محمّد الشّنتوفي إشكاليّةُ الحدودِ التّصوُّريّةِ لعَتَبةِ النَّصّ “أُدَمْوِزُكِ وَ تَتَعَشْتَرِينَ” للشّاعرةِ آمال عوّاد رضوان نموذجًا.

amal-awad.jpg777

القولُ كلُّهُ يَنهضُ على البيانِ، والبيانُ بدَوْرِهِ يَتأسّسُ بخاصّيتيْن اثنتيْن هُما: العبارةُ والإشارةُ، فإذا كانت المَعاني في العِبارةِ حقيقيّةً وصريحةً، فإنّ الإشارةَ هي مُضمَرَةٌ تتّسِمُ بالمَجازيّةِ والإضمار، والقوْلُ الشّعريُّ الأصْلُ فيهِ هو الإشارة، والشّاعرُ يَجنَحُ دوْمًا إلى استعمالِ ما يَكتُبُ في مَعانيهِ المَجازيّة، ويَتحَدّى الحُدودَ الفاصِلةَ، كيْ يَمْحُوَ أثَرَ ما تُخَلِّفُهُ العِبارةُ، حتّى أنَّ حَدَّ القوْلِ الشّعريِّ قد يَكونُ هو حِفظُ الإشارةِ وصَرْفِ العِبارة، ففي الشّعرِ يَتجلّى كمالُ الكلام.

للمقاربةِ الّتي تَختصُّ بالعنوانِ أهمّيّةٌ بالغة، لأنّهُ يُشكّلُ الوَسيطَ الأوّلَ ما بينَ النّصِّ والمُتلقّي، فللعنوانِ عدّةُ مَهامّ تَرسُمُ أفقًا للانتظار، وتُمكّنُ مِن تَناوُلِ ومُناولةِ النّصّ، لأنّهُ يُعتبَرُ العلامةُ الّتي يَنفتِحُ بها العملُ الأدبيُّ عامّةً، والنّصُّ الشّعريُّ على الخصوص، فَنشاطُ القراءةِ يَبدأ كرَغبةٍ في مَعرفةِ ما هوَ مُخطّطٌ لهُ، كمَساحةٍ مَجهولةٍ بالنّسبةِ لهُ، تَتغيّى إمكانيّةَ الاكتشافِ والاطّلاع.

وحسب قوْل أنطوان فيروتيير: “عنوانٌ جميلٌ فاتنٌ هوَ الوسيطُ الحقيقيّ”.(1)، وقد حدّدَ جينيت للعنوان أربعَ وظائفَ أساسيّةٍ:

1- العنوانُ هوَ أوّلُ إشارةٍ تُميّزُ النّصَّ، وتُمكِّنُ مِن تَعريفِهِ.

2- العنوانُ يَحمِلُ تلكَ القُدرةَ الواضحةَ على الدّلالةِ على المحتوى، وعلى إمكانيّةِ التّشَكُّلِ كمِفتاحٍ تَحليليٍّ، على حَدِّ قوْل أومبيرطو إيكو.(2)

3- العنوانُ يُشَكّلُ وظيفةً حِسّيّةً، فهو يَحملُ إمكانيّةَ أنْ يُتَرْجَمَ حسبَ المّرجعيّاتِ الثّقافيّةِ أو الأسلوبيّة.

4- للعنوانِ وظيفةٌ ذاتُ سِمةٍ إغرائيّةٍ، حينَ يَدفعُ العنوانُ بالقارئِ إلى اقتناءِ العمَلِ الإبداعيّ.

إنّ الاهتمامَ بتناوُلِ العنوانِ كَمُكَوِّنٍ دَلاليٍّ، جاءَ ضِمْنَ إعادةِ الاعتبارِ لمَجهولِ الهامش، قصْدَ تحطيم سلطةِ المَركز، بَعدَ أنْ كانَ يُعتبَرُ في المقاربةِ مُجرّدَ زائدةٍ، أو فضلةٍ لغويّةٍ للمُصَنَّف، وكانَ للتفكيكيّةِ  البادرةُ في تحقيقِ ذلك بفضلِ جاك دريدا، حيثُ اعتبَرَ أنّ العنوانَ كانَ مَقصِيًّا مِن مَجالِ التّفكيرِ الفلسفيّ التقليديّ، فالعنوانُ بفضلِ التّفكيكيّةِ هو مُكَوِّنٌ أساسيٌّ لكلِّ عمَلٍ إبداعيٍّ، يَضمَنُ حياةَ النّصّ، لأنّهُ السِّمةَ الأولى الدّالّةَ عليهِ، ما دام عتبةً مِن عتباتِ النّصّ، كوْنهُ يَمتلِكُ بُنيةً ودلالةً لا تنفصِلُ عن خصوصيّتِهِ، إذ يتّسعُ مِن كوْنِهِ تركيبًا لغويًّا إلى تركيبٍ دلاليّ، ومِن كوْنِهِ لغةً إلى علامةِ دالّ ومدلول، واعتبَرَهُ طوني بينيت(3) نوعًا مِن سُلطةِ النّصّ، درَجَةَ أنّهُ أصبحَ يُشكّلُ مَركزَ التّحليلِ والتّأويل، وقد يُحدّدُ فرضيّاتِ المُقاربةِ، ومَسارَ ما تُفضي إليهِ مِن نتائج، على الرّغم مِن كوْنِهِ أقصى اقتصادٍ لغويٍّ مُمكنٍ، فهو مِثل هَرمٍ لقاعدةِ النّصّ.(4)

وبما أنّ العنوانَ جزءٌ لا يتجزّأ مِنَ الوظيفةِ الكُلّيّةِ للعملِ الإبداعيّ، فإنّهُ يَحملُ في طيّاتِهِ السِّماتِ الدّلاليّةَ والتّركيبيّةَ للغةِ المعنى داخل المُنجَزِ الشّعريّ، فعلى مُستوى الدّلالةِ، نَلمَسُ في العنوانِ طبيعتَهُ، وهل هي حقيقيّةٌ، أم تَعمَدُ إلى توظيفِ المَجاز؟

عنوان “أُدَمْوِزُكِ وَتَتَعَشْتَرِينَ”(5) مُوغِلٌ في مَجازٍ خصْبٍ مُخَضّبٍ بالأسطورة: “دموزي” أو “تموز”، و”عشتار” أو “عينانا”، الأمر الّذي يَتطلّبُ إضاءةً، بالرُّجوعِ إلى الحضارةِ السّومريّةِ في بلاد الرافدين.

بالنّسبةِ للمُستوى النّحويّ والصّرفيّ للّغةِ المُوظّفةِ في عنوانِ العملِ الشّعريّ “أُدَمْوِزُكِ وَتَتَعَشْتَرِينَ”، نَلمَسُ أنّ زمَنَ الفِعلِ مُضارِعٌ حاضِرٌ، يَتّسِمُ بالدّيمومةِ، حيثُ أنّهُ يُحيلُ إلى الماضي ويَستمِرُّ في الحاضر، وهو بإرادةِ الشاعرة آمال عوّاد رضوان، يَتوقُ إلى ما هوَ آتٍ.

صيغةُ العنوانِ تتّسمُ بدعوةٍ مَبنيّةٍ على لغةِ المُخاطبة، والّتي تَنطوي على مُستوَيَيْنِ مِنَ التّأويل:

الأوّلُ يُلَمِّحُ  إلى مَدٍّ مُضادٍّ، فيهِ جَذْبٌ بينَ طرَفيْنِ ليسَ لهُما نيّةُ التّقاربِ أو الإقتراب، أو حتّى إيجادِ منطقةٍ للتَّوْقِ إلى نفسِ البُؤرة: أُدَمْوِزُكِ؛ أي أُلبِسُكِ شكلَ ورداءَ الأسطورةِ دموزي راعي الغنم، الفنّان الذي يُحْسِنُ الغناءَ والعزفَ على الآلةِ المُوسيقيّة، دموزي الّذي كانَ على قدْرٍ كبيرٍ مِنَ الخُلُقِ والعِفّةِ والاستقامة، كان مُتواضِعًا حالِمًا مُنغمِسًا في مَلكوتِهِ الخاصّ، وقد تعلّمَ كثيرًا مِن حياةِ الرّعيِ ومُعايشةِ قطيعِ الغنم، واستطاعَ أنْ يَدفعَ القطيعَ بسِحرِهِ وتواجُدِهِ إلى العطاءِ والتكاثر.

أمّا عشتار فهي إلهة الحُبّ والخصبِ والنّماء، عشتار النرجسيّة حَدَّ الغرورِ المُطلَق. “وقعَ في غرامِها الشّعراءُ، فخلّدوها بأعذبِ الأوزانِ وأحلى القوافي، وهامَ بحُبِّها الأدباءُ، فوهَبوها أجملَ النّصوصِ المَلحميَّة، وعشِقَها الفنّانون، فرسَموها على أرشقِ الأختام الأسطوانيّة، وصنعوا لها أرقى التماثيل التي تكادُ تنطقُ بالحياة، وولعَ بها الموسيقيّون، فنغّموها لحنًا راقصًا على أوتارِ العود وفوّهةِ الناي..”(6).

زد على ذلك، كوْنَها ابنةَ الإله “آنو” القادر على خلقِ كلّ الأشياء، (حكايتها مع المَلك جلجامش الذي رفضَ الزّواجَ بها، ورَثاها بقصيدةٍ مشهورة، الأمرَ الذي دفعَها للغضبِ منه، والإلحاحِ في طلب أبيها، كي يخلقَ ثورًا قويًّا ليقتل جلجامش). وكذلك هي أخت الإله “أوتو” إله الشمس.

عشتار المُستبدّةُ والفاشلةُ في أكثر من علاقةِ عشق، كانت تُحبُّ المَظاهرَ والبهرجةَ وإبراز الذات، إذ كانت على قدْرٍ فادحٍ مِنَ الجَمال، وبَسْطةٍ في الجسم والقوام، (حكاية الشجيرة التي نُقِلتْ ذاتَ يوم من على ضفة نهر الفرات إلى مدينة (الورقاء)، وزرعَتها في “بستانها المقدّس”، على أمل أن تنمو، وتصيرَ شجرةً سامقةَ الأغصان، فتصنع من خشبها عرشًا وسريرًا لها..).

إضافةً إلى أنّهُ يُمكنُنا أنْ نَلمَسَ مِن العنوان “أُدَمْوِزُكِ وَتَتَعَشْتَرِينَ” جانبَهُ التّقريريَّ الواضحَ، أي أنّ الشّاعرةَ استسلمتْ لواقع الأمر، وجاءَ مَنطوقُ العنوانِ على شاكلةِ بوحٍ مُستسلمٍ راضٍ بواقعِ الوضع ومَآلِ الحال، ليَظهرَ إلى السّطح المَلمحَ الإشكاليَّ للعنوان، وبهذا المعنى تطرحُ هذه الصّيغةَ اللّغوية “أُدَمْوِزُكِ وتَتَعَشْتَرين” إشكاليّةً تتطلّبُ توضيحًا مُسترسِلًا، وجَوابًا للسّؤال الذي تنطوي عليهِ، حتْمًا سيكونُ عاملًا مُستفِزًّا، يَدفعُ القارئَ إلى تَلمُّسِهِ بالقفزِ على العنوان، والغوصِ داخل الديوان الشعريّ، والأخذِ بتلابيب القصائدِ مُناولةً وتمحيصًا، وبذلك، تتبدّى إشكاليّةُ العنوان طُعْمًا يُغري المُتلقّي، ويَنثرُ حوْلهُ شِراكَ الغُواية.

التأويلُ اللّغويُّ المَعنويُّ الثاني لِـ “أُدَمْوِزُكِ وتتَعَشْتَرين” يُوحي إلى فرَضيّةِ التّودُّدِ واللّوْمِ، أي: أنا يا حبيبتي (علاقة مع ما جاء مُوَثقا في الصفحة الأولى: عشقيات)، أُدَمْوِزُكِ وِفقَ ما أتوقُ أنْ ألْمَسَ فيكِ مِن خِصالٍ ووُدٍّ وسلوكيّاتٍ ورهافةِ إحساس، وأنتِ تتغنّجينَ وتتمنّعينَ عُنوةً، وتَنبجسُ فيكِ صورتُكِ وصِفتُكِ الطّاووسيّةِ الفاتنةِ والقاتلةِ في نفس الآن، فترفَّقي بحالِ العاشق، وتَواضعي إليهِ مِن بُرجِكِ العالي.

هو الّذي لا يَمتلكُ مِن عتادِ الجَبَروتِ والقوّة، إلّا ما استجداهُ مِن عشقكِ الّذي على شاكلةِ الطبيعةِ العذراء، وفِطرة قطيع الغنم السعيد، وسِحر الموسيقا والشّدو والغناءِ وبساطةِ الحياة، لكنّهُ في جسدِ القصيدةِ الحمّالةِ للعنوان، يتبدّى موقفٌ استسلاميٌّ عاجزٌ، يُحسَمُ في مدى تَحقُّقِ الفرَضيّاتِ السّالفةِ، فلا تتأكّدُ إلّا فرضيّةُ المحاولةِ، ليَبقى الأصلُ هو الطّاغي والمُهيْمنُ، فيقولُ: حسبي/ أُدَمْوِزُكِ.. و تَتَعَشْتَرين.(7)

أُدَمْوِزُكِ وَتَتَعَشْتَرِينَ: مَدٌّ وجَزرٌ بينَ إرادةٍ واضحةٍ إلى حملِ الحبيب على الحلولِ في ذاتِ “تموزي”، الّذي هو- مع ما اتَّصَفَ بهِ مِن مزايا وخصالٍ- كائنٌ ذكوريٌّ بامتيازٍ، حدَّ أحقّيّتِهِ بأنْ يُصبحَ زوْجًا لعشتار، وترضى بهِ أنْ يَحملَ هذه الصّفةَ المائزةَ، فعشتار اصطفتْهُ مِن بينِ كلِّ الرجالِ وأنصافِ الآلهة، ولعلّ هذه الرغبةَ المُضمَرةَ في فِعل “أُدَمْوِزُكِ”، تهَبُ العنوانَ مَلمَحًا غرائبيًّا، يَدفعُ إلى التساؤلِ عمّا وراءَ البادرةِ الإراديّةِ مِن أغراضٍ وأسبابٍ ذاتيّةٍ أو موضوعيّة، فكافُ الخطاب جاءتْ هنا مكسورةً، للدلالةِ على التأنيثِ، والمُخاطِبُ على الأرجح يتحدّثُ بلسانِ الذّكورة، بينما نَلمَسُ أنّ المُخاطَبَ على الراجح أنثى، حين تتعشترُ، فهي تنزحُ طبيعيًّا إلى الحالةِ الأسمى، التي يجبُ أن تكونَ عليها المرأة، فعشتار على الرّغم مِن المَواطنِ السّلبيّةِ فيها، فإنّها كانت “شابّةً ممتلئةَ الجسم، ذاتَ صدْرٍ نافرٍ، وقوامٍ جميلٍ، وخدَّيْنِ مُفعَمَيْنِ بالحيويّة، وعينيْن مُشرقتَيْن يتوفَّرُ فيها.

“إلى جانب جَمالِها الأخّاذ، فيها سُمُوُّ الرّوحِ مع رهافةِ الطبع، وقوّةُ العاطفة، والحُنوُّ على الشيوخ والأطفال والنساء، وفي فمِها يَكمُنُ سرُّ الحياة، وعلى شفتيْها تتجلّى الرّغبةُ واللذّةُ، ومِن أعطافِها يَعبقُ العطرُ والشذى، فيكتملُ بحضورها السّرورُ، ويَشيعُ معَ ابتسامتِها الأمنُ والطّمأنينةُ في النّفوس، وغالبًا ما نُشاهدُها وهي تجوبُ الحقولَ بخِفَّةٍ ورشاقة، فتتفجَّرُ الينابيعُ خلفَها بالماءِ والعطاء، وتُزهِرُ الأرضُ بالسّنابلِ والنماء.”(8)

المَلمَحُ الآخرُ الّذي يتّسمُ بهِ عنوانُ هذا المُنجَز الشّعريّ (أُدَمْوِزُكِ وَتَتَعَشْتَرِينَ)، يَدفعُ بالكشفِ عن طبيعتِهِ؛ هل هي طبيعةٌ انفعاليّةٌ، أم ندائيّةٌ، أم ضِمنيّةٌ، أو مَبنيّةٌ على الإحالةِ المُباشرةِ أو الرّمزيّةِ، فالطبيعةُ اللغويّةُ بمفهوم إنتاج المعنى، هي طبيعةٌ انفعاليّةٌ فيما يَخصُّ هذا العنوان (أُدَمْوِزُكِ وَتَتَعَشْتَرِينَ)، إذ تتأسّسُ على الإحالةِ الرّمزيّةِ حَدَّ الشّحنِ الأعلى والقويِّ بالأسطورة، وذلك، بدِقّةٍ مائزةٍ في الاختيارِ والتّخصيص.

العنوانُ (أُدَمْوِزُكِ وَتَتَعَشْتَرِينَ)، أتى مُكَوَّنًا مِن فِعليْنِ مَنحوتيْنِ ومُستَخرَجَيْنِ مِن أسماء ذات حمولةٍ خصبةٍ؛ وموغِلةٍ في الإيحاء، بفعليْن بصيغة المُخاطب، يُشكّلُ واو العطفِ بيْنهما وسيطًا وقنطرةً لإنتاجِ المعنى، ونحن نُدركُ أنّ كاف الخطاب هي أشدُّ وطأةً وثِقلًا في صيغةِ الجُملةِ الفِعليّة، سيَّما وأنّهُ حمَلَ دليلَ التّناقضِ بينَ المُكوّنيْن، وزادَ في توسيعِ دلالةِ المعنى، لكنّ العنوانَ كبوْحٍ انفعاليّ، غالبًا ما يَنطوي على نفَسٍ شاعريٍّ مُميّزٍ وشفّافٍ، خصوصًا، عندما يَنغمِسُ الشّعرُ في مَرجعيّةِ اللّغةِ، كخلفيّةٍ لإنتاجِ المَعنى، لا سيّما حين يَمتلكُ الشّاعرُ آليّاتِ تطويعِ اللغةِ، كما تميّزَتْ بذلك الشاعرة آمال عوّاد رضوان!

(لا أريد هنا أن أنزلقَ- بدافعِ الغُوايةِ الّتي نجحَ العنوانُ في تَشكيلِها إلى حدٍّ بعيدٍ- إلى داخل العملِ الشّعريّ، الأمرُ يَتطلّبُ مقاربةً نوعيّةً أخرى)، فأعودُ للقوْل، أنّ الشاعرةَ وبذكاءٍ، وظّفتْ عنوانًا- يَرشَحُ بدَفقٍ بهيٍّ مِن الشّحنةِ الإبداعيّةِ– كقوّةٍ إغوائيّةٍ وبيانيّة. وظّفتْ عنوانًا جاءَ بعيدًا عن اللونِ التّقريريِّ والمُباشر، وقد أكسَبَتْهُ قدرةً غيرَ عاديّةٍ على الإخصاب، وعلى دفع المُتلقّي إلى المُساءلةِ، وهو مُشبَعٌ بإمتاعٍ مَعنويٍّ جَماليٍّ فريد.

(أُدَمْوِزُكِ وَتَتَعَشْتَرِينَ)، عنوانٌ أنثويٌّ بامتيازٍ، ولن تتوفّقَ الذّكورةُ أبدًا في هذا الجانب الجَماليِّ والإستتيقي، لأنّ السّبقَ في هذا مقرونٌ بضَماناتٍ ذات طبيعةٍ نوعيّةٍ/ جنسيّة، إذ نَلمحُ بالنّسبةِ للعناوينِ الأنثويّةِ عامّةً، هيمنةَ حفيفِ اللغةِ وفتنةَ الكلمات.

يتدثّرُ العنوان (أُدَمْوِزُكِ وَتَتَعَشْتَرِينَ)، برداء/ فستان المَظهرِ الاستلابيِّ والغريزيِّ الضّامر، وهو عنوانٌ لنصٍّ شِعريٍّ داخل الديوان، استبَدَّ بكلِّ عناوينِ النّصوصِ الأخرى، فقد انتزعَتْهُ الشّاعرةُ عُنْوةً، لحُمولتِهِ، والأمر ليس مُصادفةً مجانيّةً، وإنّما إراديًّا هي عمليّةُ قصْدِ لفتِ الانتباهِ إليه، عمليّةٌ أسهمَتْ في التّساؤُلِ، حولَ الحمولةِ الدّلاليّةِ لمثل هذا العنوانِ المُتفرّدِ، والرّاشِحِ بإمكانيّةٍ مفتوحةٍ على قراءاتٍ غير مُتناهيةٍ ولا محدودة.

المراجع :

(1)Grivel, Charles . Production de l’intérêt romanesque . Paris-La Haye page 173. Seuil 2002

(2) Eco, Umberto, Le nom de la rose .Paris : Grasset 1982

(3) Tony Bennet, Formalism and Marxism, Routidge, London, New York 1989, p.57

(4) قضية اختيار العنوان في الرواية العربية، د. عبد المالك أشهبون. مجلة عمان الأردنيّة، ع 98ص54.

(5) أدموزك وتتعشترين: آمال عواد رضوان، دار الوسط اليوم للإعلام والنشر رام الله، طبعة 2015.

(6) عشتار إلهة الأنوثة والحياة، مقال رقمي، د.علي القاسمي، الرباط

(7) أدموزك وتتعشترين، ص21

(8) عشتار إلهة الأنوثة والحياة، مقال رقمي، د.علي القاسمي، الرباط

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .