تعرّفوا على الفنانة “رشا نحّاس – أصنع فنًّا كي أكون حرّة”

منقول عن موقع عرب48

“لا أواجه بكلماتي الاحتلال كوني فلسطينيّة فقط، بل كوني رشا أيضًا، الفتاة والفلسطينيّة الّتي تعيش في هذا المكان. رغم تميّز واقعي، لكنّني مضطّهدة، والمكان الّذي أحكي منه محدّد ومعقّد في نفس الوقت.”

20160731155429

كانت الموسيقى حاضرة دائمًا في حياتها. بدأت تمارسها مع آلة الأورغ، في معهد موسيقيّ بمدينة حيفا، ومن ثمّ تركت الآلة في مرحلة ما، لأنّها كانت ترى نفسها دومًا عازفة على آلة الجيتار. كانت تشاهد عروضًا موسيقيّة لفريق “بينك فلويد“، وتتأمّل حركة المغنّي مع الكلمات والجيتار، فقرّرت أن تتعلّم على الآلة. درست العزف علىالجيتار الكلاسيكيّ مدّة 8 سنوات، وخلالها، كانت تقيم بعض العروض الموسيقيّة في مقاهي حيفا، تغنّي أغاني معروفة لموسيقيّين وفرق من العالم، بالتّزامن مع كتابتها كلمات للأغاني.

لا ترى رشا نحّاس (1996) نفسها مغنّية، كانت دائمًا تعتبر نفسها كاتبة، وبعيدًا عن الأنانيّة، لا تشعر بأنّ أحدًا غيرها يستطيع أن يمرّر فكرة النّصوص الّتي تكتبها كما تستطيع هي، بأسلوبها وإحساسها. ترى أنّ ممارستها للغناء توصل بين الكلمات الّتي تكتبها وبين اللّحن الّذي تؤلّفه. “وجدت لغة معيّنة في الغناء، لفظيّة جدًّا، ومتأثّرة كثيرًا، من النّاحية الموسيقيّة، بالموسيقى الكلاسيكيّة والإلكترونيّة. من الموسيقى الكلاسيكيّة متأثّرة تقنيًّا، بالإضافة إلى موسيقى الفولك الأمريكيّة والجاز، وكذلك المقامات الشّرقيّة،” تقول رشا نحّاس في حديث خاص لمجلّة فُسْحَة.

رحلة

التقيت برشا نحّاس في مقهى “إليكا” بمدينة حيفا، بعد أيّام قليلة من إطلاقها ألبومها الأوّل في “كباريت“، بعنوان “Am I?“،  والّذي كتبت كلمات أغانيه وألحانها، وقد جاء الإطلاق بعد جولة في مدن عديدة حول العالم. بدأت الرّحلة حين تعرّفت على منتج الألبوم، مارك سموليان؛ عملا على تسجيل أغنية واحدة ومن ثمّ بدأت علاقة الإنتاج، وكان التّواصل بداية عبر السّكايب، إلى أن قرّرت رشا أن تسافر إلى إنجلترا كي تلتقي به.

في إنجلترا، سجّلا أغنيات وأقاما عرضين موسيقيّين. ثمّ ذهبت إلى أمستردام، وهناك كانت تقرأ كتابًا لمغنّية تحبّها، حيث تتحدّث عن زيارتها لقبر جيم موريسون بباريس. في اليوم التّالي، حجزت تذكرة قطار إلى باريس، وفي باريس أحضرت سمّاعات وعزفت على أرصفة الشّوارع وفي مقاهي صغيرة، وهكذا موّلت سفرها. حضرت عروضًا موسيقيّة وأمسيات شعريّة عديدة. من ثمّ عادت إلى حيفا، وفي اللّيلة الّتي تركت باريس فيها، وصلتها رسالة من مديرة أعمالها تخبرها بأنّها حصلت على إقامة فنّيّة في سياتيل بأمريكا. كانت الإقامة مخصّصة لشاعرات وكاتبات كلمات أغانٍ أيضًا، كانت أصغرهنّ، ولم يكن هناك إنترنت ولا تواصل، فاستغلّت الفترة لقضاء الوقت مع نفسها، تكتب وتلحّن الأغاني. ذهبت بعد ذلك إلى نيويورك، أقامت بعض العروض، ومنها إلى لوس أنجلوس وسان فرانسيسكو وواشنطون وغيرها. من ثمّ عادت إلى فلسطين. عملت مع مصمّمي رقص ولحنّت نصوصًا لكلمات آخرين، واحتفلت بعيد ميلادها العشرين، وأكملت العمل على الألبوم.

“Am I?”

يضمّ ألبوم “Am I?” أربع أغانٍ، جميعها باللّغة الإنجليزيّة، رغم أنّ لرشا نحّاس أغنية واحدة بالعربيّة تحمل الاسم “مين بنت صغيرة؟” حين سألتها عن سبب الكتابة بالإنجليزيّة، قالت: “هذا سؤال متكرّر جدًّا، وكأنّك تسألين رسّامًا، لماذا ترسم بقلم رصاص وليس بألوان الزّيت؟ أو لماذا يعزف موسيقيّ على الجيتار وليس على البيانو؟ تخرج الكلمات، تكون شعورًا أوّلًا، من المهمّ لي أن يفهم الجميع ما أقوله، والإنجليزيّة لغة يفهمها الجميع. ثمّة حدود كثيرة في العالم، لا سيّما لنا نحن الّذين نعيش تحت الاحتلال، وعلى قدر ما هو صعب أن تكسري الحواجز لتصلي إلى النّاس، فإنّني في الوقت نفسه أريد أن أكسر هذه الحدود، وأن يفهم الجميع ما أقوله.” تقول رشا نحّاس.rasha nahhas a

تحتوي الأغاني روحًا ذاتيّة مرتبطة بالعامّ، من ناحية الكلمات، “مع أنّني أكتب بالإنجليزيّة، لكنّ الكلمات تحكي عن تجربتي، تجربة رشا، الفتاة ابنة الـ 20 عامًا، الّتي تكبر وتمرّ بتجارب وتسافر، وكذلك رشا الفلسطينيّة الّتي تواجه كلّ هذا الواقع،” تقول رشا نحّاس في حديث عن كلمات أغانيها، وتضيف: ” كوني فلسطينيّة، هذا جزء كبير من كياني، لكنّني رشا قبل كلّ شيء، ومن الصّعب أن أقدّم العَلَم على الفنّ. أتخيّل أنّ العَلَم يستطيع أن يحمل أنواع فنّ كثيرة، لكنّني أصنع فنًّا كي أكون حرّة، ولا أريد أن أضع نفسي داخل أطر تُفْرَضُ علينا بشكل طبيعيّ في الواقع الّذي نعيشه. الفنّ عبارة عن مقاومة وتعبير عن الرّأي، لكن من جهة ثانية، من المهمّ أن يكون الفنّ مستقلًّا وحرًّا.”

أسئلة

تتميّز كلمات أغاني رشا نحّاس بأنّها سياسيّة غير مباشرة، إذ أنّ تجربتها الشّخصيّة وما تعيشه هو ما يُروى، لكن بسياق سياسيّ عامّ. عن هذا تقول: “لا أواجه بكلماتي الاحتلال كوني فلسطينيّة فقط، بل كوني رشا أيضًا، الفتاة والفلسطينيّة الّتي تعيش في هذا المكان. رغم تميّز واقعي، لكنّني مضطّهدة، والمكان الّذي أحكي منه محدّد ومعقّد في نفس الوقت. على قدر ما تكون الكلمات سياسيّة، فهي شخصيّة أيضًا، ثمّة أغاني حبّ. أعتقد أنّني أتحدّث عن السّياسية من مكاني الشّخصيّ، عن أصدقائي اليهود الّذين تصلهم أوامر الخدمة العسكريّة، ويرفضونها، أين يترجم هذا في علاقتنا؟ عن صديقتي من رام الله الّتي لم تستطع الوصول لإطلاق الألبوم لأنّها تحتاج إلى تصريح دخول. وكذلك عن حيفا، عن كلّ هذه الأسئلة الّتي أعيشها هنا وفي كلّ مكان. الواقع الّذي نعيشه صعب جدًّا، من الصّعب أن يتلّخص بموقف ما، حيث لا أقصد أن أقوله، أريد فقط أن أحكي عن شعوري في هذا الواقع، وأريد أن أطرح أسئلة أكثر من أن أجيب عليها. ثمّة أغانٍ عن صراع الإنسان مع المكان، عن العلاقة مع البحر والأرض، الأرض بأبسط معانيها. لكن عمليًّا، أريد أن تسمع النّاس الأغاني وتخرج بأسئلة وليس استنتاجات.”

موسيقاي تتغيّر معي

تتميّز الموسيقى الّتي تلحّنها رشا نحّاس بحضور عوالم وأنواع موسيقيّة متنوّعة، رغم أنّ اللّون الموسيقيّ الطّاغي في ألبومها الأوّل هو موسيقى الرّوك. عن هذا تقول رشا: “اللّون الموسيقيّ الذي كان في الألبوم الأوّل، هو الشّيء الّذي خرج من الإنسانة الّتي كتبت كلمات هذه الأغاني قبل عام أو عامين في غرفة ما، وأعتقد أنّ بعد كلّ تجربة وسفر وتواصل مع العالم، تصبح إنسانًا آخر، وتضيف على تجربتك تفاصيل كثيرة.”

وتضيف: “لا أعتقد أنّ الألبوم القادم سيكون مثل الأوّل. الفنّ، بالإضافة إلى العروض والألبومات، هو كذلك التّجربة والبحث والمواجهة. لم أقصد أن يكون اللّون الموسيقيّ للألبوم الأوّل بهذا الشّكل، وكلّما مرّ الوقت وازدادت التّجارب، وكلّما سمعتُ المزيد من الموسيقى والتقيتُ بأشخاص جدد، سأتغيّر. الإنسان الّذي كنتُهُ حين كتبتُ الكلمات ولحّنتها وغنّيتها وعزفتها، لن أكونه مرّة أخرى.”

وتضيف: “أنا متحمّسة جدًّا للألبوم القادم، ومتحمّسة أكثر للمسار الّذي سأمرّ به، الكتابة والتّلحين واللّقاءات والموسيقيّون الّذين سأعزف معهم والآلات.. أعتقد أنّ اللّون الموسيقيّ نتيجة من أنت، وأنت تتغيّرين كلّ لحظة.”

نحتاج نقدًا

في حديثنا عن المشهد الموسيقيّ الفلسطينيّ، تعتبر رشا نحّاس أنّ المشهد جميل جدًّا، وتضيف: “ومن الفخر أن أكون جزءًا منه، وأن أرى النّاس تكسر الحدود وتطرح أسئلة وتنتج فنًّا وتكون حرّة. هذه الأسئلة الّتي تتولّد من الواقع الّذي نعيشه، أسئلة حول مواضيع عديدة ومنها تساؤلات جنسيّة. ثمّة حالة تحرّر تحصل في هذا المكان، وتعطي أملًا وضوءًا كبيرين وتعطي قوّة أيضًا.”

لكن في الوقت نفسه، ترى رشا نحّاس أنّ المشهد الفنّيّ ينقصه النّقد. وتقول: “لا من فنّ متكامل، لا من فنّ سيُعجب به الجميع، لكن من المهمّ لي شخصيًّا، ومن المهمّ للمشهد العظيم الّذي يحدث هنا، ومع كلّ التّقدير له، أن تكون حركة نقديّة، لأنّ النّقد جزء لا يتجزّأ من المشهد نفسه، وهو ضروريّ لتطوّر هذا المشهد.”

تحدٍّ

في المستقبل القريب، تهدف رشا نحّاس إلى مواصلة الكتابة، معتبرة أنّ ألبومها الأوّل ليس إنجازًا، إنّما نقطة بداية. ترى أنّ الشّيء الأهمّ من التّخطيط هو التّعمّق أكثر فيما تفعله، وأن تصل إلى أماكن ذاتيّة فيها تحدٍّ، “وأن أتحدّى نفسي بالفنّ”، تقول.

rasha nahhas b

وتضيف: “من المهمّ لي أن أنظّم جولات عروض موسيقيّة في البلاد وخارجها، أغاني من الألبوم ومن خارجه، الألبوم الأوّل نموذج لألبوم أكبر. أريده أن يصل إلى النّاس، ليس من دوافع أنانيّة، بل من فكرة… تعالوا اسمعوا إشي لذيذ… عندي رسالة، لكنّني أعتقد أنّ هدفي الأكبر أن أُحْضِرَ فنًّا، أن أُحْضِرَ نفسي. العالم الذي نعيش فيه مليء بالانشغالات، النّاس مشغولة بأن تحضر طعامًا إلى البيت… العالم مظلم جدًّا، وأريد فقط القليل من الموسيقى، من الحرّيّة.”

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .