“بوس الكلب من ثمو حتى تنال مرادك منو”!!

images

بعد ان “انفرطت المَسبحة” قررت أنا الآخر إعادة الحساب واضاءة الشموع التي اطفأتها رياح اليأس وتركتني ابحث عن بدائل وأكسر نفسي لبعض جماعة وانجر وراء المثل القائل: “بوس الكلب من ثمو حتى تنال مرادك منو”. فوقفت، أنا المعثر على أبواب الدوائر الحاكمة أمد يدي للرايح والجاي وأدعو الله أن يوفق هذه الحكومة وأسرتها الكريمة الى أبد الآبدين .
أي نعم قلت لهذا “ايدي تحت زنارك” ولذاك “يحرز دين البطن الذي حملك” فجاء من يهمس لي أن الدنيا للشاطر وهي مثل معارض الأزياء فيها الطويل والقصير والشفاف والمشقوح.. ولا تنسى ان “الموقف” صاحب كلمة ويحل ويربط فربطت فم الوحش عن أكثر من وزير ومسؤول، وأخذت أرش الملح والرز والملبس على مواكب استقبال وتوديع أصحاب الشأن والمقام في الدولة ولم أترك أي كتاب لاعداد الطعام الا وقلبت صفحاته باحثًا عن طبخة تليق بهذا الخواجة أو “نقلية” تبيّض الوجه أمام ذاك الأدون.. ولم يغب عن بالي اهمية تقديم الهدايا وطبعا “الهدية على قدر مهديها”!.
الله يهديه ويصلحه فلان الفلاني فقد جرني الى مواقف لا على البال ولا على الخاطر. فأنا اغوص في فتر ميّ وكثيرًا ما تمشي عليّ “الهيلمة” و “اللقمطة” ونجمي للذي لا يعرف مَرّيخي تسيطر فيه العاطفة على الإرادة وغالباً ما ابكي مع المشاهد الموْثرة واهمس “ألف أم تبكي ولا أمي تبكي” الا انه لم يخطر ببالي يوماً أن تتحقق أمنية من قال: “كل كلب وبيجه يومه”.
* * *
بسرعة أخذت الأيام تركض والوشوشة تلاحقني ببطء، فهذا يهمس “هزاز” وذاك عيناه تغمز، “مبيوع” وكأني بأغلبية العمال يقولون: “طلع الفش من تحت القش” وكنت كل مرة ابلعها وأقول: “طنِش” يا ولد. ثم أضرب “أخماسا بأسداس” فيكون الحاصل ان “لحم كتافي” من خير صاحب العمل. و “اللي جايب شوال طحين يرده”. وما المبادئ والقيّم إلا بضاعة قديمة لا تنفع لأيامنا هذه والسياسة “ما بتطعمي خبز” في وقت “زقزقت عصافير بطني” على رغيف سخن أو “منقوشة” ممن أنعم الله عليهم بالمال والجاه والشهرة ونسوا آلام الناس وجوع الفقراء وراحوا يضعون الملح على الجرح.
القصة وما فيها، يا أولاد عمي، أن صاحب العمل أحبني وأنا بدوري عرفت أنه يحب “الرشرشة” ومن خير الله وخيركم عندنا رمان مليسي وعنب حواكير شحماني ولبنة وبيض وزغاليل حمام.. وأنتم تعرفون أن الشغل قليل، واليوم الشاطر بشطارته والمثل يقول “اطعم الفم بتستحي العين”، وأنا بطبيعتي “أهكل الهم” وكثيرة هي الأشياء التي لا أتحملها وأرى من الواجب أن يعرف “المعلم” ان هذا العامل “بمهيص” وذاك يريد زيادة في الأجرة وآخر يحرض على الإضراب..
أما اذا كانت مثل هذه الأمور وما شابهها تستحق كل هذه الملاحقة والشماتة فلماذا لا تلوموا “المعلم” ؟! أو ذاك الموظف أو رئيس سلطة محلية حط برنامجه في الخرج ووضع الاستقامة على الرف وخيب الآمال وأخذ يشجع النفاق ونسي “وين الله حاطه” لكن الناس لا “تشيله وتحطه” إلا بالشيخ أبو فلان و “ينفخون بمناخيره” ولا يقبلون معه إلا بالجلوس في الصفوف الأمامية ويهزأون بمن هم مثلي لأننا لم نقف احترامًا ولم نعطه ليجلس مكاننا وكل هذا وغيره لأنه صاحب موقع مسؤول ليس أكثر .
أكثر من ذلك “كل واحد عقلو براسو وبعرف خلاصو” حتى أمي التي فضلت، ألف أم تبكي خوفا من ان ينزل لها دمعة ، أخذت هي الأخرى تعرف ان الشغل ومن الضروري أن يعمل الواحد كل شيء كي يحافظ على مكان عمله..
في ذلك اليوم حضرت لي “الماما” زوّادة من الأكل البايت وقَلَتْ زوج زغاليل بالقورما خصيصاً للخواجا المعلم.. وقمت باكرا لاقول: يا ميسر الاحوال.
وضعت “السلّة” في المكتب، وصاحب العمل يعد قائمة بأسماء الذين استغنى عن خدماتهم، فهز رأسه وابتسامة شاحبة على شفتيه، ثم خرجت وعيون العمال تلاحقني وكأنها تقول:
“الشكروت مدبر حالو”!.
إلا اني لم أعرف لحالي حال، وصرت “قدّ النتفة” والزغاليل المحمرة بالقورما لم تسعفني، إذ وجدت اسمي في راس قائمة المفصولين عن العمل!!.
وعليه بعد اليوم لم يعدّ “كله عند العرب قطين” وفي عملية إعادة الحساب، هذه لا أريد أن أكون “كالمؤرخ يمشي الى الوراء” واريد ان ألحق حالي وأعيد ترتيب البيت من جديد. فأكنس الغبار عن الرفوف، وأزيل صور الحكام والقواد من الزوايا، وأعلق مكانها العبارة المأثورة:
“من يعمل نفسه نخاله تأكله الفراخ”.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .