سوليفان: حلو الكلام للعرب والدعم لإسرائيل

أمير مخول
ملخص تقدير موقف.
اعتماد امريكي صيغة المراحل في الحرب على غزة، والتمحور في المرحلة التالية التي تبدأ في أوائل شهر شباط/فبراير من العام 2024، والتي تقضي بتخفيف كثافة الحرب على غزة وتعميق الاستهداف الدائم لقيادات حماس وقدراتها القتالية، تلك هي الوصفة الامريكية الجديدة التي تبدو للوهلة الأولى تخفيفا إسرائيليا أمريكيا لوطأة الحرب ووتيرتها وكثافة القصف على الشعب الفلسطيني. لكن المتوقَّع هو بخلاف ذلك تماما. حيث يتضمن هذا التصور موافقة أمريكية على إطالة أمد الحرب لعدة أشهر غير محددة زمنيا لإنجاز المهمة المذكورة وبالاعتماد على الجوانب الاستخباراتية والذكاء الاصطناعي في تتبّع قيادات حماس وتصفيتهم.
قد تضطر إدارة بايدن كما حكومة نتنياهو لأمرين: الأول وهو الإذعان للصوت الشعبي الإسرائيلي الغاضب في اعقاب مقتل ثلاثة محتجزين في غزة أفلتوا من الأسر، ليلاقوا حتفهم بنيران الجيش الإسرائيلي، ولتشكل مظاهرة الغضب التي انطلقت في تل ابيب مباشرة بعد الكشف عن الأمر بداية مرحلة جديدة في تبلور موقف شعبي إسرائيلي ضد الحرب، وكما وصف الامر احد قادة الاحتجاج “يسوّقون لنا بأن تعميق الحرب يساعد المخطوفين، بينما يقتلهم”، ليضاف الى تعمق الادراك الشعبي للثمن الباهظ لهذه الحرب في كل المستويات البشرية والاقتصادية والاجتماعية والمعنوية. والثاني، مواجهة حجم الغضب الشعبي العالمي المتنامي وتراجع وحدة الموقف الرسمي في العواصم الغربية في التضامن مع إسرائيل في حربها التي توصف بالوجودية ، الامر الذي قد يؤثر على التضامن والالتزام الغربي تجاه معارك الولايات المتحدة ضد روسيا وتنافسها الضاري مع الصين، وهو ما تخشاه واشنطن.
الترجمة العملية لهذا التوجه الأمريكي تحمل عدة جوانب ومنها:
• اعتراف بعدم تحقيق حرب الدمار الشامل وغير المتكافئة لأهدافها وعدم قدرتها على تحقيق ذلك، وحصريا تدعم الموقف الأمريكي بأن حكومة نتنياهو قد حددت أهدافا ليس بمقدور الجيش تحقيقها.
• قبول ضمني امريكي لبقاء الحرب بوتيرتها الحالية، لأنه ، لا إدارة بايدن ولا إسرائيل تستطيعان التحكم بوتيرة الحرب وكيفية التعامل مع الفعل الفلسطيني الذي لا يزال يفاجئ قادة الحرب ولا تتحكم إسرائيل بمجريات الأمور ووتيرتها في غزة.
• قبول امريكي لاحتلال إسرائيلي حاليا لعدة اشهر وقد يطول ، لو اخذنا بالحسبان تراجع الضغط الأمريكي في خضم معركة الانتخابات الرئاسية.
• التواجد العسكري الإسرائيلي طويل الأمد من شأنه ان يجر الى حرب استنزاف طويلة الأمد ولا تضمن اية إنجازات لإسرائيل ولا تخفف من الانتقادات على إدارة بايدن.
وفقا لتصريحات سوليفان وحتى لا نغرق في الأوهام، بات “اليوم التالي” للحرب هلاميا وموعدا مفتوحا وغير محدد يوفر للولايات المتحدة إمكانية التراجع عن تصريحاتها بشأن الالتزام باتخاذ خطوات نحو حل الدولتين وضمان إنجازه.
صحيح ان زيارة سوليفان الى رام الله ولقاء الرئيس محمود عباس، هو بخلاف موقف نتنياهو من السلطة الفلسطينية والتي يعتبرها داعمة للإرهاب وتربّي عليه، الا ان ما وفّره مستشار الامن القومي الأمريكي لاستمرار إسرائيل في حربها على غزة هو أعمق أثرا من كل الوعود التي أكدها للفلسطينيين.
قرار إدارة بايدن حظر دخول عدد من أعضاء التنظيمات الإرهابية الاستيطانية في الضفة وحصريا من تنظيم “شبيبة التلال” الى الولايات المتحدة، ينبغي ان لا يعني الفلسطينيين ولا حركات التضامن بشيء، اذ انه ليس موقفا من الاستيطان الاحتلالي ولا من اجل الحق الفلسطيني بأي شكل من الاشكال، بل التفافاً على هذه الاستحقاقات.
تقديرات:
– إطالة امد الحرب على غزة تعني بقاء التوتر العسكري المتصاعد على الحدود اللبنانية، وقد يتحول الى حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله في ظروف معينة. وكذا الامر في مسألة الدور الحوثي في اليمن في البحر الأحمر وباب المندب، وترى تقديرات إسرائيلية بأن التوتر الإقليمي هو فرصة إسرائيلية لدفع الولايات المتحدة لتعميق تدخلها رغم تقديرات الأخيرة بخلاف ذلك.
– الترجمة الإسرائيلية لمواقف سوليفان هي مواصلة الحرب وتعميقها دون أي ذكر لوقف إطلاق النار، فيه مناورة على الراي العام الشعبي العالمي المناوئ للحرب. وجاء نفي بيني غانتس (15/12) لوجود ما يسمى “اليوم التالي” للحرب، تأكيدا على التوافق مع إدارة بايدن بصدد إطالة أمد الحرب.
– مسألة الاسرى والمحتجزين الإسرائيليين في غزة وصفقة تبادل باتا أولوية عليا على مستوى الراي العام الإسرائيلي خاصة بعد حادثة مقتل المحتجزين الثلاثة بنيران إسرائيلية يوم 15/12/23. وهذا من شأنه ان يعمق التصدع داخل حكومة الحرب وبينها وبين الإدارة الامريكية.
– مواقف إدارة بايدن بشأن “سلطة فلسطينية يجري تحديثها”، دون رؤية متكاملة للحل أي ما يتلو” التحديث ” والتجديد وما هي وظيفته قد تدفع نحو خلق حالة فوضى مقصودة، والى مساعٍ إسرائيلية تؤدي الى اقتتال داخلي فلسطيني ولإشغال الفلسطينيين بأنفسهم وليس بوقف الحرب أولا والانتقال الى حل الدولة الفلسطينية.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .