بيت جن الزابود 1987 ملحمة جماعيّة الفصل الرابع – الخلفية المباشرة – 3

بيت-جن-1024x768

الفصل الرابع – الخلفية المباشرة – 3

الطلاب في المدارس كانوا من أكثر من عانى من الوضع المتردّي للقرية بشكل عام نتيجة لسياسة السلطة والتي استعملت دائرة حماية الطبيعة علاقة لكل موبقاتها، وهذه قبلت الدور طبعا برحابة صدر وراحة تلعب دور رأس الحبة المغموس سمّا ضدّ كل شيء في بيت جن.

القرية بدون بناية مدرسة ثانويّة والطلاب يدرسون في طوابق أرضيّة لدور بجانب حظائر الماعز (كانت النكتة الحارقة حديث الناس كيف يتلم الشباب والصبايا أيام الصليب “هدادة الفحول”)، عشرات الغرف العتيقة المستأجرة ومنها ما كان سابقا مخازن وحتى زرائب للدواب، واستعملت الملاجئ حيث وجدت في المدارس كغرف تدريس، طلاب البساتين في المدرسة ب يتعلمون في غرف عتيقة مستأجرة بدون حتى منافع (دار المرحوم سليمان عزة، فكان الطفل الذي يحتاج قضاء حاجته بحاجة لنقله إلى منافع المدرسة ب وياما حصل مع المعلمات أن قضى الطفل حاجته في الطريق).

حين زار رئيس المنظمة القطريّة لأولياء الأمور موشي مزراحي وجاي رؤوفين سكرتير المنظمة، بناء على دعوة لجان الآباء القرية متضامنا يوم 87\06\07 كتبا في دفتر التشريفات: “إلى مواطني بيت جن لأعضاء المجلس ورجالات التربية إننا نرى اليوم 7 حزيران 87 إحدى “المخازي – החרפות” الكبيرة التي لا نستطيع نحن كمواطنين أن نمرّ عليها مرّ الكرام (לעבור עליה לסדר היום). من شأننا نحن كمنظمة أولياء الأمور القطريّة كان أن نفحص ما يقف وراء الرسائل التي أرسلت لنا ولأسفنا الكبير فقد كانت الرسائل ورديّة نسبة لما رأت أعيننا. إننا أمل أن تستطيع القيادة حل مشاكل التربية في القرية على وجه السرعة وتمحو هذا الخزي للأبد” (1)

في انتخابات لجان اولياء الامور في مدارس بيت جن الثانوية والاعدادية والابتدائيتين سنة 1985، انتخب كادر شاب متحمس وضع نصب اعينه تغيير الوضع مهما كلف الامر، وتشكلت لجنة محلية (مركزيّة) يوم 28/10/85 تضم كل اللجان المدرسيّة لأول مرة في تاريخ القرية، من السادة رؤساء ونواب رؤساء اللجان المدرسية:

كمال صالح خطيب وحمد صلالحة وهاني قيس وكمال حمود خطيب ونايف خلد وصلاح صلالحة وسعيد نفاع. انتخب الاخير رئيسا لها بالتزكية(2).

عملت اللجنة بأسرع الوتائر لدمج لجان الاباء المحلية في المنظمة  القطرية للجان الآباء حتى تكون هذه سندا لها في مشوارها، وبالفعل كان السادة: هاني قيس، حمد صلالحة وسعيد نفاع ونايف خلد أعضاء في مؤتمرها الأول بعد الانتخابات، ومن ثم انتخب للمجلس القطري ولعضوية لجنة المراقبة القطرية (اللجنة مكونة من خمسة اعضاء اثنان للوسط العلماني الرسمي واثنان للوسط المتدين الرسمي وواحد للوسط العربي) كممثل عن الوسط العربي بشكل عام رئيس اللجنة المحلية سعيد نفاع.

على المستوى المحلي وضعت اللجان نصب اعينها التعاون الكامل مع ادارة المجلس وادارات المدارس لإنقاذ الطلاب من الوضع المتردي. فخلال الأيام التي سبق ذكرها في الفصول السابقة والتي كانت حبلى بالتطورات، تابعت لجان الآباء الأمر في المجلس ومع المجلس عن كثب، ولكن الأهم أن هذه الهيئة الشعبيّة  بأعضاء اللجان ال-46 أطلقت حملة تبرّعات لبناء منافع لطلاب البساتين وبناء طابق ثالث في المدرسة ب بديلا لغرف الملجأ (الطابق الثالث في بناء المجلس اليوم س. ن.)، وفعلا تجاوب الأهالي مع اللجنة بشكل منقطع النظير وخلال فترة قصيرة تمّ بناء المنافع والغرفتين وكلّ ذلك تبرعا من المواطنين، الذين مدّوا يد العون بسخاء.

لم تمض أشهر على انتخاب اللجان الجديدة، حتى ثارت القضيّة مع سلطة حماية الطبيعة من جديد، وهذه المرّة أضافت على موبقاتها موبقة جديدة بمعارضتها على مشروع آخر بعد الخارطة الهيكليّة والمدارس، هو مشروع المجاري. فدعا الرئيس إلى جلسة عادية للمجلس يوم 1986\06\03 وعلى جدول أعمالها:

“البند 4 معارضة دائرة حماية الطبيعة على برك والخط الرئيسي للمجاري. وفي حيثياتها شرح الموقف مقترحا الاستمرار في العمل وتفريغ مياه المجاري في الوديان في حالة استمرار الدائرة بموقفها.

شارك في النقاش عضوا المجلس جمال صالح وقاسم نفاع، فتحفظ جمال من اقتراح الرئيس متخوفا أن مثل هذه الحطوة قد تعرقل استلام مساعدات من الحكومة واتخاذ اجراءات قانونية من قبل السلطة ضد المجلس وطلب أن يستعمل المجلس صلاحيته إذا أمكن لمنع دائرة حماية الطبيعة من دخول القرية.

أما العضو قاسم نفاع فوافق على اقتراح الرئيس وأضاف على المجلس أن يعلن إلى عموم السكان معارضة دائرة حماية الطبيعة والاستمرار في العمل دون ميزانيات وأن يعلن المجلس عن إضراب ومظاهرة في الكنيست وعقد مؤتمر صحفي تلفزيوني وفي حالة عدم جدوى هذه الخطوات اتخاذ خطوات جريئة أكثر.

ردّ رئيس المجلس على النقاش مفندا تحفظات العضو جمال صالح  واضاف: … من حق المجلس أن يعمل للمصلحة العامة مع تحمل جميع المسؤوليات، ورئيس المجلس أول من يتحمل المسؤولية وإني مستعد لتحمل كل مسؤولية، ولكن في حالة عدم الاستجابة لمتطلبات القرية على المجلس أن يعمل لما تتطلبه مصلحة القرية، واقتراح العضو قاسم نفاع للإضراب واتخاذ خطوات شاذة فإن هذا قد يحصل عندما نجد أنه لا جدوى ولا نفع من جميع الطرق والمعالجة بالطرق المتبعة.” (3)

إن هذه الجلسة والتي سبقتها كانتا، ما من شك، نقطة بداية هامة جدا في تاريخ القرية من النواحي التالية:

إولا: إنها وضعت الأمور في نصابها الصحيح… فسادت القناعة عند رئيس وغالبية أعضاء المجلس المحلّي بأن الحقوق تحصّل مع هذه النوعية من السلطة بالنضال، فلأول مرة تُطرح إمكانية اتخاذ إجراءات نضالية كالإضراب والمواجهة المباشرة على المستوى الرسمي، المجلس المحلي، فعلى المستوى الشعبي كانت هذه مطروحة واستعملت كما أسلفت، رغم أنه أعطيت للسلطة فرصة أخرى لعلّ وعسى !

ثانيا: بوادر الوحدة … فالقرارات اتخذت بالإجماع ووجدت التطابق الكليّ بين وجهة نظر الائتلاف التي مثلها نقاش الرئيس ووجهة نظر المعارضة التي مثلها نقاش العضو قاسم نفاع، فإن كانت مطالبات العضو السابق جمال قبلان المتتالية لطرح الموضوع على جدول الإعمال لاقت الرفض من الرئيس فتحقق ذلك لكن بغيابه لأنه كان قد استقال قبل ذلك.

في هذه الجلسة كان أيضا مؤشر لموت الصراعات والخلافات الجانبية أو على الأقل خلت الساحة للمصلحة العامة والقضية المشتركة. وإن كانت استمرت بعض مظاهر الصراعات بين المعارضة المتمثلة بقاسم نفاع ونايف خطيب الذي خلف جمال قبلان، وجميل قزامل الذي خلف فريد دبور، وجميل فارس الذي خلف رفيق حمزة، وبين الرئيس وائتلافه الذي تغيّر منه فقط كنج نجم وخلفه فايز غانم. يظهر هذا في الرسالة التي كان وجهها أعضاء المعارضة أعلاه يوم 1987\03\ 24 بالإضافة للعضو فايز غانم وسعيد خير الذي كان خلف علي طافش. يطلبون فيها إدراج جملة من المواضيع الخلافية على جدول الأعمال.

في هذه الفترة كانت جلسات المحاكم في قضية “القبع” و- “الغدير” تتوالى، يتابعها الكاتب كمحام المواطنين وبناء على التوكيل الذي كان أخذه كذلك من المجلس المحلي في قراره آنف الذكر، وكان الأمر يتم بالتنسيق التام مع رئيس الجلس المحلّي وأعضائه، وبدأ يسود بيننا جو من الثقة رغم الخلاف في وجهات النظر السياسيّة داخليّا وخارجيّا.

إن قناعات الرئيس بدأت تتغيّر وكان هذا يبدو جليّا خصوصا في الأسلوب الواجب اتخاذه لمواجهة القضيّة، فبدأ يرى أن لا نفع ولا جدوى من المعالجة بالطرق المتبعة، والنفع والجدوى سيكونان باتخاذ الخطوات “الشاذّة” حسب تعبيره في جلسة المجلس من يوم 1986\06\03، فقد مضى على انتخابه سنوات وقد قاربت سنة 1986 سنته الثالثة على الانتهاء

دون أن يستطيع المجلس المحلي القيام بأي مشروع يُذكر، وبالكاد يدفع أجرة موظفيه وفي الكثير من الأشهر لم يدفعها، ورغم الجهود التي بذلها بالطرق المتبعة ولا شك كانت كبيرة. كان قد صدر يوم 1986\06\15 القرار الأولي في قضية “القبع” وكسبناها، فأثار هذا عندنا بارقة أمل، إلا أن سلطة حماية الطبيعة لم تستسلم للأمر واستأنفت للمحكمة المركزيّة، مما أشار أن معركتها معنا حتى النهاية.

ما ميّز رئيس المجلس السيّد شفيق أسعد (وأنا لا أكتب هنا بيوغرافية شخصيّة وإنما أسوق الأمر لما كان له حسب رأيي من تأثير على تطور الأحداث لاحقا)، ما ميزه هو انتماؤه السياسي اليمينيّ، وصلابته، وانفراديته، وقلة الثقة بمن حوله، وحفظ القرارات التي يراها مصيريّة لنفسه إلا على ما ندر.

في هذه الأشهر (الأخيرة من العام 86 الأولى من العام 87) بدا وكأنه يصارع مخاضا صعبا، فإضافة لما جاء أعلاه، كان أمامه أمران لا ثالث لهما، إمّا أن يسلم بالأمر الواقع ويتابع جهوده بالطرق “المتبعة”، ولكن ما ينتظره بالزاوية عامل الزمن ونجاح قيادته للمجلس المحلّي المركز الذي أحبه على ما يبدو، خصوصا ولم تكن هذه دورته الأولى وبعد أن كان عضو كنيست من قبل الحركة الديموقراطيّة للتغيير اليمينيّة التي ما أن ولدت حتى اندثرت.

أثبتت الأيام التي تلت أنه اختار الطريق الأول ووصل إلى قناعة كليّة أن لا بدّ من الخروج للمواجهة رغم حساسيّة الأمر، من الناحية الشخصيّة بسبب قناعاته السياسيّة وحتى العائليّة داخليّا وخارجيّا، ومن الناحية العامة وما همه هنا بالذات هو ردّ الفعل المحتمل في أوساط الطائفة الدرزيّة بسبب العلاقة الخاصة لزعامتها التقليديّة مع السلطات.

لم يشارك رئيس المجلس هواجسه أحدا على الأقل من أعضاء المجلس، حسب علمي، وفي أوائل 1987 اتصل بي تلفونيّا وطرح علي فكرة إغلاق القرية أمام المتنزهين خلال موسم الربيع القريب، طالبا إلي فحص الأمر وأبعاده من الناحية القانونيّة، فتطابقت وجهات نظرنا واتفقنا أن يبقى الأمر سرّا، من ناحيتي لم أبح به لأحد ولا أعرف إن كان من ناحيته أعلم أحدا، ولكن وحسب علمي واعتقادي لم يفعل.

دعاني للمشاركة في جلسة المجلس المحلّي العادية 1987\03\10 كي أشرح للأعضاء تطورات القضيّة بشكل عام وقضيّة “القبع” بشكل خاص التي كانت في مرحلة الاستئناف من وجهة النظر القانونيّة، وشرحت بإسهاب مختتما كلامي بأن القرية أمانة في أعناقكم، والقضية حساسة ويجب اتخاذ خطوات أكثر فاعلية لإنقاذ ما تبقى من أرض، طبعا لا هو تطرق للفكرة التصعيديّة المتفق عليها، ولا أنا تطرقت لها، رغم أن التنفيذ بات على الأبواب. تبيّن لاحقا أن ما توخاه كان صحيحا ولم يُدرج هذا بمحضر الجلسة كما تبيّن لاحقا. (4)

يبدو أن الرئيس أراد من حضوري الجلسة وشرح الموضوع أن يضمن الدعم الكامل من المجلس لما كان قد أزمع، فمن الناحية السياسيّة الداخليّة كنت مع المعارضة ووجهات نظري أقرب لها، وقد توخى أن طرحي للأمور المتوافق مع طرحه يلقى القناعة عند أعضاء المعارضة وتزول شكوكهم وقلة ثقتهم فيه، خصوصا وأنه كان فقد الأكثرية باستقالة علي طافش ودخول سعيد خير مكانه وانضمام فايز غانم للمعارضة.

وقد كان أعضاء المعارضة في هذه الفترة فعّلوا عليه ضغطا كبيرا في كل القضايا وبالذات قضية حماية الطبيعة، برسائل من يوم 1987\03\12 ومن يوم 1987\03\24 موقعة من قبل 6 أعضاء، وقد أرسلت من الأولى نسخة لمتصرف اللواء الشمالي.

بعد الجلسة أعلاه بثلاثة أيام 1987\03\13 عقدت في المجلس المحلّي جلسة عمل نظمها مكتب الوزير موشي آرنس، وزير الدفاع حينها، شارك فيها ممثل الوزير الشخصي سلاي مريدور، ومتصرف لواء الشمال، ونائب مدير عام دائرة أراضي إسرائيل، ومدير عام سلطة حماية الطبيعة أوري بيدتس، وممثلين عن جمعية حماية الطبيعة. وقد سجلّ ممثل الوزير بروتوكول الجلسة التي طرحت فيها كل النقاط ولكن لم تُحل أية قضيّة حلا عينيا وكل القضايا التي أثيرت، كالعادة في مثل هذه الجلسات كلام معسول ولكن التنفيذ والحلول بأفعال مستقبليّة أفعال ال-سوف !!! (5)

يبدو أنه وحسب ما أثبتت التطورات أن رئيس المجلس كان معولا الكثير على هذه الجلسة مترقبا، وربما نظرا لعلاقته بالوزير آرنس، أن تتم له الأمور لكن “لم يُقطع شريان ولا يُسيّل دم”، وكانت هذه آخر حلقة إن لم ينتج عنها الحل، فليس أمامه إلا الخروج إلى الطريق النضاليّ.

هوامش….

  • دفتر التشريفات \ التضامن.
  • بروتوكول اللجنة المحليّة لأولياء الأمور 1985\10\28
  • بروتوكول المجلس الدورة السادسة، جلسة 22\1986
  • برتوكول جلسة رقم 31\1987.
  • تلخيص تسجيل سلاي مريدور ممثل الوزير من 1987\03\19

….. \يتبع

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .