القِصَّةُ القَصيرَةُ جِدَّا.. !/ حسين مهنّا

1

مُتْعَتانِ هامَّتانِ، ولا غِنَى عَنْهُما، مَرْجُوَّتانِ مِنْ كاتِبِ القِصَّةِ القَصيرَةِ ؛ أَوَّلُهُما مُتْعَةُ اللُّغَةِ خاصَّةً إذا كانَ الكاتِبُ قادِرًا على الغَوصِ تَحْتَ لِجاجَها فَيَأْتي بالجَميلِ مِنْ لَآلِئِها ويَصوغُها عِقْدًا لِقِصَّةٍ جَميلَةٍ، رَشيقَةِ القَوامِ لا يَشْكو قَوامُها مِنْ تَرَهُّلٍ، أَو سِمْنَةٍ زائِدَةٍ. وثانيهِما مَضْمونُها وقَدْ يَحْمِلُ لَنا قَضِيَّةً ذِهْنِيَّةً أَو نَفْسِيَّةً أَو اجتِماعِيَّةً ؛ وكُلُّها تَرْفَعُ مِنْ مَنْسوبِنا الثَّقافِيِّ.. فَأَينَ القِصَّةُ القَصيرَةُ جِدًّا مِنْ كُلِّ هذا !؟ وَهْيَ الَّتي لا تَتَعَدّى السَّطْرَ اَو السَّطْرَينِ، اَو بَالكَثيرِ الكَثيرِ بِضْعَةَ أَسْطُرٍ لا تَحْمِلُ لَنا سِوى البَهْتَةِ، وسُؤالٍ استِنْكارِيٍّ : ماذا يُريدُ الكاتِبُ مِنْ قِصَّتِهِ القَصيرَةِ جِدًّا هَذِهِ ؟ هَلْ يُريدُ أَنْ يَقولَ : هاكُمْ فِكْرَةً مِنْ أَفْكاري وابْنُوا عَلَيها ما شِئْتُمْ مِنْ أَفْكارِكُمْ.. إنْ كانَ الأَمْرُ كَذلِكَ فَسَمِّها ما شِئْتَ ما عَدا قصّةً قَصيرَةً.
اللافتُ لِلنَّظَرِ أَنَّ الكَثيرَ مِنَ كُتّابِ القِصَّةِ القَصيرَةِ – ومِنْهُمْ كُتّابٌ أَعلامٌ – جَنَحوا نَحْوَ هَذا الأُسلوبِ في كِتاباتِهِمْ، ولا أَدْري إنْ كانَ قَصْدُهُمْ التَّحْديثَ أم انَّهُمُ انْساقوا وراءَ صَرْعَةِ التَّجْريبِ، ناسينَ أَنَّهُ قَدْ يَصُبُّ في خانَةِ التَّخْريبِ.. بَلْ مَنْ أَكْثَرُ مِنْهُمْ دِرايَةً بِأَدَبِنا العَرَبِيِّ وما يُحاصِرُهُ مِنْ نَوايا خَسيسَةٍ لِلْحَطِّ مِنْ قامَتِهِ الشَّامِخَةِ مَحَلِّيًّا وعالَمِيًّا.
نَبَتَ لِهذِهِ الكِتابَةِ نَقَدَةٌ، فَراحوا يَشْرَحونَ ويُعَلِّلونَ ويُبَرِّرونَ : لِماذا القِصَّةُ القَصيرَةُ الآنَ ؟ ومِنْ غَريبِ تَبْريراتِهِم أَنَّنا نَعيشُ في عَصْرِ السُّرْعَةِ ولا وَقْتَ عِنْدَ القارئِ اليَومَ لِقِراءَةِ رِوايَةٍ في عِدَّةِ أَيّامٍ، والبَديلُ مَوجودٌ، ونَقْرَؤُهُ في دَقائِقَ ! وغابَ عَنْهُمْ أَنَّ الرّاحَةَ والفائِدَةَ في الشَّيءِ وضِدِّهِ ؛ فَإذا كانَ التَّعَبُ في السُّرْعَةِ فَالرّاحَةُ في الابْطاءِ ولا أَقَلَّ مِنْ أَنْ نَتَأَنّى ونَقْرَأَ رِوايَةً أَو قِصَّةً قَصيرَةً عادِيَّةً بَدَلَ أَنْ نُجَيِّرَ حَياتَنا وأَدَبَنا الى زَمَنِ السُّرْعَةِ هذا ! ثُمَّ إذا اكْتَفَينا بِقِراءَةِ هَذِهِ (البَرْقِيّاتِ) فَكَأَنَّنا نَقِفُ أَمامَ لافِتَةٍ تُشيرُ الى حَديقَةٍ غَنّاءَ، فَنَكْتَفي بِقِراءَتِها دونَ أَنْ نَدْخُلَها فَيَأْخُذَنا بَهارُها،  ونَطْعَمَ ثِمارَها..

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .