بعدسة مفيد مهنا
شيعت اهالي كابول الي مثواه الاخير الرفيق زكي هيبي بحضور اهالي القرية والقرى المجاورة ورفاق الحزب والجبهة من المناطق الحزبية يوم الجمعة 6/1/2017 اثر مرض لم يمهله طويلا عن عمر ناهز الـ75 عاما .. وفي هذه المناسبة الحزية يعيد محرر موقع الوديان نشر مقابلة اجراها مع الراحل ابي الفهد وكانت قد نشرت في صحيفة الاتحاد يوم الأثنين 21/5/2012 ،تحت عنوان:
الشيوعي المخضرم زكي هيبي: تركيبة حزبنا الشيوعي اليهودية العربية هي سر حيويته وجمال الانتماء اليه
//أجرى اللقاء: مفيد مهنا – رغم ان سن زكي هيبي (أبو فهد) لم يتعدّ الست سنوات يوم احتل الجيش الاسرائيلي قريته ميعار، الا انه حمل مع طفولته مأساة النكبة ومعاناة الشعب الفلسطيني وآلام التهجير بتفاصيلها، ويقول ان قصة تهجيرهم من ميعار لا تختلف، كثيرا عن ما جرى لهذه القرية او تلك من القرى الفلسطينية المنكوبة. ويضيف، لو أن اهالي ميعار كانوا يعرفون ان هناك مؤامرة مبيّتة لما خرجوا من البلدة حتى على جثثهم، الا انهم اعتقدوا ان المسألة ليست اكثر من اجراء احتياطي دون أن يدركوا أن الرجعية العربية بالتعاون مع المستعمرين والصهاينة تآمروا عليهم.
حينذاك اجتمع الاهالي وقرروا عدم المقاومة إذ لم يكن في القرية أكثر من عشرين بندقية فكيف يقاومون جيشا بكامل معداته، فتركوا البيوت قبل وصول الجيش خوفا من أن يحل بهم ما حل باهالي دير ياسين وغيرها، من مجازر وقتل وذبح وهدم البيوت على رؤوس اصحابها.. لكن عندما دخل الجيش الاسرائيلي الى القرية، عاد وفد من الاهالي يفاوض الجيش للسماح لهم بالعودة الى بيوتهم فقال لهم الضابط المسؤول انا اريد العشرين بارودة، فوافق الوفد لكن الضابط تراجع وطلب ايضا تسليمه عشرين شابا! فقال لهم المختار اذا كنا نسلّمكم ما عندنا من “سلاح” فماذا تريدون من شبابنا نحن لا نسمح بهم .. وهكذا بدأت رحلت عذابنا فانتقلنا الى سخنين وهناك من وصل الى لبنان ثم عدنا الى كابول فاستقبلنا الاهالي بكل ترحاب.
الاتحاد: ألم يترك اهالي كابول قريتهم أيضًا؟
هيبي: هم ايضا خرجوا منها وبعضهم وصل الى سخنين لكن احد المحسوبين على المحتلين وهو ليس من كابول سرَّب لمجموعة من الاهالي ان المسألة “مبيوعة” وإذا لم تعودوا حالا وبسرعة سيحتل الجيش البلدة. ورجع الاهالي ونجت كابول. لكن بعد أن عاد اهالي ميعار الى كابول قام الجيش بتطويق البلدة ومطاردتنا كميعاريين بحجة اننا لسنا من اهالي البلدة والإحصاء السكاني لم يشملنا، فقاموا بجمع المئات من الاهالي واجبرونا على الصعود في حافلات نقلتنا الى منطقة عارة وعرعرة حيث كانت تلك البلدات ما زالت تحت إمرة الجيش الاردني وبعض من الجيش العراقي.. وقالوا للأهالي “بروخ عند الملخ ابدلله” أي روحوا عند الملك عبدالله، فقام الجيش العربي بنقلنا الى مخيم عين الماء بجانب نابلس ومكثنا فيه حوالي سنة ثم عقدنا العزم على العودة الى ديارنا.. كنا نسير في الليل ونستريح في النهار، خوفا من ان يضبطونا، ابن بلدنا علي السالم غاص في وحل مرج ابن عامر وقضى، وبعد رحلة عذاب طويلة وصلنا الى كابول من جديد يومها بدأت قضية الهويات الحمراء حيث استطاع المحامي حنا نقارة مع ضغط من القوى الديمقراطية الشريفة من رفاقنا اليهود بقينا في الوطن..
الاتحاد: كنت صغيرا، واليوم ماذا تعني لك ميعار؟
هيبي: هي حياتي لا تفارق مخيلتي احنّ للعودة اليها الى بيادرها الى كروم زيتونها ولو الى آخر يوم في حياتي. كيف انسى تلك الارض التي كان يحرثها ابي، والبيادر التي كنا نمرح عليها ونحن صغار، كيف لا اشتاق الى بيتنا، وكثيرا ما سألت نفسي هل تلك المستعمرات “ياعد” و “سيغف” التي اقيمت على اراضينا احق منا بأراضٍ ورثناها ابا عن جد منذ مئات السنين.
الاتحاد: تقول ان الصهاينة بنوا المستعمرات على ارض ميعار فهل رغم ذلك ما زلت تأمل بالعودة الى بلدك؟
هيبي: عودتنا الى ديارنا حق مقدس ولا يخطر ببال احد بأننا سنتنازل عنه، وأنا الانسان الشيوعي البسيط انصح حكام هذه البلاد وكل من له يد بأن يعملوا على إحلال السلام، فاليوم قد يكون افضل منه مستقبلا، فبدون حق العودة سوف لا تنعم هذه البلاد بالسلام الحقيقي.
الاتحاد: ماذا تقصد بأفضل منه مستقبلا ؟
هيبي: العالم يتغير ونحن لا نريد ان نطرد اليهود من بيوتهم كما فعل حكامهم وجيشهم بنا، وإمكانية التعايش بين الشعبين تأخذ حيزا واسعا بين العرب، بقي على اليهود وحكامهم أن يدركوا هذا الامر ففي هذه البلاد يستطيع العيش اليهود والعرب بأمن وسلام، وعلى حكام هذه البلاد ان يدركوا أن من يتنكر للشعب الآخر يخون شعبه أيضًا. هذا من ناحية اما من الناحية الاخرى فاذا كانت المانيا والكثير من دول العالم قد اعترفت بالجريمة التي ارتكبت بحق اليهود في الحرب العالمية الثانية فلماذا اسرائيل وغيرها لا يعترفون بالجريمة التي ارتكبت بحق الفلسطينيين عام 48، أي ضمير هذا الذي لا يتألم لهدم 530 قرية فلسطينية وما لحقها من تشريد وقتل وذبح ومجازر في دير ياسين وغيرها. فهل اسرائيل مستعدة أن تعترف وتتحمل مسؤولية ما جرى للشعب الفلسطيني كي نقول انها بدأت تسير نحو الديمقراطية؟..
الاتحاد: هل مأساة النكبة هي التي دفعك للانضمام الى صفوف الحزب الشيوعي؟
هيبي: مأساة النكبة كان لها أثر كبير على طفولتي وعلى مجرى حياتي وعشت مشردا في وطني.. لكني تعرفت على الشيوعية وعلى المُثل والقيم العليا من اشخاص مثل “ابو شحادة” ومواقفه المشرفة في الدفاع عن اراضي وكروم زيتون ميعار بالإضافة الى حسين حمادة وصبري بقاعي وقاسم حمود، كانوا بالنسبة لي المثل الاعلى مع غيرهم من وطنيين.
الاتحاد: قبل أن نبدأ بتسجيل المقابلة اكدت على اهمية تركيبة حزبنا الشيوعي حزبا يهوديا عربيا؟
هيبي: دعني اضيف ان حزبنا الشيوعي قد يكون من الاحزاب القليلة بمثل هذه التركيبة، وهذا سر حيويته وجمال الانتماء اليه، فما قام به رفاقنا اليهود بالدفاع عن العرب الكثيرون من العرب يفتقرون الى القيام به، فحتى في عز مأساة الترحيل عام 48 كان رفاقنا اليهود يتصدون ويقنعون الاهالي بعدم ترك حيفا وغيرها،من الناحية الاخرى فمقابل هذا الموقف الشجاع، جرى ارسال شاحنات الترحيل من قادة عرب لترحيل السكان. لو أن القادة العرب لم يتآمروا علينا ورغم مرارة قرار التقسيم لكان الوضع اليوم في دنيا اخرى.
الاتحاد: سؤال عن الوضع الراهن، كيف تقيِّم دور المرأة في العمل السياسي؟
هيبي: المرأة لها دور اساسي في الحياة السياسية وعندما تقود امرأة، على سبيل المثال، مظاهرة اقول بدأ المجتمع يتحرر ورغم ما يوليه حزبنا الشيوعي من اهتمام في هذا المجال، ارى ان هناك تراجعا في دور المرأة داخل صفوفنا. كما ارى ان هذا الدور آخذ بالانحسار بشكل عام في مجتمعنا، رغم هذا المنصب او ذاك الموقع الذي وصلت اليه بعضهن، وكأن المرأة اخذت حقوقها وتحققت المساواة بين الجنسين. وما زلت ارى أن الكثير من العقبات والمشاكل تحد من اخذ دورها السياسي والاجتماعي.
الاتحاد: هل الدين هو السبب؟
هيبي: لا أبدا، وانما التعصب والتزمُّت الديني آخذ بالتغلغل في صفوف المجتمع وله دور كبير بالوقوف في وجه تطورها ومجاراتها للحياة. وعلينا كناس متنورين التصدي من خلال الحوار الهادئ والهادف لمحاولات فرض انماطٍ من التزمت الديني وما اليه من تقاليد ومناهج حياتية تشدنا الى الوراء وتجعل قسمًا كبيرًا من نساء مجتمعنا العربي يتقوقعن ضمن اطار ضيق. هناك من يمنعون المرأة من سياقة السيارات او السير بمظاهرة مشتركة حتى الى جانب زوجها. ثم ما معنى ان تمتنع المتاجر في هذه البلدة او تلك حتى من المتاجرة بماء الشعير (البيرة). نحن نحترم الدين ونجلّه لكن علينا عدم المهادنة مع الذي يتاجرون به.
الاتحاد: انت في السبعين من عمرك وحزبنا مُقبل على المائة عام من ميلاده ونرجو لك المديد من السنين الى ما بعد المشاركة بتلك المناسبة فماذا تقول؟
هيبي: انا بصراحة سعيد بمثل هذه المقابلة، خاصة وان “الاتحاد” كانت رفيقتي منذ مطلع شبابي، واليوم ازداد اعتزازا، انا ابن ميعار المهجرة بنشاط رفاق من ابناء بلدي كابول، مع غيرهم في الحزب والجبهة والشبيبة، شبان وشابات يعملون ويواصلون تعبيد الطريق الى الاشتراكية بتلك القيم والثقافة الشيوعية. وبخصوص اقتراب المائة عام على انطلاقة حزبنا الذي يزداد شبابا برفاقه ورفيقاته من يهود وعرب، اتوخى من “الاتحاد” أن تبدأ بجمع مآثر من رحلوا عنا وممن نتمنى لهم المزيد من العمر المديد ومنهم مثلا: سليم القاسم، نصري المر، عودة الأشهب نعيم الاشهب، بنينا فاينهوز، اميل حبيبي، توفيق طوبي، ماير فلنر، موسى حوري، حنا نقارة، جمال موسى، ساشا حنين، بنيامن غونين، يورام غوجانسكي ووالده، سميرة خوري، عصام العباسي، وغيرهم من رفاق وأصدقاء ممن صارعوا الصهيونية ودافعوا عن العمال والفلاحين وتصدوا للتهجير وصانوا هذا الحزب الذي لم ينحرف يوما عن مبادئه وقيمه وشيوعيته السامية.