سعيد/ ران كوهين/سيرة ذاتيّة بقلم: نمر نمر

3
أن تقرأَ سيرةً ذاتيّة ليهودي عراقي، قَدِمَ فتىً يافعًا إلى البلاد، وهو في العاشرة من عمره، تاركًا الوالدين والأخوات في بغداد، ليلحق بأخيه البِكْر، بعد نشاط سياسي محظور في بلاد الرّافدين، يتتلمذ في القرية التّعاونيّة: جان شموئيل، المقامة على أنقاض خربة الشّركس في مركز البلاد، وترافق سيرة حياته الحافلة بالتّناقضات، المدّ والجَزْر، الخوف، الرّعب، ضَنَك العيش، النشاط الصهيوني، العمل الزّراعي، السّياسة، عضو كنيست، وزير سابق و. ليس بالأمر السّهل، خاصّة إذا كنتَ تمقت أغلبيّة رجال السّياسة في تقلّباتهم وتخبّطاتهم، تغيير المواقع والمواقف، الكشف عن نصف الحقيقة، وإخفاء أو تهميش النّصف الثاني، عمدًا ومع سبق الإصرار، هذا ما يجعل المهمّة صعبة وعسيرة، ورغم هذا وذاك، تواصل القراءة لعلّك تصل إلى كُنْهِ الحقيقة الضّائعة في ديارنا المشطورة والمبقورة، كُلّ مين إيدو إلو في ظلّ سياسات الحكومات المتعاقبة.
*سعيد/بالمانشيت العريض/ران كوهين بالمانشيت الصّغير، دار النّشر: سِفْرِيات فوعليم، تل أبيب 2016، عدد الصّفحات 240، قطع متوسّط، عدد الفصول 14: بغداد، البصرة، الصّحراء، الأهواز، طهران، جان شموئيل/خربة الشّركس، عين هحوريش/الحارثيّة، العودة ل ِ: جان شموئيل، وصول الوالدَيْن للبلاد، الطريق الى السّياسة وخاتمة المطاف، يهدي الكاتبُ سيرَتَهُ الذّاتيّة إلى: الأب اسحاق، لأم خاتون، الأخ يعقوب والأخت كلمنتين، وكلّهم فارقوا الحياة.
*ثلاثة من الكتّاب المَحَلِّيّين يُبْدون آراءهم بِإطْراء على هذه السّيرة الذّاتيّة:
1)الكاتب العراقي الأصل سامي ميخائيل: ران كوهن خير من يعكس الميراث الذي جلبه يهود العراق الى اسرائيل، سعيد هو مخلوق مُثير، يُشَكِّلُ مدماكًا آخرَ في إبداعات مُثقّفين من مواليد العراق، نجحوا في تقويض أسوار التّقوقع وتنويع الألوان في المجتمع الإسرائيلي، ولذا فَإنّ ما قدّموه يُعَزِّزُ الابداع الحضاري ويُثريه وينوّعه بشكل هام.
2)الكاتب العراقي، كذلك، إيلي عمير: قصّة إسرائيليّة أخّاذة، تُضيف مدماكًا سارًّا للهروب، القدوم والاستيعاب المدهش في البلاد، ران فازَ بما لم نَفُزْ به نحن أبناء الشّبّيبة في الكيبوتسات، كان سكرتيرأ وقائدًا للكيبوتس، عضو كنيست ووزيرًا، طيلة سيرته خاض معارك اجتماعيّة وسياسيّة باهرة، جلبتْ له ولنا الفخر الكبير، إنّها قصّة تبهر النّفس في الكفاح والنّجاح.
3)الكاتب المسرحي يهوشوّع سوبول: سعيد هو قصّة مثيرة، مُتَدَفِّقة وأخّاذة، قصّة ذاتيّة وحميمة جدًّا، تفيض حرارة، إنسانيّة ومحبّة، إنّها قصّة فترة عاصفة، صعبة، مُشْبَعَة بالحروب والمعارك السّياسيّة، وهي كذلك قصّة شعب تكوّن من جاليات إنسانيّة وحضاريّة مختلفة، تتمازج وتسير برغبة كبيرة ومُعاناة لِصيرورة إسرائيليّة مُرَكّبة جدًّا.
*إنّها سيرة السّيّد أو الرّفيق بِلُغَة الحزب والقرى التّعاونيّة: سعيد/ ران/ كوهين، المتأرجح بين: بغداد، البصرة، شطّ العرب، الأهواز، طهران. حتّى يحطّ به المطاف في أرض الميعاد كما يقولون، تتضامن معه ومع أسرته من جرّاء الملاحقة السّياسيّة، الفقر، العوز، الحاجة الماسّة إلى الدّفء والاستقرار، العيش الكريم والرُّنُوِّ إلى مستقبل أفضل، وأنا لا أدافع عن مصادرة الحرّيّات والهويّات في الأنظمة العربيّة والاسلاميّة في شرقنا الأوسط، في عهود مملكة العراق: الملك فيصل ووَصِيّه عبد الإله، ورئيس حكومته نوري السّعيد، حتى عام 1958، أو في إيران الشّاه محمّد رضا بهلوي، حتى عام 1979، وغيرهما من الأنظمة العَفِنة، حتى يومنا هذا.
*حنين ووفاء: تلمس حنين الكاتب الى مرتع الطفولة وملاعبها في العراق، حنين الوالدين والأسرة المستورة هناك، الوالد كان مهندسًا ومديرًا في مصلحة القطارات، الأكلات العراقيّة المُحَبَّبة، الجار للجار ولو جار، الجارة المسيحيّة البغداديّة المُمَرّضة، تنقذ حياته بعد أنْ كَفّنوه بالأكفان وَعَزّوا أُمَّه!
* تلمس لدى سعيد إفراطًا في القومجيّة والوطنيّة: يتحدّث الرّاوي عن النّشاطات السّرّيّة الصّهيونيّة هناك، تنظيمات وملاحقات، وحين يتأقلم هنا ويصبح ضابطًا، يُزايد على غُلاة العسكريّين الإسرائيليّين في عدوانَي أكتوبر 1973، والاحتلال الهمجي لجنوب لبنان 1982، يتطوّع للحرب ويشارك، دون أن يُطلبَ منه.
*جُمَل ومفردات عربيّة: يعترف الكاتب بأنّه لم يحافظ على لغته العربيّة هنا، ويتذكّر بعض المفردات مثل: إبني لا تَخَفْ، إبني عيب، إبني الله ويّاك، الوالدة تستغيث بجارها العربي: أبو عبّاس أنا أخْتَكْ قمريّة، بَحَلّْفَكْ على صندوق النّبي ص10، الباب الشرقي، قمر الدّين، عربانة، عربنجي، كُبِّة شِفْطَة/كباب كروي مع مرقة، دجاج محشي، الفقّوس، مرّة جحا شرب شاي صاح: حريقة! حريقة! العَلَم تبعي، أغنية: طا طْرُمْفيطة، وْطا طْرُمْفيطة/ واحد يهودي لبس برنيطة/ماما ماما ليكي ليكي/ شوفي الهودة يعمل هيكي.
*بين الموجود والمنشود: في أرض الميعاد! يشعر سعيد بالتّمييز حتى في العلاج الطّبي في قريته التّعاونيّة، يتحسّر عل العيش المستور هناك، ويتألّمُ من الفاقة التي تعاني منها أسرته هنا في عكّا، سكنى الخيمة، البحث عن لقمة العيش، الانتقال إلى شقّة ضيّقة، سعيد يحفر أساسات وبناء غرفة إضافيّة لِأهله، الفقر والعوز، يأخذ سعيد فضلات الأخشاب من الكيبوتس، ويبني قُنّ دجاج لِأُمِّه، كي تُوفّر البيض واللحم للأسرة، يعود ويبني لها حديقة صغيرة بجانب البيت، كي تزرع: بندورة، باذنجان، فلفل، بقدونس. الحاجة أُمُّ الاختراع، الوالد يجد شغلًا في مصلحة القطارات في حيفا، أخواه الكبيران إلياهو/إيتان ويعقوب نَشِطا سياسيّاُ في العراق، يعقوب أُسِرَ، حوكِمَ وأطلِق سراحه، الياهو هرب قبل أن يُعتقَل.
هذا هو الوجه الأوّل القبيح للحياة، أمّا الوجه الثّاني لِلْعْملة الصّدِئه فهو: المؤامرات الدّنيئة بين ساسة هذه البلاد وساسات الدّول الشّرق أوسطيّة قبل وبعد النّكبة، يشير الكاتب إلى مُعاناة اليهود في العراق، وَلِبَراءة ذِمّته يشير في سطرَين، ص 121، حصلت تسوية بين الحكومة العراقيّة/نوري السّعيد واليهود للقدوم الى البلاد، بعد التّنازل عن جنسيّتهم وأملاكهم، وهنا كنّا نتوقّع من السّياسي المُخَضْرم والعقلاني، الذي تحلّى بجرأة أدبيّة وانتقد زعيم حزب مبام: يعقوب حزّان وِجاهيًّا، أكثر من مرّة، وتحدّى الحُكم العسكري المفروض على العرب، وواجَهَ الحواجز العسكريّة على جيرانه في باقة الغربيّة، جثّ المثلّث وغيرها، مع محمد وتد، صبري محسن وفهد عبّود، كان أملنا أن يَبُقّ الحصوة بجرأة كاملة، كما بَقّها سابقوه، ونشير فقط إلى شلومو هيليل، مردخاي بن فُرات، حاييم سعدون وغيرهم، كتبوا عن التّنظيمات السّرّيّة والعلنيّة لليهود هناك، وتواطؤ الحكومة الإسرائيلية بتدبير تفجيرات، قنابل وإرهاب ضدّ اليهود، حتّى في الكُنُس والأحياء اليهوديّة، لِدَبّ الرّعب في قلوبهم، وتصوير الملاذ الوحيد لهم: هو القدوم الى إسرائيلّ، وتُخصّص لهم قطارات جوّيّة مُكَثّفة لنقلهم للبلاد
*يعود بنا الكاتب الى بغداد، الأوضاع الاقتصاديّة الصّعبة، التّناقض التّام بين طموحات كلّ من الشّعبين: العربي والعبري، المنظّمات السّرّيّة اليهوديّة العاملة في العراق، حتى الفتيان والشّباب القاصرون ينخرطون في صفوف هذه التّنظيمات المحظورة، بعضهم يٌزَجُّ خلف القضبان الحديديّة، البعض يهرب عن طريق إيران الى هذه البلاد.
*تتجوّل بين فصول الكتاب الغير مُفَهرس فتقرأ، تضع ُملاحظاتٍ، مدّ وجَزْر، قضايا شخصيّة وأخرى عامّة، تشريع قوانين اجتماعيّة لمصلحة المواطنين، بلطجيّة يهود هنا يَتَحَدَّوْنَهُ، احتقار لليهود الشّرقيّين، القَمْلُ آفةٌ فتّاكة هنا وليس في العراق، قِلَةُ أدَبِ الأبناء هنا، والأدب والاحترام هناك، مُعاناة شاب عربي هنا يتزوّج يهوديّة، زعرنة الجيش هنا في الاعتداء على أهالي بيت ساحور وإرغامهم على دفع الضرائب، التّمييز الصّارخ للعرب وحضارتهم هنا وهناك، مسابقة الأولاد على أكل قْحاطَة الدّسْت أو الطّنْجَرَة من طبخة مألوفة، الأمّ تنسجم مع العربيّات العكّاويّات، وغير ذلك من مواضيع السّاعة.
الكُتُبُ الحديثة تشتمل على فهارس لأسماء الأعلام، من بشر ومواقع وردتْ في النّصّ، وهذا ما يفتقر إليه كتاب سعيد! ولا بدّ لنا من الإشارة إلى الكثير من المواقف والتّحَدّيات التي واجهها سعيد، عسى أن يبقى سعيدًا مع من تيقّى من أُسْرَتِه.
سعيد / ران كوهين/ إبْني لا تَخَفْ، وَصِيّةُ الأُمِّ العراقيّة لابْنِها!
***
ع َ المكشوف وَ المَخْسوف، الهجرات الكُبرى من دُوَل الاسلام، 1948 –1967، تحرير: د، حاييم سعدون، 1999، معهد بن تصفي، القدس.
***
شلومو هيلل: رياح شرقيّة في مهمّة سرّيّة للبلاد العربيّة.
**من موبقات احتلال العراق 2003 **
طالما نحن في بلاد الرّافدَين، كتب يعقوب روزين مقالًا عن أسماء يهود العراق، صحيفة هآرتس. 7/10/2016 جاء فيه، بعد أن احتلَت أمريكا العراقَ بذريعة البحث عن السلاح الذرّي، ولم تجده أبداَ حتى في الأعماق، لكنّها وجدت أرشيفًا ليهود مدينة بغداد، من أواخر القرن التاسع عشر وحتى سبعينيّات القرن العشرين، أكثر الأسماء شيوعًا عند يهود العراق: ساسون، عزرا، حزقيل، موسى، خاضوري، مِنَشّة، صهيون، يوحنان، شاؤول، أسماء مأخوذة من المهنة: نجّار، خيّاط، معلّم، حزّان، حدّاد، ومن الأسماء الأنثويّة: زبيدة. زليخة، زلخة، حبيبة، حليمة، لطيفة، وأسماء نسب لمواقع: موصلي، بصري، بغدادي، كركولي، حلبي، وأسماءعربيّةلليهودهناك: عبدالله، سليمان، ناجي، فيصل، سناء، صبيحة، تفاحة، نجيّة، ليلى، أمل، عايدة.
***
كلام الى داعشي حاقد صغير يجيد كلام الطّبيخ
وَتَجْتَنِبُ الأسودُ وُرودَ ماءٍ. رَمَتْني بِدائِها وانْسَلّتْ، الحرامي ع َ راسو ريشة! من هو الذي يقف مع أمريكا وزعانفها في تدمير شرقنا العربي الإسلامي! مَن هو الذي تُلَمِّعُهُ السّلطة الاسرائيليّة، على عينك يا تاجر! وَكَأنّ نشاطَهُ محظورٌ، يُقْفلون أمامه: ثُغَيْرة، طُوَيْقة، فُتَيْحة، ويفتحون له دون الباب أبوابًا وَبَوّاباتٍ مُشَرَّعة ً وَمُشَرْعَنَةً! والولد يبقى ولد لو عِمِل قاضي بلد! وَلَوْ قَعَد في حِضِنّا وَنَتَف بْدَقِنّا، الولد العاق لا يُؤاخَذ على ما يبدر منه، لأنّه قاصر ٌ أرْعَنُ، والزّعيق على قدّ الوجع، وهو بحاجة ماسّة مُستعجلة للعلاج النّفسي، واذا طاب، بعونه تعالى! فتَلْزَمُه دورة في فهم المقروء! ما جِبنا سيرْتو، وْطِلِعْ الفَشّ مِن القَشّ! قَطَعْ شْكالو وْدَشَرْ! طافِحٌ بالنّقاصات وَخَبْطُ عشواء، يصعب عليه أن يرى بشرًا أوفياء، وهو رئيس لجنة الخُرّيّات! ما ذكرنا الذّيب، ولا هَيِّينا القضيب، بَسّْ الْبِسّ المْخَرّب بيخاف من طَقْطَقَة السُّكَّرَة، خاصّة إذا إعْتاد على زُبْدَة أردوغان وقطرستان وغطرستان! والّلي ما بشوف من الغربال بيكون أعمى!
هكذا يلعبون بمشاعر البعض.

1 2

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .