مسألة الهوية لدى الدروز في اسرائيل – مهدِى سعد

يثار في الآونة الأخيرة نقاش عقيم في صفوف الطائفة الدرزية في إسرائيل حول هوية الدروز ومركبات انتمائهم المختلفة، ويتخذ هذا النقاش في بعض الأحيان منحًى متشنجًا يصل إلى درجة اتهام صاحب الرأي الآخر بالخيانة لا بل التحريض عليه ووصفه بأقذع العبارات، وكثيرًا ما نصادف هذا النوع من النقاش على شبكات التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت، وما حصل مع الناشطة ميسان حمدان هو خير مثال على هذا الأسلوب غير الأخلاقي، حيث تعرضت لموجة تحريض غير مسبوقة بسبب موقفها السياسي وتعريفها لمركبات هويتها بالإضافة إلى كونها أنثى. 

تعتبر مسألة الهوية إحدى المواضيع المختلف عليها بين الدروز في إسرائيل، حيث لا يوجد إجماع على تعريف واحد لمركبات الهوية لدى أبناء الطائفة الدرزية، وفي هذا المقال سأقوم بمعالجة هذه المسألة من جوانبها المتعددة في محاولة للخروج بتعريف عقلاني لهوية الدروز يشمل في طياته كافة مركبات الهوية ولا يستبعد أي مركب منها. 

لا شك أن الانتماء الديني/ المذهبي هو المركب الأساسي في الهوية الدرزية، لذلك لا بد من الرجوع إلى الحقبة التاريخية والبيئة السياسية/ الاجتماعية التي ظهر في كنفها مذهب التوحيد الذي يعتقد به الدروز، ومن المعروف تاريخيًا بأن طائفة الموحدين الدروز تفرعت عن الإسلام الشيعي الإسماعيلي في مطلع القرن الحادي عشر للميلاد، وظهرت دعوة التوحيد في كنف الدولة الفاطمية التي كان مركزها في القاهرة. 

استجاب في تلك الفترة لدعوة التوحيد جمع غفير من المؤمنين في مناطق مختلفة من سوريا ولبنان وفلسطين، ومنذ ذلك الحين شكل الدروز طائفة دينية قائمة بحد ذاتها لها قوانينها وأنظمتها الداخلية الخاصة والمميزة عن سائر الطوائف المحيطة بها، واحتل الدين وزنًا ثقيلا في تاريخ الدروز على مدار مئات السنوات حيث أنه يشكل رابطة قوية لأبناء الطائفة تزيد من تضامنهم وتلاحمهم في السراء والضراء. 

نلاحظ بأن الانتماء الديني/ المذهبي هو المركب الوحيد المتفق عليه في تعريف الدروز في إسرائيل لهويتهم، أما باقي المركبات فنجد خلافًا واضحًا عليها كما أشرنا سابقًا، وفي هذا السياق سأقوم باستعراض كافة المركبات التي يدخلها الدروز في تعريفهم لهويتهم، وسأعرب عن وجهة نظري في كل واحدة منها. 

المركب الآخر في تعريف الدروز لهويتهم هو المركب القومي/ الوطني، وهذا المركب ينقسم إلى شقين، الشق الأول هو الهوية القومية العربية والشق الثاني هو الهوية الوطنية الفلسطينية. 

يعتبر الشق الأول أقل إشكالية من الشق الثاني، حيث بات قسم كبير من الدروز يعرفون أنفسهم كعرب بمن فيهم الموالين للسلطة الإسرائيلية التي عملت على سلخ الدروز عن سائر العرب، وبالمقابل علينا الاعتراف بأن هناك شريحة من الدروز يرفضون تعريف أنفسهم كعرب نتيجة تماثلهم المطلق مع سياسة السلطة التي أرادت عزل الدروز عن محيطهم العربي. 

ولا شك بأن الدروز عرب من حيث الأصل العرقي واللغة والتاريخ والعادات والتقاليد، واعتقد بأن إثبات عروبة الدروز يعتبر أمرًا مفروغًا منه، إذ لا بد لكل مجموعة بشرية أن تنتمي لعرق معين، وفي حالتنا فإن الدروز ينتمون إلى العرق العربي أصلا ولغة وتاريخًا، ولا يمكن في حال من الأحوال أن نجعل الدين قومية كما يحلو للبعض أن يفعل. 

أما بالنسبة للشق الثاني فهناك خلاف كبير حوله في صفوف الطائفة الدرزية، فوجود الدروز في إسرائيل وارتباط عدد منهم بالمؤسسة الإسرائيلية جعل من مجرد تعريف شخص لنفسه أنه فلسطيني مثيرًا للغضب لدى هؤلاء، بالرغم من ذلك هناك شريحة من الطائفة الدرزية لا تزال تصر على تعريف نفسها كفلسطينية رافضة المساومة على هذا المركب من الهوية. 

وهنا لا بد من توضيح حقيقة هذا المركب الذي يعتبر مبهمًا لدى البعض، لذا يجب علينا سرد بعض الحقائق التاريخية التي قد تفيدنا في معرفة الخلفية التي ينطلق منها الأشخاص الذين يعرفون أنفسهم كفلسطينيين، ونشير في هذا الإطار إلى أنه قبل قيام دولة إسرائيل تكون وعاش في هذه البلاد شعب يطلق عليه اسم الشعب الفلسطيني، وبعد قيام الدولة بقي جزء من هذا الشعب صامدًا في وطنه متشبثًا بأرضه التي ورثها عن آبائه وأجداده منذ زمن بعيد. 

ويتكون الشعب الفلسطيني من عدة طوائف تشكل النسيج الوطني والاجتماعي لهذا الشعب، والدروز في إسرائيل ينتمون إلى الجزء المتبقي من الشعب الفلسطيني في وطنه، لذلك يؤكد بعض الدروز على تعريف أنفسهم كفلسطينيين بالرغم من أن البعض الآخر يرفض إدخال هذا المركب في تعريفه لنفسه. 

وهناك مركب إضافي هو المواطنة في دولة إسرائيل، فبعد قيام الدولة تحول الدروز كسائر العرب في هذه البلاد إلى مواطنين في دولة إسرائيل وحصلوا على الجنسية الإسرائيلية، وفيما بعد فرض عليهم التجنيد الإجباري وتم إعفاء الطوائف العربية الأخرى من الخدمة في الجيش الإسرائيلي، وفي مرحلة متقدمة أصدرت مناهج تعليمية خاصة بالدروز وفصلت المجالس المحلية في القرى الدرزية عن غيرها من المجالس في بقية القرى العربية، بالإضافة إلى إجراءات أخرى قامت بها المؤسسة الإسرائيلية بغية سلخ وعزل الدروز عن محيطهم العربي. 

هذه الحالة الاستثنائية التي وصل إليها الدروز في إسرائيل خلقت نوعًا من البلبلة في صفوفهم، فباتوا يعيشون في ظل تناقض كبير بين سعيهم للمحافظة على عقيدتهم الدينية وهويتهم العربية وعاداتهم وتقاليدهم الاجتماعية من جهة، وسعي المؤسسة الإسرائيلية لخلق هوية درزية إسرائيلية موالية لسياسات السلطة الحاكمة ومنعزلة عن البيئة التي يتواجد فيها الدروز ومنافية لتاريخهم الطويل من جهة أخرى. 

ويختلف الدروز في البلاد في طبيعة إدخالهم لمركب المواطنة في تعريفهم لهويتهم، فهناك من يعرفون أنفسهم أنهم مواطنون في دولة إسرائيل، وفي المقابل هناك من يعرفون أنفسهم أنهم إسرائيليون، ولا شك أنه يوجد فرق شاسع بين التعريفين، فالأول يختصر علاقته بالدولة بأنه مواطن فيها يجب أن يتمتع بالمساواة التامة مع سائر المواطنين الذين يعيشون في الدولة، بينما الثاني يشعر بالانتماء إليها ويتماثل مع رموزها ومستعد أن يخدم في جيشها. 

قد يبدو للوهلة الأولى بأنه لا يمكن جمع مركبات الهوية التي استعرضتها في تعريف واحد، لكنني أعتقد بأنه لا يوجد لدي مشكلة في أن أعرف نفسي كدرزي عربي فلسطيني مواطن في دولة إسرائيل، ولست مستعدًا أن أتنازل عن إحدى هذه المركبات لأنني أفتخر بدرزيتي وأعتز بعروبتي وأتشرف بكوني فلسطينيًا وهذا لا يتناقض مع مواطنتي في دولة إسرائيل.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .