الناقد المصري والأمير السعودي واليخت الروسي بقلم: زهير كمال

3

بداية الخبر

انتقد الناشط السياسي المصري وائل غنيم شراء ولي ولي عهد الملك السعودي الأمير “محمد بن سلمان” ليخت بقيمة   

550 مليون دولار، في الوقت الذي أعلنت فيه الحكومة السعودية عن اتخاذ إجراءات التقشف بخفض مرتبات الوزراء.

وقال “غنيم” في تدوينة عبر صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”: “الأخ محمد بن سلمان كان في إجازة صيفية في جنوب فرنسا في صيف 2015 بيستريح بعد قرارات الإجراءات التقشفية الاقتصادية اللي خدتها الحكومة السعودية “.

 وأضاف: “في أثناء الزيارة شاف يخت بيمتلكه ملياردير روسي إسمه يوري شيفلير، فعرض عليه إنه يشتريه، صاحب اليخت مكانش عارضه للبيع ولكن بسبب إصرار محمد بن سلمان اتفقوا على سعر 550 مليون دولار (يا بلاش!) مع أن الراجل اشترى اليخت  بـ330 مليون دولار، يعني الأخ محمد بن سلمان قرر يصرف ما يقرب من ضعف تكلفة اليخت لمجرد إنه عايزه دلوقتي“.

وتابع: “شاب عمره 31 سنة، تقريبا ما اشتغلش في حياته أي شغلانة تبرر الثروة اللي معاه (غير طبعا شغلانته سمو الأمير)، قرر في بضع سويعات يصرف مبلغ يزيد على 2 مليار ريال سعودي عشان يشتري يخت مش هيستخدمه غير كام يوم في السنة في نفس الوقت اللي بيطالب فيه شعبه إنه يقبل الإجراءات التقشفية اللي فرضتها الحكومة“.

واختتم: “لما الناس تعترض وتتكلم يقول لك مؤامرة.. ياخي أنا حقا أعترض

وبحسب تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز الأميركية، قام الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، بخفض الميزانية العامة للدولة، وجمد العقود الحكومية، وخفض أجور الموظفين، عملاً بتدابير التقشف التي طالت كل جزء من المملكة بعد انخفاض أسعار النفط وارتفاع نفقات عدوان السعودية على اليمن

 نهاية الخبر

1

على اعتبار أن شر البلية ما يضحك هذه بعض المشاهد التخيلية التي حدثت بعد نقد وائل غنيم للأمير السعودي :

قال المتخصص في شؤون الميديا والفيس بوك وخلافه في حاشية سمو ولي ولي العهد:
طال عمرك انتشر خبر شرائك اليخت بمبلغ 550 مليون دولار ، وائل غنيم انتقد الأمر على صفحته في الفيس بوك.

سأل الأمير : مين وائل غنيم؟

رد عليه : مصري اشترك في ثورة يناير 2011 وأصبح مشهوراً بعدها.

قال فرد آخر من الحاشية وقد غلى الدم في عروقه وأصبح وجههه أحمر مثل حبة الطماطم : هذا الولد شيعي ، مؤكد .

( كاتب هذه السطور يجهل ملة أو طائفة وائل غنيم ولا ولن يهمه معرفتها، ومن أنشأ بدعة الطوائف والملل إنما هم آل سعود الذين يهمهم حرف أنظار الناس عن استيلائهم على المال العام) .

قال الأمير إيش دخله هذا الثورجي؟

ردّ أحدهم : بلاوي بتتحدف علينا ، مصري ويتكلم عنا ، طب ما يتكلم عن السيسي.

قال الأمير : للعلم أنا أخذت موافقة والدي على الصفقة، قال لي يا بني الحياة قصيرة وزائلة  ، استمتع بها قدر الإمكان.

قال مُتزلف آخر : طبعاً طبعاً ولا تزعل من هؤلاء الغيارى والحقودين مؤكد أنه صليبي مش شيعي.

قال المهرج وهو في غاية السلطنة بعد أن دخن سيجارة من الحشيش الفاخر:

الناس بتتكلم علينا ولازم نضع حد للإشاعات.

من الممكن أن نستمر في تخيل حوارات كهذه تدور في بلاط ولي ولي العهد، فمجرد اهتمامه بشراء يخت فاخر يعكس طبيعة تفكيره وتفكير شلته وما يدور في الوسط المحيط به.

ما لم يقله الخبر إن الشرط الوحيد للصفقة كان شراء اليخت مع طاقمه من الملاحين والطباخين والمضيفين والمضيفات . فقد شاهد الأمير بعض المضيفات الروسيات الفاتنات وهن يتشمّسن على سطح اليخت .

سنترك هذه المشاهد لنرجع في التاريخ الى البدايات مع مُواطن من الجزيرة العربية ولد في مكة وتوفي في المدينة قبل 1400 عام تقريباً اسمه عمر بن الخطاب.

إضافة الى إيمانه بنظرية العدل المطلق وانطلاقاً منها، لم يعرف التاريخ حاكماً يعرف قيمة الإعلام وقوة تأثيره في الناس ، توجيههم أو إعطائهم مثلاً أعلى،  مثل عمر بن الخطاب.

فعندما بدأ خلافته جمع أفراد أسرته وقال : ينظر الناس إليكم نظرة الطير الجارح الى اللحم. وقد نبههم الى أن عقابهم سيكون أشد من عقاب العامة إن أخطأوا .

ولم أجد أشد بلاغة من هذا التعبير في وصف العلاقة بين عائلة الحاكم والشعب.

وقد طبق عمر إلى حد الشفافية هذا المبدأ .

والمثل التالي يوضح إلى أي مدى وصل إليه في تطبيق تحذيره لعائلته.

رأى عمر إبلاً سماناً حسنة الهيئة فأعجبته فسأل:

لمن هذه الإبل؟

قالوا: إبل عبد الله بن عمر.

فأرسل من يأتيه بعبد الله فقال له:

بخ بخ يا ابن أمير المؤمنين، ما هذه الإبل؟

قال عبد الله: إنها إبل إشتريتها بمالي، أتاجر فيها وأبتغي ما يبتغيه المسلمون.

قال: ويقول الناس حين يرونها: ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين ! اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين ! وهكذا تسمن إبلك، ويربوا ربحك يا ابن أمير المؤمنين ! يا عبد الله بن عمر، خذ رأسمالك الذي اشتريت به هذه الإبل، وإجعل الربح في بيت مال المسلمين. وامتثل الابن لأمر والده.

إذاً فقد وصل الأمر بالحاكم حد منع المحاباة التي يميل الناس بطبيعتهم لانتهاجها تقرباً للحاكم.

والمثل التالي يبين التوزيع العادل للثروة التي يؤمن بها الحاكم ويطبقها:

وصلت الى المدينة من اليمن الذي كان سعيداً ويصدر بضاعة الى العالم ، كمية من الأقمشة فقام عمر بتوزيعها على أهل المدينة بالعدل والقسطاس، وفي صلاة الجمعة لاحظ المصلون أن طول إزار عمر ضعف طول أزرهم.

واحتج أحدهم بشدة على هذا الظلم والإجحاف في التوزيع ، ابتسم عمر ونظر إلى إبنه عبدالله الذي تطوع قائلاً :

لقد أعطيت أبي نصيبي من القماش .

وعمر لمن لا يعرف كان طوله يفوق المترين.

لم يغضب عمر ولم يأمر بقطع رأس المنتقد أو وصفه بأنه خارج عن الملّة أو أنه يهودي أو صليبي.

وبالطبع لم يخطر على باله بداية أن يستحوذ على عدة قطع لأنه الحاكم وإعطاء الباقي لأحد أقاربه ليتاجر بها ويضمن حصته من أرباحها.

وربما اعترض أحدهم وقال إن هذا عصر قد مضى ، وهذا صحيح لو أن النظام السعودي لا يرفع راية الإسلام يحكم باسمها ويستغل الدين أبشع استغلال، فمن يبالي بما يفعله سلطان بروناي أو غيره من هؤلاء الحكام المُبتلية بهم شعوبهم؟

بدأ المقال بمشاهد أقرب إلى الواقع الأليم مع محمد بن سلمان الذي تطبل له أجهزة الإعلام المدفوعة بشكل غير طبيعي وكأنه سيحقق المعجزات عندما يحكم.

ولكن لماذا لا نسرح قليلاً في الخيال ونتأمل المشاهد التالية:

بناء على دعوة الحكومة الفرنسية وعلى نفقتها قام ولي ولي العهد السعودي بزيارة عمل لمناقشة جدولة مدفوعات لقيمة النفط الذي تم تصديره إلى فرنسا ولم يتم سداده بعد. هذا ومن الجدير بالذكر أن هذه الزيارة تعتبر من الزيارات النادرة بعد أن منع الملك السعودي سفر كافة الأمراء الى الخارج .

أبدى الأمير إعجابه باليخت الراسي في الميناء ، وكان فعلاً قمة في التصميم والجمال.

قال عضو من الوفد المصاحب : أصلح الله الأمير، لم لا نقوم بإنشاء مصنع لمثل هذه اليخوت الفاخرة، فبلادنا تطل على المياه شرقاً وغرباً وعندنا مصانع البلاستيك التي ستوفر الجزء الأساسي من الجسم.

وقال آخر: والله فكرة ، مدينة جدة مناسبة لهذا الغرض.

اعترض عضو آخر قائلاً : لا تحابي جدة لأنك منها ، نسبة البطالة في المنطقة الشرقية أعلى وهي قريبة من مصادر المواد الخام، وقريبة من المشترين في الخليج.

قال الأمير: وين رحتوا لبعيد ؟ لو فكرنا بمصنع ، أنا أفضل مصنع للدبابات بدل الشراء من الخارج.

قال المستشار الأول : بس طال عمرك احنا ما عندنا حديد.

قال الثاني: يا أخي اليابان تستورد كل المواد الخام تصنعها وتقوم بتصديرها بأسعار خيالية.

قال الثالث: كلاكما يجهل حجم وكمية الحديد الموجودة عندنا وهي كمية خرافية.

قال الأمير : أتعرفون بينما كنت أنظر الى هذا اليخت الجميل ، كنت أفكر بمحمد بن القاسم الثقفي ، هو من عندنا من الطائف. قاد الجيش وهو في السابعة عشر من عمره وتقول كتب التاريخ إنه كان ماهراً في الدبلوماسية والمفاوضات.

لن نستمر في سرد هذه المشاهد الخيالية فليس هدف كاتب هذه السطور زيادة الحسرة  والألم عند القارىء. ولكن ما جرى فعلاً على أرض الواقع هو مثل صارخ يعكس علاقة الحاكم العربي بالمال العام منذ عهد معاوية بن أبي سفيان وحتى عصرنا الحاضر ولا يتجاوز الذين حافظوا عليه واستعملوه للصالح العام ثم ماتوا فقراء عدد أصابع اليد الواحدة.

قال ماركس:

الفقير لا يصنع الثورة.

إنما وعي الفقير هو الذي يصنع الثورة.

الطاغية مهمته أن يجعلك فقيراً.

وكاهن الطاغية مهمته أن يجعل وعي الفقير غائباً .     

(المصدر: صيفة الشرق الاوسط  الجديد)

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .