بيت جن الزابود 1987 ملحمة جماعيّة الفصل العاشر – مظاهرة القدس – 3.

 

 

لم تكلّ الجماهير عن الهتاف وكانت مترقبّة لكل كلمة دليل إصرارها وإيمانها بما تفعل، فبعد أن انتهى رؤساء الوفود المتضامنة من تحياتهم، كانت الكلمات وحسب التخطيط لأعضاء هيئة الإضراب، كاتب هذه السطور وجمال قبلان ويوسف مراد على التوالي.

فممّا جاء في كلمة الكاتب:

“لا نطلب ثمن صداقة غير موجودة ولا نطلب منّة نطلب حقنا كمواطنين لنا حقوقنا… سأبين الناحية القانونيّة للقضية بعد أن سُردت الناحية الواقعيّة… فنحن لسنا مخالفي قانون ولسنا متلفين لقيم طبيعيّة كما تظهرنا وسائل الإعلام… فسلطة حماية الطبيعة ما هي إلا رأس الحربة والحربة موجودة هنا في القدس… فمنفذو السياسة اهتموا بالسحالي والزواحف وأهملوا الإنسان … ووضعونا رهائن في أيدي موظفين عنصريين فقدوا الحد الأدنى من الإنسانيّة… فالأفعى التي تبني بيتها تمارس حياة طبيعيّة ويجب مراعاتها أما الإنسان الذي يبني بيته فيتلف الطبيعة… إذا كان لدائرة حماية الطبيعة لوبي في الكنيست فنحن لنا لوبي في هذه الجماهير وكل القوى الديموقراطيّة في البلاد… اللوبي هو نحن الذين غرسنا جذورنا عميقا ولن تستطيع قوة في العالم قلعها.”

أمّا جمال قبلان فقال:

“لا أريد أن أتكلم عن حلف دم فهم أحوج منا له، فليتذكروا أنهم يعيشون في محيط عربيّ… ما أود الحديث عنه هو ما يمكن أن يجول في خاطر شاب درزيّ عاش في صغره فقيرا علموه بغرف شبيهة بغرف التدريس… تعلم عن اليهوديّة والصهيونيّة وماذا علّموا اليهودي عنه… فكّر أن اليهود سيجيئون ليصلّحوا وضع قريته… في الجيش العلم علمه والدولة دولته ويقدّم الشهداء وماذا وجد؟!” واختتم: “سنعيش حسب إرادتنا ونناضل من أجل أرضنا أرض أجدادنا.”

أمّا يوسف مراد الضابط المسرّح فقال: “المخلص لم يلق جزاء إخلاصه، والتقدّمي متطرف… هذا نتيجة سياسة التمييز العنصري المضاد لوثيقة الاستقلال… بحق الخدمة العسكريّة وبحق الإخلاص… نطالب بالمساواة … لن نسمح لأولادنا المتربين على الإخلاص للدولة وخدمة العلم أن يتهمونا في المستقبل …كيف يحق للقادم الجديد الذي يعرق في بناء مدماك واحد أن يأخذ أضعاف المشارك في بناء كل المداميك في الدولة؟”

استمرّت المظاهرة بزخمها أكثر كثيرا من الوقت المخصص، والجمهور يستمع مشحونا عزيمة وهمّة زاده عزيمة المتضامنون وقد فاق تواجدهم كلّ تصوّر.

الأمر الغريب ذلك الاستهتار من قبل مكاتب الحكومة، ولم يكلّف نفسه أي مسؤول له علاقة بالقضيّة عناء السؤال غير الوزير وايزمان والذي جاء بصفة شخصيّة. كان لهذا الأمر الوقع المؤلم على الأهل ولكن المحفزّ للهمم، فياما اصطفت الصفوف من هذه الشيوخ لاستقبال هذا الوزير أو ذاك، هذا المسؤول أو ذاك عندما كانوا يزورون القرية، ولعلّ هذا الأمر بالنسبة للمتقدمين في السن كان صدمة ما توقعوها وللصغار درسا لن ينسوه.

ما ميّز الكلمات التي ألقيت في المظاهرة بعض الأمور، فالقليل القليل منها وضع النقاط على الحروف، فالمتضامنون اليهود كانوا أصرح من غالبيّة المتكلّمين من رؤساء المجالس الدرزيّة وغيرهم بل أشجع، أما الرؤساء العرب فقد طرحوا المواقف المعهودة.

كانت كلمات الغالبيّة من الدروز، رؤساء مجالس وأعضاء كنيست وأبناء القرية مليئة بالمعاتبة واللوم بالتعليل بخيبة الأمل وحتى بعضها بالرجاء، كل هذا يدل على أن الأمور عندهم لم تُحدّد بعد ولم يقولوا كلمتهم الأخيرة، حاسبين أن مثل هذا الكلام يُجدي أو لا يريدون قطع الحبال خوفا أو مصلحة.

ولكن ممّا لا شكّ فيه أن المظاهرة كانت جبّارة، على الأقل فإن الجماهير طرحت موقفها بهتافاتها بدون مواربة، وما من شك أن القوى الوطنيّة والشباب لعبوا الدور الحاسم في ذلك، من الناحية الأخرى لا شكّ أن المظاهرة كانت مؤشّرا للآتيات من الأمور، من محاسبة نفسيّة ذاتيّة عند البعض لرسم خطواتهم الآتية، مسؤولين ومواطنين. (م1)

المصادر

**********

(1) شريط الفيديو- جلال سعد.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .