جولة في رحاب كتاب حرفيش من السراج العثماني الى المجهر الإسرائيلي

جولة في رحاب كتاب

حرفيش من السراج العثماني الى المجهر الإسرائيلي

بقلم: مالك حسين صلالحه- بيت جن

 

لقد أهداني العم الوفي والشيخ الجليل أبو نعيم نسيب بدر كتابه -حرفيش – بواسطة أخي الشيخ فريد بدر،

وكم سرني أن أجول بين سطور هذا الكتاب، الذي صدر هذه السنة 2023، (كي لا تضيع الحكاية)، الذي قرأته بشغف خلال ليلتين ،الذي أعاد لي ذاكرتي باندفاعي وشوقي لكتابة بيت جن عبر التاريخ بين السنوات 83-93 ، والذي رافقني في مراجعته وتنقيحه أستاذي الوفي ووالدي الروحي  الباحث والعلامة د. شكري عراف، ولا زال يرافقني في كل أعمالي التوثيقية عن  بيت جن الأثرية وخفايا محمية جبل الجرمق الرائعة، وقرانا المهجرة في الجليلين والكرمل منذ زمن الدعوة وحتى القرن التاسع عشر.

وقد تشرّفت بزيارة العم أبو نعيم مؤخراً في بيته العامر في حرفيش، برفقة أخي الشيخ فريد، فوجدتني

أمام رجل جاوز الثمانين من عمره، فهو من مواليد عام 1941، رجل محب للمطالعة والمعرفة واسع الثقافة، ولا زال يتمتع بذاكرة قوية ، يملأه الشغف وحبه لوطنه ولقريته وتراثها وعاداتها وتقاليدها وتاريخها ، من باب الحاجة الماسة عن أهمية الحفاظ عليها كي لا تضيع، فوجدت قاسما مشتركاً روحياً وفكرياً بيني وبينه، مما أثلج صدري وجدّد بي الأمل أن الدنيا لا زالت بخير ما دام هنالك رجالٌ كالشيخ أبي نعيم أطال الله بعمره، متمنياً أن يحذو حذوه أفراد غيورون مثله في كل قرية.

جاء هذا الكتاب ليضع لبنة أخرى في توثيق تاريخ وتراث قرانا ومعالمها الجغرافية والأثرية، إلى جانب القصص والحكايات، التي خاف عليها من الضياع في جيل التكنولوجيا ووسائل الأعلام المُغرية.

الكتاب من الحجم المتوسط، صدر بغلاف ملون يحمل صورة لقرية حرفيش، وطُبع على ورق صقيل بعدد 400 صفحة، يُهديه المؤلف ” إلى زوجتي أم نعيم وإلى أبنائي وبناتي وإلى كل من زوّدني وأمدّني بالمعلومات والنصح والدعم والتشجيع، فكانت ثقتهم بكفاءتي وقدرتي على حمل هذه الأمانة عظيمة ، وإلى أصدقائي وأهل قريتي الذين يُقدّرون إرث أسلافنا حقّ قدره، أشارككم هذا النص ليكون نموذجاً نابضاً بالحياة أبداً، نُهديه لأبنائنا وللأجيال القادمة “.

يستعرض الكاتب تاريخ القرية واستيطانها على يد الموحدين الدروز وباقي الأخوة من مسيحيين ومسلمين، متطرقاً للعديد من النواحي، كموقع القرية الجغرافي ، والآثار القديمة فيها ، وبيوت القرية وحاراتها القديمة، والطراز المعماري، وأدوات العمل في البيت والحقل، ويتحدث عن المصالح وأصحاب المهن المختلفة، خاصة القديمة منها، ثم يستعرض أسماء مواقع الأرض، والهُوَت والينابيع والعيون والمغاور والمعاصر والبرك، ثم يتطرّق الى الغطاء النباتي ، والحيوانات والطيور، ويذكر مصادر الرزق في فترات معينة خاصة الصليبية، كالمشاحر واستخراج الملح والحرير والبارود، ثم أنواع الزراعة كالتبغ والأشجار المثمرة والحبوب والبقوليات،  ولم ينس الكاتب ذِكر الحيوانات الأليفة ألتي ساعدت  وخدمت الفلاحين في الحرث (كالحمير والبغال والخيل والبقر)، والتنقل والنقل( كالحمير والخيل والبغال والجمال)، والمعيشة ( كالبقر والماعز)، والحراسة(كالكلاب).

يضيف الكاتب كيفية مراحل الاستصلاح، كالقشاش وقلع النباتات البرية، وبناء المدرجات الزراعية حتى تكون صالحة للزراعة، ويتطرق إلى برنامج عمل الفلاح على مدار السنة، وكيفية قضاء أوقات الفراغ بين المواسم ، وأصحاب المهن التي احتاجها الفلاح في حياته اليومية والعملية: من حلّاق وإسكافي ونجار وصانع جلال ومجبر عظام مكسورة وخالع اسنان وقابلات وحانوتي واستعراضات ترفيهية، ويتابع ليستعرض تقاليد المناسبات كالفرح والكره والخُطبة والزواج، ثم المأكولات والمشروبات الشعبية، ثم المقاييس والأوزان، ثم ألعاب الصغار والكبار أيام زمان، وأنواع الأغاني في الافراح والنواح  في المآتم ،ولا ينسى أن يستعرض أحوال القرية في فترات تاريخية معينة  في ظل الاحتلال، ومناسبات وأحداث مهمة تعرّض لها السكان أو عايشوها .

لم ينس الكاتب أن يستعرض العيون التي زوّدت السكان بالمياه، والخلافات والأحداث والصدامات بين سكان حرفيش والقرى المجاورة ،بسبب موقع حرفيش الاستراتيجي على الطريق بين بلادنا ولبنان وسوريا، ثم يُفرد فصلاً عن مقام سيدنا سبلان عليه السلام، والقصص حوله وعن سكان قرية سبلان ، ويأتي لاحقاً على ذكر الخرب حول القرية وكتلة جبال الجرمق ، ثم يُخصص فصلاً للأمثال الشعبية والمقولات والحكايات والمعتقدات، والحكواتي  وسرده للحكايات والاساطير .

ولا ينسى الكاتب أن يتطرق لتاريخ عائلته وأماكن تواجدها في البلاد والبلدان المجاورة،

وفي النهاية يؤرخ الكاتب شجرة أنساب لكلٍّ من العائلات في القرية، ويُسجل قصيدة للشاعر الأستاذ صالح فارس عن قريته حرفيش، مذيلاً الكتاب بالمصادر التي اعتمدها في تأليف وإعداد كتابه.

وأخيرا أبارك للعم أبي نعيم كتابه القيّم، تاركاً للقراء سبْرَ محتويات الكتاب ، فهو جديرٌ أن يكون مرجعاً لكل طالب معرفة، ولكل من يهمّه تاريخه وتراثه والحفاظ عليه خوفا من الضياع، ( اذ ان من لا يُقدّر تاريخه وتراثه ليس له حقٌ في الوجود). والله من وراء القصد

 

 

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .