زيارة مقام النّبي شُعَيْب (ع) .. نمر نمر ـ حرفيش

*يحتفل أبناء طائفة الموحِّدين المعروفيّين(الدّروز)، سنويًّا، في الخامس والعشرين من نيسان بزيارة مقام النّبي شُعيب عليه السّلام، في بلدة حطّين/طبريّا، هُجِّر أهلها عنوة عام نكبة 1948، لجأ بعضهم إلى قُرى الدّاخل، والآخر في الشّتات.

*ورد ذِكْرُ النّبي في العهد القديم(سفر الخروج) مرارًا عديدة بأسماء: يترو، رعوئيل، حوباب، وهذه الأسماء تعني: المُفَضَّل، خليل الله، وحبيب الله، وقد عاصر النّبي موسى عليه السّلام، القرن الثّالث عشر قبل الميلاد، كما ورد ذِكْرُهُ في القرآن الكريم شُعَيْب(تصغير لكلمة شعب ن ن) في السُّوَر: الأعراف، العنكبوت، هود والشُّعراء. كان خطيبًا فصيحًا، دعا إلى توحيد الخالق والعدل بين النّاس، دون الكَيْل بمكيالَين: (أوْفوا الكيلَ ولا تكونوا من المُخْسِرين، وَزِنُوا بالقسْطاس المُستقيم)، صدق الله العظيم.

*الكثيرون من قُدامى المُؤَرِّخين والرَّحّالة تطرّقوا لسيرته، مثل: ناصر خسرو، الهروي، ابن جُبَيْر، ياقوت الحموي، القاضي الدّمشقي، المقريزي وابن بطوطة.

عُدنا إلى مَرْجع د، شكري عرّاف /معليا: طبقات الأنبياء والأولياء الصّالحين في الأرض المقدّسة، مطبعة اخوان مخّول/ترشيحا/1993، عن النبي شعيب يقول: اسمه شُعَيْب بن نوبة بن مِدْيَن بن إبراهيم، هو أحد أربعة أنبياء عرب وهم: هود، صالح، شعيب ومحمّد عليهم الصّلاة.

ويضيف الباحث: هنالك حديث نبويّ يقول: بكى شعيب من حُبّ الله حتى عَمِيَ، فَرَدّ الله بَصَرَهُ أربع مرّات، وفي الرّابعة أوحى الله إليه: إلى متى يا شعيب يكون هذا منكَ؟ ، إن يَكُن هذا خوفًا من النّار! فقد أجَرْتُكَ، وإن يَكُن شوقًا إلى الجَنّة فقد أبَحْتُكَ! فقال شعيب: إلهي وسيّدي أنتَ تعلم أنّي ما بكيتُ خوفًا من نارك، ولا شوقًا إلى جنّتكَ، ولكن عقد حُبُّكَ في قلبي، فَلَسْتُ أصبرُ أو أراك! فأوحى الله له: أمّا إذا كان هكذا، فَمِن أجل هذا سَأُخْدِمُكَ كليمي موسى بن عمران(ص 125). كما يذكر الباحث أكثر من عشرة مواقع في ديارنا تحمل اسم هذا النّبي.

*ننتقل إلى البروفسور علي صْغَيّر/ يركا، فقد نشر دراسة في موقع المدار 1/ 4 /2017 جاء فيها: المقامات التي تحمل اسم النّبي شعيب هي في: بلدة حطّين/طبريّة، قرب مدينة السّلط الأردنيّة، مقامان في بلدتَي الفرديس وَبْليدا/جنوب لبنان، قي بلدة قيصما السّوريّة/جبل العرب، ومقام في جبل النبي شعيب/ اليمن(عُلوّه 3760 م فوق سطح البحر)، غربيّ العاصمة صنعاء. كما عرّج البروفسور على سبعة مواقع تحمل اسم النّبي في ديارنا المقدّسة.

*ولن ننسى ما دوّنَهُ زميلنا المُربّي سهيل مخّول/ البقيعة، في دراسته: النّبي شعيب (ع)-ليس فقط في حطّين، موقع عكّا نِتْ 8 /7 /2018، ربّما كان توارد خواطر بين الباحثَين المعطاءَين: صْغَيّر ومخول، أو استعانا بمصادر متجانسة، فكانت الإشارة إلى نفس المقامات، أضاف إليها سهيل: مقام شعيب في مدينة الدّيوانيّة في العراق، ومقام في بلدة عجور/ منطقة الخليل، كما ضَمَّخَ سُهيل دراسته بصور جميلة لكلّ مقامات النّبي شُعيب، مما أضفى عليها بهجةً ورونقًا وبُعدًا انسانيًّا، اجتماعيًّا وروحيًّا، والصّور ناطقة حيّة، نُرفقها هنا بعد سماحه وإذنه وبِلُطفه.

*أرضُ مِدْيَن في الجنوب، ملتقى الحدود: السّعوديّة، الأردنيّة والفلسطينيّة/ الإسرائيليّة، ويذهب بعض المؤرّخين إلى القول: أرض مدين هي كفرمندا، وكفر مندا هي تحريف لِمدين! وفي وسط هذه البلدة ما زالت عينها/ نبعها القديمة تُعْرف باسم: حنّانة النّبي شعيب حتى يومنا هذا.

*الكاهن اليهودي: يِشاي حسيدة يقول في كتابه: كَنْزُ رجال التّوراة(אוצר אישי הת� “ך)، إصدار رؤوبين ماس/ القدس 1999: صيبورة وباتية كانتا أمَتَين في السّوق المصري آنذاك، قلبا شعيب والفرعون رقّا لهما، فاشترى كلّ منهما جارية، صيبورة كانت من نصيب يترو، أعْتقها لوجه الله وَتَبَنّاها، فصارت ابنَتَهُ بالبّبنّي وليس بالتّناسل، وهذا ما يُطابق عقيدة الموحِّدين الدّروز، بِأنّ شعيبًا كان من الخمسة المعصومين عن الزّواج!

* أوّل من رمّم القبر والمكان هو السّلطان صلاح الدّين الأيّوبي، بعد أن انتصر على جيوش الفرنجة في معركة حطّين عام 1187 م. يقول أخونا المؤرّخ جميل عرفات/ المشهد في كتابه: من قرانا المُهجرة في الجليل ص 92: يُقال أنّ صلاح الدّين الأيوبي بعد انتصاره في حطّين، أوقف أرضها إلى النبي شعيب، حسب الحدود التالية: من الشّرق بحيرة طبريّة، من الغرب التينة المقبيّة، من الشّمال مغارة الزّطّيّة ومن الجنوب حجر النصرانيّة. . أظن أن المقصود بالتّينة المقبيّة في حدود بلدة نمرين المُهجّرة، ومغارة الزّطّيّة جنوبي وادى عمود، قبل مصبّه في البحيرة(ن ن).

التّرميم الثّاني جرى بمبادرة الشّيخ مهنّا طريف عام 1884، بعد أن جمع التَّبَرُّعاتَ من ديارنا ومن سوريا ولبنان الشّيوخُ: سلمان الحمّود/يركا، محمّد الفرهود/ الرّامة/ وخليل طافش/ كفر سميع، جرى احتفال ديني مهيب عام 1885، واختير التّاريخ 25 نيسان للاحتفال، موسم الرّبيع، مفصل بين الشتاء والصّيف والمواسم الزّراعيّة، وسهولة التّنقّل والوصول من مختلف البلدان والقرى، وهكذا جرى هذا التّقليد السنوي منذ ذلك الحين. والزّيارة ليست مقصورة على أبناء الطّائفة، بل تشارك بها وفود تمثيليّة من مختلف الطّوائف في البلاد، لتقديم التّهاني للمُحتفلين بالزّيارة.

*التّرميم الأخير في العقدَين الأخيرَين، جرى بمبادرة فضيلة الشّيخ موفق طريف بمرافقة ومعيّة نُخبة من الشّيوخ الأفاضل وأهل الخير.

*بودّنا أن نشير إلى محضر جلسة عمل في المقام الشّريف يوم 18 /2 /2007، ضمّت كلاّ من الشّيوخ: موفق طريف الرّئيس الرّوحي للطائفة، سكرتير المجلس الدّيني توفيق حمزة/ يركا، عبد السّلام مناصرة/مُهجَّر من قرية عين دور /إندور، عضوَي الكنيست آنذاك: د، حنّا سويد/ الجبهة وزميله واصل طه/ التّجمّع، وفد تمثيلي لِمُهَجَّري قربة حطّين: المهندس سليمان فحماوي، طارق وصابر شبايطة، ماجد رباح، محمد شعبان، فالح فحماوي ومحمد عبري نصّار/قرينَتُهُ حِطّينيّة، هذا إلى جانب وفد للجنة المُبادَرة العربيّة الدّرزيّة، المُبادِرة لهذا اللقاء، كان هذا بعد تخوّف أهالي حطّين من توسيع المقام على حساب أراضيهم ومقدّساتهم، جرى حوار أخويّ بنّاء، تعهّد به الشّيخ موفق بالمحافظة على حقوقهم وصيانة المقبرة والجامع، النّائبان سويد وطه قالا: بعد هذا الوعد والتّعهد من الشّيخ، نقترح على المُهجَّرين توكيل قضيّتهم الإنسانيّة للشيخ موفق وهو يُتابعها مع السّلطات الإسرائيليّة.

*ما نبتهل له في هذه المناسبة والظّروف الكورونيّة الغادرة: أن يُبعد الله هذا الشّبح الجائح عن أفراد كلّ الأسرة البشريّة في كافّة أرجاء المعمورة، وتتحقّق صلواتنا وابتهالاتنا المقرونة بالحَذَر والحَظر والحَجْر، وقليل من القطران على نهج الخليفة عمر بن الخطّاب، (ر): منكَ يا مولانا السّلام، وإليكَ يعود السلام وأنت أحقّ بالسّلام، ودعوتك هي دار السلام، تباركتَ وتعاليت ربَّنا الأعلى ذا الجلال والإكرام! وزيارات مقبولة للجميع عن بُعد، بَعد أن انهمك العُلماء والسّاسة بتطوير أسلحة الدّمار الفتّاك وتجويع الشّعوب، مُتناسين مقولة: كُلّكُمْ راعٍ، وكلّكم مسؤول عن رعيّته! لعلَّ صوتَنا صوتٌ صارخٌ في البرّيّة!

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

في قيصما/ جبل  العرب

 

 

( الصّور بِلُطْف     الباحث   سهيل  مخّول/  البقيعة)

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .