ارتباك اسرائيلي رغم تظاهرة المكابرة.. أمير مخول

اعتبر نتنياهو مجرد نظر المحكمة الدولية بدعوى جنوب افريقيا بأنه مشين، مؤكدا ان إسرائيل ستواصل الحرب حتى تنتصر. واذ اصدر امرا الى وزرائه بالامتناع عن اي تعقيب على قرار المحكمة، الا ان أوامره اثبتت ضعف قراره اذ استعجل الوزير بن غفير بإصدار بيان يتهم المحكمة باللاسامية وكره اليهود ويرفض شرعيتها، وليخرج وزير الامن غالنت عن طاعة رئيس وزرائه ويصدر بيانا عنيفا ضد المحكمة وهو الذي ذكره قرار المحكمة واقتبس تصريحاته وقراراته من 8 أكتوبر وخطاب الإبادة ومنع الماء والغذاء والعلاج عن “الحيوانات البشرية”.

في ردودها الفورية على نص قرار العدل الدولية، أجمعت وسائل الاعلام الإسرائيلية وكذلك الجهات القضائية والسياسية على ان القرار هو انتصار لإسرائيل بكونه “لم يتهمها مباشرة بارتكاب إبادة جماعية”، ولم يدعُ في امر وقتي احترازي الى وقف اطلاق النار، وقد اشارت وسائل الاعلام الى ان هذا القرار “المخفف” كان بفضل وجود القاضي الإسرائيلي اهارون براك وجدارة المرافعة الإسرائيلية، الا انها ادعت بممارسة الضغوطات من الولايات المتحدة وحكومات غربية على المحكمة، وفقا للمصادر الإسرائيلية، مشككة بجدارة الهيئة القضائية وقضاتها.

شهدت ردود الفعل اللاحقة نوعا من الهستيريا في النشرات المسائية الرئيسية لنهاية الأسبوع، ودعا احد اقطاب المعارضة افيغدور ليبرمان رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” الى معاقبة الأردن والتوقف عن مدّها بحصة المياه لكون خارجيتها ساندت دعوى جنوب افريقيا، والى معاقبة مصر وجنوب افريقيا، واعتبر مطلب المحكمة من إسرائيل احاطتها بتقرير بعد شهر، على أنه دليل على خطأ القرار بالمثول امام المحكمة والشراكة في جلساتها وانتداب القاضي براك، بل كان ينبغي رفض مطلق للمحكمة ولدعوى جنوب افريقيا.

في المقابل يرى بروفيسور مردخاي كرمنتسر الشخصية الحقوقية البارزة، بأن القرار لم يتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية ودافع عن موقف دولته في هذا الصدد، الا انه اكد ان القرار يشكل بطاقة انذار لإسرائيل وانها باتت تخضع لمساءلة متواصلة وحذر من تصريحات فيها دعوة للإبادة من قبل وزراء وأعضاء كنيست. في المقابل اعتبر الصحفي امنون ابراموفيتش في القنال 12 بأن قرار محكمة العدل الدولية سوف ينعكس على العمليات العسكرية بمعنى ان الجيش سوف يقوم بتحديد طبيعة عملياته وفقا لمعايير قضائية كي لا تقع ضمن جرائم الإبادة التي تراقيها المحكمة، وهذا ما قد يدفع الى وضع محدوديات لعمليات عسكرية او حتى لإلغائها.

برز قلق كبير بين خبراء في قضايا الامن والجيش من قرار المحكمة بأنها ذات صلاحية في النظر في دعوى جنوب افريقيا والتي ستستمر لفترة طويلة تكون إسرائيل خاضعة للمساءلة بشكل جارٍ، ومن مطالبة إسرائيل بإحباطات وبالإبقاء على البيّنات الميدانية. كما انها قد تعوّق عمليات الجيش المخطط لها في رفح ومحور صلاح الدين (فيلادلفيا) والتي تهدد حياة اكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني نازح. كما وظهر قلق من احتمالية تضرر المصالح الامريكية والدفع الأمريكي على اثر ذلك لإنهاء الحرب.

شكلت اقتباسات المحكمة من اقوال كل من وزير الامن غالنت ووزير الخارجية الحالي كاتس ومن رئيس الدولة هرتسوغ، بمثابة ضربة معنوية وزادت من رد الفعل العصبي، خاصة اتهام رئيس الدولة بشخصيته التمثيلية الجامعة، مقابل تجاهل المحكمة في صياغة قرارها اقوال الوزراء الأكثر تطرفا ممن دعوا لإبادة الفلسطينيين وطردهم والى القاء قنبلة نووية على غزة وغير ذلك.. واعتبر الاعلام الإسرائيلي أن تسمية هذه الشخصيات فيها اتهام للمنظومة الحاكمة برمتها وللتيار المركزي الإسرائيلي. كما دفع الامر الى حملة تخوف من مناشدة وزراء في الليكود وحزبي الصهيونية الدينية والقوة اليهودية الى مؤتمر “الانتصار” المخطط ليوم الاحد 28/1 لانطلاق حملة شعبية ورسمية لإعادة استيطان قطاع غزة، وهناك من طالب نتنياهو بمنعهم من المشاركة لما فيه من احراج للدولة امام العدل الدولية.

يسود القلق في الأوساط السياسية والعسكرية والإعلامية من ان إقرار المحكمة فعليا بأن إسرائيل تتحمل مسؤولية كل ما يحصل في غزة واعتبارها قوة احتلال، فإن ذلك يفتح الباب امام سيل من الدعاوى ترفع الى محكمة الجنايات الدولية ومحاكم وطنية في بلدان معينة، لتقوم باستدعاء قيادات عسكرية وأمنية وسياسية بتهم جرائم الحرب، كما واكد موقع واينت بأن مجموعات من مئات المحامين الدوليين يعدون ملفات شخصية ضد ضباط كبار في الجيش لرفعها الى الجنائية الدولية.

نظر المستويان السياسي والإعلامي بقلق الى ان اعتماد المحكمة الدولية تقارير صادرة عن لجان الأمم المتحدة والمقرر الخاص للشؤون الإنسانية ومنظمة الصحة العالمية وعن وكالة غوث اللاجئين الاونروا والصليب الأحمر وغيرها، واعتبروا ان هذه المنظمات الدولية الإنسانية لا تحظى بالمصداقية وانها تدعم الإرهاب وحصريا الاونروا. كما شدد الاعلام على القرار الأمريكي الذي تزامن مع انعقاد المحكمة الدولية بتجميد ميزانيات الى هذه الوكالة والتي تسعى إسرائيل دوليا الى تفكيكها وانهاء دورها بحجة “انها تبقي الصراع نظرا لإبقاء قضية اللاجئين”

تحليل اولي:

ما حدث في محكمة العدل الدولية وقرارها باستصدار أوامر احترازية لاسرائيل والقرار بمواصلة النظر في الدعوى، يضع إسرائيل والفلسطينيين في سياق غير مسبوق، اذ تخضع إسرائيل ولأول مرة الى مساءلة قانونية مستدامة ولا تستطيع تجاهلها، ولأول مرة تكون على مقعد المتهمين.

قرارات المحكمة تجعل إسرائيل مضطرة للانصياع الى الأوامر الاحترازية الوقتية، وضبط سلوكها السياسي والعسكري وفقا لروح القرارات، وفي حال انتهكتها سوف تكون في ورطة قانونية.

قد يعمق قرار المحكمة التوتر بين المستويين السياسي والعسكري، اذ ان الائتلاف الحاكم برئيسه نتنياهو وسموتريتش وبن غفير ووزير الامن غالنت يدفعون نحو استمرار الحرب وتعميق العمليات وتوسيع نطاقها مما قد يضع الجيش وضباطه في خانة المساءلة القضائية.

قلق إسرائيلي من المنظمات الدولية الإنسانية وقد تذهب باتجاه تحديد تحرك هذه المنظمات اكثر مما هو متبع، لكن سيكون من الأكثر صعوبة القيام بهذه الخطوة نظرا لاعتماد المحكمة الدولية هذه المنظمات.

رغم خطاب المكابرة التي تبناه نتنياهو والاقلال من شأن المحكمة الا ان القلق الإسرائيلي هو سيد الموقف، وهناك قناعة بان مرحلة جديدة لم تمر بها إسرائيل من قبل، قد بدأت تخضع فيها إسرائيل للمساءلة القانونية الدولية ولا يبدو بإمكانها الإفلات منها.

خلاصة:

يشكل قرار المحكمة الدولية واوامرها الاحترازية بداية رسمية لمساءلة إسرائيل دوليا.

تعزز قرارات المحكمة المطالبة بوقف اطلاق النار وتبادل الاسرى والرهائن

مثل هذه القرارات فيما لو اتخذتها حكومة نتنياهو ستعني نهايتها ونهاية الحرب.

ثبت مرة أخرى مدى أثر المنظمات الإنسانية والحقوقية الدولية والتقارير الأممية

(مركز تقدم للسياسات)

 

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .