هل استحق بوب ديلان جائزة نوبل؟

25605735

توقعت أن يكون هناك لغط وردود أفعال متفاوتة حول فوز ديلان بنوبل للاداب.
لكن المعارضين كانوا قلة. ولعل أهمهم كان الكاتب الأميركي من أصل لبناني، والذي عاش فترة من حياته في الكويت -ربيع علم الدين- الذي صرح بأنه قرار خطأ يذكره بخطأ سابق، ذلك عندما منحت نوبل في إلى السياسي البريطاني ونستون تشرشل. وقد يكون مردّ ذلك إلى أن علم الدين من مواليد 1959، ويعتبر ذلك صغيرا للتماهي مع تجربة ديلان في الثورة والشعر والغناء. ولعل من أبرز الذين أيدوا منح نوبل للآداب لديلان كان الروائي سلمان رشدي «لقد خيارا عظيما.. فهو يذكرنا بالشعراء الحكواتيين»، وأيده ستيفن كنج وجيمس كارول أوتس. أما أشهر شاعر أميركي على قيد الحياة- بيلي كولنز فقد صرح: ان معظم كتاب الأغاني لا يقرأ شعرهم من دون موسيقى، لكن كلمات ديلان هي %2 من كلمات الأغاني التي تجذب القارئ من دون هارمونيكا وغيتار. أما سارة دانيوس، عضوة الأكاديمية السويدية، فقد وصفت ديلان بانه «شاعر عظيم يقارن بالإغريقي هومر». وعندما سئلت: هل منح الجائزة لموسيقي سيغير تعريف الأدب؟ أجابت إجابة ذكية، قائلة «الوقت يتغير»، وهو عنوان أغنية لديلان.
◗ وجهات نظر مختلفة
هذا، وقد توقعت انا ان يولّد فوز ديلان معارضة، خاصة ممن لم يسمع اسم ديلان من قبل، ولا يعرف عن موسيقاه. فالخبر كان صدمة لمن لا يعرفه. بعضهم تساءل: لماذا إذن لم تمنح الجائزة إلى البيتلز؟، وذلك ناتج عن أن ديلان مطرب، وهذا غير صحيح. ديلان شاعر يلقي شعره على الملأ، مستخدما الهارمونيكا والغيتار لكي لا يضجر الناس من عنفوان شعره، وليخفف عنهم تحمل كثافة تأثيره. يعزف لكي ينساب شعره بهدوء إلى عقول مستمعيه وعواطفهم، ولإدراكي بأن هناك من سيعارض، قمت بتجربة لم أقصد أن تكون تجربة، فقد أرسلت قصيدة «عالم سياسي» إلى مجموعة من الأصدقاء، مع الإشارة إلى بداية تعرفي على موسيقى ديلان. كان معظمهم في الولايات المتحدة، كان منهم أساتذة جامعات، وأطباء ومهندسون ومحامون ورجال أعمال، الغالبية رأت استحقاق بوب ديلان للجائزة إلا اثنين، أحدهما صديق كويتي تخرج في جامعة بيركلي في الستينات من القرن الماضي، والثاني محام إنكليزي، كلاهما ذو ثقافة عالية وتجربة غنية في الحياة.
ويعد صديقي الكويتي هذا مرجعا في الموسيقى الكلاسيكية ومميزا في مرجعيته للموسيقى المصرية كذلك، خاصة أم كلثوم. وقد استغربت رفضه منح ديلان الجائزة، خاصة أنه عاصر بداياته وانتشاره. لكني أعتقد أن السبب يرجع إلى أنه اعتاد ديلان مطربا لا شاعرا. أما صديقي الإنكليزي، فأعتقد أنه غير متقبل لمنحه الجائزة لتاريخه اليساري. واعتاد على أسماء كبيرة تمنح نوبل للآداب، مثل الأميركي الكاثوليكي ايليوت الذي عاش في انكلترا، أو الايرلندي جيمس جويس. مع أن أهم رواية للأخير «يوليسس» لا يفهمها إلا القلة. وفشلت محاولاتي في قراءة أكثر من سبعين صفحة منها. هذا وقد دخلت في حوار مع هذين الصديقين العزيزين عبر الإيميل، ولما يئست من تغيير وجهة نظرهما، أسعفني ديلان، فأرسلت لهما أغنية / قصيدة «مرض الغطرسة».
◗ تقدير أكاديمي
لا بد أن يعرف القارئ أن ديلان يحظى بالتقدير الكبير من أهم جامعتين كلاسيكيتين في العالم. فكتاب اكسفورد للشعر الأميركي يتضمن قصيدة Desolation Row أو حي الكآبة، التي تتميز بعمقها وإشارات إلى شعر ت. س. ايليوت وعزرا باوند، والتي ينهيها بــ:
كل الناس الذين ذكرتهم، نعم، أعرفهم، فهم مشوهون
كان علي أن أغير وجوههم، وأعطيهم اسما آخر
في الوقت الحالي، لا أستطيع القراءة، لذا
لا ترسلي لي رسائل
هذا إلا إذا أودعتيهم في بريد حي الكآبة
أما جامعة كمبريدج في انكلترا، فقد نشرت كتابا بعنوان «كتاب كمبريدج عن بوب ديلان» عام 2009. وهناك إقبال على دراسة شعر ديلان في هاتين الجامعتين العريقتين.
◗ امرأة وغموض
ويبدو ان لبوب ديلان تقديرا كبيرا في الجامعات العريقة، لأساتذتها الثقة الكبيرة باختيار المنهج الجديد المفعم بالحيوية. فهؤلاء يتعرفون على جودة العمل الأدبي في وقت مبكر. فقد قام الدكتور ريتشارد ثوماس بتدريس كورس في الأدب، اسم الكورس بوب ديلان 101. هذا وقد قابلتْ جنيفر شوسلر ودينا كرافت، من صحيفة النيويورك تايمز، الدكتور ثوماس ونشرت المقابلة بتاريخ 14/10/ 2016. وقد تساءلت إحدى طالباته عن رؤية ديلان للمرأة، ورأت أن في أغنيته «هي تؤلم مثل المرأة / لكنها تنكسر كطفلة صغيرة». إهانة للمرأة. لكن الدكتور ريتشارد، رأى أن ذلك مجرد انعكاس لتجربتي ديلان الغراميتين المؤلمتين مع كل من المطربة جون باينر، وعارضة الأزياء ايدي سيجويك. ومن أسباب الإعجاب الذي يحظى به ديلان في الأوساط الأكاديمية أن شعره غامض أو غير مباشر، وحتى ديلان يمتدح الغموض. ففي إحدى قصائده يقول «أنت متمكنة من اختيار الكلمات / وفي المحافظة على غموض الأشياء».
◗ أصول الكلاسيكية
وفي اللقاء نفسه للدكتور ريتشارد ثوماس مع مراسلتي النيويورك تايمز- جنيفر شوسلر، ودينا كرافت، يوضح ثوماس أصول الكلاسيكية في شعر ديلان. ففي الأغنية التي يبشر فيها «سأعفو عن المهزوم، وأتحدث إلى الجموع / سأعلم الغزو السلام / وأخضع المتغطرس»، فإن ذلك يعتبر اقتباسا مع تحوير بسيط من «أنيد» للشاعر الروماني فيرجيل. كما يضيف الدكتور ثوماس في اللقاء نفسه أن في البوم «أوقات عصرية» لديلان، هناك 16 بيتا مأخوذة من شعر أوفيد اليوناني. ويرى ثوماس أن هناك تشابها بين شعر ديلان، وشعر فيرجيل وأوفيد. لذا يرى أن شعر ديلان ستكون له قيمة ليست مربوطة بزمن معين.
◗ تكريم قمة
لذا، للإجابة عن التساؤل ان كان بوب ديلان يستحق الجائزة ام لا. أرى أنني اميل الى رأي الروائي الأميركي ليونارد كوهين الذي صرح به الى مراسل الغارديان البريطانية ونشرت بتاريخ 14 من الشهر الحالي. فقد اجاب قائلا «ان فوز بوب ديلان بنوبل للاداب اشبه بتكريم جبل افيريست بميدالية لكونه أعلى قمة في العالم».

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .