قال الشيخ في خطبته يعظ مستمعيه: الحذر الحذر من الحرية والديمقراطية والحضارة والتمدن.
هؤلاء أعداء الدين وبنات الشياطين وسبب الفساد في المجتمع. صدّرها الغرب إلينا، ليستغلنا ويفسد أخلاق أبنائنا وبناتنا وليتحكم في مصائرنا ويخرجنا عن مبادئ ديننا.
هذه العبارات والأفكار من صنع داعش وأمثالها من السلفيين المتعصبين والتكفيريين، فهي تغذيهم وتقويهم، وهم يستغلونها سلاحا لارتكاب الفظائع والجرائم التي يمارسونها على طول بلاد الدنيا وعرضها. وهي تتحلل لهم التحكم في عقول البشر، خاصة صغار العقول وصغار السن. فيكرهون العالم ويحملون على ما فيه من علم وثقافة وأدب وفن، ويستخفّون بانجازات البشرية في العلم والتكنولوجيا والصناعة وغير ذلك مما وصلت اليه الإنسانية.
ان من يتبنى هذه الأفكار يريد ان يستعبد الناس ويحرمهم من الحرية التي منحها الله تعالى لعباده، ويتحكم بمصيرهم، ويسلبهم حق الاختيار الشخصي او الاجتماعي او السياسي، بل يبغي ان يقودهم كالغنم، لا حق في انتخاب ولا اعتراض على رئيس او زعيم او ولي أمر.
وهو لا يريد لهم ان يستفيدوا مما توصلت اليه البشرية من التقدم العلمي والتقني ووسائل العيش والراحة. بل يريد ان يمنع عنهم ما وصل اليه التمدن البشري من تنظيم وإدارة ووسائل عيش كريم وفن وأدب وعلم.
يريد ان يحارب السيارة والتلفزيون والراديو ووسائل الإعلام ووسائل المواصلات والاختراعات الطبية والعلمية.
وهل يستطيع هو التخلي عن السيارة والنقال والراديو والمكيف والأدوية والمستشفى؟!!!
نحمد الله ان هذه الأفكار لا مطرح لها في الروح الدرزية المتسامحة الواعية المتأقلمة مع الجوار ومع الزمن والمحافظة على الأصول والجوهر .
قلة قليلة من زعامتنا الدينية تحمل مثل هذه الأفكار، ونادرا ما يتفوه بها قادتنا الروحيين بمثل هذا الكلام .
ان روح العقيدة الدرزية القائمة على العقل تعارض هذا الفكر، كما قال المعري:
كَذَبَ الظنُّ، لا إمامَ سوى الـ | ـعقلِ، مشيراً في صبْحه والمساءِ |
ولأننا نعتمد على التخيير لا على الجبر. كما فلاسفة الإسلام – المعتزلة – أهل العدل والتخيير.
ولان أسيادنا الفلاسفة: سقراط وأفلاطون وأرسطو هم من وضعوا أسس الحرية والديمقراطية والعقل. ومنهم تعلم العالم.
ليست الحرية كما يفهمونها انفلات وتهور وترك العادات والتقاليد الفاضلة، بل حرية الفكر المبني على الفهم والاتزان والالتزام والفضيلة.
ان من يدع ان هذه الظواهر الخطيرة زادت بسبب الحرية والديمقراطية فهو خاطئ.
فهل الدول الدكتاتورية تخلو من الانفلات والجريمة والخطيئة؟ وهل لم تحصل في الماضي مثل هذه الظواهر السلبية؟
لقد كثرت المظاهر والسلوكيات السلبية لان الناس كثرت. ففي قرية كان عددها قبل سنوات 500 نفس. وكانت تقع حادثة قلة شرف كل سنة تقريبا، واليوم اصبحت القرية تعد فوق 10000 نسمة على الاقل. يعني زادت 20 ضعفا. فزادت الحوادث عدديا، لا نسبيا.
فالحل ليس عدم الحرية، بل حرية مع توعية.
والحل زيادة الديمقراطية والمسؤولية الشخصية القائمة على الفهم والعقل والتربية الصالحة.
والحل الاستفادة من العلم والحضارة والتمدن، وتجارب الشعوب والامم، واخذ الصالح منها والمفيد، واختيار مع لا يتعارض مع المبدا والجوهر، لا النظر الى القشور.
فكفى محاربة طواحين الهواء.