أُسْرتان عبريّتان زارتاني، دون سابق معرفة، بل عن طريق أحد المعارف في مركز البلاد، لأجل التّعرّف على عاداتنا وتقاليدنا: الدّرزيّة، كما يقولون! وأنا أُؤكّد للقاصي والدّاني: بأنّنا نحن من العرب الأقحاح، رغم ما يتبجّح به بعض المرتزقة عندنا، من أيتام “الحرقة” الصّهيونيّة الدّرزيّة، وآكلي فُتات خُبز السّلطان الجائر.
بعد الاستقبال والتّرحيب، يُعَرِّفونَني على أسمائهم الخاصّة، وَاُضيفُ صِلَةً للاسم من ذاكرتي:
– أنا أبيشاغ: أنتِ فتاة جميلة قدّموها للملك داوود للترفيه عنه…
– أنا أبيجايِل: إحدى زوجات الملك داوود.
– نَداف: الابن البِكْر للكاهن أهرون.
– أيّْيلِت: الوزيرة أيّيلِتْ شاكيد! تَوَسّلَتْ! إعفيني منها! طَيِّب خُذي قرية أيّيلت هشاحر/نجمة الصّبح / في الحولة! هاي مقبولة مِنّكْ، على راسي وْعيني!
– زوهر: تَيَمُّنًا بكتاب: هَزوهر الذي يحكي عن المعتقدات الغيبيّة اليهوديّة.
– عَنات: آلِهة الحرب والجمال عند الكنعانيّين، أخْتُ البَعْلِ وَ عشتار.
– مِئير: الكاهن مئير صاحب الأعجوبة.
– إيتايْ: إيتاي رَفَفورت، مراسل التلفزيون الاسرائيلي.
– شلومو: الملك سليمان الحكيم، ابن الملك داوود.
– يوسف: أحد أبناء يعقوب، مُفَسِّر الأحلام ومغارة الأحزان.
– روعي: من وزراء الملك داوود، ومُؤَيّدي الملك سليمان.
– أوسنات: ابنة فرعون وزوجة يوسف الصّدّيق.
– إيتَمار: الابن الرّابع للكاهن أهرون، أخو نَداف.
– ناتي: اختصار ل ِ:نتنياهو! ردّ على الفور: من شان الله تِعْفيني من البيبياهو! قلتُ: هاك الشاعر نَتان زاخ! قال: هذا على راسي وْعيني!
خَيّمَ الصّمْتُ عليهم للحظات، تبادلوا النّظرات والهمسات، قال أحدهم: هل نحن في مدرسة دينيَة يهوديّة-كُتّاب/يِشيباه: بْني عكيبا أو إل همعيان؟ طَمْأنْتُهم جادًّا: لا هذه ولا تلك، أنتم في بيت فلاّح عربي تقليدي، يحترم الكثير من قِيم وأخلاقيّات الغير، بِغَضّ النّظر عن الانتماء الدّيني أو العرقي.
قالت إحداهنَّ: نحن نحسدكم على إلمامكم بلغتنا، حضارتنا وتاريخنا، ونحن لا نعرف عنكم سوى القشور، البيتا دْروزيت/خبز الصّاج، الزّعتر والّلَبَنة.
صحَّحْتُها بِإصرار: هذا خبز عربي عامّ لِكُلّ العرب، شاء من شاء، وأبى من أبى! أمّا أنّكم تجهلوننا وتتجاهلونا، فالعَيْب بكم وبحضارتكم ووزارة معارفكم وسياساتها العنصريّة التي ترسمها المخابرات تجاهنا، ناهيك عن زرع بذور الفتنة والشّقاق بيننا.ردّ أحدهم: أنا تعلّمتُ العربيّة في المدرسة الإعداديّة، ولا أجيد تركيب جملة مفيدة واحدة!
قلتُ لهم ثانية: العيب ليس بكم كمواطنين، بل بسياسة الحكومات العنصريّة المتعاقبة التي تُحاوِل تهويدَنا وَصَهْيَنَتَنا، وإن نجحتْ مع قسم من رهط المُفْسِدين إخوة الشّياطين، فلن تنجح مع أغلبيتنا السّاحقة، المتمسّكة بوطنها، قوميّتها،حضارتها وتاريخها!
ألْقَوا نظرة خاطفة على مكتبتي الصّغيرة، لاحظوا أنّها لا تخلو من الكُتُب والمراجع العبريّة بالذّات، خاصّة الدّينيّة والتّاريخيّة منها، إلى جانب المراجع العربيّة، أثار اهتمامهم وجود الموسوعات العربيّة، سألوا عنها، قلتُ: إنّها موسوعات فلسطينيّة عامّة وشاملة، تحكي الرّواية العربيّة لِنَكْبَة شعبنا العربي الفلسطيني، وتاريخه عبر الحِقَب التّاريخيّة المختلفة.
قالت إحداهنّ: ما لَكَ ولصورة إسحاق رابين في صالونكَ، مع عبد النّاصر، سلطان الأطرش، كمال جنبلاط وفيصل الحسيني؟
قلتُ: القتل والاغتيال ليسا محصورَيْنِ على العرب، كما تتوهّمون، وَلِأنّهُ جنح للسَلْم، فاغتيلَ، لعرقلة عمليّة السلام واتّفاق أوسلو، أمّا الآخَرون؟ فَأولئكَ عربي، قومي وقدوتي الحسنة!
قال آخر: لماذا هذه المكتبة الكبيرة؟
– إن لم تقراْ لن تعرف، كتاب جاثم على الرّف لن يزيدك حكمة، هذه أمثالكم! وأضفتُ: مكتبتي صغيرة جدًّا إزاء مكتبة فاروق مواسي!
– ومن هو فاروق مواسي؟
– بروفسور، كاتب، ناقد، شاعر، مترجم ومرجع لغوي بين اللغتين الشقيقتين!
– لم نسمع عنه أبدًا!
-لأنّكم مُضّلَّلون، مُخَدَّرون، مُتَعامون عنّا، وتضمرون لنا الحِقد والكراهيّة، بسبب إعْلامِكُم المُضَلِّل، وتوجيه السّلطة الحاكمة. قَدّمتُ لهم بعض الفواكه من حديقتي المتواضعة: التّين المُشّكّل بأصنافه وأنواعه، العنب والصّبر، ذُهلوا من جودة الفواكه ومذاقاتها الطّبيعيّة وَنَكْهَتِها المُمَيّزة، بعضهم تقاسموا كوز التّين السّباعي الواحد، كُلْ واحَدْ نَتْشِة، لينعموا بهذا المذاق.
قالت إحداهنّ: أنتَ في جنّة عدن، مع أصناف الثّمار السّبعة التي بوركتْ بها بلادنا!
-الصّبر ليس من الأصناف السّبعة، رغم انتشاره وتَحَدِّيه للعوامل السّياسيّة والمناخيّة، لديكم مقولة رائجة: أين ترى الصّنوبر، السّرو والكينا، فهذا يدلّ على زراعة اليهود! وأين تجد: التّين، الزّيتون، الصّبر، الرّمان، فهذا يدلّ على زراعة العرب! لعلّها أصدق مقولة لكم! ثمّ لا تنسَوا سورة التّين في القرآن الكريم، وهي قَسَمٌ لله تعالى بالتّين والزّيتون: والتّين والزّيتون وَطورِ سينين، وهذا البلد الأمين…
كُلّو عندهن تين،عندنا له أسماء ومذاقات وألوان: البياضي، الخضاري، الحْماري، البقراطي، الطّوالي/الموازي، الشَتوي، السّباعي، السّوادي، الغزالي/العسالي، الشّحماني…خَلّي معقود التّين البياضي ع َ البال، مع البهارات، السّمسم، الجوز… وَاسألوا الجَدّة… تُرْياق من بلاد العراق،قبل النّكبات وبقيّة الشّقيقات، مِن قِبَل برابرة الغُرْب والعُرْب.
**
ودّعوني بعد سهرة طويلة وأسئلة عديدة قائلين: اليوم تعلّمنا أحسن درس في الأخلاق والآداب، أعطيتهم بطاقتي الشّخصيّة التي تضمّ رموز الدّيانات المختلفة معًا، في شكل بيضوِيّ واحد، ازداد عجبهم واستغرابهم، عَ الواقف!، قال أحدهم: في بطاقتِكَ الكثير من المعاني ومراجعة الذّات! قلتُ لهم ما قاله الكاهن هليل الشّيخ للأغيار الذين طلبوا معرفة التّوراة بجملة واحدة، فقال: ما تبغضه لنفسكَ، لا تفعله للآخرين، وأضفتُ ما قاله الكاهن عكيبا، في مناسبة مشابهة: أحِبّ لصديقكَ ما تُحِبّه لنفسكَ!
– سألَتْ إحداهنّ: أتَسمحُ لنا بالتقاط صُوَر تذكاريّة في صوْمعتِكَ!
– قلتُ: أنتم لستم في ثكنة عسكريّة، يُمنع فيها التّصوير!
– أضافت: أتسمح بالتقاط صورة معكَ؟
-لا مانع في ذلك! أنا عَ إيدكو الطّيْبة، بلا إحراج!
– أتزورنا في المركز إذا دعوناك لحلقة بيتيّة ثقافيّة؟
– على الرّحب والسّعة، لكنّني لا أجيد قيادة السّيارة في المُدُن!
– نحنُ نؤمّن لكَ وسيلة السّفر!
– وأنا ألَبّي الدّعوة، أنّى شئتم!
– زاد الاستغراب والعجب العجاب، مؤكّدين: سنزوركَ ثانية!
-على الرّحب والسّعة دائمًا وأبدًا! تُصبحون على خير!
*لا يوجد في قاموسهم: إنتي مِن أهلو!