عندما يعمينا الحب.. بقلم: أسمهان خلايلة/ مجد الكروم                                                                                        بقلم: أسمهان خلايلة/ مجد الكروم

 

عجيب أمر هذا الغرام الذي دب في قلوب الآلاف من الفلسطينيين الذين “سرّك مِرّك ” إلى تركيا، لا ننكر أن تركيا بلد جميل الطبيعة نقي الهواء تحول إلى دولة سياحية بامتياز تقدم أرقى الخدمات للسائح، وقد وجدنا نحن العرب داخل اسرائيل ملاذا بصبغة أوروبية وإسلامية وقريب المنال والوصول يرافقه دعم من إسرائيل وتشجيعها للسياحة في إستانبول فنحروا السياحة إلى مصر مثلا وحتى  المسافر إلى شرم الشيخ يتلقّى عند المعابر ملاحظات عديدة وتوقيف وازدحام وعراقيل ليست واضحة لكنها مرسومة لتأخير وتعسير السفر نحو منتجع لمصر.

على منصات التواصل الاجتماعي هنالك حملة رهيبة تكيل المديح ونشر الصور والمناظر من تركيا وطرابزون ومرمريس وغيرها من منتجعات سياحية والعدوى تنتشر أسرع من نار في هشيم وأنشط من فيروس مُعدٍ.

الطبخ والطهي كله تحول إلى وصفات تركية من الشكشوكة والشيش برك والكباب والكفتة .. استعراضات لفخذ الخروف والكبة والمخبوزات والمطاعم في تقسيم .. لا يستطيع المتصفّح الخلاص من حصار الحلويات وراحة  الحلقوم وكل شوي يقفز أحدهم أو إحداهن: “بدك شوارما ما أكلت مثلها”؟ في المطعم التركي الفلاني! بدك تشتري ب ٣٠٠ دولار شقعة فساتين؟ يلا ع تركيا ..

مدهش هذا الانسياق بل يثير التساؤل والاحتجاج والشفقة! فقد تحولت حياتنا إلى أطباق طعام ومشروبات وحلوى وتحليق في مرتفعات سياحية تركية.

لست ضد أي شعب ولا أنا ضد التقارب بين الناس ولا التعارف او استكشاف مناطق جديدة وأماكن على وجه الكرة الأرضية بأكملها لكن! ألا نتريث قليلا لننظر حولنا ونمعن النظر، هنالك أماكن سياحية كأنها جنة الله على الأرض وفي بلادنا أيضا ولمن يتحدث عن رسوم الدخول الباهظة هنالك جداول وأماكن هادئة لا تكلفنا سوى زوادتنا. حماسنا مبالغ به وبترويجنا الذي لا تقدر عليه أعتى شركات السياحة من أجل جلب السياح الى تركيا!

ولو تساءلنا نحن العرب داخل إسرائيل وبصراحة: “هل هنالك مأكولات لا نتناولها هنا في مطاعمنا”؟ إن أكثر المصالح انتشارا في وسطنا العربي هي المطاعم ومحلات الفلافل والشوارما وكل ما يخطر في البال من مثلّجات وفاكهة وحلوى مما يشتهون، عكا المدينة الأصيلة العابقة برائحة الحمص والقطايف والشراب والتفاح المغموس في قطر ملون يفرح به الصغار كما شعر البنات! حناطير على الشاطئ تجوب السوق والسفينة الرابضة في البحر. وترحاب أهل عكا وشبانها الذين يعتاشون على هكذا مصالح صغيرة. لكننا نجحد وندفع هناك ونحرق الدولارات في “التقسيم” التركي!

يافا الأميرة الحزينة التي تنتظرنا بمخابزها وأسماكها وأهلها الذين يذيقهم الاحتلال شتى أنواع الحصار والتضييق على رزقهم ولقمة أولادهم! لا أدعو إلى عدم السفر ولكن يفاجؤني كل هذا المديح للأكل وكأننا محرومون جياع نذهب إلى تركيا لنتمتع بأكلها. وهل نسينا الأكل الشامي؟ إنه الأنيق اللذيذ الطيب فهل صار صفرا إلى جانب الإستانبولي؟

صراحة!!

نحن لا نتقن مديح ورفع مصالحنا ولا أولادنا ولا صنٌاعنا المهَرة ولا كتّابنا ولا كل موهوب فينا .. نحن نتقن التطبيل للغريب والبعيد، وما أحوجنا إلى دعم الفندق النابلسي والحذاء الخليلي! ألم تصرح الصين بأنها تتعامل مع دولة الخليل؟ الله ما أكبر تجارنا إلا في أعيننا. ما أعظم مبدعينا إلا في تعاملنا!

لا يعني هذا أننا نقاطع مصالحنا إلى هذا الحد ولا أحاول تجريد شعبنا من دعمه وكرمه لكن هذا التشيٌع لتركيا قد بلغ مداه وبالغنا في حديثنا اليومي حتى اختفت المواضيع والحوارات سوى .. تركيا والكيف وزرع الشعر وشد الارداف بمبالغ زهيدة!

أليس السائق المصري يحتاج إلى دعم؟ ألا نخصص حصة للمغربي أو الأردني من آلاف مؤلفة من الدولارات التي نحرقها هناك؟

كتبت هذا والاستغراب إلى حد الاحتجاج  يتملّكني وقد خجلت حقا من مواجهة تيار جارف يسبح السابحون معه ولا يتوقفون! إنّ ما نفعله بحالنا واقتصادنا وأهلنا وإخوتنا يشير إلى حالة تشبه غيبوبة الانسياق، كفانا ترويجا ولن أتطرق إلى السياسة التركية التي نحاول تطهيرها بإحراق دولاراتنا عليها أو الالتزام بقرض بنكي لتقديمه لتلك المطاعم والطبيعة الخلابة! هناااك.

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .