ابن بيت جن شاعر وعازف الربابة الحزينة منصور طافش (ابو زاهي)..وداعًا

 

من اليمين.. عادل خطار المرحوم ابو زاهي منصور طافش ومالك صلالحه

كتب مالك حسين صلالحه: 

“يمر الانسان في العديد من محطات الحياة، فيلتقي بالعديد من الناس،  فمنهم من يدخل القلب مباشرة ومنهم من يبقى خارج أبواب القلب مهما حاول فتحها . وقد ربطت والدي المرحوم أبو مالك علاقة اخوية حميمة مع الجد الشيخ أبو منصور واولاده وقد شرفوني بزيارة الى بيتي، ولا زلت اعتز واحتفظ بالرسالة التي كتبها لي حيث ضمنها رايه واعجابه بكتاب بيت جن عبر التاريخ الذي اهديته له.

وكم كان وقع الخبر بالامس القريب حين فوجئت برحيل العم الوفي أبو زاهي ولم اصدق ما قراته في وسائل التواصل الاجتماعي , فقط وقبل قبل شهرين زرته برفقة اخي أبو وسام عادل خطار , وكان اللقاء ممتعا وشيقا, في نية لاخذ من يده قصة من قصص والده الجد الشيخ الفاضل أبو منصور حسن طافش، الذي كان رفيقا للمرحوم سلطان باشا الأطرش ،وعمل سنينا في تدوين قصص وحكايات عن بطولات اهل الجبل ومواقفهم المشرفة في المعارك ضد المعتدين من جيرانهم البدو او من قطاع الطرق واللصوص او ضد جيوش المستعمر الفرنسي الغاشم زمن الانتداب , وقد كان صاحب البيت المفتوح اذ كان محطة لشيوخ ورجال القرية ومحطة كان يقصدها المرحوم الشيخ أبو يوسف امين برفقة الوفد المرافق لزيارته وسماع عزفه على الربابة والاستمتاع باشعار الجبل من اهازيج وجوفيات ومحوربة وغيرها من تلك التي كانت تنشد في مضافات الجبل وتردد اثناء المعارك التي كان فرسان الجبل يخوضونها ضد أي معتدٍ عليهم.

 وقد حالفني الحظ بزيارته في بيته العامر برفقة صديقي وأخي ابي وسام عادل خطار، اذ زودني بعدة قصص وحكايات من التي كتبها واعدها المرحوم والده في مسودة كتاب، يقع في عدة مئات من الصفحات، ولكن بلغة اهل الجبل المحكية، حيث كنت اعيد صياغتها بلغة أدبية فصحى محافظا على النص الأساس، وقمت بنشر بعضها لتطلع عليها الأجيال الحالية والمستقبلية.

فعدة مرات زرناه في بيته وفي غرفته الخاصة حيث كان يكتب ويقرأ وكان يعزف على الربابة منشدا اشعارا واهازيجا حماسية، مما كان قد دونها والده المرحوم أبو منصور كي ينشدها فرسان الجبل حين يهبون لخوض المعارك في الدفاع عن انفسهم وبيوتهم وحلالهم ضد المعتدين عليهم.

وقبل حوالي شهرين عدت بمعية اخي عادل, حيث رحب بنا ايما ترحيب هو واهل بيته الكرام . وكان اللقاء شيقا ومثريا . وناولني قصة علي بك الأطرش اخ. المرحوم سلطان باشا الأطرش وما جرى معه وشكري بك القوتلي ، ووعدته باعدادها لتكون لائقة بالنشر في المجلة او الصحيفة، وهكذا كان حيث اعددتها وكتبتها وارسلتها الى لتنشر في مجلة الكوثر النصف سنوية التي تصدر عن بيت التراث العربي الدرزي في جولس لصاحبها الأخ الوفي أبو زاهي سعيد نبواني أمد الله بعمره.

ولما نشرت وصدر العد د الثامن عشر – كانون ثاني 2024  . سارعت بالحصول على نسخ منها، واخذت النسخة واتصلت باخي عادل وسارعنا بزيارة العم أبو زاهي وفوجئنا بتدهور حالته الصحية وقد كان غائبا عن الوعي، وكنا نتمنى ان نلقاه كما عهدناه  لنتمكن من الحديث معه واخباره بالخبر السار ان القصة  التي وعدته بصياغتها من جديد قد نشرت  تحت عنوان (موقف عز وكرامه بين رئيس الحكومة شكري القوتلي وعلي بك الأطرش، ليفرح برؤيتها وقارءتها، ولكن للاسف تركنا المجلة لاهل البيت ، متمنين له ان يتعافى بأسرع وقت املين ان نعود لزيارته من جديد.

ولكن صدق الشاعر حين قال :

ما كل ما يتمنى المرء يدركه   تجري الرياح بما لا تشتهي السفن

فها هو القدر قد ضرب ضربته في يوم الاحد العاشر من اذار 2024 ، مسارعا بخطفه من بيننا ،تاركا الغصة والحسرة في قلوبنا جميعا، من اهل بيت واقرباء واهل بلد ومعارف خارج البلدة وفي بلدته في جبل الدروز . رحل الشيخ أبو زاهي تاركا خلفه الربابة تبكي حزينة وحيدة كذلك قرطاسه واقلامه ايتاما بعده.

ان العم أبو زاهي كان العون والسند بكل معنى الكلمة لاهله واهل بيته. فكان الرجل العطوف والمثابر والمكد عل رزق الحلال لإعالة اسرته وتربيتهم خير تربية وتوفير سبيل العيش الكريم لهم وهذا ما تحتاجه كل امراة فاضلة في اسرتها كالعمة ام زاهي ملكة رسلان حلبي، حيث كان سندا لها ولجميع أولاده وبناته وحتى احفاده.

فقد انجبا وربيا اسرة من خيرة الأبناء والبنات، نفتخر ونعتز بهم وبهن.

لقد ربطت والدي أبو مالك واهلي علاقة صداقة حقيقية مبنية على الإخلاص والوفاء بعيدا عن المصالح الانية او الانانية. وكان والدي يسارع لزيارته في كل زيارة لمقام سيدنا شعيب عليه السلام ، حين كان قيما على مصالح المقام، اذ كان الوجه الناصع لبني معروف امام كل الزائرين من مختلف الطوائف التي كانت تفد لزيارة المكان المقدس.

لقد كان العم أبو زاهي محدثا لبقا بشوشا تهنأ عند سماعه، وتنبهر لفطنته وذاكرته القوية في حفظ والقاء الروايات والاشعار , كان حكيما ، مسالما متواضعا زاهدا بما في يد الناس مقتنعا وراض بما في يده، رجلا رزينا في حديثه وكلامه ،راجح العقل ثاقب البصيرة ، احب الناس فاحبوه واحترمهم فاحترموه ، مسارعا لمد يد العون لكل من يطلب مساعدته .

رحل أبو زاهي عنا جسدا لكنه سيبقى بيننا روحا وذكرى عطرة، تاركا لنا ذكريات جميلة من طيبته وحسن معشره ،ولكنه مخلفا الما عميقا في نفوسنا  ، لترافقنا بعد رحيله . لنتذكراثره الطيب كانسان وذكر طيب كالمسك.

رحلت أيها الراحل المقيم، وليتغمدك الله بواسع رحمته، ويلهمنا الصبر والسلوان من بعدك، املين ان يكون انجالك خير خلف لخير سلف، وان يسيروا في خطاكم، فالى جنات الخلد أيها العم الوفي أبو زاهي”.

ردإعادة توجيه

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .