لوحات على حافة الجّسر..بقلم الكاتبة شهربان معدي

2

هُناك وقف على حافّة الجّسر، وَحيدًا..
يتأمْل المدى..
غمس ريشته الحرير بعبق الألوان.. وعطّرها بماء الروح، وبدأ يرّسم لوحاته.. لوحة تنساب تلو الأُخرى، لوحات نُقِشَتْ ببلور البلاغة، وزُيْنت ببديع البيان، لوحات لم تُكتب بلُغة سريالية، ولم يكن أبطالها، أحدى آلهة ملحمة هوميروس! ولم تُرسم بريشة فان كوخ، ولكنها، رُسمت بجناحين لملاك الحُب، ملاك مُرهف الحسْ، صادق الوجدان، كريم الخُلق، مدّ جناحيه كبساط الريح، ربيعا، فوق الجّسر، ليُحلّق فوْق البيوت المهجورة، والمُهدّمة والمنسوفة، ليُعيد “وطنًا لزمن الغُرباء الذين ماتوا من العشق، والفُقراء الذين يحملون، أحلامهم إلى قبورهم”

هو الأمير الكرملي، الشاعر المُبدع “وهيب وهبة، الذي جَمَعَ كل زُجاجات الحُزن ورماها في البحر..
ما أنقى قلبه الذي يشبه قلب عصفور يحمل كل المواسم! وأسّمى رسالته التي تحدّى به الجفاف والقيظ وريح تشارين، وبرد كانون، ليُبشّر بفجرٍ جديد، تحظى به الأجيال القادمة..
كَتَب بلون البحر..
“والبحر كتاب الماء في لغة العناصر”
جمع غلال “أبو علي” وحوّلها لجسّرٍ من نور تمر عليه الأجيال القادمة.
“فرش فلسفة “ابن رشد” على مائدة البحر”، وهبط كالنسر فوق جُرن الفكر، “ليبسط جناح الريح قصيدة” ويشهر سيفه المزروع بالسنابل حينا المصطلي بالنار أحيانا ليكتب عن الظلم والعُنصرية ووطنه الذي أحبه أكثر من كُلَّ شيء..

أعاد لفاطمة يمامتها المصلوبة، بين الشعر والمطر و..
“ركضتْ حتى آخر الجسْر
علّقْتُ سبحة جَدّي
وكوفية أبي
وقميص أخي
والريح عبر الجسر”

أميرا كنعانيا تخطّى البوابات السبع، وحمَلَ وطنه، ورغيف التنّور، وحلم صِبْيَة الجوز واللوز
والسّكر، وخابية الزّيت وبرتُقال يافا، واجتاز منافي الصّقيع والرّيح والغُربة، وكتب حكاية وطن..
“عروسٍ بلون الفرح
وهديل يمامة بالنشيد
عُلِّقَت فوق المُقل
صورة لوطنٍ.. ينهض في عز المحن”
ارتعشت اللوحة المُعلقة على الجدار، دُبت الحياة فيها.. بُعثت من جديد..
عاد الرّجل الكنعاني من غُربة المنافي.. ليسقي بيّارات يافا، وزيتون الجليل..
رَقَص صبية اللوْز والجوْز والسّكر، على الجّسر، لَمَعَ السيْف اليَمانيّ، وزغردت حوريات اليمامة، وما بين البحر والبحر، أشّرق ليْل كنعان في عزّ الظّهيرة..
أزهر اللوز، وعادت العصافير البرية، واينعت طلوق الزعتر..
عاد الوطن، وانتهت شريعة الغاب..
خرَجَت اللوحة من أبواب الحلم، لتنام تحت دفء القصيدة..

وأجمل ما سكَبت أنامله حسب ذائقتي المُتواضعة، قصيدته عن العُنصُرية:
“بالأبيض والأسود”
كان ليل وجهه الأسود
يضيء المكان
ابتسمت له..
ارتسمت الابتسامة فوق شفتيه
كالشّمس..
أشرقت بالعشق في العينين كالقمر
وسط السّواد
وحين خَرَجا..
توقّفا قليلاً ثم ابتعدا
تاركيْن حولهما رائحة العشق
تفوح في أرجاء المكان..
وكان الباب الشاهد الوحيد
أنّها إنسان وأنّه إنسان
وأن ريشة الخالق رسمت الطَّبيعة
بالألوان”

أديبنا الكبير، الأُستاذ وهيب، في هذا الزمن العصيب، والذي وإن توفرت فيه لبعضهم كل سُبْل الراحة والترفيه، بينما اشتهى آخرين لقمة العيش الكريم، ورائحة الوطن، واصبحت فيه الكتابة منفسنا الوحيد، لنحتوي كل هذه المُتناقضات، دمت لنا مُبدعًا ومصدر إلهام، للوحات، نفضْت عنها، بديباجتك الراقية السلسة، غُبار  النسيان، وعطّرٓتها بأريج الإنسانية، لتُبعث من جديد..

1

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .