حي الزيتون نموذج مصغر لـ”اليوم التالي” الإسرائيلي في غزة… امير مخول

لا يتوفر وصف للصورة.
مقدمة: تقوم إسرائيل بتجزئة غزة المدينة والقطاع برمته، سعيا لتثبت وجودها الاحتلالي لفترة غير محددة. وفقا لصحيفة وول ستريت جورنال، فإن ما يقف وراء الاحزمة النارية المكثفة في حي الزيتون جنوب شرق المدينة وقصف عشرات البيوت فوق رؤوس من فيها، يندرج ضمن شق طريق عريض طوله 8 كيلومترات يصل بين جنوب شرق غزة والبحر ويشطر المدينة الى شطرين منفصلين، ويحظر دخول الفلسطينيين اليه ويضمن تحركا آمنا للجيش وللإمدادات.
التحليل:
– يخطئ من يعتقد ان إسرائيل لا تملك تصورا لليوم التالي في حربها على قطاع غزة. وفقا للتصريحات الحكومية والعسكرية فإن الطريق العريض يندرج ضمن مساعي للجيش لتغيير الواقع الطبوغرافي لقطاع غزة والسيطرة المحكمة عليه.
– نشر موقع واينت يوم 9 شباط فبراير المخطط الذي قدمه وزير الامن غالنت امام كابنيت الحرب والكابنيت الموسع، وهو مخطط السيطرة الإسرائيلية التامة على امدادات الغذاء والأدوية والمساعدات الطبية للغزيين، واستبعاد تام لأية إمكانية لأي دور تقوم به حماس في توزيعها، وكذلك استبعاد أي دور للمنظمات الإنسانية الدولية في هذا الصدد، وحصريا استبعاد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين –الاونروا، سعيا للقضاء عليها وفقا للمخططات الإسرائيلية.
– ينطلق المخطط الإسرائيلي من أن السيطرة على منظومة توزيع المساعدات هي مركب جوهري في القضاء على بنية حماس في غزة، وعلى اعتبار حماس تعزز سلطتها وقد تستعيد دورها في شمال قطاع غزة اذا ما بقيت تسيطر على مفاتيح توزيع المساعدات الإنسانية القادمة الى غزة. كما يبيّن المخطط أنّ حراك منع دخول المساعدات الإنسانية الى قطاع غزة واغلاق معبر كرم أبو سالم يشكل جزءا من هذا المخطط حتى وان كان يبدو انه نزعة من اقصى اليمين ومن جماعة القوة اليهودية برئاسة وزير الامن القومي بن غفير ولا يقوم الجيش بتجاوزه.
– تقوم خطة غالنت على ان يتم ادخال المساعدات الطبية والغذائية الى قطاع غزة فقط من معبري “ايرز” (بيت حانون) وكارني (المنطار) الخاضعين للسيطرة الإسرائيلية الكاملة في منطقة شمال قطاع غزة. وتقوم بتطوير بنية معبر كارني لهذا الغرض بعد اغلاقه منذ 2011، وعلى ان تفرض امرا واقعا بأن اية مساعدات دولية تأتي عن طريق البحر الى ميناء اسدود، تخضع للرقابة والتفتيش قبل إدخالها الى غزة. لهذا الغرض سيعتمد الجيش وجهاز الشاباك الاستخباراتي على التوصل الى شريحة من التجار الفلسطينيين في غزة تقبل بأن تلعب دور العنوان للمساعدات وتوزيعها وحمايتها من خلال إقامة منظومة حراسة مسلحة لهذا الغرض، وعمليا تسعى إسرائيل لخلق مصالح لشريحة فلسطينية غنية كي تلعب هذا الدور لتشكل لاحقا أساسا لبنية حكم مدني فلسطيني في غزة، في حين تبقى السيطرة العسكرية لاسرائيل وضمان قدرتها بالتدخل عسكريا في كل حين. كما تعني فصلا تاما بين مصير قطاع غزة ومصير الضفة الغربية أي نفيا مطلقا لإمكانية دولة فلسطين.
– التعاطي الفلسطيني والعربي وحتى الدولي مع النزوح الفلسطيني الهائل من شمال القطاع الى اقصى جنوبه على انه شأن مؤقت، هو تقدير لا أساس له اذا نظرنا في النوايا الإسرائيلية والمخططات التي يجري تطبيقها على الأرض. سيكون من الأهمية التعامل مع هذا النزوح على انه تهجير واقتلاع ثابتين من وجهة نظر إسرائيل.
– عمليا قطاع غزة بات مبتورا بين الشمال والجنوب، وتمت إقامة بنية المنطقة العازلة على طول الحدود بعد القضاء على أي حضور سكاني وعمراني بعمق 1.5 كيلومتر.
– كل الإجراءات الميدانية تخدم عمليا تصور وزير الامن غالنت بخصوص السيطرة على المساعدات الدولية وعلى أدوات توزيعها، من اجل إنفاد المشروع التجريبي في حي الزيتون في مدينة غزة على ان يتم تعميمه على كل قطاع غزة لاحقا في حال نجاحه، وإحكام السيطرة الفعلية على القطاع وسكانه وتحويله الى قضية “إنسانية” إسرائيلية لا سياسية، وعمليا يتحول الوضع الى احتلال فعلي مستدام قد يتبعه استيطان، ولو نجح من شأنه ان يدفع الى افتعال التوترات الفلسطينية المحلية وحتى الاقتتال الداخلي.
– ما يحدث في الضفة الغربية ليس منفصلا عن احتلال غزة وإذ اتخذت الحكومة قرارها بالإجماع برفض الدولة الفلسطينية، وبتأييد معظم المعارضة وبأغلبية 99 صوتا مقابل تسعة أصوات في الكنيست، فإن التصعيد المكثف في الضفة الغربية يتسارع، نحو خلق بنية اقتلاعيه للسكان والمدن والبلدات وفي المقدمة للمخيمات، وذلك لمنع قيام بنية لدولة فلسطينية لا في الضفة ولا غزة ونزع أي ترابط بينهما. ولذا يصبح استمرار حصر النازحين في الجنوب ليس فقط مجزرة مستدامة وبطيئة بسبب القصف والمرض والجوع، بل وتهجيرا قسريا لخارج قطاع غزة تفتيشا عن فسحة حياة وخلاص.
الخلاصة:
• يشكل التكثيف الحربي الحالي والدمار الشامل لما تبقى من حي الزيتون في غزة، نموذجا لتطبيق نوايا إسرائيل في قطاع القطاع باحتلاله المستدام وتقسيمه الى مناطق أمنية والسيطرة على مرافق الحياة المدنية واستبعاد المنظمات الإنسانية الدولية واي طرف فلسطيني كياني.
• تاريخيا كل محاولات إسرائيل إقامة اشكال حكم فلسطيني او عربي منذ روابط القرى في الضفة الغربية وحتى جيش جنوب لبنان، قد أخفقت اخفاقا مبينا، ولا توجد مؤشرات بأنها ستنجح في هذه الحالة وفقا لمخططاتها.
• دور مصر في معارضة قوة دولية أو عربية في قطاع غزة كما كتب يوسي ميلمان (هارتس 20/2) فيه تأكيد بأن مصر متنبهة لهذه المسألة ولما تشكله من تحديات لأمنها القومي وفقا لرؤيتها. وبقدرة مصر على التصدي للمخطط الإسرائيلي وإفشاله بصدد استدامة احتلال قطاع غزة ومنع عودة نازحيه القسريين الى أمكنتهم التي نزحوا منها وبصدد الإبقاء على دور المنظمات الإنسانية الدولية.
• منع سيطرة إسرائيل على المساعدات الإنسانية والتحكم بها بات قضية جوهرية ذات اثر كبير على مستقبل القطاع.
• المطلب بوقف الحرب وبعودة النازحين هو أولوية فلسطينية عليا كي لا يتحول الى وضع ثابت يتبعه استيطان، وينبغي ان يكون أولوية عربية عليا أيضا.
• كل المخططات الإسرائيلية مرهونة بنهاية الحرب وماذا سيحدث الى حينه، وبمدى قدرة نتنياهو وحكومته فرض الامر الواقع الاحتلالي.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .