوية الإسرائيلية وقبل على نفسه المواطنة، لكن المؤسسة الحاكمة ما زالت لا تستطيع تقبل هذا الواقع، فالحال كما قال مثلنا الشعبي: رضينا بالهّم والهّم ما رضي فينا”.

لهذا، حتى في ظل الوضع العالمي الرديء، نحن نرى الضوء في نهاية النفق…

هذه الحكومة كانت كسابقتها بل أسوأ في هجومها على أهلنا في القدس وتسييب المستوطنين يحرقون الأخضر واليابس في الضفة الغربية، دنست المسجد الأقصى يوميا، وهذه المرّة مع ختم “غوشبانكا” عربي! زادت الحكومة من هجومها على لقمة العيش أكثر من سابقاتها، وأخذ الفقر يضرب حتى بالشرائح المتوسطة من الشعبين في هذه البلاد. ومن المفارقة، أنّ حصة الفلسطيني مضاعفة، فقط في الفقر، فحوالي نصف مجتمعنا يرزح تحت خط الفقر. كما شددت الحكومة من هجومها على أهلنا في النقب، هدم وتشريد ومصادرة بشكل مخيف فضربت بدو النقب بِيَد من حديد وزادت من التحريض الدموي ضدهم. أمّا محاربة العنف في المجتمع العربي فقد كانت الستار الذي اختبئ وراءَه شركاء الحكومة من العرب وما تبقى من اليسار الإسرائيلي. والنتيجة للأسف نراها أمام أعيننا بشكل يومي. الشيء الوحيد “الجيد” في هذه الحكومة، هو أنّ البديل المقترح أسوأ منها، لكن هذا الفرق لا يعني أبدا القبول حتى بمجرد التفكير في دعمها، فكم بالحريّ ان تكون شريكا لها.

نعم لقد فشلت شراكة العرب في هذه الحكومة، كما توقعنا وقلنا من البداية. إنّ هذا الفشل ليس، فقط بسبب قرار النواب العرب الخاطئ أصلا بدخولها، وإنّما هو يكمن في جوهر هذه السياسة العنصرية تجاه الجماهير الفلسطينية في البلاد. لقد طالبت الجماهير العربية بالمساواة الكاملة وبالاعتراف بالجماهير العربية كأقلية قومية، لها حقوق جماعية وطنية وثقافية، حقوق الشعب الأصلاني في وطنه، فجاء قانون القومية لينفي وجودنا وتاريخنا ولغتنا وثقافتنا وحضارتنا. نحن الجزء الباقي من شعبنا الفلسطيني والمتجذر في وطنه، حاولوا منعنا من تعريف أنفسنا بأنّنا فلسطينيون واسمونا “عرب إسرائيل”. نعم، نحن مواطني دولة إسرائيل، ليس بمنة من أحد، بل لأننا أبناء هذه الأرض وأهلها.

لقد فشلت الحركة الصهيونية في تهويدنا ونزع هويتنا القومية الفلسطينية وحافظنا على لغتنا وهويتنا العربية، لكن محاولة تدجيننا وتحويلنا الى متسولين لحقوقنا ما زالت مستمرة، يريدوننا أن نكون شاكرين حامدين لسيف السلطان، وهذا ما يجب علينا ان نواجهه في هذه المرحلة الصعبة التي نمر بها.

إنّ استحالة إمكانية الشراكة في حكومات الاحتلال والتمييز سببه ليس “اننا نهوى الشعارات” بل سببه ان من يجلس الى جانبك، شريكك في هذه الحكومة، ينظر لك من فوهة البندقية، يعتبرك قنبلة موقوته، وخطر ديمغرافي داهم، فكيف يمكن التحدث عن شراكة؟؟!!

شو عملتولنا من 73 سنة! شو عملت شعاراتكم؟

إنّ نضال الشيوعيين ثبت الناس في وطنها، حافظ على وجودها وكيانها، حافظ على لغتها وحقوقها، ففي صحافتنا الشيوعية ترعرع الادباء والشعراء ومن على منصاتنا ارتفع صوت الحق في وجه الظلم والظالمين. لقد ساهمنا في تقوية عصب هذا الشعب، اثبتنا ان باستطاعة الكف ان تلاطم المخرز وأن باستطاعة الفلسطيني ان يتحدث العربية في كل مكان، دون خوف، فالمساواة حق لنا طالبنا ونطالب به، الى ان يتحقق.  لقد ساهم الشيوعيون في انهاء الحكم العسكري ونظام التنقل بتصاريح، وناضل الشيوعيون من أجل سلطات محلية عربية منتخبة وليست معينة، عملنا على رفع ميزانيات السلطات المحلية العربية التي ارتفعت ليس بما يكفي. لقد ساهم الشيوعيون في كسر سياسات الحصار واقصاء العرب من جامعات إسرائيل بتخريج المئات من الطلاب في الدول الاشتراكية. إنّ نضال الشيوعيين ضد مصادرة الأراضي كان على مدى هذا التاريخ بشكل يومي، من محامي الأرض حنا نقارة الى اضراب يوم الأرض الخالد. لقد وقفت  غالبية رؤساء السلطات المحلية العربية ضد اضراب يوم الأرض الذي اقر في شفاعمرو، لأنها  خافت وتبنت المثل: ان الكف لا تلاطم المخرز، لكن الشيوعيين قادوا شعبهم الى مواجهة مصيرية مع السلطات كانت لنا الغلبة فيها، عمل الشيوعيين على وحدة شعبنا وعلى بناء مؤسساته وأطره الوطنية، من لجنة الرؤساء الى لجنة المتابعة وغيرها، قاد الشيوعيون نضالا قويا لتحصيل حقوق الطلاب العرب في الجامعات، رفع توفيق زياد ورفاقه في السلطات المحلية شعار “كرامة وخدمات” في الثمانينات من القرن الماضي، حتى استطاعوا تحصيل الحقوق وكسر حصار الميزانيات على العرب، في جميع النواحي كان للشيوعيين والجبهويين الباع الطويلة في خدمة الناس، كل الناس.

ليس لمثل هؤلاء المناضلين ومواصلي دربهم يوجه السؤال: شوعملتولنا؟!!

هذه أمثلة على الإنجازات التراكمية التي أمكن تحقيقها في ظل هذا الحكم الصهيوني الجائر.

هل حققنا كل شيء؟ طبعا لا، لهذا ما زلنا نناضل، نعم ما زلنا وسنبقى نعمل لتغيير السياسات الموجهة ضدنا، نريد التأثير وان نكون لاعبين مركزيين وليس على دكة الاحتياط، نريد تغيير قوانين اللعبة وتأثيراتها على حياتنا في هذه البلاد. نعم “صراخنا” في الكنيست هو ليس “جعجعة” وإنّما هو صرخة صاحب حق يعرف كيف يستل حقه من فم التنين، ويرفض ان يكون لقمة سائغة في فم هذا التنين.

إنّ معركتنا على رفض مقايضة حقوقنا القومية بفتات الميزانيات، حقيقية كانت او موهومة، هي لبنة اساسية في مواقفنا. لقد ناضلنا وسنناضل من اجل زيادة الميزانيات، حققنا الإنجازات وسنحقق غيرها ونحن في صفوف المعارضة، في لجان البرلمان ومع الوزارات والوزراء، هكذا ولدت خطة 922 التي وصل منها 9.6 مليار، وبقينا مرفوعي الرأس، دون المساومة على كرامتنا القومية، دون المساومة على وجودنا، مع رفضنا ليهودية الدولة وقانون القومية الذي لا يعترف بوجودنا، ودون التنازل عن حق شعبنا الفلسطيني بالحرية والاستقلال.

أن تكون شريكا في هذه الحكومة يعني: أنك شريك في قصف سوريا، شريك في اقتحام الأقصى، شريك في هجوم المستوطنين على أبناء شعبك، والقتل اليومي في فلسطين المحتلة، دم شيرين أبو عاقلة وباقي الشهداء في رقبة هذه الحكومة، شريك في الهجوم اليومي على القدس، شريك في مصادرة وهدم العراقيب وكل بيت يهدم، فالشراكة لا تكون “عالرباحة” يعني انت شريك فقط في تحصيل الميزانيات مثلا.

منذ الانتخابات الثانية للكنيست الاسرائيلي (بداية الخمسينيات) خلقت السلطة مثل هذا التيار لشق الصف في صفوف شعبنا، اسميناها “الأحزاب العربية المرتبطة بالسلطة”. للذين نسوا، نُذَكر أنّ هذه الأحزاب وبأصواتها أبقت على الحكم العسكري عام 1965، وهي استمرت لحوالي ربع قرن حتى لفظها شعبنا بهبة يوم الأرض الخالد واندثرت هناك بقوة شعبنا ووحدته.

هذه الانتخابات هي مواجهة بين طريقنا النضالي المبدئي والبراجماتي في مواجهة نهج آخر، نهج يريد سلخنا عن الهم القومي، يريد تجريدنا من هويتنا وربطنا فقط بمطالبنا المدنية، نهج تسول حقوقنا لدى الحكومات الصهيونية.

بعد اضراب يوم الأرض الخالد دعا رئيس الحكومة آنذاك يتسحاق رابين رؤساء السلطات المحلية للاجتماع به (ذهب الرؤساء الذين عارضوا يوم الأرض) وعادو أيضا بخفي حنين، حيث قال لهم: “ليس لكم في الدولة حقوق قومية، بل لكم حقوق دينية ومدنية”. كان هذا في أيار 1976 وبعدها عملت السلطة على مدى 45 عاما حتى وجدت العربي الذي يرضى بهذه المعادلة ويوافق عليها ويعترف بيهودية الدولة ويتَّبع سياسة “اللي بوخذ إمي هو عمي”، “ومن سيكون في الحكم أنا شريكه”، المهم انه يدفع!! هذا التيار هو تيار خطير على وجودنا في بلادنا يتوجب علينا مواجهته بالشكل الصحيح. لكن يخطئ جدا من يفكر بالوحدة معه، فهذا التيار يعتمد على الفقر في مجتمعنا ويوظفه في الحصول على الدعم والتأييد بحجة “انه الناس بدها تعيش”.

جاء هذا التيار لضرب وحدة صف جماهيرنا، بعد ان أُثْبِتَ ان وحدة شعبنا كانت حجر عثرة أمام تشكيل أية حكومة في البلاد، وجاء ذلك من خلال وحدتنا في المشتركة. استطاع هذا التيار شق هذه الوحدة، التي أثقلتها الذاتية والأنانية، فأصبح من السهل ضربها في الصميم.

نحن ما زلنا نرى ان البرلمان هو مكان للدفاع فيه على حقوقنا، هو ساحة نضال هامة في بلاد يتقلص فيها الهامش الديمقراطي بشكل يومي، في بلاد تحكمها الغطرسة العسكرية المقيتة، في بلاد يدعوا رئيس الحكومة شعبه اليهودي لحمل السلاح، في بلاد تعطي شرعية لقتل الفلسطيني الذي دائما بإمكانك اتهامه ” انه شكل خطر ما”، في بلاد سربت مئات الالاف من قطع السلاح الى مجتمعنا، وسيبت العصابات فيه متبعة سياسة “فخار يكسر بعضه”، هل نصدق انه من سرب هذه الأسلحة بالأمس سيجمعها اليوم؟

مقولة “شو عملوا أعضاء المشتركة” هدفها هو ان نيأس ونكفر بالساسة والسياسيين وتحويل أسهم غضبنا عليهم، بدلا من صبها نحو العنوان الصحيح وهو الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة. من الطبيعي أن يسأل كل انسان، كل مواطن، الحكومة “شو عملت له”، فأعضاء الحكومة هم المسؤولون، بيدهم مقاليد السلطة ولهم ندفع الضرائب الباهظة ويجب مساءلتهم عن كل شيء! ممنوع نسمح لهم ان يوقعونا بالفخ وأن يضعونا نحن في قفص الاتهام كما قال مثلنا الشعبي:” رمتني بدائها وانسلت”.

نحن من يتهم هذه السلطة بالتخطيط لخراب مجتمعنا.

هل هذا يعني ان نستسلم؟ وأن نيأس ونقعد في البيت؟ أبدا!

“عجبت لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرِج إلى الناسِ شاهِراً سيفه”

ان حفاظنا على وجودنا في بلادنا وبيوتنا وعملنا وممارسة حياتنا هو لب النضال وله تأثيره، إن وجودنا في الجامعات والمستشفيات والمصانع وورش البناء هو فعل نضاليّ هام، وكذلك وجود نوابنا في البرلمان.

على شعبنا ان يطرح السؤال: لماذا تهتم السلطة وابواقها وإعْلامها بالتحريض اليومي على أعضاء الكنيست من المشتركة؟ لماذا ينشغلون فينا صباح مساء ويحاولون بث الاحباط، من اليوم، وأن نسبة التصويت ستكون منخفضة في المجتمع العربي.

إنهم يريدون تهميشنا والغاء وجودنا وإلغاء دورنا النضالي في الكنيست، يريدوننا أن نيأس وأن نمتنع عن الفعل السياسي، لهذا رفعوا نسبة الحسم، ليحدوا من تمثيلنا في البرلمان، لأنّ أصوات المناضلين القوية في الكنيست كانت وما زالت تخيفهم. لهذا طعنوا القائد الشيوعي ماير فلنر بعد نكسة ال- 67 ولهذا حاولوا اغتيال توفيق زياد وقاموا بالهجوم الدموي على بيته. نعم يخيفهم وجود شيوعي يهودي في الكنيست، لهذا يقومون بالتحريض “انه بطلع بأصوات العرب” نعم، هم يخافون من أي نضال يهودي-عربي مشترك في هذه البلاد، من مصلحتهم تحويل الصراع الى قومي تارة وديني تارة أخرى.

لهذا علينا الاصطفاف بوحدة المناضلين، وحدة قوية مبنية على أساس متين. لقد صمدت المشتركة في الكنيست الأخيرة، رغم الكثير من الملاحظات، وبقيت موحدة، علينا تعزيز هذه الوحدة، واعطائها البعد السياسي الحقيقي والرؤية المستقبلية. علينا تثبيت هذا الطريق النضالي الهام وتجنيد الناس من النقب الى المثلث والجليل، ضد هذه السياسة وليس بخلق الأوهام بقوة كل حزب (احنا أولاد حارة واحدة)، بل العمل على زيادة قوة المشتركة من خلال الوحدة وليس المناكفة، هذا طريق صعب مشيناه كل العمر، لكنه هو الذي بإمكانه ان يوصلنا الى بر الأمان. على هذه الأسس تقام الوحدة النضالية.

نعم سياستنا هي الناجحة. المهم ان نشدّ من عزيمتنا ونشمر عن سواعدنا ويا اهلا بالمعارك.

 

17.7.2022

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .