توصية للسلطات القضائية بإجراء تحقيقات شفافة في الشكاوى الجزائية التي رفعت أمامها

 

 

من بسام قنطار ـ لبنان

بيروت، 8 سبتمبر/أيلول 2020 – قالت الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان، اليوم، طريقة تعاطي السلطات اللبنانية مع الاحتجاجات التي اندلعت يوم 8/أغسطس 2020 في بيروت والتي حصلت في ظل إعلان حالة الطوارئ، عكست مدى خطورة الاستخدام المفرط للقوة غير المبررة في قمع المتظاهرين الأمر الذي فاقم من عدد الجرحى والمصابين.

ونشرت الهيئة تقريراً يسلط الضوء على هذه الأحداث ويقدم قراءة وصفية لما حدث بالاستناد إلى توثيق ميداني قام به أعضاء الهيئة أثناء احتدام الاحتجاجات. جمعت الهيئة شهادات من الضحايا، ومن شهود العيان والأطباء، وحصلت على مقاطع فيديو مثبتة تُظهر قوات الأمن وهي تستخدم القوة بطريقة غير مسؤولة. يفند التقرير الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان التي ترتبت عن هذه الأحداث، ويقدم توصيات إلى السلطات اللبنانية والمحتجين ووكالات الأمم المتحدة والجهات المانحة.

وأشار التقرير إلى أن: “المحتجون  تعرّضوا لعنف مفرط وقمع غير مسبوق من قبل الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي وشرطة مجلس النوّاب وعناصر الجيش التي تتولى حراسة المجلس وأشخاص مسلحين بلباس مدني تعذر معرفة ما اذا كانوا عسكريين أو مدنيين. اختلف هذا العنف عن الذي استخدم سابقاً لقمع أعمال الشغب منذ 17 تشرين الأوّل 2019 لجهة عدد الإصابات ونوعيتها وخطورتها. فقد تم استخدام بنادق آلية التلقيم تطلق كريات معدنية، بالإضافة الى استخدام الرصاص المطاطي والإفراط في إلقاء قنابل الغاز المسيل للدموع. وفي الحصيلة الأولية، تعرّض أكثر من 730 متظاهراً للإصابة خلال هذه التظاهرة ونقل حوالي 200 شخص لتلقي العلاج في المستشفيات وفقاً لتقارير هيئات الإسعاف. واستقبلت المستشفيات عدداً كبيراً من الإصابات بالرصاص المطاطي والخردق وقاذفات القنابل المسيلة للدموع التي ألحقت أضراراً جسيمة ودائمة بالمتظاهرين، لا سيما أكثر من سبعة إصابات في العيون وإصابات في الرأس، والوجه، والعنق، والذراعين، والصدر، والظهر، والأرجل، والطحال. في المقابل تميزت الاحتجاجات بأعمال عنف واسعة بالمقارنة مع سابقاتها، لجهة إشعال النيران في الآليات والمباني والاعتداء على الأملاك العامة والخاصة، والدخول إلى مكاتب الوزارات والعبث بمستندانتها مع اعلان احتلالها.

ولفت التقرير إلى ان: “هذه المخالفات من أخطر الجرائم سواء تم ارتكابها من قبل أجهزة رسمية أو اشخاص مدنيين. وأبرزها ارتكاب جرم محاولة القتل المنصوص عليه في المادتين /548/ و /549/ عقوبات معطوفة على الفقرة الأولى من المادة /200/ عقوبات.  إرتكاب جرم الإيذاء القصدي المنصوص عنه في المواد /554/ و/555/ أو /556/ او /557/ معطوفة على المادة /559/ عقوبات. ارتكاب جرم التعدي على الحقوق المدنية للمتظاهرين سندا للمادة /329/ من قانون العقوبات. وهذا ما يوجب على السلطات القضائية ملاحقة مرتكبيها لردع تكرارها، بعد أن تقاعست منذ 17 تشرين الأول 2019 عن فتح أي تحقيق جدي حول العنف المستخدم بحق المتظاهرين وما تعرضوا له من تعذيب وسوء معاملة أثناء التوقيف. إن التحقيق الجدي في هذه الجرائم الخطيرة وصولاً الى محاسبة مرتكبيها، لا يهدف حصراً الى حماية المتظاهرين وتعويض الضحايا، بل الى حماية المجتمع اللبناني ككل. وفي حال تبين أن المرتكبين هم عناصر منضوية في مؤسسات عسكرية وأمنية على تعددها، تأتمر بأوامر السلطة التنفيذية أو التشريعية، فإن ذلك يعتبر مخالفة للقواعد والمبادئ العامة لاستخدام القوة، ومخالفة للأنظمة العسكرية وفعلا منافيا للوظيفة وإساءة استعمال السلطة.

وأضاف التقرير: “إن وقوع مدينة بيروت تحت حالة الطوارئ خلال فترة ارتكاب هذه الانتهاكات يجعل من السلطة العسكرية العليا المسؤول الأول كونها بالاستناد الى المادة 3 من المرسوم الاشتراعي رقم 52/1968 تتولى صلاحية المحافظة على الأمن وتوضع تحت أمرتها جميع القوى المسلحة بما فيها قوى الأمن الداخلي والأمن العام والجمارك ورجال القوى المسلحة في الموانئ والمطار وفي وحدات الحراسة المسلحة ومفارزها بما فيها رجال الإطفاء. وبموجب مدونتي سلوك قوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني، وبموجب المبادئ التوجيهية الدولية، التي تبقى سارية في حالة الطوارئ، يمنع استخدام الرصاص المطاطي إلا كأداة تهدف إلى ضبط الأشخاص الذين يمارسون العنف، كما لا يجوز بتاتاً إطلاقه بلا تمييز على الحشود. وبالإضافة إلى ذلك، لا يجوز تصويبه بتاتاً إلا على الجزء الأسفل من الجسد بغية التقليل من الإصابات إلى أدنى حد. وكذلك بالنسبة لعبوات الغاز المسيل للدموع التي تطلق من القاذفات أن تسبب أذى خطيراً. ولا يجوز قطعاً استخدام هذه العبوات بإطلاقها من مسافات قريبة بطريقة مباشرة وسفودية لا تراعي قواعد رميها بزاوية لا تقل عن 45 درجة”.

وسندا للمادة 16 من القانون رقم 62\2016 تقدمت الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان بالتوصيات التالية:

إلى السلطات اللبنانية

دعوة المدعي العام التمييزي بفتح تحقيق فوري ودون إبطاء في أحداث 8 أغسطس/آب، بالاستناد إلى الطلب الذي تقدمت به وزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال بهذا الخصوص.

التزام الضباط والأفراد المسؤولين عن إنفاذ القانون بالامتثال للقواعد والمعايير الدولية بشأن استخدام القوة، ولا سيما مبادئ الشرعية والضرورة والتناسب، وبضرورة حماية الصحفيين والأطباء والمسعفين والمتظاهرين السلميين.

إجراء السلطات القضائية تحقيقات شفافة في الشكاوى الجزائية التي رفعت أمامها جراء احتجاجات يومي 8 و 9 آب/أغسطس 2020.

دعوة النيابة العامة التمييزية إلى عدم إخضاع الموقوفين في الاحتجاجات لفحص المخدرات، والإلتزام بتطبيق قانون حقوق المرضى والموافقة المستنيرة، واحترام حقهم في الخصوصية والصحة.

بإحالة جميع شكاوى التعذيب إلى المحاكم الجزائية المدنية بموجب قانون تجريم التعذيب رقم 65/2017، وعدم إحالة هذه الشكاوى إلى القضاء العسكري.

إلى المحتجين

الامتناع عن ارتكاب أعمال عنف، واحترام الممتلكات. مع التأكيد إن الحق في حرية الرأي والتعبير  كما الحق في التجمع السلمي والمشاركة هي دعائم أساسية لمجتمع ديمقراطي. ومع ذلك، يجب على المتظاهرين ممارسة هذا الحق  بسلمية والتجمع دون اللجوء إلى العنف.

إلى الأمم المتحدة والجهات المانحة

بدعوة الجهات الدولية المانحة لقوى الأمن اللبنانية إلى التحقيق في ما إذا كان دعمها يصل إلى وحدات تمارس انتهاكات حقوق الإنسان.

بدعوة المقررين المستقلين أصحاب الولاية ضمن الإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة إلى زيارة لبنان وإعداد تقارير حول مختلف الانتهاكات المرتكبة منذ 17 تشرين الأول 2019 إلى اليوم.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .