بالترهيب والترغيب وكاتم الصوت الجماعي للجماهير العربية الفلسطينية

أمير مخول
استفردت صحيفة “يسرائيل هايوم” 27/11 بالكشف عن الخطة الحكومية المعدّ لها مسبقا والجاري تنفيذها منذ اليوم الأول للحرب على غزة، الهادفة الى إسكات وقمع اي صوت مناهض للحرب يصدر من بين ظهراني فلسطينيي48 ومنع أية حركة احتجاج. وقد شمل المخطط الحكومي؛ فرض رقابة شاملة على كل ما ينشر في شبكات التواصل الاجتماعي وملاحقة فورية لكل مَن ينشر. وتم تعليق لافتات كبرى في مداخل البلدات العربية الفلسطينية والتجمعات العربية في المدن الساحلية والمختلطة تحمل ثلاثة شعارات مركزية؛ الاول هو “سنتجاوزها معا” مع الشرح بأن الحرب تستهدف الجميع يهودا وعربا، والثاني “شيء خطير يحدث”، والثالث هو “وحدة المصير” اي هول اللحظة. بخلاف كل اللافتات الرسمية فإن جميع اللافتات باللغة العربية وهي فقط وموجهة للفلسطينيين العرب وحدهم.
منذ اعلان حالة الحرب إسرائيليًا وعلى اثرها اعلان حالة الطوارئ العامة والمدنية وهذه الأخيرة اعلنها وزير الامن القومي بن غفير، حيث حَظرت الدولة بكل منظوماتها الأمنية والمدنية على السواء وبالمستويين الرسمي والشعبي، أي صوت مناهض للحرب بين العرب الفلسطينيين مواطني الدولة، فمنعت أي شكل من اشكال التظاهر في حيفا وأم الفحم والناصرة، وبات يكفي بان تفسّر اية منظومة مثل هذا الصوت بأنه “يدعم الإرهاب” حتى تتم حملة ملاحقة سياسية ترهيبية واعتقال، استهدفت جيل الشباب والطلبة الجامعيين وشخصيات ذات صفة رمزية من عالم الثقافة والفن والأكاديميا إضافة الى شخصيات قيادية. لكن الملاحقات لم تتوقف عند التصريحات بل باتت تنظر في الايحاءات فإن كانت علامة اعجاب او ضحك او فرح يتم تصنيفها دعما للإرهاب. كما وتمت معاقبة نائبتين في الكنيست بالإبعاد لفترة وعقوبات مالية بسبب الموقف من الحرب على غزة.
تم منح الشرطة صلاحيات شبه مطلقة في اقتحام أي بيت واجراء تفتيش واعتقال أي شخص وفقا لاعتبارات ضابط الشرطة في المكان، وتحوّل دور النيابة العامة من البت بتسويغات الاعتقالات على أساس اعتبارات مهنية قانونية ولو بالحد الأدنى، الى الاعتبارات السياسية وفقا للتفسير السياسي وليس القانوني، وباتت المحكمة الإسرائيلية بمستوياتها الثلاث، الصلح والمركزية والعليا، أداة في خدمة الحرب وتنكرت الى ما كانت تتعاطى معه وهو الاجراء كي تبدو منصفة، الى تعامل فظ لدرجة عدم احضار المتهمين الى المحكمة وتقييد حرية التقاء المحامين بالمعتقلين والمعتقلات.
بدوره كشف محرر هارتس ألوف بن الى تشابك المنظومة الإسرائيلية في ملاحقة فلسطينيي48 بسبب صوتهم السياسي المناهض للحرب والممنوعين من رفعه “الأصوات الداعية لوقف الحرب تأتي بالأساس من المجتمع العربي، ويتم إسكاتها بالقوة من قبل الشرطة والنيابة العامة والمحاكم، بينما مجموعة الأغلبية اليهودية مجندة لهزيمة حماس”.
شكلت أماكن العمل التي تشغل عمالا عربا فلسطينيين من الداخل سواء المتعاقدة مع مقاولين، او شركات كبرى وحتى صناديق المرضى وبعض المستشفيات، فقد باتت جميعها مساحات ملاحقة وطرد وحتى اعتداءات جسدية خاصة ضد سائقي الحافلات ، وقامت المصارف الإسرائيلية الكبرى بإغلاق حسابات اسرى سابقين مواطني إسرائيل وبشكل سافر وعلى أساس امر اداري وانتقامي دون أي تبرير قانوني ودون أي اجراء مساءلة يتيح الاعتراض. وتأتي هذه الاعتداءات الانتقامية على الرغم من النقص الصارخ وعير المسبوق في الايدي العاملة نتيجة لمنع دخول العمال الفلسطينيين من الضفة وغزة والعمال الأجانب الذين غادروا البلاد ليصل مجموعهم الكلي حوالي المائتي ألفا.
وفقا لمتابعة المنتدى الحقوقي المنبثق عن لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في الداخل، فقد بلغ عدد الاعتقالات الشرطية بعد 7 أكتوبر ولغاية 13 نوفمبر، 251 ومعظمهم من الأجيال الشابة، منهم 121 اعتقلوا بحجة نشر وإيحاءات على وسائل التواصل الاجتماعي، وتم تمديد اعتقال 132 منهم، وتحويل 80 الى الحبس المنزلي، وتم لغاية التاريخ أعلاه تقديم لوائح اتهام بحق 76 منهم، وفي جميعها تم تقديم طلبات تمديد الاعتقال حتى نهاية الإجراءات القضائية والتي قد تطول سنة او اكثر قبل النطق بالحكم. كما شملت جميع لوائح الاتهام تهم “التماثل مع تنظيم إرهابي” و”التحريض على الإرهاب” وغيرها. فيما يواجه 120 طالبا وطالبة عرب قرارات بالأبعاد عن الدراسة أصدرتها إدارات الجامعات الإسرائيلية بناء على تصريحات وتغريدات خارج اطار الجامعة وخارج نطاق التعليم حيث الجامعات معطلة، قامت برصدها مجموعات يمينة فاشية أبلغت الجامعات بها ليشكلوا ما هو أشبه بمليشيات التواصل الاجتماعي وصيادي التغريدات كما تم إيقاف عمل عدد من المحاضرات والمحاضرين العرب. بدورها قامت نقابة المحامين بتعليق عضوية عدد من المحامين من صفوفها مما يعني سحب الترخيص الرسمي واعتبرت ان هؤلاء قد “دعموا الإرهاب” في حالة الحرب. يجدر التنويه الى ان هذه المعطيات تتسع باضطراد مع تواصل الحرب على غزة.
تحت مسؤولية وزير الامن القومي تم تأسيس اكثر من 800 مجموعة طوارئ مسلحة في معظم البلدات والتجمعات اليهودية من جانبي “الخط الأخضر”، لتعمل عند الحاجة وفقا لروح العداء العنصري العميق للوجود العربي الفلسطيني في إسرائيل.
تحليل :
معظم هذه الإجراءات تم إقرارها ضمن استخلاص النتائج في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من احداث هبّة الكرامة في أيار/مايو 2021 والتي اجتاحت البلدات العربية الفلسطينية وخاصة المدن الساحلية والنقب والتي تزامنت مع صراع أهالي حي الشيح في القدس على وجودهم، ومع معركة سيف القدس والتي اعتبرت فيها المؤسسة الأمنية الإسرائيلية ان هذه الهبّة هي عمليا فتح جبهة داخلية خلال الحرب، وطوّرت استراتيجية “الحرب الهجينة” والتي تقضي بتفتيت المجتمع الفلسطيني وتدمير بنيته داخليا واستنزافه وترويعه كي يسقط قبل اية مواجهة قادمة. ولا يزال عشرات المعتقلين منذ 2021 ينتظرون صدور الاحكام بحقهم والتي تتراوح في معظمها بين 8 و 27 عاما إضافة الى غرامات باهظة لا تستطيع عائلاتهم سدادها، بعد ان وجهت لهم تهمة الإرهاب، وبعد ان تقرر تضمين الاحكام عامل الردع للآخرين لتتضاعف فترات السجن عن المتابع. بل هناك راي واسع الانتشار وفقا لصحيفة “يسرائيل هيوم” ومفاده أن ” ما منع حقا أعمال الشغب كان إعلان حالة الطوارئ ، ونشر القوات العسكرية في جميع أماكن الاحتكاك ، ليخلق وجود الجيش بالإضافة إلى الشرطة تأثيرا رادعا”.
في مسيرتهم التاريخية درج الفلسطينيون العرب مواطنو إسرائيل على تقاسم الهم مع شعبهم الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، وفي النضال من اجل حقوقهم القومية واليومية وضد الاحتلال والاستيطان والعدوان ومن اجل الحق الفلسطيني بالعودة وتقرير المصير والدولة ودفاعا عن الاسرى والنضال لحريتهم إضافة الى الإغاثة الإنسانية والاسناد السياسي والمعنوي والثقافي.
من بين اهداف الحملة الإسرائيلية لكبت صوتهم خلال الحرب على غزة، السعي لفك الارتباط داخل مكونات الشعب الفلسطيني، ولإضعاف معظم الشعب وكذلك تفكيك البنية الجماهيرية والمجتمعية لفلسطينيي الداخل، ولتسديد ضربة قاسية للثقافة الكفاحية وللقيادة السياسية سواء الأحزاب ام لجنة المتابعة والتي تشكل الاطار الكياني التمثيلي لهم.
خلاصة:
– مع اعلان الحرب وجد فلسطينيو48 انفسهم مكشوفين تماما وغير محميين بتاتا امام منظومة قهر متكاملة تستهدفهم وجوديًا وكيانيًا، على المستويات الرسمي والشعبي والمجتمع المدني والقطاع الخاص والمرافق الإسرائيلية. بالإضافة الى الجهاز السياسي والأمني التنفيذي والقضائي
– كل ما يجري من إجراءات قمعية وتعديلات قانونية تتيحها، وتقاسم الأدوار بين المستويين الرسمي والشعبي، والتهديد الكياني لهذا الجزء من الشعب الفلسطيني، هي ليست أجواء طارئة وعابرة، ولن تتوقف مع نهاية الحرب، بل هي واقع جديد وخطير للغاية ومستدام يضع تحديا غير مسبوق امام هذا الجمهور ومعظم الشعب.

(مركز التقدم العربي للسياسات)

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .